تقييم مؤتمر الأطراف كوب 28:‏‏‪إهمال اجندة التكيف وتعهدات غير كافية بالتخفيف 

0
2873
Photo Credit: UN Climate Change
Photo Credit: UN Climate Change

تقييم مؤتمر الأطراف كوب 28:إهمال اجندة التكيف وتعهدات غير كافية بالتخفيف 

حمزة خان. متطوع بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والإجتماعية

 

في ديسمبر الماضي، اجتمع الساسة وقادة الأعمال وخبراء المناخ والناشطون البيئيون في دبي لحضور مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ. تحت إشراف منظومة الأمم المتحدة، مؤتمر الأطراف كوب هي الاجتماعات السنوية للموقعين على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي. ويعتبر أهم اجتماع عالمي يركز على تغير المناخ‏.  وحضر قمة دبي ما يقدر بنحو 65000 مشارك، مما يجعله أكبر اجتماع لمؤتمر الأطراف على الإطلاق.ـ

أُطلق على البيان الرسمي للقمة اسم إتفاق الإمارات [1] ، وقد تم صياغته والمصادقة عليه من قبل مفاوضين من حوالي 200 دولة‏.‏ وقد تضمن إتفاق الإمارات العديد من النقاط الجديرة بالملاحظة فيما يتصل بالتخفيف من آثار تغير المناخ، مثل الدعوة الصريحة إلى “التحول عن استخدام الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة”. وتدعو التزامات التخفيف المهمة الأخرى إلى خفض انبعاثات غاز الميثان وتوسيع قدرات الطاقة المتجددة، وتسريع تحسين كفاءة استخدام الطاقة. حقق مؤتمركوب 28 أيضًا إنجازا تاريخيا من خلال إطلاق “صندوق الخسائر والأضرار”، والذي تم تمويله بتعهدات متواضعة بقيمة 661 مليون دولار [2] . وقدتم تعيين البنك الدولي كمضيف مؤقت للصندوق، على الرغم من مخاوف البلدان النامية المَدينة لدى البنك والتي لا تثق في ممارسات الإقراض التي يتبعها. ويتوقف التأثير الفعلي والإيجابي لهذا الصندوق على مدى نجاعة الآليات المتفق عليها بين اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والبنك الدولي [4] . ولسوء الحظ، فشل مؤتمر الأطراف كوب 28في تقديم التزامات قابلة للتنفيذ بشأن أجندة التكيف مع تغير المناخ حيث إن أهداف التكيف العالمية في النص النهائي غامضة ومنفصلة عن أهداف تمويل التكيف.ـ

التخفيف والتكيف

وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ،(IPCC) ‪‏ وهي الوكالة العالمية الرائدة لعلوم المناخ، يجب أن لا يتجاوز متوسط ارتفاع درجة حرارة السطح في العالم 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية وذلك لتجنب العواقب الكارثية على النظم البيئية العالمية‏‪ [5] ، وهذا لن يكون ممكنا إلا من خلال التخفيضات الفورية والكبيرة في انبعاثات الغازات الدفيئة.ـ

تؤدي انبعاثات الغازات الدفيئة إلى تغير المناخ عن طريق حبس الحرارة تحت الغلاف الجوي. التخفيف من تغير المناخ هو الحد من تدفق الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي. إن الطريقة الأكثر نجاعة وفعالية للتخفيف من تغير المناخ هي الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وذلك بشكل رئيسي عن طريق استبدال الوقود الأحفوري بمصادر الطاقة البديلة (الطاقة المتجددة). ويمكن تحقيق التخفيف أيضًا عن طريق إزالة الغازات الدفيئة من الغلاف الجوي. ولكن،‏ ‏تعتمد استراتيجية إزالة الانبعاثات على تقنيات جديدة لم يتم إثبات نجاعتها وسلامتها على نطاق‏ واسع وهي التقاط وتخزين ثنائي أكسيد الكربون. [6]‪  وقد أصبح صناع القرار أكثر اهتمامًا بتكنولوجيا التقاط وتخزين ثنائي أكسيد الكربون في السنوات الأخيرة، وحضر ما يقدر بـ 475 من اللوبيات  العاملة في مجال التقاط وتخزين ثنائي أكسيد الكربون  مؤتمر كوب 28 [7] ‏.ويشعر الناشطون في مجال البيئة بالقلق من أن الترويج لاستراتيجيات تخفيف غير مثبتة لا يؤدي إلا إلى تأجيل تحول الطاقة من خلال السماح بمواصلة استخدام الوقود الأحفوري. ويعكس إتفاق الإمارات سعي الدول النفطية إلى تضمين ثغرات تروج لتقنيات التقاط وتخزين ثنائي أكسيد الكربون بالإضافة إلى “الوقود الانتقالي” مثل الغاز الطبيعي [8]‏.ـ

لكن آثار تغير المناخ أصبحت محسوسة بالفعل في جميع أنحاء العالم. وقدكان العام 2023 هو العام الأكثر سخونة على الإطلاق، مع زيادة ملحوظة في الظواهر المرتبطة بتغير المناخ مثل موجات الحر وحرائق الغابات والفيضانات والعواصف  [9]. وتشير تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن حوالي 3.6 مليار شخص – أي أكثر من ثلث سكان العالم – يعيشون في سياقات معرضة لتغير المناخ‪ [10]. ولذلك، لا يكفي مجرد التخفيف من تغير المناخ بل يجب على السكان في جميع أنحاء العالم أيضًا أن يتكيفوا مع المناخ المتغير. يمكن أن يتخذ التكيف مع تغير المناخ أشكالاً مختلفة تبعاً للسياقات والقدرات المحلية كما أنهناك حاجة خاصة إلى تسريع جهود المرونة لحماية النظم البيئية الهشة مثل الجزر والواحات والغابات والمراعي من الأضرار التي لا يمكن إصلاحها‏‏ [11]‏. ‏‏‏‏ويجب على‏ المجتمعات الساحلية أن تستثمر في البنية التحتية لمكافحة ارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف المدمرة بشكل متزايد ويجب أن تأخذ سلاسل القيمة الزراعية في الاعتبار زيادة ندرة المياه. وينبغي على أنظمة الرعاية الصحية بناء القدرات اللازمة للاستجابة للظواهر الجوية المتطرفة المتكررة بشكل متزايد، مثل موجات الحر وحرائق الغابات. وتتطلب هذه الجهود إرادة سياسية، واستثمارات مالية‏، وقبولاً واسع النطاق. ومع اشتداد آثار تغير المناخ، ستصبح احتياجات التكيف أكثر إلحاحاً‏.‏

التنسيق الدولي بشأن التكيف مع تغير المناخ

يعاني التكيف مع تغير المناخ من نقص شديد في التمويل. ويقدر تقرير مهم لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أن البلدان النامية تحتاج إلى ‏مبلغ يتراوح بين 215 مليار دولار و387 مليار دولار سنوياً لتغطية تكاليف التكيف‏‏ [12]‏‏.‏ ومعذلك، بلغ إجمالي تدفقات التمويل الدولية لدعم التكيف في البلدان النامية 21.3 مليار دولار في عام 2021 بانخفاض قدره %15 في التمويل مقارنة بن 25.2 مليار دولار في عام 2020. ويشير التقرير إلى أن تمويل التخفيف زاد خلال الفترة نفسها. فما الذي يجعل من الصعب تأمين تمويل التكيف؟

إن العديد من التحديات التي تواجه النهوض بالتكيف تنبع من الطبيعة المحلية المختلفة للغاية لحلول التكيف. فبينما هدف التخفيف واضح‏ ومباشر‏‏نسبياً: خفض الانبعاثات أو إزالتها.، يتطلب التكيف فهمًا ديناميكيًا لكيفية تأثير تغير المناخ على مجموعات سكانية ونظم بيئية واقتصادية محددة. ‏‏فعلى سبيل المثال، قد يتطلب التكيف في مدينة ساحلية مهددة بارتفاع مستوى سطح البحر حاجزًا بحريًا أعلى‏، في حين قد‏ يتطلب التكيف في مدينة ساحلية أخرى انتقال الأنشطةإلى الداخل. إن تنوع ظروف التكيف وحلوله يعقد الجهود الرامية إلى الاتفاق على مقاييس دولية مشتركة لقياس التقدم المحرز في التكيف [13] . علاوة على ذلك، غالبًا ما يكون مستثمرو القطاع الخاص غير مهتمين بتمويل مشاريع التكيف بسبب النقص الملحوظ في الربحية [14] . وفقًا لتقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية‪، ‏تم تخصيص حوالي 5 بالمائة فقط من رأس المال الخاص الذي تم حشده للعمل المناخي بين عامي 2016 و2020 لمشاريع التكيف [15].‏

من جانب آخرغالباً ما يعيش السكان المعرضون لتغير المناخ في البلدان النامية المثقلة بالديون. ومن بين البلدان الثلاثين الأكثر عرضة لتغير المناخ، لا يوجد أي منها ضمن أكبر 30 دولة متلقية لتمويل المناخ  [16]. ولهذه الأسباب ‏تميل المناقشات الدولية بشأن التكيف إلى التركيز على التمويل، وخاصة دور البلدان المتقدمة في تمويل التكيف في العالم النامي.ـ

التفاوض على التكيف

تبرزالمفاوضات في مؤتمرات الأطراف بعض النقاط حول صعوبات تمويل التكيف. كجزء من اتفاق باريس الذي تم اعتماده في مؤتمر كوب 21 في عام 2015، وافقت البلدان على تنسيق جهود التكيف من خلال تحديد “هدف عالمي للتكيف”‏. لم يتم فعل الكثير لتحديد أو تنفيذ الهدف العالمي للتكيف ‏بشكل جوهري في السنوات التالية [17]، على الرغم من أن العديد من البلدان أصدرت استراتيجيات تخطيط التكيف الوطنية [18]‏. قبل انعقاد مؤتمر كوب ‏‪،28‏ اتفقت الدول على وضع اللمسات النهائية على إطار عمل الهدف العالمي للتكيف. وعلى الرغم من اعتراف المندوبين بأن تحديد أهداف التكيف سيكون أمرًا صعبًا، إلا أن المفاوضين كانوا يأملون في تعزيز الهدف العالمي للتكيف باعتباره “النجم القطبي” لتوجيه الجهود على المستوى القطري ‪[19]. لكن المناقشة حول الهدف العالمي للتكيف في مؤتمر كوب‏‪28  كشفت عن خطوط صدع بين البلدان المتقدمة والنامية، فضلا عن التحديات التي تواجه التعاون الدولي.ـ

وكان الخلاف الرئيسي بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية يتركز حول إدراج أهداف التمويل. أرادت الدول المتقدمة التركيز على أهداف سياسة التكيف، لكن الدول النامية أصرت أن أهداف التكيف يجب أن تقترن بأهداف التمويل للدول النامية ونجحت الدول المتقدمة في الأخير بقيادة الولايات المتحدة في الإشارة إلى أهداف التمويل والدعوة إلى تقديم ‪[20] مساهمات من الدول المتقدمة في النص النهائي

ونشأ خلاف أكثر حدة  حول مبدأ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ المتمثل في “المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة والقدرات الفردية”والذي يسند المسؤولية التاريخية إلى البلدان المتقدمة فيما يتعلق بالعمل المناخي بسبب مساهماتها الأكبر في تغير ‏المناخ ‏‪[21]. وقد تم التنصيص الرسمي على “مبدأ المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة والقدرات الفردية” كجزء من اتفاقيات التخفيف في عام 1992. وكانت البلدان النامية راغبة في تكريس مبدأ مماثل للمساواة كجزء من اتفاقيات التكيف، في حين قاومته البلدان المتقدمة. وكانت معظم البلدان النامية على استعداد للتفاوض، لكن مجموعة من البلدان النامية الأكثر تقدمًا رفضت المشاركة وأصرت على إدراج مبدأ المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة والقدرات الفردية ‏‪. [22]وتألفت هذه المجموعة من كتلة عربية بقيادة المملكة العربية السعودية ودول من كتلة الدول النامية المتشابهة في سياساتها التنموية والتي تضم العديد من دول أوبك، بقيادة الصين. وبحسب ما ورد، ركزت المجموعة اهتمامها على المسؤوليات المشتركة لكن المتفاوتة كوسيلة لجعل محادثات التكيف رهينة مقابل الحصول على تنازلات في مفاوضات مؤتمركوب  القادمة  بشأن التخفيف‏‪ .[23] ونتيجة لذلك، وصلت مفاوضات التكيف إلى طريق مسدود بعد تسعة أيام مما هدد  التقدم  في اتفاق المناخ العالمي [24] ويوضح هذا الجمود مدى قدرة  أقلية من البلدان على إحباط التقدم في مفاوضاتالأمم المتحدة.ـ

تفتقر الصيغة النهائية إلى الالتزام بسد فجوة تمويل التكيف ولا تشير إلى المسؤولية المتباينة للدول المتقدمة والنامية في تحقيق الهدف العالمي للتكيف‏‪. [25]

خاتمة

يعطي مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون أملاً محدوداً لمنظومة الأمم المتحدة ومن الواضح أن البلدان تعترف بالتهديد الوجودي الذي يشكله تغير المناخ. ومع ذلك، فإن إتفاق الإمارات لا يرقى إلى مستوى الإجراءات اللازمة لمنع وقوع كارثة مناخية. وتشير تقديرات وكالة  الطاقة الدولية إلى أنه إذا تم الوفاء بجميع تعهدات التخفيف الخاصة بمؤتمر كوب 28بحلول عام 2030، فإن خفض الانبعاثات سيكون ب 30 بالمائة فقط من التخفيض المطلوب للوصول إلى المسار الصحيح للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية‪ [26] ‏.‏إن إهمال أجندة التكيف سيؤدي إلى زيادة المعاناة مع استمرار تفاقم آثار تغير المناخ. ويجب على المجتمع الدولي أن يقدم التزامات ذات مصداقية للانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري ورفع أجندة التكيف بشكل جاد.ـ

 

[1] https://unfccc.int/sites/default/files/resource/cma2023_L17_adv.pdf

[2]https://unfccc.int/cop28/5-key-takeaways?fbclid=IwAR2cVgNMEnnDLw9G9j3dBMNkaW9K2T-Rv2o3jLLLB9Jjg4IAsDg5Vu6v-gA#loss-and-damage

[3]https://blogs.law.columbia.edu/climatechange/2023/12/20/observations-from-cop28-on-the-loss-and-damage-fund/

[4] https://odi.org/en/insights/will-the-world-bank-make-good-on-the-loss-and-damage-fund/

[5] https://www.ipcc.ch/report/ar6/syr/downloads/report/IPCC_AR6_SYR_SPM.pdf

[6] https://eenews.net/articles/un-slams-carbon-removal-as-unproven-and-risky/

[7]https://www.theguardian.com/environment/2023/dec/08/at-least-475-carbon-capture-lobbyists-attending-cop28

[8]https://www.reuters.com/business/environment/what-are-loopholes-cop28-climate-deal-2023-12-14/

[9] https://www.nytimes.com/2024/01/09/climate/2023-warmest-year-record.html

[10] https://www.ipcc.ch/report/ar6/wg2/chapter/summary-for-policymakers/

[11]https://www.washingtonpost.com/climate-environment/2022/02/28/ipcc-united-nations-climate-change-adaptation/

[12] https://www.unep.org/resources/adaptation-gap-report-2023

[13]https://www.lse.ac.uk/granthaminstitute/news/ten-misconceptions-about-the-global-goal-on-adaptation-and-its-framework/

[14]https://www.weforum.org/publications/accelerating-business-action-on-climate-change-adaptation/

[15] https://www.oecd-ilibrary.org/finance-and-investment/climate-finance-provided-and-mobilised-by-developed-countries-in-2016-2020_286dae5d-en

[16] https://www.ifrc.org/document/make-it-count-smart-climate-financing-most-vulnerable-people

[17] https://www.wri.org/insights/global-goal-on-adaptation-explained

[18]https://www.lse.ac.uk/granthaminstitute/news/ten-misconceptions-about-the-global-goal-on-adaptation-and-its-framework/

[19]https://wwfint.awsassets.panda.org/downloads/briefing_paper_on_global_goal_on_adaptation_of_the_paris_agreement.pdf

[20] https://www.carbonbrief.org/cop28-key-outcomes-agreed-at-the-un-climate-talks-in-dubai/

[21]https://climatenexus.org/climate-change-news/common-but-differentiated-مسؤوليات-and- respective-capabilities-cbdr-rc/

[22]https://www.climatechangenews.com/2023/12/10/cop28-bulletin-adaptation-stalemate-jeopardises-cop28-outcome/

[23] https://www.carbonbrief.org/cop28-key-outcomes-agreed-at-the-un-climate-talks-in-dubai/

[24]https://www.climatechangenews.com/2023/12/10/cop28-bulletin-adaptation-stalemate-jeopardises-cop28-outcome/

[25] https://unfccc.int/sites/default/files/resource/cma2023_L17_adv.pdf

[26] https://www.iea.org/news/iea-assessment-of-the-evolving-pledges-at-cop28