ورقة بحثية: تنقيح مجلة الشغل بين نقاوة الشعارات والنتائج العكسية

0
50

تنقيح مجلة الشغل بين نقاوة الشعارات والنتائج العكسية

تقديم

منذ تأسيسه، كان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الصفوف الأمامية للدفاع عن الحق الثابت في العمل اللائق، ومناهضة كل أشكال التشغيل الهش الذي يُهدر كرامة العمال والعاملات، ويكسر إرادتهم. ناضلنا بلا هوادة إلى جانب الحركات الاجتماعية والنقابية التي رفعت صوتها مدويًا ضد أنظمة الاستغلال والسمسرة القذرة التي تنخر في قطاعات حيوية مثل الحراسة، النسيج، التعليم، الصحة والفلاحة.
إن تمسكنا بالقطع النهائي مع الشغل الهش هو نتاج سنوات طويلة من نضالات قاعدية متواصلة، قادتها أجيال من العمال والمجتمعات النقابية والحركات الاجتماعية التي رفضت الخضوع لأنماط تشغيل مهينة وظالمة. وهو يتنزل في مقاربة اشمل لمنوال تنموي بديل يقطع مع السياسات السابقة ويحقق تنمية عادلة اجتماعيًا ومستدامة بيئيًا تُبنى بازادة المواطنات والمواطنين ولصالحهم
وان كنا نرحب بكل مكسب يحقق للعاملات والعمال وان كان طفيفا ونبارك لمن تم انصافه بعد سنوات من الانتهاكات  لكن للأسف، فإن تنقيحات مجلة الشغل لسنة 2025، ورغم الدعاية الإعلامية التي رافقتها، جاءت بالنسبة لنا مخيبة للآمال،وغير شاملة  ومبتورة، ومتسرعة، وغير شفافة، و دون مشاركة حقيقية للعمال والعاملات الذين هم قلب هذه المعركة.
لقد أثبت هذا المسار اختلالات بيرة:
  • تجاهل شبه مطلق للقطاع الموازي وغير النظامي الذي يُشغّل مئات الآلاف من التونسيين والتونسيات، والذين تركوا لمواجهة مصيرهم بمفردهم بلا أفق ولا حماية.
  • غياب تام لمقاربة النوع الاجتماعي التي تُكرس المساواة الحقيقية بين الجنسين، سواء في الأجور أو ظروف العمل أو الترقيات أو الحماية الاجتماعية، بل وغياب مكافحة التمييز بأشكاله المتعددة.
  • غياب الإرادة السياسية لتعزيز آليات الرقابة، وشفافية عملها، وقضاء الشغل العادل، وهو ما كان من المفترض أن يكون درعًا حقيقيًا لحماية حقوق العمال.
إن المنتدى، الذي لا يتوانى عن دعم كل إصلاح حقيقي يعزز كرامة وحماية العمال والعدالة الاجتماعية في سوق الشغل، يؤكد أن أي إصلاح يُجرى على عجل، بلا تقييم دقيق، ودون مشاركة أصحاب الشأن الحقيقيين، هو إصلاح منقوص ولا يحقق الحد الأدنى من انتظاراتنا، ويخاطر بتحويل حقوق العمال إلى مجرد شعارات جوفاء وأدوات لخدمة أجندات سياسية ظرفية.
كما ندعو كل الفاعلين الاجتماعيين، من نقابات وقوى مدنية، لتحمل مسؤولياتهم التاريخية في استكمال النضال والضغط من أجل اصلاح شامل وفاعل، يكرس العمل اللائق، ويضمن حدًا أدنى للأجر يغطي تكلفة الحياة بكرامة، ويحسن ظروف العمل، ويشمل مراجعات دورية تراعي التضخم وتغير تكاليف المعيشة، ويحقق العدالة الجندرية والحماية لكل العاملين والعاملات مهما كانت أوضاعهم، ضمن حوار اجتماعي شفاف وديمقراطي يعيد الاعتبار لمن يصنعون الثروة ويحفظون الاستقرار.
ونُطرح السؤال بكل قلق ومرارة: كيف لنا أن نثق في هذا التنقيح وهو يأتي بينما الدولة لا تزال تتلكأ في تسوية وضعيات الشغل الهش في القطاع العمومي، وتواصل التشغيل عبر عقود مؤقتة تهدد استقرار العمال ومستقبلهم؟
ان هذا العمل للباحث حسين الرحيلي  ليس مجرد قراءة نقدية لقصور تنقيح مجلة الشغل، بل هو صرخة مدوية ونداء عاجل لتحمّل المسؤولية، حتى لا يُسكت صوت العمال والعاملات، ولتبقى النضالات الاجتماعية ضد كل اشكال التشغيل الهش حيّة في وجه كل مشروع يضعها بورصة السياسة.
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية