ردا على بيان وزارة الفلاحة والموارد المائية أزمة المياه حقيقة وجب الاعتراف بها وتداركها

0
3394

تونس في 5 أوت 2022

ردا على بيان وزارة الفلاحة والموارد المائية

أزمة المياه حقيقة وجب الاعتراف بها وتداركها

ردا على تصريحات وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري السيد محمود إلياس حمزة، أثناء النقطة الاعلامية المنتظمة يوم 02 أوت 2022 بمقر وزارة الفلاحة بخصوص متابعة الوضعية المائية الحالية بالبلاد، يهم قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التذكير بأنه الى اليوم لا يزال آلاف التونسيين محرومين من حقهم في الماء الصالح للشرب ومن خدمات الصرف الصحي، وهو ما يعد انتهاكا صارخا لحقوقهم الكونية مثل الحق في الصحة وفي العيش الكريم. كما يعيش التونسيون تحت خط الفقر المائي حيث لا يتجاوز نصيب الفرد 400 م3 سنويا وهي كمية اقل بكثير من 1000الم3 في السنة الموصى بها من طرف منظمة الصحة العالمية.

وعلى عكس ما أفاد به السيد وزير الفلاحة بأن ذلك مرتبط أساسا بظاهرة التغيرات المناخية، فإن مشاكل التزود بالماء في تونس هيكلية بالأساس، وترجع خاصة الى غياب سياسة مائية واضحة وناجعة، تراعي حق الجميع في الماء وتجعل الماء الصالح للشراب أولوية وطنية مقارنة باستعمالاته في المجالات الأخرى. زد على ذلك، فإن الدراسات السابقة للمشاريع اليوم في تونس سواء كانت عمومية او خاصة تجعل من التأثير على المخزون المائي والبصمة المائية أمرا هامشيا مقارنة بما تسعى اليه من نجاعة اقتصادية ومالية.

وقد تم التأكيد أثناء الندوة على اشكالية انقطاع الماء الصالح للشرب وعلى اشتدادها اثناء الذروة الصيفية فقط حيث يكثر استهلاك الماء، وهو أمر مجانب للصواب حيث أصبحت الانقطاعات الخبز اليومي للتونسيين على مدار السنة كما أن العديد من المناطق من شمال البلاد الى جنوبها تعاني الغياب الكلي للماء وانقطاعات تصل حتى سنوات متتالية على غرار ما عاينه قسم العدالة البيئية بمنطقة السقدود من معتمدية الرديف أين يغيب الماء منذ أكثر من 06 سنوات. وقد عاينا نفس الاشكال عن كثب خلال الزيارات الميدانية التي أديناها الى المناطق المعطشة بأرياف مدينة القيروان وجندوبة وقفصة وغيرها من الولايات. ونذكر السيد الوزير بأن سكان هذه المناطق والذين يصل عددهم الى ما يقارب 300 ألف حسب ما ورد في التقرير الوطني لقطاع الماء 2020 الصادر عن وزارة الفلاحة، يعتمدون طرقا بدائية في الحصول على المياه عبر جلبها من مصادر طبيعية غير آمنة على ظهور الحيوانات او التزود من الحنفيات العمومية التي ركزتها الدولة بهذه المناطق بدعوى تشتت المنازل وصعوبة التضاريس وعدم الجدوى الاقتصادية لمشاريع الربط بالماء الصالح للشراب.

أما بالنسبة للأرقام التي قدمها السيد الوزير في علاقة بتركيز وتجديد الشبكات، فإنها تظل غير كافية بالنظر إلى نسبة إهدار الماء على مستوى شبكات الربط والتزويد والتي تصل الى 40% بسبب قدم الشبكة وتهالكها ونقص أشغال الصيانة.  وعلى سبيل المثال لم تخضع القنوات المائية بمنطقة الحوض المنجمي من ولاية قفصة الى التجديد منذ تاريخ تركيزها في الثمانينات كما أن العديد من الأعطاب بالشبكة يجعل الماء ينساب لأيام متواصلة دون أي تدخل من أعوان الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، وهو ما يتعارض مع التدخل في الابان الذي تطرق إليه البيان الصحفي لوزارة الفلاحة.  ويغيب اعلام السكان عن تواريخ الانقطاعات في اغلب جهات البلاد حيث غالبا ما تكون الانقطاعات فجائية ولا تسمح للمواطنين بأخذ احتياطاتهم والاستعداد لهذه الانقطاعات.

ولا ننسى ان نذكر السيد وزير الفلاحة بأزمة تلوث المياه التي نفاها أثناء الندوة مشددا على ان الشركة الوطنيّة لاستغلال وتوزيع المياه حريصة كل الحرص على توفير مياه صالحة للشرب تستجيب للمواصفات الجاري بها العمل في حين أنه لا تتم مراعاة الجانب الصحي في تزويد السكان بالماء بأغلب الجهات حيث أن نسب العينات الغير مطابقة للمواصفات من الجانب البكتريولوجي تظل مرتفعة وفي نسق تصاعدي حيث ارتفعت من 9.9% سنة 2019 الى 10.1% سنة 2020. كما أن نسب غياب الكلور الحر المتبقي (chlore libre résiduel) مرتفعة بعديد المناطق كما هو الشأن في تطاوين (33%) وأريانة (21%) مقارنة بالمعدل الوطني (5.4%). وقد أثبتت تحاليل تم اجرائها على مياه الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بمنطقة حاجب العيون من ولاية القيروان عدم مطابقتها لجميع المعايير الصحية إذ تم اكتشاف عدة شوائب ومواد ملوثة في الماء وفق الخبير المكلف من طرف المحكمة الادارية بالقيروان وذلك إثر الدعوة القضائية التي رفعها فرع المنتدى التونسي بالقيروان ضد الشركة المذكورة.  ويؤدي تردي جودة مياه الشرب في تونس الى تخوف المواطنين من آثار شربها على صحتهم، ما جعل تونس تحتل المركز الرابع عالميا في استهلاك المياه المعلبة ب 227 لتر سنويا للفرد الواحد حسب نفس التقرير السابق ذكره.

أما بالنسبة للانقطاعات التي تشمل المؤسسات التربوية، فيهمنا أن نذكر بأنه الى حد شهر أكتوبر 2020، لا تزال 1415 مدرسة عمومية غير مرتبطة بالماء الصالح للشراب، أي ما يعادل ثلث المؤسسات التربوية بالبلاد وعليه فإن ربط 859 مدرسة بمياه الشرب كما صرح بذلك السيد الوزير يظل غير كاف بما أن عدد المدارس التي تفتقر الى الماء الصالح للشرب لا يزال مرتفعا خاصة في ولايات الوسط الغربي والشمال الغربي أين لا تتجاوز نسبة ربط المدارس ال 28% بالقصرين على سبيل المثال. وقدم السيد الوزير رقم 46 مليون دينار كحجم استثمارات في الربط بالماء والصرف الصحي للمدارس. وهنا، نود أن نلفت الانتباه الى أن حجم الاستثمارات وخاصة في قطاع التعليم الذي يعتبر ركيزة من ركائز النمو والتطور للدول، لا يعكس بالضرورة نجاعتها ويبقى مؤشرا منقوصا مالم ينتج عنه تحسن فعلي وملموس في الخدمات المقدمة.

وفي ختام البيان الصحفي للوزارة، تم التطرق الى معضلة حفر الابار العشوائية التي تتواصل في ظل ضعف الرقابة من طرف الجهات المعنية، وعدم تعهد الهياكل المختصة بالمتابعة الجدية لهذا الاشكال من اجل إيجاد حل جذري له وتفادي تمادي حفر الابار عشوائيا والمنجر عنه انخفاض في منسوب المياه الجوفية ونقص حجم المخزون الاحتياطي منها. وتظل الحملات القليلة التي تقوم بها شركة المياه غير كافية لوضع حد لهذه الظاهرة كما لا يقع في اغلب الاحيان تطبيق القانون على المخالفين مثلما تنص عليه مجلة المياه، وهو ما يشجع مقترفي المخالفة على الاستمرار فيها.

وأمام هذه التحديات الملحة، يجدد المنتدى التونسي دعوته الى الاسراع في المصادقة على مشروع قانون مجلة المياه الجديدة بعد الاخذ بعين الاعتبار مقترحات المجتمع المدني والخبراء،الذي ظل قيد الانتظار منذ 25 جويلية 2021 والذي من شأنه تفادي تعمق أزمة المياه. كما يهيب بالهياكل المعنية وعلى رأسها وزارة الفلاحة والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه التحرك الفعلي من اجل ضمان حق الجميع في الماء وفي الصرف الصحي.

قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية