المدرسة التونسية في عيون الاولياء

0
7870

 يتسم الوضع الحالي للمنظومة التربوية في تونس بتداخل العديد من المؤثرات التي جعلت منها مشهدا مفتوحا على أكثر من احتمال. وقد زاد الوضع السياسي والاجتماعي العام الذي نتج في تونس عن الثورة ومعطيات ما بعد 2011 ، في تعقيدات هذا الوضع نتيجة الأولويات المقررة لفائدة الأجندات السياسية (بناء المؤسسات الديمقراطية والمرور إلى الوضع الدائم) والأمنية (مواجهة الإرهاب) مع ظهور تردد واضح في اعتماد سياسات إصلاحية جوهرية بمنظومة التقى في تشخيص ضعفها أكثر من ملاحظ.[1]

من هذا المنطلق بدت الإصلاحات المتصلة بالعملية التربوية أمرا ملحّا ولا سيما في ظل تنامي الانتظارات المجتمعيّة (ربط الإصلاح التربوي باستحقاقات مجتمع يتحرر من الاستبداد ويبحث عن منوال تنموي بديل) وتزايد التحديات (كالانقطاع عن الدّراسة) والتراجع الملحوظ لجودة العملية التعليمية مع اقتران ذلك بتزايد حجم التعليم الخاص ودوره. من هذا المنطلق جاءت أيضا سنة 2014 مبادرة كلّ منتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية والمنتدى الاقتصادي والاجتماعي والمرصد الوطني للشباب، لتنظيم حوار مجتمعي بالاشتراك مع جميع الأطراف المعنية بدءا بوزارة الإشراف. وقد حدد فريق المبادرة هذا الحوار المجتمعي – على الأقل في جانبه العلمي – بعدد من الأساسيات لعل أهمها :

أن هذا الحوار هو مجتمعي بالأساس و يستمد مصداقيته من حيادية دوره وحيادية الفاعلين فيه من أجل تقديم صورة موضوعية لواقع المنظومة من خلال تشريك مجتمع الأولياء والتلاميذ أنفسهم وعدم الاكتفاء بتقارير الخبراء وموظفي وزارة الاشراف والمهنيين. وقد كان الهدف الاساسي يتمثل في توفير رؤيا تشخيصية موضوعية تسهل عملية الاصلاح والتجديد . انها محاولة لتشخيص موضوعي للواقع التربوي ولتحديد مسالك مستقبلية من منظور مزدوج: سكاني مواطني- وعلمي ومهني.

إن الحديث عن المقاربة التشاركية في مجال الإصلاح التربوي الاستراتيجي يحتمه الحضور الملح لمجموعة من التجارب المتصلة بمحدودية الإصلاحات “الفوقية” وضعف أثرها من الناحية العملية على الرغم من صبغتها التجديدية. وبمعنى ما، فان “التشاركية” في الإصلاح والتجديد هي العنصر الملازم للطابع المجتمعي للإصلاحات، مما يعنى ضرورة انخراط كل القوى الاجتماعية ضمن هذه العملية من دون الاقتصار على المهنيين أو السياسيين أو على ممثليهم أو حتى على المتعلمين.

لقد كان الهدف ومنذ البداية قائما على أولوية معرفية أولا تتعلق بتوقعات ومدركات وتمثلات مجتمع الأولياء لتحديد موقفهم من قضايا عديدة ، مثل الكلفة المالية للتمدرس، ونظام التأديب المأمول والمشاركة في الحياة المدرسية والموقف من التخصصات المهنية والطويلة …الخ.

إن التشخيص التشاركي للحوار المجتمعي هو سيرورة من العمليات تستهدف تحديد الحالة الطبيعية، الاجتماعية، الاقتصادية، المؤسساتية والثقافية للمجال التربوي، ثم تركيب رؤية تقوم على بلورة برنامج عمل ايجابي. هذه السيرورة لا تتم بمعزل عن السكان، بل إن الخيار الأساس هو ان يكون هذا التشخيص تشاركيا أي حذو السكان ومعهم ومن خلالهم في كل مراحل بلورته وتنفيذه.

لذلك كان من بين أهداف اللجنة العلمية للمبادرة هي إجراء مسح ميداني ، على ضوئه يتم بناء بقية مراحل عمل الحوار والانتقال من مستوى الاستطلاع ، بصفته محاولة لبناء مؤشرات الرضا لدى مجتمع الاولياءـ ومن وجهة نظر المواطن في الجهات، الى مستوى لاحق سيتم خلاله اختبار جودة الخدمات، الى تشخيص دقيق لمؤشرات الجاهزية داخل المدارس.

هذا التقرير هو اذا نتيجة للحلقة الاولى من البرنامج البحثي والدراسي طويل المدى، وهو يعتمد   وذلك اعتمادا على منهجية الاستطلاع المنزلي المباشر الذي يستهدف الولي والتلميذ.

عبد الرحمان الهذيلي

رئيس منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

عبد الوهاب بن حفيظ

رئيس منتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية

محمد الجويلي

مجير عام المرصد الوطني للشباب

[1] نذكر ذكرا لا حصرا تقييم TIMS الدولي 2011 الذي برهن على ضعف ما لا يقل عن 65 بالمائة من تلاميذ السنة الرابعة من التعليم الأساسي وحصولهم على تقييمات دون المتوسط العالمي، وكذلك تقييم PISA 2012 الذي أكد ضعف القدرات القرائية لدى اليافعين وكذلك الفارق اللافت الى مهارات المدارس النموذجة والاعداديات الخاصة والاعداديات العمومية.

Télécharger (PDF, 2.95Mo)