نكسة الفلاحة في قفصه : هل نحتاج خطة إنقاذ حكومية طارئة لمواجهة الأزمة ؟

0
7606
Gafsa

نكسة الفلاحة في قفصه : هل نحتاج خطة إنقاذ حكومية طارئة لمواجهة الأزمة ؟

رحاب مبروكي

يعتبر القطاع ألفلاحي أحد دعائم السيادة الوطنية وهو من القطاعات الرئيسية لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة لكونه يمس جوانب هامة من الاقتصاد. ويواجه هذا القطاع في تونس إشكاليات عديدة تحول دون تطوره وتقدمه وتحقيق معدلات إنتاجية عالية منه، خاصة في محاصيل كالقمح التي تقوم الدولة باستيراد كميات ضخمة منه لغرض الاستهلاك وتعويض النقص الحاصل على مستوى الإنتاج المحلى. ولاية قفصه جنوب غرب تونس ليست بمنأى عن جملة هذه الإشكاليات التي تغاضت عنها السلطة ولم تضعها في خانة الأولويات لعقود متتالية  ليجد الفلاح نفسه اليوم محاطا بمجموعة من التحديات، لا تراعي طبيعة الأوضاع الاقتصادية لهذه الفئة، ولعل هذا ما يجعلنا اليوم أمام ضرورة الدفع لتغيير سياسات الدولة المنتهجة نحو القطاع الفلاحي من ّاجل دعمه على تلافي الانعكاسات السلبية الحاصلة على الساحة الوطنية والعالمية خاصة في ظل  انتشار جائحة كورونا وتأثيرها على جميع المجالات بأغلب البلدان.

الفلاحة هي الحل !

في منتصف سنة 2020  أصدر الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري  كتابا تحت عنوان “الفلاحة هي الحل لتعزيز سيادتنا وتنمية اقتصادنا”[1]، تناول فيه أهم الصعوبات التي يعاني منها القطاع الزراعي في تونس واهم التحديات التي تواجه الفلاحين. وحسب الكتاب، فإن القطاع يمثل مورد رزق لأكثر من 500 ألف فلاح و60 ألف بحار، كما أنه يمثل بصفة غير مباشرة مورد رزق لأكثر من 2.5 مليون عامل. واستنادا لما سبق ذكره يمكن أن تتبين أهمية هذا القطاع ومدى مساهمته في دعم التنمية الاقتصادية عبر استيعاب اليد العاملة وتحقيق الأمن الغذائي وبالتالي تحسين المستوى المعيشي للسكان. لكن تظل الإشكاليات التي يواجهها القطاع الفلاحي في ولاية قفصه بالتحديد حاجزا أمام تحقيق تقدمه سيما في ظل التغافل الحكومي  عن حماية بعض المحاصيل من الضياع بسبب ندرة هطول الأمطار بمناطق الجنوب الغربي وعدم قدرة الفلاحين على مقاومة تكاليف السقي للتصدي للجفاف، كذلك النقص الحاد في المواد العلفية مثل الشعير العلفي والسدارى وما يتعرض له الفلاح اليوم من صعوبات من اجل توفير احتياجاته لبقاء محصوله، إضافة إلى عدم مبالاة وزارة الفلاحة بحماية الماشية عبر التغافل عن التلقيح الموسمي مما جعل الفلاح يواجه الغلاء والجفاف والأمراض المعدية، ولا ننسى أيضا دخول كبار المستثمرين واحتكارهم على السوق وهذا ما جعل الفلاح اليوم في مواجهة مروحة واسعة من التحديات جعلته يعزف عن الإنتاج وعن خدمة الأرض

 

Certaines cultures dans le gouvernorat de Gafsa

.

بعض المحاصيل الزراعية بولاية فقصه[2]

واحات قفصه تواجه العطش

تبلغ مساحة الواحات في تونس 40 ألف هكتار[3] تصنف إلى واحات ساحلية تتواجد بكل من قابس وجربة وواحات جبلية بولاية توزر خاصة منطقتي ديماس وتمغزة وأخرى قارية تتركز بولاية  قفصه وتحديدا معتمديات قفصه الجنوبية والقصر والقطار وتقدر بحوالي 575 هكتار منها ما يقارب 500 هكتار يتم ريها بالمياه المعالجة(مياه الصرف الصحي) حسب ما أفادنا به رئيس جمعية قادوس لحماية الواحة وصيانة المدينة حاتم خلف الله . ورغم تنوع الموارد المائية للقطاع الواحي مثل عين “الفوارة” وعين “الربع” وعين “ترتش” وعين “عياد” وعين “زعلاني” التي تتزود بها واحة القصر إلا أن مشكل ندرة المياه يبقى حاجزا أمام الفلاح لتطوير منتوجه في هذه المنطقة. ويتم استغلال ما يقارب 70 بالمئة من الموارد المائية بولاية قفصه واستعمالها في الري حسب مندوبية الفلاحة بقفصه، وتنقسم هذه المياه إلى أبار تابعة للدولة وآبار تقع إدارتها من طرف الجمعيات التنموية المائية أو كما يطلق عليها المجمعات المائية وتضم كل من بئر “ترتش” وبئر “بوحبيب” وبئر “سيدي سالم” بالقصر. تحتاج عملية ري المساحات الواحية في هذه المنطقة عادة إلى ما يقارب 300 لتر في الثانية توفر منها مندوبية الفلاحة 180 لتر في الثانية وتتكفل المجمعات المائية ب 120 لتر في الثانية، لكن مع تزايد عدد السكان وتزايد الاستهلاك أصبح الفلاح يواجه مشكل نقص المياه الذي يعود إلى عدة أسباب أبرزها توسع المساحة الواحية  بالقصر من 600 هكتار خلال الثمانينات إلى ما يقارب 1200 هكتار في الوقت الحالي، كذلك ندرة هطول الأمطار والجفاف الحاصل بالمنطقة لسنوات متواترة. ويتفاقم الإشكال أكثر حسب ما جاء على لسان حاتم خلف الله  من نقص المردودية والإنتاجية الفلاحية وذلك يعود لعدم استجابة البنك الفلاحي لطلبات الفلاحين  لتمويلهم بسبب تقلص مساحات الأرض لدى الفلاحين الصغار وعدم قدرتهم على تسديد فوائض القروض على حد تعبيره، إشكال  أخر متمثل في الاحتكار عبر تعدد مسالك التوزيع غير المراقبة من طرف الدولة وذلك عبر اعتماد الوساطة بدل إتباع سياسة البيع من المنتج إلى المستهلك  إضافة إلى المشاكل الذي خلقها المواطن كالزحف العمراني على حساب المساحات الواحية والبناء الفوضوي كل هذه الأسباب جعلت الفلاح اليوم يعزف عن الإنتاج وعن خدمة الأرض ويترك منتوجه الفلاحي يتلف لعدم قدرته على مواجهة جميع هذه التحديات بمفرده.

إشكاليات الزراعات الكبرى بقفصه

تبلغ مساحة الزراعات الكبرى بولاية قفصه 33.639 هكتار حسب المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بقفصه تضم القمح والشعير والأعلاف أما الأشجار المثمرة فيقدر عددها ب 92.938 هكتار منها 31.23 مساحات سقوية و 59.289 هكتار زياتين حسب نفس المصدر. إضافة إلى الثروة الحيوانية التي تضم الأغنام والأبقار والماعز والحوافر ومنشات تربية الأرانب والسمان ومربي النحل والتي تمثل مورد رزق مئات الفلاحين.  لكن وعلى أهمية القطاع الفلاحي وتنوعه بالجهة وقدرته على دعم الاقتصاد الوطني فإن التحديات المادية تقف حاجزا أمام استمرارية الإنتاج، لنجد مشكل الترويج الذي يواجهه الفلاح دليلا على غياب إستراتيجية واضحة للدولة لاستعادة فائض الإنتاج لدى الفلاحين مما يضطرهم في كثير من الأحيان إلى إتلاف كميات من الحليب ورميها على قارعة الطريق حسب ما أكده لنا المهندس العام الفلاحي بالاتحاد الجهوي للفلاحين حكيم ديناري. كما يعيش الفلاح أيضا على وقع مشكل ارتفاع التكلفة عبر الزيادة في أسعار الأعلاف مما يستوجب تدخل الدولة عبر الدعم من اجل التخفيض في الأسعار. وتصنف المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بقفصه ابرز مشاكل القطاع الفلاحي في تقريرها الصادر سنة 2020 إلى المديونية التي يتكبدها الفلاح والتي تمثل عائقا أمام دعم الاستثمار لضعف مساهمة القطاع البنكي في تمويل المشاريع البنكية وأيضا عدم تسوية الأراضي الاشتراكية لدى مجالس التصرف مما سيمثل حاجزا يمنع الفلاحين من التمتع بالامتيازات وأيضا عدم استجابة السلطة لمطالب بناء الآبار من اجل بعث مشاريع خاصة. وأرجح محمد رحال رئيس اتحاد الفلاحين بقفصه تدهور القطاع الفلاحي إلى غياب دعمه من طرف الدولة بشكل عام ذلك أن المنظومة الفلاحية إذا لم تمتلك سياسة اقتصادية واضحة لا يمكن لها أن تحقق التقدم المطلوب.

الماشية والأبقار أمام خطورة التدهور

تواجه الثروة الحيوانية بدورها جملة من الإشكاليات تمثل جزء من خارطة الأزمة التي يعيش على وقعها القطاع ألفلاحي بجهة قفصه عموما. ويتحدث منصف سالم في هذا السياق وهو فلاح وناشط مدني عن مشاكل قطاع الأغنام التي أوضح أن أعدادها في نقص متزايد بسبب نقص المراعي مقابل غلاء الأعلاف مثل مادة الشعير التي ارتفع سعرها من 29 دينار إلى 40 دينار خلال سنوات قليلة  إضافة إلى عدم إيفاء ديوان تربية الماشية بسد احتياجات الفلاح واتجاه ديوان الحبوب إلى توفير الأعلاف عبر الوساطة مما خلق احتكارا في القطاع، جملة هذه الأسباب جعلت الفلاح يتجه إلى تربية الأبقار التي لم تكن بدورها اقل كلفة لدى الفلاح الذي وجد نفسه أمام نفس  الإشكاليات نفسها التي واجهها في تربية الأغنام عبر تضاعف أسعار الأعلاف من 35 د إلى ما يقارب 60 ويعود هذا التذبذب في الأسعار إلى السياسة المتبعة من طرف السلطة التي لم تعد قادرة على التعامل مع هذه الزيادات غير المنتظمة. وبحسب منصف سالم فإن  إتباع سياسة الوساطة بين الفلاح ومراكز تجميع الحليب أدى إلى تدمير قطاع تربية الأبقار بسبب ضعف المردودية. ورغم خوض الفلاحين لإشكال احتجاجية عدة من وقفات احتجاجية وتنظيم جلسات تفاوض مع السلطة المعنية ممثلة في وزارة الفلاحة تنديدا بالوضع المزري للقطاع ألفلاحي وسعيا لإيجاد حلول فورية تنهي أزمة هذا القطاع إلا أن سياسة المماطلة بقيت نفسها وهذا ما عبر عنه منصف بن سالم الذي أكد أن الحلول التي قدمتها السلطات المعنية لا يمكن اعتبارها إلا حلولا ترقيعية لامتصاص غضب الفلاحين دون تقديم أية بدائل تسهم في حل إشكاليات هذا القطاع وإنقاذ المحاصيل من الضياع.

التخاذل عن حل الأزمة

في ظل أزمة القطاع الفلاحي  بجهة قفصه يطرح سؤال عن دور وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري في عملية المتابعة والإرشاد والدعم وخاصة مراقبة المحتكرين والمستثمرين الخواص في هذا المجال والذين حسب تقدير الفلاحين لا يفوتون فرصة تحقيق مرابيح خيالية على حساب الوضع الاقتصادي الهش للفلاح. وعليه فإن المسؤولية ملقاة على عاتق وزارة الفلاحة التي يستوجب عليها التحرك من ّاجل وقف الاخلالات القانونية الحاصلة في هذا القطاع.

إن الحديث عن القطاع الفلاحي وما يعانيه من تهميش وسوء تصرف في موارده وثرواته ليس من الأمور الهامشية وإنما ملفا يتطلب خطة إنقاذ حكومية طارئة تفي بتعهداتها تجاه صغار الفلاحين من أجل دعمهم على تخطي الإشكاليات التي تحول دون تحقيق تقدم ومرابيح في محاصيلهم. واعتبارا وان دعم القطاع الفلاحي والدفاع عن حقوق الفلاحين يصب في قالب أهداف جمعية المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فان دعوة الجمعية للاستجابة لمطالب الفلاحين والأخذ بعين الاعتبار احتياجاتهم الاقتصادية اليوم من شأنه يطرح حلولا مهمة للكثير من المشاكل في الوقت الحاضر، وهذا ما يتطلب إرادة سياسية عبر تغيير السياسات الزراعية والممارسات كما ينبغي أن يكون لقطاع الفلاحة في ولاية قفصه أهمية مركزية إذا ما أردنا أن نحافظ على توازن فلاحي تعتمد عليه الأجيال في الوقت الحاضر وفي المستقبل.  

 

[1] http://www.utap.org.tn/language/ar/

[2] http://www.radiogafsa.tn/

[3] http://www.agriculture.tn/documents/opendata/docs/Wahatt%202011.pdf