عدم المساواة في تونس حسب الدّخل و الإنفاق و الثروة

0
4372

ينشر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مجموعة من الملخصات لدراسة “انعدام المساواة” التي أصدرها في شهر مارس 2022 بالغة الفرنسية

انجاز: محمد ياسين الجلاصي

(اسفله تجدون الدراسة كاملة)

المحور الرابع : 

 عدم المساواة في تونس حسب الدّخل و الإنفاق و الثروة

 يعد عدم المساواة في الدّخل هي البعد الأكثر اعتمادا في الأدبيّات المتعلّقة بعدم المساواة عموما حسب دراسة منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبالنظر الى غياب الإحصائيّات المفصّلة و الموثوقة بخصوص هذه المسألة في تونس اعتمد المنتدى على  مؤشّرات قياس تطالها سهام النقد بصورة متزايدة.

  1. قياس عدم المساواة في الإنفاق بتونس

في ظل غياب المعطيات الرسمية عن قياس المساواة في الدخل استنادا الى نفقات الاسر التونسية تم  في دراسة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على المسح الذي ينجزه المعهد الوطني للاحصاء  عبر البيانات المتعلّقة بنفقات الأسر المجمّعة عبر عيّنات تحتوي في الحدّ الأدنى على 5000 عائلة موزّعة على التراب التونسي حسب المناطق الديمغرافيّة و الوسط (ريفي أو حضري).

1.1-    المؤشّرات الشاملة لعدم المساواة في النفقات.

 ما كشفته الدراسة وفقا للمعطيات التي تحصلت عليها انه تم تسجيل تراجع ملحوظ للفقر خلال 15 سنة، إذ مرّ من 25،4% سنة 2000 إلى 15،2% في 2015. كما أنّ نسبة السكّان الذين يعيشون بأقلّ من 1،90 دولار أمريكي في اليوم، قُدّرت بـ0،2% سنة 2015 مقابل 15،1% في 1985

تطوّر مؤشّر جيني في تونس (1985-2015)

مازالت تونس تعاني عدم المساواة و مازال التونسيّون يتطلّعون إلى اجتثاث الفقر، و رغم ذلك تكشف هذه الأرقام المستندة إلى مسوحات الاستهلاك تراجع اللامساواة و الفقر في تونس فيما بين 1985 و 2015. و يتمّ تأكيد نفس النتائج في تقارير المنظّمات الدوليّة وأحدث الأعمال البحثيّة.

تطوّر عدم المساواة في بلدان المغرب الكبير

 تعيش الجزائر مستوى من عدم المساواة أقلّ حدّة من بقيّة بلدان المغرب الكبير و لديها مؤشّر جيني قدره 27،6 سنة 2011.

 ووفق الدراسة  نجد عدم المساواة الأشدّ حدّة في المغرب الأقصى حيث بلغ مؤشّر جيني 39،5 سنة 2013. أمّا تونس فتحتلّ موقعا وسيطا لكنّه يخفي تفاوتا جهويّا هامّا من حيث اللامساواة، كما سنبيّنه لاحقا.

 عدم المساواة داخل الجهة الواحدة و بين الجهات

 لا تقتصر عدم المساواة  فقط على المناطق الفقيرة، بل تمسّ أيضا أغنى الجهات.

و يَنتُج الحدّ من عدم المساواة على الصعيد الوطني عن عاملين اثنين:

  • تخفيف حدّة اللامساواة في كلّ جهة
  • الحدّ من التفاوت بين مختلف جهات البلاد

عدم المساواة داخل الجهة الواحدة

 ارتكزت  دراسة المنتدى   على  الدراسة الأخيرة التي أنجزها ماغوري و آخرون (2018)  من تحديد مؤشّرات جيني سنة 2015 الخاصّة بالسّبع (07) مناطق الآتية: تونس الكبرى، الشمال الشرقي، الشمال الغربي، الوسط الشرقي، الوسط الغربي، الجنوب الشرقي، الجنوب الغربي.

 وابرزت أنّ عدم المساواة من حيث الإنفاق أكثر وضوحا في تونس الكبرى و في الشمال الشرقي حيث يبلغ مؤشّر جيني تباعا 0،316 و 0،315. بينما تبدو عدم المساواة أقلّ حدّة في منطقتي الجنوب: الجنوب الغربي (0،261) و الجنوب الشرقي (0،281).

الاستنتاج هنا حسب الدراسة  هي ان عدم المساواة في الدّخل أكثر ارتفاعا في المدن الكبرى حيث تبرز الفجوة الاجتماعيّة التي تعاني منها على وجه الخصوص المناطق المحيطة بهذه الحواضر مثل تونس و سوسة و صفاقس، و هي ظاهرة تفاقمت بعد الثورة.

دراسة  ماغوري  اثبتت من جهة اخرى  انخفاض عدم المساواة في النفقات بعد الثورة في أغلب المناطق  ما  يؤكد عدم المساواة تقلّصت على صعيد البلاد بأكملها.

عدم المساواة بين الجهات

رغم دسترة عدم التمييز بين الجهات في تونس الا ان هذا الفصل  بقي مجرد حبر على  ورق ولذلك حظِيَ التفاوت الجهوي وعدم المساواة بين الجهات، على عكس مسألة عدم المساواة داخل الجهة الواحدة، باهتمام عديد المختصّين، خصوصا بعد 2011،

 وفي هذا الاطار أبرزت الدراسات المختلفة ظاهرة التفاوت الجهوي وسعت إلى شرح تطوّره، فبيّن عمارة و الجمّالي (2017) ،، انخفاضًا متوسّطًا لعدم المساواة بين الجهات بين 2005 و 2010 وتفاوتًا جهويًّا كبيرا.

 واعتمادًا على بيانات مسوحات إنفاق الأسر التي أنجزها المعهد الوطني للإحصاء في 1985 و2000 و2010 و2015، تمكّن بوغزالة وآخرون بشكل مُحكم في عمل حديث (2020) من إثبات استمرار التّفاوت الجهوي على امتداد كامل هذه الفترة مع تحديد توزيع معدّل الإنفاق حسب الجهة من 1985 إلى 2015،

ورغم استفادة الجهات  من النموّ إلّا أنّ التحسّن في توزيع معدّل الإنفاق ظلّ غير ملحوظ بالقدر الكافي. فعلى امتداد العقود الثلاث الأخيرة كانت المناطق الثلاثة الأوفر حظًّا هي نفسها: تونس الكبرى والوسط الشرقي والشمال الشرقي، وتُؤمّن مجتمعة 73،5% و73،2% من الناتج الداخلي الخام تباعًا في سنتي 2013 و2016 (المعهد الوطني للإحصاء 2021). بينما تظلّ منطقتا الشمال الغربي والوسط الغربي الأقلّ حظًّا في نفس الفترة وتساهمان في الناتج الداخلي الخام تباعًا بـ10،8%  و11،7% في سنتي 2013 و2016 (المعهد الوطني للإحصاء 2021). لذلك فإنّ مسار التقارب باتّجاه توازن جهوي أفضل لا يزال محتشمًا وبطيئًا.

معدّل النفقات حسب الجهة (1985 – 2015)

قامت الدراسة باحتساب معامل التفاوت الجهوي فيما بين 1985 و2015، واستنتجت ان الحدّ من التفاوت يمكن ملاحظته بصورة أوضح بين 1985 و2000 حيث مرّ من 2،15 إلى 1،94 ثمّ شهدت هذه التفاوتات احتدادًا خفيفا سنة 2010 حيث كان المعامل مساويًا لـ2،15. ليستقرّ سنة 2015 في نفس المستوى.

ومن خلال هذه المعطيات يتبين أنّ عدم المساواة بين الجهات تشكّل جزءًا هيّنًا من اللامساواة في البلاد خصوصا بعد سنة 2000 مقارنة بعدم المساواة داخل الجهة الواحدة التي غدت بالغة الأهمّية.

حدود المقاربة المستندة إلى الإنفاق.

كشفت عدد من الدراسات انخفاض في عدم المساواة خلال العقود الأخيرة

 واستندت الدراسة الى  تقرير أوكسفام (2014)  الذي يكشف عن احتلال تونس المركز الثالث من حيث مدركات عدم المساواة الاقتصادية بعد اليونان ولبنان

تطوّر مناب الـ10% الأغنى من مداخيل العمل

  كشفت دراسة المنتدى التونسي للحقوق الاقنتصادية  والاجتماعيةعن ارتفاع عدم المساواة في تونس من خلالمعاينة نصيب الـ10% الأكثر غنى من مداخيل العمل، إذ يعرف هذا المناب ارتفاعا بين 2003 و 2010 من 30،7% إلى 33،4% لينخفض بعد ذلك من 2011 إلى 2016 علما انه كان في 2016 أكثر ارتفاعا ممّا كان عليه في 2003.

تطوّر مناب الـ40% الوسيطة من مداخيل العمل.

 على  عكس الاستنتاجات المذكورة اعلاه ظلّ مناب شريحة الـ40% الوسطى مستقرّا في حدود 47،5% على امتداد الفترة المتراوحة بين 2003 و 2006 قبل أن ينخفض في الفترة الممتدّة من 2006 إلى 2012 ليستقرّ في حدود 46،3% سنة 2012، وكان مناب شريحة الـ40% الوسطى نسبيّا أكثر استقرارا من مناب الشرائح العليا بتغيّر أقلّ من 1،5%. وفق ارقام الدراسة

تطوّر مناب الـ50% السفلى من مداخيل العمل

 بالنسبة لشريحة الـ50% السفلى فقد عرفت  حسب الدراسة تطوّرا في نصيبها من مداخيل العمل شبيها بذلك الذي شهدته شريحة الـ40% الوسطى. فقد انخفض منابها على امتداد الفترة 2003-2008 و مرّ من 21،9% سنة 2003 إلى 19،9% في 2008، ثمّ ارتفع بعد ذلك ليستقرّ في حدود 21،3% سنة 2016.

الدراسة استنتجت اختلافات في تطوّر عدم المساواة بين القطاعين الخاص و العام  اذ كان القطاع الخاصّ الحامل الرئيسي لتغيّرات عدم المساواة انخفاضا و ارتفاعا. بينما شهد القطاع العام انخفاضا منتظما لعدم المساواة على امتداد الفترة موضوع الدرس.

 أمّا تفكيك النتائج حسب الجنس، دائما وفق نفس الدراسة  فقد أبرز مناحٍ مختلفة بخصوص الرجال و النساء، فتوزيع مداخيل العمل على الرجال يكشف مستوى أعلى من عدم المساواة مقارنة بالتوزيع على النساء، غير أنّ هذه المستويات تتقارب بسبب ارتفاع اللامساواة في صفوف النساء على امتداد كامل الفترة.

عدم المساواة في الثروة في تونس

 حسب دراسة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فإنّ عدم المساواة في الثروة وثيقة الارتباط باللامساواة في الدخل، فكلّ ما ارتفعت قيمة الثروة لدى الأسرة، ارتفعت مداخيل ثروتها (أكرية، حصص أرباح، فوائد).

 وتتكون الثروة الخام لأسرة من أصول غير ماليّة أو مادّية (مساكن، أراضي…) و أصول ماليّة (حسابات بنكيّة، سندات…).

 الى ذلك تحدّد المنظّمات الدوليّة، مثل منظّمة التعاون و التنمية الاقتصاديّة (OCDE)، الثروة الصافية للأسر بما يبقى من الثروة الخام بعد طرح الالتزامات الماليّة. كما تحدّد هذه المنظّمات بشكل أدقّ متوسّط الثروة الصافية التي تحتلّ وسط التوزيع (50% من الأسر لها ثروة أكبر و 50% أقلّ

 ونقلت  الدراسة عن تقارير بعض الدراسات المهتمة  بهذا المجال إنّ المداخيل المتأتّية من الفوائد و حصص الأرباح و الأكرية لا تُمثّل، دون شكّ، إلّا قسما ضئيلا من مجموع المداخيل الفرديّة، لكنّها تظلّ ذات أهمّية خصوصا لدى فئة السكّان الأثرياء.

 واشارت ايضا الى أنّ معدّل مجموع الثروات نسبة إلى إجمالي المداخيل على الصعيد العالمي يشهد ارتفاعا في السنوات الأخيرة حسب قاعدة بيانات عدم المساواة في العالم (WID).

 وقد استعرضت الدراسة بعض البيانات الأوّلية عن ثروة الأفراد في العالم و في تونس، ثمّ، و انطلاقا من بعض المسوحات و المعطيات حول تداين الأسر و هجرة الرّساميل و العقا وكانت  استنتاجاتها ونتائجها كالتالي:.

متوسّط ثروة الفرد في تونس

 وفق دراسة المنتدى لا تُعتبر تونس قليلة الحظّ من حيث الثروة الفرديّة حين نقارنها ببلدان في نفس المستوى من التنمية، فهي تحتلّ المرتبة 20 ضمن البلدان ذات الثروات الأكثر ارتفاعا على الصعيد العالمي، و هي البلد العربي الوحيد ضمن هذا الترتيب إلى جانب العربيّة السعوديّة (مرصد عدم المساواة 2013) .

 وتضنف تونس ضمن البلدان الأثرى حيث يبلغ متوسّط الثروة الفرديّة 8823 دولارا.

ولا يمكن المرور دون ذكر بعض المطعيات والارقام  وهي  ان البلد الأثرى هو أستراليا بمتوسّط ثروة فرديّة قدره 219505 دولار، و تأتي فرنسا في المرتبة الثالثة بـ141850 دولارا.

أصحاب الملايين في تونس

معرفة  القيمة الحقيقية لثروة الافراد الاغنى في تونس امر  صعب وفق ما ذكرته المديرة العامّة لأوكسفام-تونس في جانفي 2019 بسبب  موانع إجرائيّة تفرضها الدولة التونسيّة.

 غير ان الدراسة اعتمدت على  المعطيات الوحيدة المتوفّرة التي نشرها تقرير “ثروة العالم الجديد” سنة 2013، والتي تشير إلى وجود ما لا يقلّ عن 6500 مليونيرا في تونس، ممّا يجعلها في المرتبة الأولى مغاربيّا تليها ليبيا بـ6400 مليونيرا (

وورد في ملحق إفريقيا لتقرير الثروة الذي نشره نايت فرانك (Knight Frank) سنة 2020، أنّ 19676 فردا في تونس يملكون ثروة تفوق 500000 دولار في 2019، و تكون تونس بذلك من الأوائل إفريقيّا.

تحتلّ تونس المرتبة السابعة، استنادا الى  معطيات مستشاري التصرف في الثروة ومسؤولين عن الثروات في بنوك الاعمال  لكنّها تأتي في المركز الثالث بعد بوتسوانا و جنوب إفريقيا و هي الأولى في شمال إفريقيا ممّا يحمل على الاعتقاد بأنّ عدم المساواة في الثروة كانت و لا تزال مرتفعة في السنوات الأخيرة.

 وتوقعت التقارير تطوّرا بـ5% في عدد المليونيرات في تونس للفترة 2019-2024، و هي النسبة الأضعف على مستوى العيّنة المعتمدة إذ تبلغ هذه النسبة 19% في المغرب و 26% في الجزائر و 56% في مصر.

بعض اتّجاهات تطوّر عدم المساواة في الثروة بالبلاد التونسيّة

تفاقم عدم المساواة في الثروة بين 1993 و2014 في ثلاثة بلدان مختلفة (جنوب إفريقيا وفرنسا والولايات المتحدة)، ويبدو تمركز الثروة فادحًا في جنوب إفريقيا بالخصوص حيث يحوز الـ1% والـ10% تباعًا على 50% و85% من الثروات، بينما لا يملك الـ50% الأفقر إلّا ثروة سلبية (ديون).

واستنادًا  لهذه المعطيات قدرت دراسة المنتدى  أنّ الـ10% الأكثر ثراء في تونس يملكون ما بين 40 و50% من الثروة الصافية .

ويبدو وفق نفس الدراسة أنّ تونس تشهد تفاقما في عدم المساواة في الثروة خلال العقود الأخيرة.

هذه  الفرضية مدعومة  بعدد من الحجج منها ان متوسّط الثروة مرتفع نسبيّا في تونس، وأنّ عدد المليونيرات في ازدياد ملحوظ منذ سنوات، وأنّ تونس مرتّبة إثر جنوب إفريقيا من حيث عدد المليونيرات بحساب الفرد (

وفي ظل غياب البيانات الدقيقة قامت الدراسة بدراسة تطور عدم المساواة في الثروة بتونس من خلال دراسة مكوّنين رئيسيين للثروة: الثروة العقارية والثروة المالية

            الثروة العقارية في تونس:

كشفت مختلف المسوحات حول الهياكل الفلاحية في تونس عن بعض المؤشرات بخصوص تمركز الأراضي الفلاحية بالبلاد.

و بيّن بوغزالة وآخرون (2020) استمرار تمركز الملكيات الفلاحية بين 1960 و2005 باعتماد بيانات وفّرتها مسوحات 1960-1961 و1994-1995 و2004-2005.

وفرضا امتلك كلّ مستثمر ملكيّة زراعيّة واحدة ويبيّن أنّ 25 % و 22% من الأراضي تباعًا في سنتي 1994 و2005 تعود إلى 1% من المالكين. في المقابل، كان 75% من مستغلّي الأراضي الأشدّ فقرا يملكون 25% من الأراضي سنة 2005.

هذا الوضع لا يختلف في شيء عمّا كانت عليه الأوضاع سنة 1960 حين كان 63% من المستغلين يملكون 16% من المساحة الجمليّة.  وهنا نستخلص استمرار عدم المساواة في الثروة العقارية الفلاحية على امتداد نصف قرن، لامساواة ازدادت حدّة بسبب الميراث والسياسات التي تشجّع على تجزئة الأراضي الفلاحية.

وحسب نفس الدراسة تتكوّن الثروة أيضا من المساكن التي تشكّل نفقاتها، حسب الحسابات الوطنية، مساهمة الأسر في إجماليّ تكوين رأس المال الثابت.

 وتطوّرت استثمارات الأسر لتبلغ نسبة سنويّة معدّلها 2،7% على امتداد الفترة 2011 – 2019، لكن مساهمة هذا الاستثمار انحدرت من 20% سنة 2011 إلى 15% في 2019 بالنسبة إلى الاستثمار الكلّي، وهي مساهمة كانت في حدود 25% قبل 2011.

ويعكس هذا الانحدار صعوبة الوصول إلى الملكية لدى الأسر الشّابة (سنّ رئيس الأسرة أقلّ من 45 سنة) من كافّة أصناف الدّخل وخصوصا تلك التي تعيش في المناطق الحضرية (تونس الكبرى والشمال الشرقي). [زعفران 2014 ].

 كما يُفسّر هذا الانحدار بانتشار السكن غير المنظّم بعد الثورة حيث مثّل هذا النوع من السكن معدّلًا بنسبة 46% من إجماليّ المساكن على امتداد الفترة 2011 – 2013 بينما كان في حدود 28% بين 2004 و2010(كحلون 2014 ).

وتبرز كل هذه البيانات مدى الصعوبات التي تواجهها الأسر من الطبقات الوسطى والفقيرة للحصول على سكن لائق وبناء ثروة عقارية.

الثروة الماليّة في تونس:

يشير المسح الذي أنجزه المعهد الوطني للاستهلاك سنة 2018 حول تداين الأسر إلى أنّ 43% من الأسر التونسية مدينة (كافّة أصناف الديون مجتمعة).

نسبة القروض الموجهة للسكن كانت الاعلى  وفق ما ذكره  محلون وتجاوزت 85% من مجموع القروض البنكيّة المسندة للأسر سنة 2014، وهي نسبة لم تتوقّف عن الارتفاع منذ 2006 حيث كانت في حدود 54،2 %.

 في المقابل  تراجعت نسبة الادّخار المخصّص للسّكن من مجمل المدّخرات إلى 7،5% سنة 2014 بعد أن كانت 12،9% في 2006.

وقد بيّنت دراسة أجراها مرصد الاندماج المالي سنة 2019 أنّ 16% فقط من الأسر التونسية حصلت على قرض مهيكل و17% فقط من التونسيين يملكون حساب ادّخار في 2018، كما أنّ 39% من الأسر التونسية ليس لها حساب بنكي أو بريدي، ممّا يعني أنّ شريحة واسعة من أسر الطبقة الوسطى تعيش تداينًا مرتفعا (خصوصا للحصول على سكن) ومجموعة الأسر الفقيرة مقصاة تمامًا من المجال المالي.

وتتمركز القروض البنكية لدى أقلّية من المؤسسات إذ تشير دراسة للبنك العالمي (2015)  أنّ 70% من القروض البنكية تُسنَد لحوالي 1500 مؤسسة (من مجموع 500000 مؤسسة) ممّا يدلّ على التمركز الشديد للثروة المالية لدى شريحة محدودة جدّا من السكان.

            محدودية الإصلاح الجبائي الذي شُرع فيه منذ 2013.

على امتداد الفترة المتراوحة بين 2011 و 2019 سجّلت تونس نسبة نموّ بمعدّل 1،6% في السنة، فادّى هذا النموّ الضعيف إلى ارتفاع نسبة البطالة وتفاقم العجز العمومي وتضاؤل عائدات الجباية ممّا منع السلطات العمومية من تنفيذ سياساتها الاقتصادية-الاجتماعية بنجاعة.

وأدّت سياسة إعادة التوزيع الرامية إلى مزيد من العدالة الاجتماعية إلى تضخّم العجز العمومي ورديفه، الدّين العمومي.

 هذه السياسة  افضت إلى الحدّ من نجاعة إعادة التوزيع الأفقي الساعي لتغطية إجمالي السكان إزاء المخاطر الاجتماعية (المرض، العجز، الفقر …) ومن ثمة إلى تدهور الخدمات العمومية (صحة، نقل …).

وتعد سياسة التعويض مثالا على الإخفاق الفادح لسياسة إعادة التوزيع في تونس. فقد شكّلت نفقات الصندوق العامّ للتعويض عبئا حقيقيا على ميزانية الدولة، وهي نفقات شهدت تطوّرا هائلا بين 2010 و2020 حيث مرّت من 1،5 إلى 6،2 مليار دينار.

وقد بلغ  دعم الموادّ الأساسية لوحده بلغ 720 مليون دينار في 2010 ثمّ ارتفع إلى حدود 2،6 مليار دينار سنة 2020.

 واستنتجت الدراسة غ أنّ كلّ هذه النفقات لم تساهم في الحدّ من الفقر في البلاد، إذ لا تستفيد الأسر الأشدّ فقرا إلّا من 10% من نفقات الصندوق. بينما يذهب ما يفوق 7% إلى الأسر الأكثر ثراء و20% يتمّ تحويلها خارج الأسر (مطاعم، سياحة، قطاع غير مهيكل …)

 وحسب نفس لم تتمكّن الإصلاحات الجبائية التي بدأت منذ 2013 من الحدّ من عدم المساواة رغم المستويات المرتفعة للضغط الجبائي، وذلك لعوامل معيقة متعدّدة، نذكر منها:

1-        ثقل القطاع غير المنظّم.

2-        توسّع الغش والتهرّب الضريبيين.

3-        تعقيد وتشظّي النصوص القانونية المتعلّقة بالجباية.

2.4 الضريبة التضامنية على الثروة

 لا  يختلف  عديد الاقتصاديين حول الإقرار بأنّ الاقتصاد التونسي اقتصاد ريعيّ بامتياز، وتلك نتيجة سياسة اللبرلة التي انطلقت منذ سبعينات القرن الماضي وشجّعت ظهور نظام قائم على طبقة من رجال الأعمال يستمرّون بعد نصف قرن في التمتّع بعديد الامتيازات وبوضعية ريعيّة غير مبرّرة.

 هذا الريع يتسبب اساسا في أضرار على المستويين الاقتصادي والاجتماعي فهو يلحق على المستوى الاقتصادي السعي إلى الرّيع من طرف روّاد الأعمال ضررًا بالاقتصاد، فـ”الطّاقة التي يبذلونها يضيع الجزء الأكبر منها في الصراع من أجل موقع داخل النظام لتفكيك خيوطه وفهم خفاياه عوض توجيهها إلى تطوير نشاطهم الاقتصادي” وبذلك يكون الرّيع “أكثر خبثًا من الفساد لأنّه يستند إلى أسس قانونية

 وخلصت الدراسة ايضا الى ان  الاقتصاد الموازي الذي يمثّل، في جوانب منه، يفرز رفضًا لنظام الريع بكافّة احتكاراته. يمنع الرّيع من جانب آخر، دخول وافدين جدد قد يكونون أكثر نجاعة”.

ويُنتج اقتصاد الرّيع على المستوى الاجتماعي عدم المساواة، فيحلّ الانتماء إلى فئة اجتماعية محلّ الجدارة وينسف أيّ تكافؤ للحظوظ والفرص بين المواطنين إضافة إلى أنّ اقتصاد الرّيع قد فاقم عدم المساواة في الدّخل على امتداد عقود عدّة.

 ولاجل  كل هذه الاسباب  باتت إعادة التوازن أكثر من ضرورية وعاجلة. فإضافة إلى مقاومة الغشّ الضريبي وحصر النظام التقديري في المؤسسات الصغيرة جدّا يطالب بعض الاقتصاديين بضريبة تضامنية على الثروة تُوظَّف على الثروات المرتفعة على غرار عديد البلدان مثل كولمبيا وفرنسا والهند والنرويج وهولندا وسويسرا

وتشهد الثروات المرتفعة، في تقدير الجويني، زيادة في القيمة بمعدّل 16% سنويّا، ويمثّل توظيف ضريبة على مثل هذه الثروات بـ0،5% إجراء متناسبا مع نسبة متواضعة لضريبة على الدّخل بـ3 % تنضاف إلى الضريبة التقليدية على الدّخل

Télécharger (PDF, 7.67MB)

.