تقرير شهر أفريل 2017 حول الاحتجاجات الاجتماعية

0
5323

تقديم

من الأحداث الهامة التي برزت بشكل جلي خلال هذا الشهر تطور الاحتجاجات الاجتماعية في عديد المناطق الداخلية، وأساسا في القيروان والكاف وتطاوين، هذا علاوة على عديد الاحتجاجات الأخرى في عديد المعتمديات، القاسم المشترك بين هذه الاحتجاجات كونها انطلقت من الجهات الداخلية، وكونها أيضا ذات خلفيات اقتصادية واجتماعية بالأساس، تردي الأوضاع التنموية والحيف التنموي على امتداد عقود والوضع الاجتماعي للأهالي وانتظاراتهم أمام الوعود الكثيرة والمغرية خلال الحملات الانتخابية لم تكن السبب المباشر لهذه الاحتجاجات، فقد تم الاكتفاء بالحد الأدنى المتوفر والذي يوفر الحد الأدنى للوقوف أمام ارتفاع الأسعار وتدني المقدرة الشرائية ومقاومة الوهم في تغير الأوضاع، حتى الوهم لم يعد ممكنا على اعتبار تراجع منسوبه والوقوف وجها لوجه أمام واقع جديد، ضمان موارد الرزق، نزوح مصادر الرزق والعمل إلى جهات أخرى وهو ما يعني تجلي الوهم والمواجهة المباشرة لموجة من البؤس ستأتي على الحلم والأمل في غد أفضل

تلك كانت الأوضاع في الجهات الداخلية، اتلاف منتوجات فلاحية، تردي الخدمات الإدارية، بنية تحتية رثة، هجرة التلاميذ لمقاعد الدراسة، تهريب وإرهاب، بطالة وعنف، نزوح وسعي نحو الهجرة غير النظامية، تهميش واقصاء… والتعابير والمفردات لا تكفي لوصف الأوضاع بهذه الجهات، السلطة والإعلام واهتمام بقضايا أخرى…

 صورة الأحداث تختلف عن الصورة التي يتم تسويقها إعلاميا، وحجم الاحتجاجات يتجاوز المجال الكمي، الاحتجاجات عامة انخرط فيها الشاب والكهل والمسن، بل والأطفال أيضا، المرأة والرجل، العاطل عن العمل ومن يتوفر له شغل قار، الحامل لشهادة جامعية ومن انهى أو أجبر على انهاء تعليمه بشكل مبكر، من يعمل في القطاع العام ومن يعمل في القطاع الخاص… الاحتجاج في هذه المناطق كان فعلا كليا، فعل تجاوز الأحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات، إنه فعل اجتماعي جماعوي بامتياز، وكل الذين يرفضون رؤية ذلك من هذه الزاوية يواصلون حرث الرمال

بدون الدخول في حيثيات أسباب الاحتجاجات، المسألة مغلوطة بالأساس، ذلك أن فتيل الاحتجاجات قائم ويكفي القدح، مهما كانت أسبابه وخلفياته، وفاة مريض بالمستشفى، حادث مرور، طرد عامل من عمله، أمطار غزيرة، غلق معمل… إلى غير ذلك، الأوضاع الاجتماعية في حالة تهرئة شاملة ويكفي أي سبب ولو كان واهيا لتفجير الغضب وتحويله إلى حالة احتقان فاحتجاج ضمني واحتجاج ميداني ومن ثمة إلى اعتصامات وغلق طرقات وعنف ومواجهات مع الأمن لينتهي الأمر إلى شكل من أشكال العصيان المدني.

تعامل السلطة مع المشهد الاحتجاجي لم يتطور مع توالي الحكومات والتحول من المجلس الوطني التأسيسي إلى مجلس نواب الشعب، زيارات ميدانية ووعود تنموية في حال التصعيد او التجاهل في الحالات الأخرى.

الذاكرة الاحتجاجية تطورت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة وطورت أساليب فعل ونضال هامة ووفق المؤشرات المتوفرة فهي مقبلة على أساليب جديدة، الإضرابات لم تعد تكفي، الاعتصامات لم تعد تكفي هي الأخرى، غلق الطرقات والمواجهات مع الأجهزة الأمنية لم توفر حلولا عملية، إضرابات الجوع الجماعية والتهديد بالانتحار الجماعي ومحاولات الانتحار الجماعية لم تفرز الأثر المنتظر، جهات عديدة انخرطت في أسلوب العصيان المدني السلمي، والنتيجة هي نفسها، لم تتغير الأوضاع بهذه الجهات الداخلية تحديدا.

عديد المؤشرات كما ذكرنا تفتح المجال امام سيناريوهات أكثر قتامة في ظل تواصل الأوضاع على شاكلتها والتناول الحكومي لها

زيارة السيد رئيس الحكومة إلى عديد الجهات وبالأخص إلى ولاية تطاوين تخللتها العديد من الأحداث التي تعكس حدة تشنج المواطنين وعدم اكتفاهم بالوعود، فالمشاهد التي تم بثها عبر وسائل الإعلام والإحراج الكبير الذي وجد فيه رئيس الحكومة ومرافقيه تؤكد مرة أخرى على ضرورة تغيير منهجية التعامل مع الاحتجاجات عموما.

لقد بقي الإشكال على حاله، بل وكل الإشكالات المطروحة بقيت تتراوح تقريبا في نفس المربع، ومع تطور الأحداث فإن ذات المربع يفقد بشكل تدريجي حجمه، ليضيق الخناق من جديد على مجمل الأوضاع الاجتماعية ولتنتج هذه الأخيرة المزيد من الاحتجاجات، انطلقنا من الإشكال، والإشكال أن السلطة لا تزال تتعامل مع أوضاع متغيرة وكثيرة الحركة بأساليب جامدة والتي تتلخص في ما يلي:

ـ التعتيم الإعلامي والتجاهل

ـ التهجم الإعلامي ومحاولة تعبئة الرأي العام ضد الاحتجاجات

ـ المعالجة الأمنية بمختلف أشكالها وأساليبها

ـ الزيارات الميدانية وتقديم الوعود والتي في الغالب تبقى حبرا على ورق

ـ مجالس وزارية مضيقة مخصصة لذات الجهة أو القطاع واتخاذ إجراءات استثنائية لوقف الاحتجاجات والعمل على تسويقها إعلاميا

كل هذه الأساليب تجاوزتها الأحداث أو لنقل أصبحت غير كافية وفي كثير من الأحيان تتحول إلى جدل مثير يؤجج الاحتجاجات، على السلطة إذن التعامل مع الاحتجاجات في مختلف أشكالها بما في ذلك الكامنة بأساليب مغايرة ومنهجية فعل أكثر جدوى

الفعل التشاركي والمحلي والانخراط في خطة عمل استراتيجية يتم التخطيط لها عبر مراحل ويشرع في الإنجاز والمراقبة والتقييم، مقاومة الفساد والتهرب الجبائي، الانخراط في خطة وطنية للحد من الإهدار، العمل على تحسين مستوى الحياة والارتقاء بالصحة الأساسية والتعليم والنقل… كلها إجراءات تتطلب التفعيل السريع

الفرنسية

Télécharger (PDF, 3.68Mo)

 

العربية

Télécharger (PDF, 11.17Mo)