حوادث “شاحنات الموت”: اجرام بحق العمالة الفلاحية وصرخة في ضمير السلطة

0
3140

تونس في 16 جانفي 2024 

يتابع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بكل غضب واستياء وضعية النساء العاملات في القطاع الفلاحي في تونس ويأسف لما تتعرض له هذه الفئة العاملة من انتهاكات ومن عنف، وما تواجهه من خطر يهدد سلامتها الجسدية ويمس من كرامتها البشرية أمام صمت وتجاهل يصل الى حد التواطؤ من قبل السلط الجهوية والوطنية. وعلى إثر الحادث الاليم الذي جد يوم الاحد 14 جانفي بولاية بنزرت على مستوى الطريق الجهوية عدد 51 الرابطة بين بنزرت وسجنان جراء انعراج شاحنة من صنفOM معدّة لنقل البضائع تنقل مجموعة من عملة الفلاحة حدد عددهم بــــــــ63 مما تسبب في خروجها عن مسارها وسقوطها بمنحدر بالحاشية الترابية. خلف الحادث اصابة 39 شخصا بين عاملات وعملة بإصابات متفاوتة الخطورة علما وقد خلف الحادث لــــــــ4 عاملات كسرا على مستوى الحوض مما استوجب الاحتفاظ بهن في المستشفى للعلاج واجراء عملية جراحية.  

وحيث لا يعد هذا الحادث الاول من نوعه اذ سجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منذ سنة 2015 الى حد اللحظة عدد 69 حادثا. خلفت هذه الحوادث 835 جريح/ة و55 حالة وفاة، رقم مفزع يتصاعد من سنة الى اخرى رغم صدور قانون ينظم عملية نقل العملة والعاملات ويحدد الامر الترتيبي المتعلق بأساليب تطبيقه الشروط والمواصفات اللازمة لوسائل النقل الخاصة به كما يخضع هذا الصنف من النقل حسب القانون الى تراخيص تمنح بشروط وتحت رقابة هياكل الدولة وممثلي الوزارات المعنية، اذ منذ صدور القانون عدد 51 لسنة 2019 سجلنا في المنتدى 33 حادثا تسبب في وفاة 15 عاملة و322 جريح/ة. 

وحيث تعدّ هذه الحوادث اجراما في حق العملة والعاملات في القطاع الفلاحي تتجاوز كل التوصيفات القانونية المنصوص عليها في قوانين مقاومة العنف وقوانين الشغل لتصل الى حد القتل العمد والاتجار بالبشر حين يسمح بنقل 63 عامل وعاملة في خلفية شاحنة معدة لنقل البضائع في ولاية اعلنت سلطتها الجهوية منذ الاشهر الاولى لسنة 2023 عن اسنادها لعشر تراخيص نقل عملة وعاملات بمرجع نظر كل من معتمديات بنزرت الجنوبية وماطر ومنزل بورقيبة واوتيك وجومين وسجنان عملا بأحكام الامر الترتيبي عدد 724 لسنة 2020 وعن حرصها على معالجة هذه الظاهرة في الجهة.  

وحيث لا تقتصر معالجة قضية نقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي على مجرد اجراء قانوني متمثل في منح ترخيص أو في توفر وسيلة نقل حسب الشروط ولا في الاعلان عن بعث شركات اهلية مختصة دون القيام بالرقابة على الناقلين ودون انخراط كل الوزارات في عملية الاصلاح والتخطيط والتنفيذ. اذ في ظل واقع اجتماعي واقتصادي للعمالة الفلاحية النسائية يعكس عنفا مركبا بكل تمظهراته من ضعف في الاجر وغياب للتغطية الاجتماعية والصحية وعدم اعتراف وغياب للرقابة على المشغلين واستفحال لظاهرة الوساطة وتغول للوسطاء ينضاف اليه واقع التنمية في الجهات وهشاشة العمل في القطاع الفلاحي وغياب الهيكلة، زيادة على وضعية البنية التحتية وحالة الطرقات والمسالك الفلاحية الغير معبدة والتي تتجاوز الـــــــ50% في بعض الولايات كالقيروان بنسبة 67.5% وسيدي بوزيد 58% حسب تقارير وزارة التجهيز وهو ما يفسر تصدر الولايتين نسب الحوادث (سيدي بوزيد 30%  والقيروان 21% من مجموع الحوادث).  

وحيث طالبنا في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في عديد المناسبات بضرورة ايلاء قضية نقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي الاهمية اللازمة، وقلنا مرارا ان نواقيس الخطر ستبقى تدق من قبل فئة منهكة من فرط التجاهل والاستغلال حتى تتضافر كل الجهود لإنقاذها والحد من نزيف الحوادث ووضع استراتيجية اصلاح تعالج القضية في عمقها. فإننا نؤكد وبشدة على:  

  • بشكل عاجل: تشديد الرقابة على الوسطاء والناقلين وتطبيق القانون بصرامة على المخالفين وفق احكام القانون عدد 51 لسنة 2019 والشروط المنصوص عليها بالأمر الترتيبي عدد 724 لسنة 2020 خاصة في مسألة الرخص والعدد المسموح به في القانون، الى جانب التعريفة المضبوطة بموجب المقرر الوزاري عدد 316 لسنة 2022 المتعلق بضبط تعريفة نقل العملة الفلاحيين للحد من ظاهرة استغلال العاملات وتكليفهن معلوم نقل يصل الى اضعاف المعلوم المحدد بالقانون. 
  • تحسين المنظومة القانونية المتعلقة بحقوق العمالة في القطاع الفلاحي ومراجعة التشريعات بما يتلاءم مع واقع القطاع وبما يستجيب لمبادئ العدالة والمساواة ويحفظ الكرامة الانسانية وايجاد بدائل آمنة لشاحنات الموت حتى يتسنى للعملة والعاملات التنقل في ظروف لائقة ومؤمنة. 
  • تحسين البنية التحتية وتعبيد المسالك الفلاحية لتأمين نقل العملة والعاملات بما يتلاءم مع وسائل النقل المعدة للغرض باختلاف اصنافها. 
  • تكثيف حملات التوعية والتحسيس من قبل المجتمع المدني وهياكل الدولة الموجهة للعاملات كما للفلاحين والوسطاء حول ضرورة التصدي لظاهرة النقل العشوائي ومقاومتها باعتبارها احدى جرائم الاتجار بالأشخاص. 

هذا ونطالب اللجان الاستشارية الجهوية لنقل العملة الفلاحيين والمتكونة من ممثلين عن الوزارات المعنية والمصالح الامنية تحت اشراف الولاة بالشفافية في مسألة منح التراخيص وبالصرامة في تطبيق القانون على المخالفين. كما نذكّر اننا في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية طالبنا في عديد المناسبات بتنظيم مجلس وزاري خاص بملف العمالة الفلاحية يشرّك كل الوزارات ويحمّل كل الاطراف مسؤولياتها في حماية اليد العاملة الفلاحية وضمان حقوقها الشغلية بما يحفظ كرامتها ويرد اعتبارها.  

المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية  

الرئيس عبد الرحمان الهذيلي