تونس في 28 أفريل 2025
بيان : كفى عبثا، غطرسة وتسلّطًا…اطلقوا سراح المظلومات والمظلومين
يتابع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بانشغال وانزعاج كبيرين مختلف التطورات التي ما انفك يعرفها ما بات يسمى إعلاميا بملف ” التآمر على أمن الدولة ” وما شهدها من قرارات قضائية وإدارية موغلة في العبث والتسلط ومن تجاوزات وخروقات شكلية وإجرائية نسفت بشكل شبه كلي جميع مقومات المحاكمة العادلة في مختلف مراحل البحث والتحقيق والاستقراء وازدرت مختلف الضمانات القانونية والدستورية لجميع المتهمين في ذلك الملف بشكل صارخ. ولم تكن شبه الجلسات الثلاث التي انعقدت أمام الدائرة الجنائية الخامسة بالمحكمة الابتدائية بتونس للمحاكمة والبت في ملف القضية عــ33856ــدد إلا استرسالا معلنا لذلك المسار الإجرائي التعسفي والعبثي وتكريسا مفضوحا لإرادة سياسية انتقامية تصفوية أصرت منذ انطلاق التتبعات في تلك القضية على إحكام قبضتها على جميع تفاصيل الملف في مختلف مساراته.
و ليس أدل على ذلك إلا تعنت الدائرة الجنائية المتعهدة و إصرارها على عقد مختلف جلسات المحاكمة خلف أبواب شبه موصدة في وجه أغلب الصحفيين و نشطاء المجتمع المدني والملاحظين (باستثناء بعض الملاحظين الأجانب) وحتى البعض من عائلات الموقوفين ،فضلا عن السلبية الواضحة التي أبدتها رئاسة الدائرة المذكورة في العسكرة غير المبررة لقاعة الجلسة و لمحيطها و للظروف المادية و اللوجستية الرثة التي انعقدت خلالها المحاكمة التي استحالت إلى محاكمة صورية باهتة، و إصرار نفس الدائرة على الخرق السافر للقانون و تحديدا الفصلين 141 مكرر و 206 من مجلة الإجراءات الجزائية و التمسك بمحاكمة الموقوفين عن بعد من سجن إيقافهم و حرمانهم من الحضور جَلْسةً للدفاع عن حقوقهم و الذود عن براءتهم على الرغم من تهاوي و تجرد الدفع الذي تحصنت به رئاسة المحكمة من وجود خطر ملم يحول دون إحضار الموقوفين لقاعة الجلسة، بالإضافة ايضا إلى إصرارها على التعجيل بإصدار الحكم رغم يقينها بأن بعض المتهمين المحالين عليها لم يتوصلوا أصلا باستدعاء لحضور جلسة المحاكمة، و إصرارها فضلا عن كل ذلك، وفي سابقة لم يشهد لها تاريخ محاكمات الحق العام و لا المحاكمات السياسية مثيلا في تونس أو في مختلف الدول الرازحة تحت نير الاستبداد و التسلط، إلى تأخير القضية إلى جلسة ثالثة و أخيرة و لمدة أسبوع واحد فقط رغم كثرة أوراق ملف القضية و مظروفاته و رغم كثرة المتهمين(37) و رغم كثرة المحامين النائبين في الملف و كثرة طلباتهم التحضيرية سواء في اتجاه تجهيز للقضية للفصل من الناحية الاستقرائية أو في اتجاه التأخير للاطلاع و إعداد وسائل الدفاع اللازمة على نحو ينضوي على ازدراء مفضوح للضمانات البسيطة والأكثر بداهة لحق الدفاع و من شأنه أن يوحي بأن استعجال المحكمة المتعهدة في إصدار حكمها بتاريخ في 18 أفريل 2025 لا يمكن تفسيره إلا من زاوية أن الحكم المذكور كان جاهزا سلفا خاصة بعد التصريح العدائي و العنيف للسيد رئيس الجمهورية بتاريخ 22 فيفري 2023 والذي توعد من خلاله كل من يحاول تبرئة المتهمين من معارضيه المحالين على القضاء، واعتبره بمثابة الشريك لهم.
ولم يكن ايقاف الأستاذ أحمد صواب واصدار بطاقة ايداع بالسجن في مواجهته من اجل تهم ارهابية على خلفيّة نيابته في ملفّ قضيّة التآمر وتوصيفه المجازي لهول الضغوطات المسلّطة على هيئة المحكمة المتعهّدة بالقضيّة، وإثر حملة ممنهجة شنّتها بعض وسائل الإعلام والصفحات الافتراضية المتذيلة للنظام لتشويهه والتحريض عليه، إلاّ دليلا على امعان السلطة في مزيد التنكيل بكلّ معارضيها السياسيين والمدنيين والنقابيين والصحفيين والمدونين وحتى المحامين.
إنّ المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و إذ يذكر الرأي العام بمواقفه الثابتة ذات العلاقة بملف قضية الـتآمر على أمن الدولة و التي اعتبره من خلالها توظيفا صريحا و ممنهجا للقضاء لتصفية الخصوم السياسيين و المدنيين و لمزيد تجذير مناخ الخوف و اليأس و اهتزاز الثقة في جدوى الفعلين السياسي و المدني بين مختلف مكونات المجتمع، و إذ يجدد التنبيه إلى أن هذا المناخ لا يمكن بأي حال أن يحجب هول الفشل الذريع الذي ما انفكت تواجهه السلطة في حلحلة الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ترزح تحتها البلاد و التي بان بالدليل القاطع أن مجرد تذليلها أو التخفيف من وطأتها لا يمكن أن يكون عبر الشعارات الشعبوية الجوفاء و لا عبر خطاب التخوين و الرمي المتكرر المجرد بالعمالة و الاستقواء بالأجنبي و لا عبر الانفراد بالرأي و التصور و القرار، فإنه:
- يعتبر أن الحكم الصادر بتاريخ 18/04/2025 فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة (القضية الجنائية عــ33856ــدد) كان متوقعا في مختلف تفصيلاته، و أنه كان تتويجا لمسار تهديمي و استنزافي طويل انخرطت فيه السلطة لتدجين مرفق العدالة و الإجهاز عل استحقاق استقلالية القضاء، و انطلق منذ أن نصب السيد رئيس الجمهورية نفسه رئيسا للنيابة العمومية و أمر بإيقاف صرف منح أعضاء المجلس الأعلى للقضاء و بإحداث مجلس مؤقت للقضاء، و تواصل مع أمر إعفاء 57 قاضيا و الامتناع لاحقا عن تنفيذ أحكام القضاء الإداري القاضية بتوقيف تنفيذ أمر الإعفاء ذلك، و استمر مع التعطيل التام لعمل المجلس المؤقت للقضاء من خلال إفراغ تركيبته، و استفحل مع وضع وزارة العدل يدها على جميع المسارات المهنية و التأديبية بموجب مذكرات عمل أسبوعية و قرارات إيقاف عن العمل دون احترام الإجراءات ودون الاكتراث بحق الدفاع…
- يجدد الدعوة إلى إطلاق سراح كافة سجناء الرأي من ناشطات وناشطين سياسيين ونقابيين وصحفيين ونشطاء العمل المدني والمدونين وجميع الموقوفات والموقوفين على خلفيّة احكام المرسوم 54.
- يؤكّد على حتميّة إلغاء جميع القوانين والمراسيم التعسفية المنتهكة لحقوق الرأي والتعبير والصحافة والنشر والتظاهر والتنظّم وغيرها من الحقوق السياسية والحريات العامة والفردية التي شهدت تقويضا وانتكاسة غير مسبوقين.
- يعبر عن تضامنه المطلق مع عائلات الموقوفات والموقوفين ومع مختلف الحركات والفعاليات المدنية والسياسية والاجتماعية المساندة لها ويدعوها إلى مزيد الصمود والمثابرة من أجل حق منظوريهم في محاكمة عادلة تكفل لهم فيها كل الضمانات القانونية والدستورية للدفاع عن أنفسهم وإثبات زيف الاتهامات الموجهة عليهم.
يدعو عموم الشعب التونسي ومختلف قواه الحية والمنظمات والفعاليات المدنية والسياسية إلى التعجيل بمصارحة النفس مصارحة نقدية بناءة وإجراء المراجعات الفكرية والسياسية والتنظيمية المستوجبة، وإلى التقاطع على قاعدة النضال المشترك من اجل ديمقراطية حقيقيّة تضمن ارساء سياسات اقتصادية واجتماعية وبيئية وثقافية بديلة وترتقي فعليّا لاستحقاقات الثورة من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية حقيقية.
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
عبد الرحمان الهذيلي