بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل: من ينقذ الطفولة المهددة في تونس؟

0
8206

بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل: من ينقذ الطفولة المهددة في تونس؟

تونس/المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

أسماء سحبون (صحفية تونسية)

يبدو ان خسائر السنوات الثمانية من الاهتزاز السياسي الذي غطّى عملية الانتقال الديمقراطي في تونس لن تتوقف عند المؤشرات السلبية للاقتصاد (7.4 بالمئة نسبة التضخم وانزلاق قيمة الدينار إلى 3.2 مقابل الأورو وحوالي 3 مقابل الدولار وهما العملتان الرئيستان في سوق الصرف)[i] بل إنّ الثمن كان أشمل من ذلك.

فانخراط السياسيين في المعارك الحزبية وحرب المواقع والتموْقع والصراعات الانتخابية جعل الملفات ذات الأولوية لا تلاقي طريقها إلى الحل فكان الطريق الموازي لولادة أزمات جديدة امتدّ عمقها من الازمة الاقتصادية والاجتماعية (استقرار نسبة البطالة في حدود 15 بالمئة وانهيار القدرة الشرائية بنسبة 40 بالمئة)[ii] التي هي نتيجة حتمية للأداء غير الموفق لجميع الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة.

من بين هذه الملفات ذات الأولوية ملف الطفولة والذي شهد قبل انهيار نظام بن علي طرح أسئلة ظلّت معلّقة حول تربية الناشئة خاصة بعد ان اكدت الأرقام الرسمية ان ما لا يقلّ عن 75 بالمئة من الأطفال المهددين ينحدرون من الطبقة المتوسطة ما يعني من عائلات الموظفين ومن العائلات النواتية التي تنخرط فيها الام والأب في العمل[iii]. وكانت الخطة الرسمية تتجه أنذاك نحو تغيير الزمن المدرسي واحداث خطة عمل بنصف يوم للام حتّى تتمكن الاسرة من حسن الإحاطة بابنائها وتحصينهم ضد مخاطر التشرّد والإهمال والاستغلال في التسول وفي الجريمة المنظمة والتقصير البيّن في التربية.

هذا الملف تُرِك جانبا بعد 2010 فتضخّمت أرقام الأطفال المهددين وزاد عمق الازمة وأصبحنا على أبواب ولادة جيل جديد بملامح جديدة قد يصعب التعامل معها. ملامح يكسوها العنف والادمان خاصة إذ كشفت دراسة حكومية صدرت خلال العام 2015 ان 60 بالمئة من المدمنين على المخدرات تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاما.[iv]

كما كشف بحث تجريبي أعدته إدارة الطب المدرسي والجامعي حول تعاطي التدخين والكحول والمخدرات في المؤسسات التربوية في ولاية تونس سنة 2013 ان 50 بالمئة من تلاميذ ولاية تونس استهلكوا مواد مخدرة او كحولية او سجائر و3 بالمئة منهم جربوا مادة القنب الهندي او “الزطلة” و0.8 بالمئة جربوا مادة الكوكايين المخدرة والأخطر ان 80 بالمئة من التلاميذ عبروا عن رغبتهم في تعاطي المخدرات.[v]

ومن علامات تضخّم وضع الطفولة المهددة في تونس هو ارتفاع عدد الاشعارات حول الأطفال المهددين من 5354 اشعار خلال العام 2011 إلى 16158 اشعارا خلال 2018. علما وان هذه الأرقام تهم حصيلة العام الذي سبق يعني ان النتيجة المعلنة في 2011 تخص حصيلة العام 2010 وما يُعلن في 2018 هو حصيلة العام 2017.

تقول الأرقام أيضا إنّ استغلال الأطفال في الجريمة المنظمة (تهريب سلع مجهولة المصدر او تهريب ممنوعات) في طريقه نحو الزيادة إذ تم في 2010 استغلال أربعة أطفال في كل من تونس وجندوبة وقفصة وتوزر في الاجرام المنظم ليرتفع الرقم إلى 86 طفلا في 2017. كما ارتفع عدد الأطفال الذين تم استغلالهم في التسول او استغلالهم اقتصاديا من 42 طفلا في 2010 إلى 308 طفل في 2017.

اما الاستغلال الجنسي للأطفال والمقصود به الاعتداء الجنسي على الطفل او التحرش به شهدت الظاهرة زيادة مهولة جدا ارتفعت من 37 طفلا في 2010 إلى 1087 حالة استغلال جنسي في 2017. ومن الملاحظ ان هذه الظاهرة في طريقها نحو مزيد من التطور ويظل ضحاياها من الجنسين. وفي تقرير المرصد الاجتماعي التونسي لشهر أكتوبر 2018 حول العنف تمّ رصد 16 حالة اعتداء جنسي على الأطفال في مختلف الجهات وقد بلغ معدل اعمار الضحايا 9 سنوات. كما ارتفع عدد الأطفال المعرّضين لسوء المعاملة مثل الاحتجاز والتعنيف في المنزل وفي المدارس والاوساط التعليمية وتعنيفه في مراكز الرعاية الصحية والمؤسسات الحكومية وفي الشارع واعتياد التشهير بخصوصيات الطفل وتعريضه للتمييز من 495 طفل في 2010 إلى 2994 طفل في 2017. وزادة عدد الأطفال المهددين بمخاطر الإهمال والتشرد ليرتفع عدد هؤلاء من 719 طفل إلى 2351 طفل مهدد.

مجمل هذه الأرقام الرسمية والتي استقيناها في مقارنة بين تقريريْ 2011 و2018 الصادران عن وزارة المرأة والطفولة تؤكد ان وضع الطفولة المهددة في تونس في زيادة ليبلغ معدل التهديد اليومي 36 حالة. [vi]

وفي عودة لجذور هذا التنامي للظاهرة تشير الأرقام الرسمية أيضا الى ان اكثر من النصف من المهددين (53 بالمئة) ينحدرون من اسر متماسكة وحوالي 58 بالمئة منهم ينحدرون من الطبقة المتوسطة. هذه الطبقة التي تجد طريقها للتأكل والاندثار بسبب تدهور المقدرة الشرائية لتتراجع نسبة الطبقة المتوسطة خلال 10 سنوات (ما بين العام 2005 والعام 2015) من 81 بالمئة إلى 63.4 بالمئة وفقا للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات والمقصود بالطبقة المتوسطة كل شخص ينفق ما بين 1700 و4500 دينار سنويا.

وكانت تونس، ممثلة في شخص وزيرة المرأة والطفولة والمسنين، قد تسلمت منتصف شهر نوفمبر 2018 في العاصمة السويدية ستوكهولم مشعل احتضان الدورة الرابعة للمؤتمر الدولي حول “طفولة دون عقاب بدني” لسنة [vii]2020. ويبدو ان هذا الشعار الاممي لا يتماشى في جزء منه وطبيعة المخاطر التي تواجهها الطفولة في تونس فاستصلاح وضع الطفولة يبدا أولا بمعاجلة الأسباب العميقة والتي تمتد إلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الحكومات وذلك لرفع الحصار الاقتصادي والمعيشي الذي غرقت فيه الاسر التونسية وبفض الطوق حول رقابة الاسرة ورفع الضغوطات حتما ستُرفع كل المخاطر التي تتهدد الأطفال واولها العقاب المعنوي. أمّا اتباع سياسة النعامة في دفن الرأس في الرمال حتى لا ترى الواقع والحقيقة المرة فإنه لن يزيد الوضع سوى سوءا وهشاشة ولن يؤدّي سوى إلى ولادة جيل أخر مختلف عن أجيال التونسيين الذين شكّلوا الدولة التونسية الحديثة وكانوا حصنها ضد كل الاختراقات.

[i] http://www.ins.tn/ar/indicateur-cle

[ii] http://dataportal.ins.tn/ar/DataAnalysis?vfDyz93cp0G38FqDKS4qJA

[iii] http://www.delegue-enfance.nat.tn/images/Rapport_annuel_DPE_2017.pdf

[iv] https://bit.ly/2Q1NX7B

[v] https://bit.ly/2Dwkw6P

[vi] http://www.femmes.gov.tn/ar/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa-%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%81%d9%88%d9%84%d8%a9/

[vii] https://bit.ly/2OOySBy