النشاط المنجمي بالرديف: تفجير الديناميت يدوّي في قلب المنازل

0
5500

النشاط المنجمي بالرديف: تفجير الديناميت يدوّي في قلب المنازل

 رحاب مبروكي (فرع الحوض المنجمي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)

لم يكن يوم الحادي والعشرين من شهر أكتوبر سنة 2020 يوما عاديا بالنسبة لعائلة سالم القاطنة على مشارف مدينة الرديف التابعة لولاية قفصة بالجنوب الغربي للبلاد التونسية، فقد كان هذا اليوم شاهدا على حادثة انهيار جزء من بيتهم وتشقق أسقف الغرف بسبب قوة “التفجير” التي أحدثتها شركة فسفاط قفصة بمنجم “السطحة الزرقاء” لحظة استخراجها للفسفاط من أعماق الجبل المتاخم للبلدة.

 “نريد تعويضات حقيقية للخسائر التي نتكبدها جراء هذه الانفجارات، نريد تعويضات في أقرب الآجال، لم نعد نتحمل المزيد” هكذا ردد سالم الشاب ذو العقد الثالث معربا عن استنكاره لما حصل وقلقه إزاء ما تنتهجه الشركة من سوء تصرف بسبب عدم اتخاذها ما يلزم من إجراءات وقائية لتفادي تضرر منازل الأهالي من التفجيرات المتكررة التي تحدثها. سالم ليس الوحيد الذي تضرر منزله جراء تغافل الشركة عن حماية بيوت المتساكنين من خطر التفجيرات، بل قصص أخرى من المعاناة نسجت داخل أسوار هذه المدينة منذ فتح أول منجم للفسفاط بالرديف قبل أكثر من القرن. ولعلّ الوقت قد حان الآن لمسائلة الشركة عن الأضرار التي تسببها لقاطني المدينة ومطالبتها بالتعويضات اللازمة للمتضررين من أنشطتها. وعلى هذا الأساس أنجز هذا التحقيق لقسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنظر في مدى تضرّر الأهالي جراء تواصل انتهاك شركة الفسفاط للحقوق والتشريعات المنصوص عليها بالقانون عدد 30  لسنة 2003  فيما يتعلق بالخسائر والأضرار الناتجة عن أنشطتها، وكذلك تغيّر مسار التنديد بهذه الممارسات من قبل جمعية المنتدى من مجرد الاستنكار إلى الاشتباك القانوني عبر تقديم دعوى قضائية من أجل استرداد حقوق المتضررين.

صور لمنازل متضررة من تفجير 21 أكتوبر 2020

 

كيف يستخرج الفسفاط ؟

يتم استخراج الفسفاط من مقاطع الجبال باستعمال تقنية  التفجير بالديناميت، والديناميت هو “عبارة عن أحد المتفجرات الكيميائية والتي بمجرد اشتعالها تنفجر وتنتج كميةً كبيرةً من الغاز الساخن في هذه العملية”[1] وقد تسببت هذه التقنية في عديد الأضرار للبنية التحتية بالمنطقة.

 الأضرار المحتملة

يسبب استخراج الفسفاط بواسطة “التفجير”عديد الأضرار المادية التي تصل في الكثير من الأحيان إلى هدم المنازل أو سقوط أجزاء منها، وقد أصدرت مجموعة البنك الدولي وثيقة إرشادية بشأن البيئة والصحة والسلامة[2] تم توجيهها بالتحديد إلى المؤسسات والشركات المختصة في تصنيع الأسمدة الفوسفاتية واستخراج الفسفاط. وهي عبارة عن وثائق مرجعية تتضمن أمثلة وتوصيات بخصوص الممارسة الدولية الجيدة في قطاع الفسفاط. كما تتضمن مستويات الأداء والإجراءات التي يمكن للتكنولوجيا الجديدة أن تحققها بتكلفة معقولة. وقد تم تخصيص فصل يتعلق بصحة المجتمعات المحلية وسلامتها تم فيه التطرق إلى الإجراءات العملية التي من الضروري تتبعها، ومن أهم النقاط التي تم التأكيد عليها هي اختيار موقع المصنع في ضوء اعتبارات قربه من المناطق السكنية وتحديد المسافات الآمنة بين منطقة المصنع والمناطق المسكونة لتفادي حصول أضرار وكذلك تحديد تدابير الوقاية لتجنب المخاطر التي قد يتعرض لها المجتمع والحد منها. وقد عملت دول عدة في العالم على رفع درجة الوعي  بهذه المسائل من أجل إتباع الشركات المنجمية سياسة حمائية على مستوى التعامل مع هذه الموارد المنجمية حتى  لا تضر بمصالح المجتمع. وكغيرها من الدول قامت تونس كذلك بإتباع منوال تشريعي فيما يتعلق بأنشطة الشركات المنجمية فتم سن القانون عدد 30  لسنة 2003  المتعلق بإصدار مجلة المناجم[3] التي تضمنت أحكاما تشريعية متعلقة بأنشطة إستكشاف المناجم والبحث عنها وإستغلالها، كما  تنظّم عمل الشركات المنجمية وتحدّد مسؤوليتها تجاه ما تخلفه من أضرار مدنية أو بيئية.

فإلى أي مدى تم الالتزام بالأحكام القانونية المتفق عليها بالتشريع التونسي؟

 تكلفة التفجيرات و”تعويض” المتضررين

ينص الفصل 71 من مجلة المناجم على أن “يكون صاحب رخصة البحث أو امتياز الإستغلال أو كلاهما ملزما بمباشرة أنشطته المتعلقة بالبحث أو الإستغلال أو كليهما وفق التشريع والتراتيب الجاري بها العمل خاصة في الميادين الفنية والميادين المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية وبحماية البيئية وبحماية الأراضي الفلاحية وبالغابات وبالملك العمومي للمياه. كما يكون صاحب الرخصة ملزما بتأمين مسؤوليته المدنية لتعويض الخسائر والأضرار التي يلحقها بالغير وبأملاكهم والناتجة عن مباشرة أنشطته”.  كما ينص الفصل 86 من نفس المجلة على ما يلي “يتعين على صاحب الرخصة جبر الأضرار التي قد تنجم للملك العام أو الخاص عن الأشغال التي يقوم بها، ولا يلزم في هذه الحالة إلا بدفع تعويض يوازي القيمة المادية للضرر الحاصل”.  وعلى هذا الأساس ألزم التشريع التونسي أصحاب المؤسسات المنجمية بتعويض كافة الخسائر والأضرار التي يمكن أن تنجرّ عن ممارستهم لأنشطتهم الإستخراجية.  لكن ما يمارس على أرض الواقع يبقى بعيدا عن ما تم التنصيص عليه قانونيا نظرا لحجم الأضرار التي يتكبدها العشرات من السكان دون أدنى تعويضات. ويقول سالم في هذا السياق “لم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها بيتنا إلى الضرر فقد سبق وأن تهدم جزء منه سنة2018  ورغم تقدمنا بملف لتعويض الضرر الحاصل إلا أن سياسة التجاهل التي تنتهجها السلطات المحلية ومسؤولي الشركة حالت دون حصولنا على تعويضات”.

تضرر منزل سالم بن رقية جراء التفجير يوم 21 أكتوبر 202

 

الاشتباك القانوني هو الحل ! !

اعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في هذا السياق أن الممارسات التي تقوم بها شركة فسفاط قفصة تخرج عن الإطار التشريعي الملزم للشركات المنجمية وأن التتبع القضائي يبقى الحل الأمثل للحد من هذه الانتهاكات. وفي متابعتها لأنشطة شركة فسفاط قفصة تؤكد الجمعية على أن احترام المعايير البيئية واتخاذ التدابير اللازمة لحماية المواطنين لا تدخل في اهتمامات المسؤولين طالما أنه إلى يومنا هذا تسجل اعتداءات وخروقات عديدة أخرها التفجيرات التي وقعت بمنجم السطحة الزرقاء والتي لم تقتصر على مدينة الرديف فحسب بل شملت كذلك مدينة ام العرائس ومنطقة تاب الديت. ومن أجل ذلك يدعو المنتدى المسؤولين على رأس الشركة إلى إتباع التدابير المعمول بها  فيما يتعلق بعمليات التفجير والأخذ بعين الاعتبار حياة المواطنين وسلامة ممتلكاتهم، كذلك من الضروري العمل على إتباع تقنيات أكثر تطورا قادرة على تخفيف حدة التفجيرات وفي صورة حدوث تجاوزات وأضرار يجب على الشركة تعويض المتضررين.

وفي ظل تغاضي السلط المحلية والجهوية عن القيام بمهامها القانونية والالتزام بالبنود التشريعية الواردة في مجلة المناجم يبقى الإشكال قائما وتتواصل معاناة السكان إلى حين إيجاد حلول جذرية لإنهاء هذه الأزمة ودفع التعويضات اللازمة لأصحابها.

[1] https://www.arageek.com/l

[2] https://www.ifc.org/wps/wcm/connect/363ca297-3232-4c1b-82c1-5f6ca84749e0/0000199659ARar046%2BLarge%2BVolume%2BPet-based%2BOrganic%2BChemical%2BMnfg.pdf?MOD=AJPERES&CVID=jkD2BPb&ContentCache=NONE&CACHE=NONE

[3] http://www.legislation.tn/affich-code/Code-minier__109