تقديم عام
سجلنا خلال شهر أوت المنقضي تراجعا هاما في حجم الاحتجاجات الاجتماعية عموما والفردية بشكل خاص حيث سجلنا أضعف عدد من حالات الانتحار ومحاولات الانتحار في المقابل لا تزال مختلف أشكال العنف بارزة وبأحجام هامة في بعض المجالات.
صدرت خلال هذا الشهر مختلف مؤشرات النمو الاقتصادي خلال الثلاثية الثانية لسنة 2015 لتبرز نسبة نمو ضعيفة لم تتجاوز الـ0.7 في المائة في حين تم تسجيل نسبة نمو في الثلاثي الأول بحدود 1.7 في المائة ويبرز الجدول التالي مقارنة بين الوضع الاقتصادي بين سنتي 2014 و2015:
إذا ومقارنة بالثلاثي السابق فان نسبة النمو تكون سلبية في حين تبلغ نسبة النمو في الستة أشهر الأولى من هذه السنة 1.2 في المائة.
اذا كانت أسباب الانكماش الاقتصادي متوقعة من طرف الخبراء وذلك لعدة أسباب لا يسمح المجال بتقديمها في هذه المساحات الا أن الإشكال يتمحور حول تناول العديد من وسائل الإعلام لربط أسباب الانكماش بالاحتجاجات الاجتماعية على اعتبار كونها سببا رئيسيا لهذا التراجع وتكفي هدنة لكي يتعافى الاقتصاد ويعود الى نسق نموه الطبيعي ليعاد فتح الملفات العالقة ، وما يمكن استنتاجه خلال الأشهر الماضية هو تراجع الاحتجاجات المؤطرة والاحتجاجات الاخرى غير المؤطرة على حد السواء والتي نسعى الى رصدها والبحث في أسبابها ، فالاخلالات الاقتصادية تعود الى أسباب أعمق وهذه الأسباب هي التي تفسر نمو الاحتجاجات والانكماش الاقتصادي.
رصدنا عديد الاحتجاجات حول مشروع قانون المصالحة في المجال الاقتصادي والمالي الشيء الذي دفع إلى انشاء الائتلاف المدني ضد مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية بسبب جملة من الاخلالات تتمحور أساسا حول خرق الفقرة الأولى من الدستور وخرق مبدأ الحكم الرشيد وخرق مبدأ التشاركية في إدارة النظام الجمهوري الديمقراطي كما تم التنصيص عليه بالفقرة الثالثة من التوطئة وخرق مبادئ الفصل والتوازن بين السلط وخرق الفصل العاشر من الدستور حول ضمان استخلاص الضريبة ومقاومة التهرب والغش الجبائيين وحسن التصرف في المال العمومي ومنع الفساد ، كما تم تسجيل عديد الخروقات الأخرى لها علاقة بالمساواة والشفافية والتقاضي ومنظومة العدالة الانتقالية الواردة بالفصل 148 الفقرة التاسعة من الدستور. وفي علاقة مع تعارض المشروع مع المنظومة القانونية، فقد تم تسجيل الغموض في مجال التعهد والافلات من العقاب وتكريس الخروج عن الشرعية واهدار الحقوق المدنية وهي جملة من الأسباب التي سجلت عديد الاحتجاجات كما ذكرنا.
احتفلنا ككل سنة بذكرى الإعلان عن مجلة الأحوال الشخصية ، فبالرغم من كون الاحتفالات هذه السنة كانت نسبيا باهتة الا أنها تزامنت مع عديد الاحتجاجات حول وضع المرأة ومختلف أشكال العنف الجندري الذي يمارس عليها ، وقد سجلنا بالمناسبة تظاهرات مختلفة في عديد المدن التونسية حول هذه المسألة ومن أجل مقاربة مغايرة للحد من الثقافة الذكورية المهيمنة التي تعيق بأشكال متعددة تبوب المرأة لمراكز قيادية وتكفي هنا الاشارة الى الحركة الهامة في سلك الولاة والتي من نتائجها عدم تسمية أي امرأة في رتبة وال في الوقت الذي نحتفل فيه بعيد المرأة ونشيد بأدوارها الأمامية في انجاح الثورة التونسية.
تهاطل الغيث النافع في بداية شهر أوت في عديد الجهات ، وككل مرة تبرز النقائص الكبيرة في وضع البنية التحتية وعدم القدرة على التدخل السريع في بعض الوضعيات الحرجة ،وتكفي هنا الاشارة الى هلاك امرأة جرفتها مياه الأمطار الأخيرة بالروحية في ولاية سليانة أو انقطاع النور الكهربائي بالقصرين ليلة كاملة نتيجة سقوط صاعقة على المولد الكهربائي الشيء الذي أفرز حالة من الخوف والفزع لدى الأهالي، لقد كان لنتيجة هذه الوضعيات بروزاحتجاجات متعددة و مختلفة ، ونحن مقبلون على فصل الخريف وعادة ما تكون الامطار هامة في هذه الفترة وعليه فإن أخذ الاحتياطات اللازمة من الآن ضروري لتفادي جملة الاشكالات التي تم رصدها والتي يمكن أن تكون سببا مباشرا لتحركات احتجاجية في عديد المناطق وخاصة بالجهات الداخلية وهي مظاهر كنا قد أشرنا اليها في نفس هذه الفترة في السنة الماضية.
نعود مرة أخرى الى الاحتجاجات التي تم رصدها وبكثافة حول العطش وانقطاع الماء الصالح للشراب أو رداءته في العديد من الجهات ، يبدو جليا أن العطش أصبح هاجسا أساسيا في مثل هذه الفترة من السنة والحلول العملية لا تتجاوز في أفضل الحالات الوعود وتكفي هنا الاشارة على سبيل الذكر لا الحصر ما يحصل بسجنان حيث يتواصل انقطاع الماء الصالح للشراب على قرى المريفق وبلوطة والبراهمية وعين البيضة وعين السودة والكويف والسعايدية منذ شهر رمضان ، ما يزيد عن الألف عائلة تقطن هذه القرى وتعاني من العطش ، فهل نطالب من يعاني من العطش المزمن الكف عن الاحتجاج والمطالبة بالماء لكي يتعافى الاقتصاد الوطني من الوهن والانكماش وعدة مظاهر أخرى.
سجلنا تراجعا ملفتا لموجات الهجرة غير النظامية مقارنة بالسنوات السابقة رغم عودتها التدريجية في المدة الاخيرة، فمنذ الثورة تجاوز عدد المهاجرين الأربعين ألف حالة تزامنت بالخصوص مع حالة الانفلات الامني في شهري مارس وأفريل ثم بقيت الوضعية نسبيا مراقبة وتم الحد بشكل هام للهجرة غير النظامية وما نلاحظه الآن هو العودة القوية لهذا الأسلوب الذي لم يعد يشمل شريحة الشبان أو العاطلين عن العمل أو الذكور دون الاناث بل أن عديد الشرائح الاجتماعية أضحت معنية بما في ذلك الأطفال ومن لهم شغل قار وعلى حد السواء الاناث والذكور والخوف أن يأخذ هذا الأسلوب اشكالات جديدة على شاكلة ما يحدث في بعض المجتمعات وهو الهجرة غير النظامية لعائلة أو عائلات بأكملها، هذه العودة تعكس حالات الاحتقان والخوف والغضب التي أصبحت من سمات المشهد الاجتماعي التونسي وتبرز عبر أشكال احتجاجية مختلفة ومتعددة.
نشير هنا الى التقرير الصادر عن بعض الهيئات الدولية حول رداءة جودة العيش والذي يضع تونس في المرتبة الرابعة بعد كل من سوريا وليبيا أوكرانيا والحال أن تونس كانت في السابق تحتل المرتبة 58 عالميا يعزى هذا التدحرج لعديد الأسباب أهمها الارهاب والوضع الأمني والاقتصادي.
ونحن نستعد للعودة المدرسية والجامعية في شهر سبتمبر ، نشير إلى عديد الملفات الشائكة والعالقة منذ السنة المدرسية والجامعية الماضية وحتى لا تتكرر مختلف سيناريوهات السنة الفارطة في التسجيل والنقل والاقامة وغيرها من الخدمات فان الظرف لايسمح بالتباطؤ في معالجة هذه الملفات علما واننا سجلنا أكبر عدد من الاحتجاجات العفوية والتلقائية والعشوائية خلال السنة الادارية الحالية في القطاع التربوي، علما وأن المجهود المبذول في اطار شهر المدرسة مكن من صيانة 1264 مؤسسة تربوية منها 800 مدرسة ابتدائية و246 مدرسة اعدادية وكل الأمل أن تشمل الصيانة وبشكل دوري كل المؤسسات التربوية في مختلف مراحلها حتى تبقى فضاءات تربوية وتعليمية ويتم اجتثاث مختلف أشكال العنف وأسبابه منها.
لايزال الارهاب هاجسا مرعبا فبالرغم من النجاحات الامنية التي يتم الاعلان عنها عبر وسائل الاعلام ومن خلال كبار المسؤولين الأمنيين الا أن المسألة لاتزال تثير العديد من المخاوف وسببا مباشرا لعديد الاحتجاجات التي تم رصدها حول هذا الموضوع، وتبقى على الدوام الاشكالية مرتبطة بمنهجية التصدي لهذه الآفة من أجل اجتثاثها وعليه وقد أشرنا في تقاريرنا السابقة حول ضرورة تبني منهجية تشاركية تكون فيها الجهات الأمنية طرفا وتفتح المجال للانخراط الجماعي في التصدي والمقاومة لذلك فان أسلوب الاعلام عن الايقافات وعن المخططات الارهابية تزيد في التوتر وتفتح المجال لمختلف أشكال الهستيريا الجماعية كما حدث بالضبط خلال شهر جويلية في عديد الفضاءات وفي عديد المدن.
نحن مقبلون أيضا على سنة رياضية جديدة وقد ميز العنف عديد الرياضات وعديد الملاعب وعديد الجهات، التناول الامني لا يمكن من وضع حد للعنف المستفحل في عديد الرياضات وعليه فإن تغيير منهجية المعالجة من الأشياء الأساسية ونحن نستعد لاستقبال سنة رياضية جديدة..
احتجاجات عديدة تم رصدها في السنة الفارطة بمناسبة عيد الأضحى، تطمينات عديدة من طرف المسؤولين للحد من المضاربات والتحكم في الأسعار، هذا الملف الشائك يتطلب الجرأة لاتخاذ الاجراءات الضرورية لعدم تكرار ما يحصل كل سنة تزامنا مع هذه المناسبة.
المهم، اننا أمام جملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية والبيئية بالخصوص وعديد المؤشرات تبرز دقة المرحلة والحال أن المشهد السياسي فيه الكثير من الضبابية والمشهد الاقتصادي يحمل العديد من الغموض فقد سجلنا في هذا الاطار عديد الاحتجاجات على الميزانية التكميلية أما المشهد الاجتماعي فلا يزال محضنة لمختلف أشكال الاحتجاجات، المشهد الأمني لا يزال تحت ضغط مقاومة الارهاب وتكفي هنا الاشارة الى الكلفة الاقتصادية والاجتماعية لمقاومة الارهاب، المشهد البيئي هو الاخر يعاني من اخلالات عديدة لها علاقة أساسا بالإهدار البيئي.
تراجعت اذن الاحتجاجات في مختلف أشكالها في الثلاثة أشهر الماضية، جوان وجويلية وأوت، فترة تزامنت مع شهر رمضان والعطلة الصيفية والحصة الواحدة، ولا ننسى أيضا حالة الطوارئ التي سمحت بالمهرجانات وبمختلف التظاهرات الثقافية والسياسية في الفضاءات المخصصة وفي الشوارع أيضا والساحات العمومية وتصدت ـ بكل حزم ـ لعديد الاحتجاجات المؤطرة وغير المؤطرة، المهم توفر المناسبة لسلطة الاشراف لاعداد العودة بشكل تدريجي في شهرسبتمبر وهي عودة تبدو صعبة للغاية.
العربية.
Télécharger (PDF, 2.1MB)
الفرنسية
Télécharger (PDF, 853KB)