إعمال الحقوق البيئيّة في تونس.  بين منظومة قانونية ثريّة وواقع مأزوم

0
14680

إعمال الحقوق البيئيّة في تونس.  بين منظومة قانونية ثريّة وواقع مأزوم

حياة العطار

 

نعلن منذ بداية هذا الجزء من التقرير رفضنا للتصنيف الهرمي للحقوق الذي يجعل من الحقوق البيئية في مرتبة الجيل الثالث لحقوق الانسان. وأرى في هذا التصنيف التراتبي ادعاء بالأهمية التاريخية والأسبقية التفاضلية المزعومة للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية على الحقوق البيئية. ونعتبر أن الحق في بيئة سليمة متوازنة صحية وآمنة شرط مسبق لإعمال بقية حقوق الانسان الأخرى المنصوص عليها دوليا وإقليميا ووطنيا، بدءا بالإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في العاشر من ديسمبر سنة 1948، كأول وثيقة أممية تنص صراحة على كونية وشمولية وقداسة حقوق الانسان وعلى أن “الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم”[1] وأن “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه”[2] مرورا بعقد مؤتمرات دولية انبثقت عنها عدة اتفاقيات اما ثنائية أو متعددة الأطراف. وصولا الى اعتراف أكثر من 155 دولة في العالم بهذا الحق. وتأكيد التزاماتها سواء في الاتفاقيات الدولية أو في دساتيرها أو تشريعاتها أو سياساتها الوطنية. ووضع اليات لحمايته والتصدي لكل الانتهاكات التي تطال البيئة والمناخ والمحيط. مسار يعكس تطور وعي المجتمع الدولي وإدراكه لأهمية الحق في البيئة وارتباطه ببقاء الانسان وبالتنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة.

من جهة أخرى، ساهم التصنيف التفاضلي للحقوق وغياب إرادة تكريسها في غرس وتعزيز تهاون الجهات الفاعلة والحكومات مع المسألة البيئية بحثا وتخطيطا وممارسة. ففي تونس اليوم، ومنذ عشرات السنوات، رغم حزمة المعاهدات والاتفاقيات وترسانة القوانين التي تعكس إرادة المشرّع في وضع الآليات القانونية والإجراءات الوقائية للحيلولة دون أي انتهاك يستهدف المحيط الطبيعي للإنسان، ورغم إقرار الدستور بجملة الحقوق البيئية، تمارس عديد الجرائم ضد البيئة بكل مكوناتها باسم التنمية الاقتصادية والصناعية وبتعلّة النمو الديموغرافي المتسارع. ذريعة اتخذتها الايادي المنتهكة والمدمرة للبيئة لتبرير ما اتفق الجميع على تسميته بالإرهاب البيئي.  في المقابل تمسك مدافعو حقوق الانسان والفاعلون الميدانيون والنشطاء البيئيون ومنظمات المجتمع المدني بجملة المكاسب القانونية والدستورية. كما ساهم التراكم العلمي والمعرفي والتجربة الميدانية في خلق جبهة نضالية تتصدى للانتهاكات، ولا تقتصر فقط على التشخيص والاحتجاج. بل تقترح ايضا حلولا وبدائل وتحاجج بالقانون وتقاضي المخالفين.

بعد أن تم في الأجزاء السابقة من هذا التقرير سرد الحقوق البيئيّة والعرض المفصل للانتهاكات، يهدف هذا الجزء إلى:

 في مرحلة أولى، التذكير بالتزامات الدولة التونسية أمميا وإقليميا ووطنيا حتى يعي الجميع جيدا أهمية أن نكون في دولة هيأت على مر السنوات الأرضية الملائمة النافذة والآليات الكافية التي يجب استغلالها بصفة كلية لحماية أنفسنا وحماية حقوق الأجيال القادمة.

 “ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الانسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر الى التمرد على الاستبداد والظلم”[3] سنحاول في مرحلة ثانية تبيان مدى فاعلية ونجاعة النصوص القانونية والدستورية وتأقلمها مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي الحالي. خاصة بعد الارهاصات التي تنبأ بكارثة فعلية لن تستثني أي مكون من مكونات البيئة أصبحت اليوم محركا أساسيا للشارع ووقودا لأغلب الاحتجاجات الاجتماعية سيما في العشرية الاخيرة.

وكما يقول أمارتيا صن في كتابه “التنمية حرية”: “إن تحقيق التنمية المستدامة، وبالتالي، وجود تنمية ومساواة اجتماعية، وفقر أقل وثقافة غنية وحيّة، وبيئة صحية، كلها أمور تتطلب وجود مؤسسات كفؤة، وشفافة، وخاضعة للمساءلة.”[4] ويعني بذلك أن التنمية المستدامة لا تتحقق إلا عبر مؤسسات تحفظ تكافؤ الفرص وتعمل على ترسيخ الخطط والسياسات والبرامج التي تتماشى مع مبادئ حقوق الإنسان، بالشكل الذي يمكّن أصحاب الحقوق، خاصة الأكثر تهميشا، من المشاركة في رسم السياسات والاستفادة منه.

انفاذ هذه المؤسسات يتطلب مناصرة مجتمعية قوية وفاعلة تعتمد كل الآليات للضغط من اجل تكريس مبادئ دولة القانون والحريّات من خلال تعديل القوانين البالية والمنتهية الصلاحية من جهة، واعتماد استراتيجية التقاضي ومتراكمة الاحكام لخلق فقه قضائي مبني على مبادئ العدل والمساواة واحترام القانون.

  1. الأسس والآليات القانونية الوطنية والدولية للحقوق البيئية

إذا ما أردنا اعتماد الترتيب الزمني والتدرج المرحلي لاعتراف الدولة التونسية بالحقوق البيئية والتزاماتها على الصعيد الدولي فسوف يكون الجزء الأول في هذا العنصر مخصصا للاتفاقيات الدولية والمعاهدات التي صادقت عليها تونس منذ نشأة أول وثيقة أممية لحقوق الانسان. أما اذا ما اعتمدنا مبدأ التدرج القانوني والتزمنا بالتسلسل الهرمي للنصوص أو الأدوات التشريعية المعتمدة في تونس من الأعلى إلى الأدنى وفقا لقوتها والجهة المنوط بها إصدارها وإنفاذها فسيخصص الجزء الأول للدستور والفصول الضامنة للحقوق البيئيّة، باعتباره اعلى هرم الترتيب القانوني، تليه الاتفاقيات الدولية، وفق نص الفصل 20 من دستور الجمهورية الثانية “المعاهدات الموافق عليها من قبل المجلس النيابي والمصادق عليها، أعلى من القوانين وأدنى من الدستور” وهو ما يعطيها قيمة تسمو بها على القوانين الوطنية الداخلية ويسمح بتطبيقها مباشرة عند الاقتضاء. ولكن سنختار البدء بالاتفاقيات الدولية. ليس تفضيلا ولا هو بطريقة اعتباطية. وإنما لحقيقة يعلمها الجميع، وهي ان الدستور التونسي لم يخصص فصولا للحقوق البيئية إلا في نسخته الأخيرة الصادرة في 27 جانفي 2014. أي بعد نضالات ودعوات دامت لعقود من الزمن من اجل دسترة الحقوق البيئية. اذ لم يعد هناك من داعٍ لرفضها خاصة بعد ثورة جاءت لتقطع مع القديم وتؤسس لواقعٍ أفضل وغدٍ أعدل.

  1. الحقوق البيئيّة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية

 تعتبر البيئة في مجملها مجموعة الأشياء المحيطة بنا والمؤثرة بشكل مباشر على وجودنا ووجود كل الكائنات على سطح الأرض. وتتكون من الماء والهواء والتربة والمعادن والمناخ والكائنات أنفسها. أي مجموعة من الأنظمة المترابطة والمتكاملة لدرجة التعقيد، تتحكم بدرجة كبيرة في بقاءنا قيد الحياة والتي أصبحت اليوم بفعل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خطرا يهدد وجودنا بالنظر الى حجم المشاكل التي تراكمت على مر العقود، والتي نتجت عن كثرة التلوث والاستغلال الفاحش للثروات الطبيعة، والاستهانة بحجم المخاطر والتهديدات من قبل الجهات الرسمية. ولأن الانسان محور الكون وضمانة استمراريته، وهو المسؤول الأول على استدامة ثرواته، جاءت منظومة حقوق الانسان بصبغتها الكونية والشاملة بهدف حمايته وحفظ كرامته، فوضعت امام الحكومات في العالم جسرا من المعاهدات والبروتوكولات التي تؤكد جميعها ان حقوق الانسان غير قابلة للتجزئة ولا للتراتبية، بحيث لا يمكن الحديث عن حق بمنأى عن بقية الحقوق، كما أن المرور الى عالم أفضل وتحقيق تنمية مستدامة لا يكون إلا عبر المرور بهذا الجسر.

يأخذنا الحديث عن الحقوق البيئية بالضرورة الى استحضار بقية الحقوق التي نالت الاعتراف والتنصيص عليها في اتفاقيات دولية سابقة مهدت بشكل أو بآخر لظهور مفهوم الحقوق البيئية أو ما سميت بحقوق الجيل الثالث أو حقوق التضامن.

في مقدمتها الحق في الحياة المنصوص عليه في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي انخرطت فيه تونس دون أي احتراز بمقتضى القانون عدد 30 لسنة 1968 المؤرخ في 29 نوفمبر 1968. وحيث كان “الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا.”[5] فان الوقائع اليوم تثبت ان حرمان الناس حياتهم ينفّذ من خلال حرمانهم حقوقهم البيئية وانتهاكها.

والحق في الصحة، إذا تقر الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من بينها تونس التي صادقت عليه سنة 1969، بأن تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق من أجل “تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية”[6] وفق المادة 12 من العهد.

ثم يقر نفس العهد في المادة 25 بأن “ليس في أي حكم من احكام هذا العهد ما يجوز تأويله على نحو يفيد مساسه بما لجميع الشعوب من حق اصيل في حرية التمتع والانتفاع كليا بثرواتها ومواردها الطبيعية.”

هذه المادة تأخذنا الى أحد الحقوق الذي كثيرا ما سعت القوى النافذة والأنظمة المعادية للبيئة والمستنزفة للثروات الطبيعية الى اظهاره مظهر النقيض للحق في البيئة السليمة، وهو الحق في الشغل. هذا الحق المنصوص عليه في نفس العهد الدولي في المادة السابعة منه، حيث “تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بما لكل شخص من حق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية وظروف عمل تكفل السلامة والصحة”[7] ، كثيرا ما يكون موضع مساومة حيث تستغله الشركات الملوثة ضد أصحاب الحقوق. فيجد الكثيرون أنفسهم أمام معادلة صُورت لهم بأنها مستحيلة وبأنهم مضطرون للاختيار بين الشغل وبين بقية حقوقهم. حتى أن اختيار مكان انتصاب الشركات الملوثة غالبا ما يكون في الجهات الأقل حظا وذلك تحت شعار تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لكن ومع مرور الوقت تصبح هذه الشركات عدوا لمحيطها، تستنزف ثرواته وتلوث بيئته وتهدد سلمه الاجتماعي. وتخلق نوعا من الصراع بسبب عدم احترامها للقانون ولمبادئ حقوق الانسان. ولنا في تونس أمثلة عديدة من أهمها المؤسسات التي كان لقسم العدالة البيئية بالمنتدى تجارب معها في مناصرة ضحايا أنشطتها، على غرار مصنع الاسمنت سوتاسيب بمنطقة الرويسات ولاية القيروان، مصانع الطماطم والمواد المصبرة بجهة نابل، شركة فسفاط قفصة، المجمع الكيميائي بالمظيلة وبقابس، شركات غسل النسيج في الساحل والأمثلة عديدة.

ومع تنامي الإشكاليات البيئية وزيادة نسب التلوث نتيجة التطورات الاقتصادية والصناعية وتداعياتها الخطيرة على النظم البيئية والعناصر الطبيعية على نطاق واسع، بدأت فكرة الحق في البيئة تتبلور. وبدأ الوعي بحيوية البعد البيئي ضمن مختلف مناحي الحياة العامة يتجلى من خلال الإقرار القانوني بحق الانسان في بيئة صحية لأول مرة ضمن مؤتمر ستوكهولم حول البيئة، الذي انتظم في الفترة الممتدة من 5 الى 16 جوان 1972. انبثق عن هذا المؤتمر ما يعرف بإعلان ستوكهولم المتكون من 26 مبدأ وخطة عمل تتضمن 109 توصية، حيث شكّل تحولا غير مسبوق في المضمون القانوني لمفهوم البيئة، وربطا مباشرا بين مفهوم الحق في البيئة ومضمون فلسفة الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين للحقوق في علاقة بحماية كرامة الانسان ورفاهيته. وتشكّل مبادئ هذا الإعلان النواة الأولى والميلاد الحقيقي للمسألة البيئية والسند الذي انطلقت منه كافة البحوث والقوانين والتدابير البيئيّة. ففي أعقاب استكهولم اتسع نطاق صُنع القانون البيئي الدولي. وتتالت المؤتمرات التي دقت ناقوس الخطر وأعلنت قلقها إزاء مستقبل الأرض ومن عليها. فكان مؤتمر ريو دي جانيرو سنة 1992 ثم مؤتمر جوهانسبورغ في سبتمبر 2002 تحت اسم” مؤتمر الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة “ومؤتمر كوبنهاغن سنة 2009 ومؤتمر بون بألمانيا سنة 2012، وأبرمت عديد الاتفاقيات، الى أن أجمعت تقريبا كل الوثائق والنصوص الدولية على اعتبار البيئة ومواردها تراثا مشتركا مهددا بالدمار والانهيار، يلقى على عاتق الدولة والأفراد واجب حمايته وتنميته بما يحفظ حقوق الأجيال القادمة في التمتع به. كذلك نشأ مفهوم التنمية المستدامة وزاد الاهتمام بحقوق الأجيال القادمة. ويقدر اليوم عدد الاتفاقيات المتعلقة بالبيئة بأكثر من 500 معاهدة دولية، عدد كبير منها يعود إلى فترة ما بعد 1972 أي بعد مؤتمر ستوكهولم. ثم توسّع الاهتمام بالبيئة الى ادراج مسألة التغييرات المناخية ووضعها ضمن الاستراتيجيات الدولية للحد من مخاطرها. وحث الدول على تبني خطط مشتركة بهدف الحد من الانبعاثات المهددة للمناخ وللثروات الطبيعية وتغيير أنماط الإنتاج والتوجه تدريجيا نحو انتاج الطاقة من المصادر الطبيعية والمتجددة. وخصصت للمسألة المناخية مؤتمرات على غرار مؤتمر الأمم المتحدة للتغيير المناخي في باريس سنة 2015 المعروف بالكوب 21 والذي انبثق عنه أول اتفاق عالمي بشأن المناخ. ثم مؤتمر الكوب 26 الذي انعقد مؤخرا في مدينة غلاسكو باسكتلندا يوم 31 أكتوبر 2021 وتواصلت اشغاله لمدة أسبوعين شاركت فيها تقريبا كل دول العالم.

وحتى تلتزم الدول بتعهداتها كان لا بد من انشاء هيئة رقابية دولية تتمثل في تعيين خبير مستقل يعنى بمسألة التزامات الدول الأطراف المتعلقة بحماية حق الانسان في بيئة آمنة صحية ومستدامة. فكان قرار مجلس حقوق الإنسان سنة 2012 (القرار 19/10) القاضي بتعيين السيد “جون نوكس” لولاية مدتها ثلاث سنوات وقع التمديد فيها مرتين كمقرر خاص معني بحقوق الانسان والبيئة والتي يشغلها اليوم السيد “دايفيد ر. بويد”[8].

ويعتبر الحق في الماء شرطا من شروط تحقيق تنمية مستدامة وعادلة مثله مثل الحق في بيئة نظيفة وصحية. كما أن نفاذ كل فرد الى مياه ذات جودة وبكمية كافية بات مرتبطا ارتباطا وثيقا بسلامة البيئة والمناخ. كما لا يمكن التخطيط ووضع استراتيجيات للتنمية المستدامة في ظل غياب الحق في الماء، وفي وجود عدد كبير من البشر يعانون العطش والحرمان اما بسبب شح الموارد المائية أو بفعل سوء التصرف فيها. لأجل ذلك عيّن مقرّر خاص معني بحق الانسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي بموجب قرار مجلس حقوق الانسان (7/22) لسنة 2008.[9]  وهنا يجدر التذكير بمبادرة قسم العدالة البيئية بمناسبة اليوم العالمي للمياه يوم 22 مارس 2021 في توجيه رسالة[10] الى المقرّر الخاص المعني بحق الانسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي، أتى فيها على كل الإشكاليات المتعلقة بالحق في الماء وقضية العطش خاصة في ارياف البلاد والعوائق الإجرائية والقانونية والهيكلية والسياسية التي تحول دون تمتع فئة كبيرة من الناس بالماء. الى جانب استنزاف المائدة المائية وسياسة التصرف في الموارد الطبيعية. وطلب قسم العدالة البيئيّة في رسالته من المقرّر الخاص القيام بزيارة لتونس للإطلاع عن قرب على هذه الإشكاليات ودعم مجهودات المجتمع المدني في الدفاع عن حقوق الانسان وكرامته. ويجرنا هذا الى استحضار تجربة فرع القيروان في مناصرة قضية الماء في المدارس الريفية واستقباله للمقرّرة الخاصة المعنية بالحق في التعليم السيدة كومبو بالي باري في افريل 2019 ومرافقتها الى عدد من المدارس في ارياف القيروان.

واستجابة لهواجس المجتمع الدولي وقلقه من المستقبل، ولمراقبة التزامات الدول تجاه مخططات التنمية المستدامة وحقوق الاجيال القادمة، استنادا الى اعلان الحق في التنمية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرار في 04 ديسمبر 1986 والذي يشير إلى “حق الشعوب في ممارسة السيادة التامة والكاملة على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية مع مراعاة الأحكام ذات الصلة من العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان”[11]، وبعد اكثر من  30 سنة على اعتماد الإعلان،  عيّن مجلس حقوق الإنسان يوم 01 ماي 2017، مقرّرا خاصا معنيّا بالحق في التنمية.

ويعتبر دور المقرّر الخاص لدى الأمم المتحدة محوريا وهاما خاصة في ظل وجود مجتمع مدني محلي يقظ وناشط وفاعل في الدول التي لم تطبق تعهداتها ولم تطوّع سياساتها مع ما يحفظ بيئتها وحقوق مواطنيها على غرار تونس. اذ وبحسب المهام المنوطة بعهدته فان المقرّر الخاص يقدم تقريره لمجلس حقوق الانسان بعد القيام بزيارات للدول المعنية. وصياغة توصيات من شأنها أن تشكل ضغطا إيجابيا يسهم في تغيير الممارسات التي تنتهك حقوق الانسان ويدفع مع الوقت الى اعمال هذه الحقوق في صنع السياسات البيئية وخطط التنمية المستدامة.

البيئة أحد أهم أعمدة التنمية المستدامة

أن نتناول مسألة البيئة ونتعمق في فهمها وتفكيكها وقراءة ابعادها وتداعيات انتهاكها لا يعني بالضرورة تناولها من زاوية علمية تقنية جافة وبعين عالِم الأرض والإحياء أو عالِم الاقتصاد فقط. وإنما من الضروري تناولها من الجانب السوسيولوجي. اذ تبيَّن ان كل انتهاك في حق البيئة هو انتهاك في حق الانسان في عيشه وكرامته ومأكله وملبسه ورزقه وأمنه، مؤثرة بشكل مباشر في علاقاته وانفعالاته وممارساته. أي أن البيئة أصبحت مقياسا لفهم وقراءة المجتمعات وتفكيك الظواهر البارزة فيها والمساهمة أحيانا في تطورها كالعنف والانتحار والهجرة الداخلية والخارجية والبطالة وغيرها من الظواهر. ونجد البيئة اليوم حاضرة وبقوة في عدة دراسات سوسيولوجية وكتابات أكاديمية على غرار الكتابات التي تناولت الحركات الاجتماعية. أو تلك التي كتبت عن “ثورات الربيع العربي” أو الدراسات التي تناولت ظواهر اجتماعية في سياق الازمات العالمية كأزمة كوفيد-19 التي أخذت حيزا هاما في دراسة العلاقات والتغيرات والتوقعات والتنبؤات. وعرّت حجم فشل السياسات الذي اختفى بين طيات ما يعرف بالانتقال الديمقراطي والمكاسب السياسية.

ولأن الانتهاكات البيئية أحد أسباب تعميق التفاوت بين فئات المجتمع الواحد، بين فئة مستفادة من الثروة مستنزفة للموارد ومدعومة من السلطة، وفئة مغتصبة الحقوق تشكو كل مظاهر البؤس والفقر وتشعر بالإقصاء و”التهميش المركّب” مضطرة الى التعايش مع أنواع من التلوث لا تنبئ إلا بهلاكها، فان البعد البيئي يعتبر أحد أهم أبعاد التنمية المستدامة لا يقل أهمية عن البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي. بمعنى أن تحقيق تنمية مستدامة بحيث “تستجيب لحاجيات الحاضر دون ان تعرض للخطر قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.”[12]  لا يمكن إلا من خلال العمل على تقليص آثار الأنشطة الاقتصادية المضرة بالبيئة واعتماد المصادر النظيفة والمتجددة لإنتاج الطاقة وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية والمحافظة عليها. الى جانب اعتماد البحث العلمي والتطور التكنولوجي في كل ما من شأنه أن يحقق استدامة الموارد وصمودها أمام المتغيرات وتنمية المجتمعات الفقيرة والفئات الهشة وتشريكها في رسم الخطط والسياسات وتوفير حماية اجتماعية ومستوى عيش كريم لكل افراد المجتمع.

أمثلة لبعض المعاهدات الدولية الثنائية والمتعددة الأطراف المصادق عليها من طرف الجمهورية التونسية:

قامت الجمهورية التونسية بالمصادقة على عدد كبير من المعاهدات الدولية الثنائية أو المتعددة الاطراف بموجب قوانين أصبحت بالتالي جزءا لا يتجزأ من القانون الوطني واكتسبت علوية على القوانين العادية حسب التسلسل الهرمي للمعايير القانونية التونسية.

أمثلة من بعض المعاهدات المتعددة الاطراف
الاتفاقية الخاصة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي المصادق عليها بموجب القانون عدد 89 لسنة 1974
الاتفاقية الدوليّة لسنة 1969 المتعلّقة بالمسؤولية المدنيّة للأضرار الناجمة عن التلوّث بالوقود. انخرطت فيها تونس بموجب القانون عدد 13 لسنة 1976.
الاتفاقية الدولية لسنة 1969 المتعلقة بالتدخل عرض البحر عند وقوع حادث ينجر عنه تلوث بمواد أخرى غير الوقود. انخرطت فيها تونس بموجب القانون عدد 14 لسنة 1976
الاتفاقية الدولية لسنة 1973 المتعلقة بالوقاية من التلوث الصادر عن البواخر. انخرطت فيها تونس بموجب القانون عدد 15 لسنة 1976
الاتفاقية الدولية المتعلّقة بإحداث صندوق دولي لجبر الأضرار الناجمة عن التلوّث بالوقود.  انخرطت فيها تونس بموجب القانون عدد 16 لسنة 1976
الاتفاقية المتعلّقة بوقاية البحار من التّلوث الصادر عن وضع الفواضل في أعماق البحر. انخرطت فيها تونس بموجب القانون عدد 17 لسنة 1976
الاتفاقية المتعلقة بالمناطق الرطبة ذات أهمية دولية خاصة كمأوى للطيور والتي انخرطت فيها تونس بموجب القانون عدد 9 لسنة 1980
اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات القافية عند حدوث نزاع مسلح وفي النظام التنفيذي لهذه الاتفاقية وكذلك في البروتوكول الخاص لحماية الممتلكات الثقافية عند حدوث نزاع مسلح المصادق عليها بموجب القانون عدد 69 لسنة 1980
بروتوكول مونريال في شأن المواد المستنفذة لطبقة الأوزون المصادق عليه بموجب القانون عدد 55 لسنة 1989
اتفاقية “باماكو” بشأن حضر استيراد النفايات الخطرة إلى إفريقيا ومراقبة وإدارة تحركها عبر الحدود الإفريقية. في باماكو بتاريخ 20 ماي 1991 والتي دخلت حيز النفاذ بموجب القانون عدد 11 لسنة 1992
اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي المصادق عليها بموجب قانون عدد 45 لسنة 1993
 اتفاقية ” بازل ” بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود مصادق عليها بموجب القانون عدد 63 لسنة 1995
الاتفاقية المتعلقة بحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث المصادق عليها بموجب قانون عدد 29 لسنة 1977 والمصادق على تعديلاتها وعلى التعديلات على بروتوكولاتها وبالمصادقة على بروتوكولاتها الجديدة بموجب قانون عدد 15 لسنة 1998
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في البلدان التي تعاني من الجفاف الشديد و / أو من التصحر وبخاصة في إفريقيا المصادق عليها بموجب القانون عدد 52 لسنة 1995
المعاهدة الدولية بشأن الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة، المعتمدة خلال الدورة الحادية والثلاثين للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة بروما في 03 نوفمبر 2001 والموقعة من قبل الجمهورية التونسية في 10 جوان 2002 والموافق عليها بموجب قانون 15 لسنة 2004 والمصادق عليها بموجب الأمر 917 لسنة 2004
أمثلة من بعض المعاهدات الثنائية الاطراف
اتفاق بين حكومة الجمهورية التونسية وحكومة الجمهورية الإيطالية والمتعلق بتحديد الجرف القاري بين البلدين مصادق عليه بموجب القانون عدد 16 لسنة 1976
 اتفاقيات المبرمة بين الجمهورية التونسية والجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية الخاصة بالجرف القاري مصادق عليه بموجب القانون عدد 10 لسنة 1989
اتفاق بين حكومة الجمهورية التونسية وحكومة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وحكومة المملكة المغربية متعلق بالمخطط الاستعجالي شبه الإقليمي للاستعداد والتصدي لحوادث التلوث البحري في منطقة جنوب غرب البحر الأبيض المتوسط، المبرم بالجزائر في 20 جوان 2005 ومصادق عليه بموجب الأمر عدد 555 لسنة 2006

المصدر: مصادر قانون البيئة في تونس – المحكمة الإدارية تونس- باللغة الفرنسية [13]

لنعد قليلا الى بداية حديثنا عن الضمانات الدولية لحقوق الانسان تحديدا الى الفقرة التي تتحدث عن الحق في الحياة المنصوص عليه في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وبعد ذكر كل هذه الإجراءات الدولية والجهود الأممية الرامية الى حماية الحق في البيئة والحق في التنمية المستدامة والحق في الماء وحماية الأرض والإنسان من كوارث محتملة باتت وشيكة، تأكد لنا أن حق الحياة يشمل كل الحقوق الأخرى ويحمل عدة أوجه. وما الحقوق البيئية إلا جزيئات مكونة له مرتبطة ببعضها ارتباطا وثيقا وبأن حق الانسان في الحياة يتعرض الى انتهاك كبير واعتداء لا يمكن رده أو التوقي من مخاطره اعتمادا فقط على تعهدات دولية. وانما وجب توفير حماية داخلية من خلال نصوص دستورية وآليات قانونية وسياسات ناجعة وعدالة قضائية تكون بمثابة الضوابط الكافية للحد من الانتهاكات والرادع الفعلي لكل المشاريع والنشاطات المخلة بالبيئة والمهدّدة لحياة الانسان.

  1. المنظومة الوطنيّة للحقوق البيئيّة
  2. دستور 2014

على خلاف دستور 1959 أقر دستور جانفي 2014 جملة من الحقوق البيئية وخصص لها فصولا كاملة في باب الحقوق والحريات الى جانب التنصيص على احداث هيئة دستورية مختصة تستشار في كل ما يخص البيئة والتنمية المستدامة من قوانين ومخططات واستراتيجيات. مكسب لم يأتي من فراغ ولم يكن مجرد اجتهاد من المشرّع في ذلك الوقت. وإنما جاء نتيجة نضالات ومجهودات افراد وجمعيات نادت بدسترة الحقوق البيئية على مدى عقود من الزمن. وظلت على إصرارها بعد سقوط الدكتاتورية وطالبت بتكريس مبادئ الثورة وحماية حقوق الانسان. نداءات تبنتها الطبقة السياسية والممثلة في المجلس التأسيسي آنذاك وترجمتها في عدد هام من الفصول اما بشكل صريح أو ضمني. كما حظيت المسألة البيئية بالذكر في توطئة الدستور والتي تعتبر جزءا لا يتجزأ منه وفق الفصل 145.

الفصل النص
التوطئة ووعيا بضرورة المساهمة في سلامة المناخ والحفاظ على البيئة سليمةً بما يضمن استدامة مواردنا الطبيعية واستمرارية الحياة الآمنة للأجيال القادمة
الفصل 12 تسعى الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والتوازن بين الجهات، استنادا إلى مؤشرات التنمية واعتمادا على مبدأ التمييز الايجابي. كما تعمل على الاستغلال الرشيد للثروات الوطنية.
الفصل 13 الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، تمارس الدولة السيادة عليها باسمه.
الفصل 22 الحق في الحياة مقدّس، لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون.
الفصل 38 الصحة حق لكل إنسان.
الفصل 44 الحق في الماء مضمون. المحافظة على الماء وترشيد استغلاله واجب على الدولة والمجتمع.
الفصل 45 تضمن الدولة الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ. وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي.
الفصل 129 (باب الهيئات الدستورية) تُستشار هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة وجوبا في مشاريع القوانين المتعلقة بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وفي مخططات التنمية. وللهيئة أن تبدي رأيها في المسائل المتصلة بمجال اختصاصها.
الفصل 49 يحدّد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك.

الملاحظ أن الدستور قرن مسألة البيئة بمسألة التنمية المستدامة اذ أن أغلب الفصول الموجودة في الجدول أعلاه تؤكد على ضرورة حماية البيئة والموارد الطبيعية وضمان استدامتها.  وما احداث هيئة عليا للتنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة الا تأكيد على ذلك. وبهذا تكون المقاربة الدستورية في ضمان الحقوق البيئية مقاربة شاملة بحيث تؤكد على أن البيئة هي أحد أبعاد التنمية المستدامة لا تقل أهمية على البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي.

الحق في بيئة سليمة: وفق نص الفصل 45 من الدستور فان واجب حماية البيئة وسلامة المناخ محمول على الدولة وأن توفير وسائل القضاء على التلوث من مهام الدولة أيضا. هذا الفصل جاء متأخرا. اذ أن إقرار الحق في البيئة والتنصيص عليه لم يكن وليد دستور 2014، بل سبق تكريسه في القانون عدد 91 لسنة 1988 المتعلق بإحداث وكالة حماية المحيط وجعلها تحت اشراف الوزارة الأولى آنذاك كأول مؤسسة رسمية مكلفة بحسب نص القانون بمقاومة كل مصادر التلوث، والمساهمة في إعداد واقتراح وتنفيذ السياسات العامة للحكومة في ميدان مقاومة التلوث وحماية المحيط. الى جانب مهمة تقديمها لدراسة التأثير على المحيط قبل “انجاز أي وحدة صناعية، فلاحية أو تجارية تمثل حسب طبيعة نشاطها أو بسبب الإنتاج أو التحويل المستعملة مخاطر تلوث المحيط أو تدهوره” [14]. وبذلك تكون الوكالة سابقة في احداثها حتى لوزارة البيئة التي لم تنشأ رسميا إلا سنة 1991.

 كما أشار نفس الفصل الى مسألة المناخ. وهو ما يطرح تساؤلات حول جهود الدولة التونسية في حماية المناخ. وهل وفرت فعلا آليات قانونية وتشريعات تتلاءم مع التزاماتها الدولية في علاقة بمقاومة التغييرات المناخية وانخراطها في الاتفاقيات والخطط الدولية ذات الصلة؟

الحق في الماء: خصه الدستور بفصل كامل، الفصل 44، حتى أنه سبق الحق في البيئة نظرا لأهمية الماء كمصدر للحياة ومورد حيوي هام ومحرك من محركات التنمية. لكن نص الدستور لم يكن بالوضوح الكافي ولا بالشكل الذي يحدد لا نوعية الماء ولا جودته ولا كميته. وإنما جاء لفظ الماء عامّا فضفاضا قابلا لعدة قراءات. كذلك جعل نص الدستور مسؤولية توفير الماء والمحافظة عليه محمولة على الدولة والمجتمع على حد سواء. وبذلك فتح بابا للتأويل وسهل على الدولة التملص من مسؤوليتها. في حين أن ما تعيشه تونس اليوم من فقر مائي وما تعانيه جهات عديدة وأرياف عدة على مر السنوات من عطش وانقطاعات متكررة يعود بالأساس الى سوء التصرف في الموارد وتوزيعها بشكل غير عادل والى الصناعات المستنزفة للمائدة الجوفية ومنوال التنمية المشجع للقطاعات المستهلكة للماء. وبالتالي فإن المسؤول بشكل مباشر هي الدولة بمؤسساتها وسياساتها وتشريعاتها.

الحق في التنمية المستدامة: تم ذكر مسألة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة في توطئة الدستور. بحيث ربط المشرّع البيئة والمناخ بالموارد الطبيعية. وجعل من المحافظة عليها شرطا من شروط تحقيق تنمية مستدامة تحفظ حقوق الأجيال الحالية وتضمن تمتع الأجيال القادمة بها. وفي موضع آخر من الدستور، تحديدا في الفصل 12، يقرّ المشرّع بأن العدالة الاجتماعية والتمييز الإيجابي بين الجهات، كمبدأ حديث الذكر في التشريع التونسي، شرط من شروط تحقيق تنمية مستدامة وبذلك إقرار واضح بضرورة تلازم المسارات وتوحيد الرؤى الاقتصادية والاجتماعية والبيئية من اجل استدامة التنمية. كما يمكن القول بأن التمييز الإيجابي لا يكون فقط من خلال إرساء مقومات اقتصادية للتنمية من قبيل المؤسسات التشغيلية والبنية التحتية الى اخره ولكن أيضا من خلال ضمان بيئة سليمة والمحافظة عليها وعدم المساهمة في تدهور عناصرها بتعلة تحقيق النمو الاقتصادي.

  1. الإطار القانوني والمؤسساتي

فيما يلي أمثلة لبعض القوانين، المجلات، الأوامر القرارات والمؤسسات المتعلقة بالبيئة

أمثلة لبعض القوانين
القانون عدد 87 لسنة 1983 المؤرخ في 11 نوفمبر 1983 المتعلق بحماية الأراضي الفلاحية وجميع النصوص التي نقحته وتممته
القانون عدد 91 لسنة 1988 المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية لحماية المحيط
القانون عدد 20 لسنة 1989 المؤرخ في 22 فيفري 1989 المتعلق بتنظيم استغلال المقاطع
القانون عدد 70 لسنة 1995 المؤرخ في 17 جويلية 1995 المتعلق بالحفاظ على المياه والتربة
القانون عدد 73 لسنة 1995 المؤرخ في 24 جويلية 1995 المتعلق بالمجال البحري العمومي (الباب الخامس، الفصل 27)
القانون عدد 29 لسنة 1996 المؤرخ في 3 أفريل 1996 المتعلق بضبط خطة عمل وطنية عاجلة لمقاومة حوادث التلوث البحري
القانون عدد 25 لسنة 1996 المؤرخ في 25 مارس 1996 المتعلق بإحداث مركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة
القانون عدد 41 لسنة 1996 المؤرخ في 10 جوان سنة 1996 المتعلق بالنفايات وبمراقبة التصرف فيها وإزالتها والنصوص التطبيقية لتنفيذها الذي تم تنقيحه وإتمامه بالقانون عدد 14 لسنة 2001 مؤرخ في 30 جانفي 2001 المتعلق بتبسيط الإجراءات الإدارية الخاصة بالتراخيص المسلمة من طرف وزارة البيئة والتهيئة الترابية في المجالات الراجعة لها بالنظر
القانون عدد 34 لسنة 2007 المؤرخ في 04 جوان 2007 المتعلق بجودة الهواء
القانون عدد 49 لسنة 2009 المؤرخ في 20 جويلية 2009 المتعلق بالمساحات المحمية البحرية
القانون عدد 71 لسنة 2016 المؤرخ في 30 سبتمبر 2016 المتعلق بقانون الاستثمار
القانون عدد 35 لسنة 2018 المؤرخ في 11 جوان 2018 المتعلق بالمسؤولية المجتمعية للمؤسسات
أمثلة لبعض المجلات
مجلة المياه
مجلة التهيئة الترابية والتعمير
مجلة السلامة والوقاية من اخطار الحريق والانفجار والفزع بالبنايات
مجلة الحقوق العينية
مجلة تشجيع الاستثمارات
مجلة الغابات
مجلة الشغل
مجلة المحروقات
مجلة المناجم
أمثلة لبعض الأوامر
أمر عدد 195 لسنة 1977 المتعلق بتنظيم وتشجيع الدولة على حفظ المياه وأديم الأرض

الأمر عدد 814 لسنة 1978 المتعلق بضبط شروط البحث عن المياه الباطنية واستغلالها

الأمر عدد 252 لسنة 1995 المتعلق بضبط شروط منح رخص الصيد البحري والمعاليم المستوجبة لإسنادها

الأمر عدد 1991 لسنة 2005 المتعلق بدراسة المؤثرات على المحيط وبضبط أصناف الوحدات الخاضعة لدراسة المؤثرات على المحيط وأصناف الوحدات الخاضعة لكراسات الشروط

الأمر عدد 3329 لسنة 2005 المتعلق بضبط شروط وإجراءات الإشغال الوقتي للمنتزهات الحضرية وشروط وإجراءات منح لزمة انجازها واستغلالها

الأمر عدد 56 لسنة 1985 مؤرخ في 2 جانفي 1985 يتعلق بتنظيم تصريف النفايـات في المحيط.

الأمر عدد 2339 لسنة 2000 مؤرّخ في 10 أكتوبر 2000 يتعلّق بضبط قائمة النفايات الخطرة.

الأمر عدد 956 لسنة 2004 مؤرخ في 13 أفريل 2004 يتعلق بضبط تركيب اللجنة الخاصة بالمؤسسات الخطرة أو المخلة بالصحة والمزعجة ومشمولاتها وطرق سيرها.

الأمر عدد 3395 لسنة 2005 المتعلق بضبط شروط وطرق جمع المراكم والحاشدات المستعملة.

الأمر عدد 2687 لسنة 2006 المتعلق بإجراءات فتح المؤسسات الخطرة أو المخلّة بالصحّة أو المزعجة واستغلالها.

الأمر عدد 2745 لسنة 2008 المتعلق بضبط شروط وطرق التصرف في نفايات الأنشطة الصحية.

الأمر عدد 1064 لسنة 2009 المتعلق بضبط شروط إسناد التراخيص لممارسة أنشطة تصرف في نفايات خطرة وتراخيص إلقاء نفايات أو مواد أخرى في البحر.

الأمر عدد 2519 لسنة 2010 المتعلق بضبط الحدود القصوى عند المصدر لملوثات الهواء من المصادر الثابتة كما تم تنقيحه وإتمامه بالأمر الحكومي عدد 928 لسنة 2018 المؤرخ في 7 نوفمبر 2018 .

الأمر عدد 447 لسنة 2018 المتعلق بضبط الحدود القصوى وحدود الإنذار لنوعية الهواء المحيط.

الأمر عدد 2015 لسنة 2002 المتعلق بضبط القواعد الفنية المتعلقة بتجهيز وتهيئة العربات المستعملة لنقل المواد الخطرة عبر الطرقات.

الأمر عدد 1749 لسنة 2004 المتعلق بضبـط قائمـة وتعريف المواد الخطرة من القسم الثاني المسموح بنقلها عبر الطرقات وشروط لفها وشحنها وتفريغها.

الأمر عدد 2745 لسنة 2006 المتعلق بضبط قائمة وتعريف المواد الخطرة من القسم الرّابع المسموح بنقلها عبر الطّرقات وشروط لفّها وشحنها وتفريغها.

 أمثلة لبعض القرارات
قرار وزير الفلاحة المؤرخ في 24 ماي 1988 المتعلق بنقل وبيع المنتجات الغابية
قرار وزير الفلاحة المؤرخ في 18 جوان 1988 المتعلق بتنظيم تربية الحيوانات من نفس أصناف حيوانات المصيد والاتجار فيها
قرار وزير الفلاحة المؤرخ في 18 جوان 1988 المتعلق بتنظيم تقنيات القبض على الطيور الجوارح وشروط مسكها
قرار وزير الفلاحة المؤرخ في 13 ديسمبر 1988 المتعلق بتنظيم ممارسة حقوق الانتفاع بملك الدولة للغابات
قرار وزيري المالية والفلاحة المؤرخ في 24 جويلية 1991 المتعلق بضبط المعاليم المستخلصة عن استعمال مياه ورمال الملك العمومي للمياه
الإطار المؤسساتي للحق في البيئة
وزارة البيئة أحدثت سنة 1991
الوكالة الوطنية لحماية المحيط أحدثت بموجب القانون عدد 91 لسنة 1988
وكالة حماية الشريط الساحلي أحدثت بموجب القانون عدد 72 لسنة 1995
وكالة التصرف في النفايات أحدثت بموجب الأمر عدد 2317 لسنة 2005
الديوان الوطني للتطهير أحدث بموجب القانون عدد 73 لسنة 1974
الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه احدثت بموجب القانون عدد 22 لسنة 1968 والمنقح بالقانون عدد 21 لسنة 1976
البنك الوطني للجينات أحدث بمقتضى الأمر عدد 1748 لسنة 2003 تحت اشراف وزارة الفلاحة
المجلس الوطني للمحافظة على المياه والتربة أحدث بموجب القانون عدد 70 لسنة 1995
مركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة CITET أحدث بموجب القانون عدد 25 لسنة 1996
الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة بموجب القانون عدد 48 لسنة 1985 والمرسوم عدد 8 لسنة 1985 المتعلق بالاقتصاد في الطاقة
هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة المحدثة بموجب القانون الأساسي عدد 60 لسنة 2019 المؤرخ في 9 جويلية 2019

 

ترسانة هامة من القوانين والتشريعات الضامنة للحقوق البيئية والمتأثرة بشكل كبير بالاتفاقيات الدولية الملتزمة بها بلادنا. تعززت مع الوقت بإنشاء مؤسسات متخصصة وفي مقدمتها الوكالة الوطنية لحماية المحيط التي كانت اللبنة الأولى في مسار بناء مؤسسات عمومية تترجم فعليا إرادة السلطة في تطبيق تعهداتها دوليا ووطنيا. ولضمان نجاعة هذه القوانين وضع المشرّع حزمة من الإجراءات الوقائية المتنوعة بتنوع المجالات وحسب اختلاف مكونات البيئة تسمح للإدارات المختصة بمراقبة استغلال الثروات الطبيعية ومتابعة مدى الالتزام بالمحافظة عليها على غرار نظام الرخص وكراس الشروط ودراسات التأثير على المحيط بالإضافة الى جهاز الشرطة البيئية.

لكن هذه الترسانة تقف اليوم عاجزة عن تحقيق الأهداف التي وضعت لأجلها. تفاقمت الازمات واحتدّت خاصة في العشرية الأخيرة وأثبتت الحقائق عجز القوانين عن التصدي للانتهاكات اما بسبب عدم كفايتها أو عدم تفعيلها أو عدم ملاءمتها مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية. كما أن تعاطي السلطة والمؤسسات المعنية مع الازمات لم يكن بالمستوى المطلوب. ولم تتمكن المنظومة القانونية من إيجاد حلول ناجعة للمشاكل الناجمة عن التلوث بسبب الأنشطة الصناعية ولا لأزمة العطش ولا لأزمة النفايات ولا حتى لأزمة الصرف الصحي. هذا يؤكد أن القوانين وحدها لا تكفي لحماية حقوق الانسان. وأنها تبقى مجرد حبر على ورق طالما لم تتوفر الآليات الكافية لتطبيقها. وطالما لم ترفق بإرادة سياسية قوية وإيمان بأهمية الجانب البيئي للنهوض بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.

  1. معيقات انفاذ الحقوق البيئية
  2. غياب آليات ومبادئ حماية البيئة

 تعتري قوانين حماية البيئة في تونس معوقات عدة سواء من الناحية العملية أو من الناحية الإجرائية أو من الناحية القضائية. وإذ يعتبر القانون في حد ذاته آلية هامة لتكريس أي حق من حقوق الانسان إلا أن مجرد المصادقة عليه لا يعني بالضرورة انفاذه. فقوانين حماية البيئة مثلا وحتى تكون بالنجاعة المطلوبة يجب ان تنبني على أربعة مبادئ أساسية وهي مبدأ الوقاية، مبدأ الاحتياط، مبدأ مسؤولية الملوث (أو الملوث يدفع)، ومبدأ الشفافية وحق النفاذ الى المعلومة. أربع مبادئ هي بمثابة حجر الأساس في مجال حماية البيئة لكن تعتريها الكثير من الشوائب التي تحول دون ضمان فعاليتها، ودون تحقيق التكامل بين آليات الحماية الوقائية والتدابير الإدارية، وبين نظام التعويض عن الاضرار من جهة ومنظومة الردع الجزائي وتطبيق الاحكام القضائية من جهة أخرى.  فعندما نجد مؤسسات تنتصب وتنتج وتلوث البيئة والمحيط وتؤرق حياة الناس وتمارس جرائم في حق المحيط وتلقي فضلاتها برا وبحرا وجوا ثم يتبيّن في مرحلة ما أنها تعمل دون ترخيص أو أنها لم تقم بدراسة التأثير على المحيط الا بعد سنوات من الانتصاب والإنتاج[15] مخالفة بذلك ما ورد في القانون عدد 91 لسنة 1988 المحدث لوكالة حماية المحيط والمحدّد لصلاحياتها. وللأمر عدد 362 لسنة 1991 وما ورد في فصله الأول من تعريف لدراسة التأثير على المحيط بأنها “الدراسة الواجب الادلاء بها قصد الحصول على ترخيص اداري والتي تسمح بتقدير وتقييم وقيس الآثار المباشرة وغير المباشرة على المحيط لهذه الوحدات على المدى القصير والمتوسط والطويل.” فعن أي مبدأ للوقاية نتحدث وأين الوكالة الوطنية لحماية المحيط من هذه الجرائم؟ أو كذلك مؤسسات صادر ضدها قرار غلق اما بسبب عدم احترامها للقانون أو بسبب انتهاء عمرها الافتراضي ورغم ذلك تستمر في اشغالها في تحدٍ صارخ لنداءات المجتمع المدني ولأحكام القضاء وبتواطؤ واضح من السلطة والمؤسسات المعنية ولنا في ذلك أمثلة عديدة وردت بأكثر تفاصيل في بقية أجزاء هذا التقرير.

  1. منوال التنمية وغياب الإرادة السياسية

لئن كثرت المشاكل البيئية وازدادت حدتها في العشرية الأخيرة بعد الثورة، ولئن ظهرت عدة حركات اجتماعية منها العفوية ومنها المنظمة انتفضت ضد الانتهاكات البيئية وضد الاختلال الواضح في التنمية بين الجهات فان جذور الانتفاضة البيئية يمتد الى عشرات السنوات. انتهاكات توارثتها الأجيال وزادتها حدّة سياسات التهميش الممنهج التي اعتمدتها الدولة منذ الاستقلال الى اليوم. منوال التنمية والسياسات العمومية والخيارات الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة التي لم يقع تعديلها ومراجعتها بحيث مرت بجانب مطالب الثورة وأسباب اندلاعها، انتجت تنمية غير متكافئة وتهميشا مركبا واختلالا بين الفئات والطبقات والجهات وعمقت حجم الهوة بين السلطة بمؤسساتها ومكوناتها وبين الشعب ومطالبه واستحقاقاته.

ان خطط التنمية المستدامة والبرامج التي القتها على مسامعنا كل الحكومات المتعاقبة والالتزامات الدولية التي تقع على عاتق تونس في علاقة بالحفاظ على البيئة وسلامة المناخ وحماية حقوق الأجيال القادمة والحفاظ على الثروات الطبيعية لم تترجم على ارض الواقع وتاهت بين هتافات هلامية وشعارات فضفاضة عكست غياب الإرادة والفعل المسؤول من جهة. وغياب الوعي البيئي لدى الطبقة السياسية من جهة أخرى خاصة من تصدروا المشهد في العشرية الأخيرة من وزراء ونواب شعب ومسؤولين، انقسموا بين جاهل بحجم المخاطر والتهديدات، وبين متواطئ انتهازي متورط بشكل أو بآخر في جرائم ضد البيئة والإنسان.

ولا يمكن أن نتحدث عن توفر إرادة سياسية فعلية للتغيير الإيجابي طالما لم نرَ مؤشرا واحدا لذلك على أرض الواقع. اذ كيف يمكن أن تتحقق التنمية المستدامة في ظل تهميش جهات بأكملها. واستنزافا لثروات طبيعية هي بالأساس ملك للشعب. وتجرؤ على القانون من قبل المعنيين بتطبيقه. واستشراء الفساد وتفشيه في كل المجالات. وبيروقراطية الادارة ومركزية القرارات والموارد. وغياب الشفافية. وعدم تشريك أصحاب الحقوق والمجتمع المدني في التخطيط ورسم السياسات. وتجريم تحركات ومطالب ضحايا الانتهاكات. واستمرار سياسة الهروب الى الامام والارتجالية في اخذ القرارات واستنباط الحلول. والمماطلة في تنفيذ الالتزامات والاتفاقات. وسن قوانين فضفاضة فقط من اجل امتصاص غضب الشارع وإنجاح حملات انتخابية أو تلميع صورة طرف أو حزب لمصلحة ما أو لفترة ما.  إرادة التغيير لا تكون في شعارات بل يجب ان تترجم في مشاريع وقرارات نافذة، وميزانيات مخصصة، واستراتيجيات استباقية واستشرافية، وآليات واضحة، وفي قوانين صارمة قابلة للتنفيذ، وفي ارضية ملائمة للتطبيق. ويحيلنا هذا الى ثالث معيقات انفاذ الحق في البيئة في علاقة بالقوانين ومدى قدرتها على تكريس الحقوق.

  1. قوانين فضفاضة وأخرى اما غير محينة أو خاضعة لسياسة الكيل بمكيالين

حزمة القوانين البيئيّة التي أشدنا بها في جزء سابق من التقرير على كثرتها وتنوع مجالات تخصصها إلا أننا نقول فيها كما قال محمود درويش “ما أشد براءتنا حين نظن أن القانون وعاء للعدل والحق، القانون هنا وعاء لرغبة الحاكم أو بدلة يفصلها على قياسه”.  هكذا هي عدة قوانين في تونس. منها ما بقي حبرا على ورق لعدم توفر آليات واضحة لتنفيذه تعتريه الضبابية ويعوزه الجانب الردعي، ومنها ما تستعمله السلطة وأجهزتها لصالح فئة دون الاخرى تطبقه متى ارادت وتتجاوزه كلما اقتضت المصلحة. ومنها المستحدث الذي يعكس تمشي الدولة نحو مزيد من انتهاك الثروات الطبيعية واستنزافها والتخلي عن دورها في حمايتها وحسن التصرف فيها. وكثيرة هي القوانين التي ساهمت في تكريس سياسة الافلات من العقاب أو الكيل بمكيالين.

وقد خاض المجتمع المدني في تونس خاصة بعد الثورة معارك عديدة ضد المنظومة القانونية الحالية في علاقة بالحق في البيئة والحق في الماء والحق في التنمية المستدامة، ونادى بضرورة مراجعة بعض القوانين، سواء القديمة أو الحديثة، والمجلات التي انتهت صلاحيتها، وأثبتت عجزها عن مجاراة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والصمود أمام الأزمات والاستجابة لآمال وطموحات الناس خاصة المنتهكة حقوقهم. ولعل من أبرز المعارك تلك التي خاضتها جمعيات من بينها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من اجل تعديل مجلة المياه الصادرة منذ 1975 برفضه لمشروع المجلة الذي بدأ العمل عليها منذ سنة 2009 والتي عرّت نوايا المشرّع في خصخصة قطاع المياه وتشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في التصرف في الموارد المائية بما لا يتلاءم مع مبادئ التصرف الرشيد والمستدام في الثروات الى جانب فتح المجال واسعا أمام الاستغلال الصناعي للمياه وتقنينه. هنا كان دور المجتمع المدني قويا وفاعلا من خلال تقديم مجموعة من المقترحات في إطار مناصرة مشروع مجلة في شكل جديد مبني على مقاربة حقوقية اجتماعية تؤسس لمستقبل آمن، وتحمي الموارد المائية، تتماشى مع احكام الفصل 44 من الدستور، وتحقق المساواة بين الجميع في الحق في الماء الصالح للشراب وفي خدمات التطهير على أساس مبادئ حقوق الانسان ووفق المعايير الدولية. وقد قدم المنتدى كغيره من الجمعيات مقترحاته[16] للجنة الفلاحة والأمن الغذائي والتجارة والخدمات ذات الصلة بمجلس نواب الشعب عند مناقشتها للمجلة قبل تمريرها للمصادقة عليها في المجلس. مقترحات من بينها إلغاء عقدي اللزمة والتوقف عن اسداء تراخيص جديدة لشركات تعليب المياه الى جانب ضرورة الغاء منظومة المجامع المائية في الأرياف وتعويضها بالوكالة الوطنية لمياه الشرب والري بالوسط الريفي.

لكن المشهد السياسي وتركيبة البرلمان جعلت من المجلة محل جدل وتباينات عطلت عملية المصادقة عليها لنجدها اليوم في الرفوف خاصة في ظل التدابير الاستثنائية وتجميد اعمال المجلس بعد احداث 25 جويلية 2021. مسؤولية أخرى تلقى على عاتق المجتمع المدني الذي لم ولن يتوانى عن الدفاع عن استحقاقات الناس وعن التصدي للانتهاكات. وجبهة أخرى مفتوحة بينه وبين السلطة.

قانون آخر يعكس سكيزوفرانيا السلطة وخبث المشرّع التونسي هو القانون عدد 35 لسنة 2018 المتعلق بالمسؤولية المجتمعية للمؤسسات. فعن وعي بأهمية البعد البيئي والمشاكل المتأتية عن الخيارات اللاعدالة ودورها المحوري في تحديد مسارات الدول ومصير الأنظمة الحاكمة وفي اشعال فتيل الاحتجاجات والمقاومة الشعبية، وعن وعي أيضا بضرورة توفير آليات قانونية وطنية تتلاءم مع الالتزامات الدولية وخطط التنمية المستدامة والحفاظ على سلامة البيئة والمناخ تستمد مرجعيتها من مبادئ دستور 2014 وميثاق الأمم المتحدة للمسؤولية المجتمعية ومن الإعلان العالمي لحقوق الانسان ومواثيق منظمة العمل الدولية وإعلان ريو بشأن البيئة والتنمية[17]، وبضغط من المجتمع المدني اصدر مجلس نواب الشعب في جوان 2018 قانونا بدا في ظاهره آلية جديدة لتمويل المشاريع في الجهات الأقل حظا، وانخراط المؤسسات المنتصبة فيها في استحداث ديناميكية تنموية تنهض بها وتحفظ استدامة ثرواتها من خلال تحقيق مصالحة بين المؤسسات ومحيطها البيئي والاجتماعي. لكن هذا القانون بشكله الحالي لا يتعدى مجرد السفسطة القانونية، ونص مركب من الوهميات والعبارات الفضفاضة التي تؤكد أن الغاية من سنه وإصداره كانت فقط لإسكات الاصوات المنادية به والمنددة بالجرائم والانتهاكات التي تمارسها عديد المؤسسات والشركات المستنزفة للثروات الطبيعية والمدمرة للبيئة على غرار شركة فسفاط قفصة، مصانع الاسمنت، الصناعات الكيميائية، مصانع التبغ، وحدات غسل النسيج، مصانع الورق، مصانع المواد الغذائية والمصبرات والأمثلة عديدة. وقد أجمع عدد من المنظمات والجمعيات والمختصون في القانون على أن قانون المسؤولية المجتمعية للمؤسسات بصيغته الحالية أبعد ما يكون عن الأهداف التي وضع لأجلها و”لئن بدى طموحا من حيث عنوانه، الا أن هِناتِه متعددة مضمونا وتطبيقا جراء صيغته الطوعية، الأمر الذي يحثنا الى المطالبة بضرورة مراجعته نحو الصيغة الإلزامية التي يراد من خلالها طمأنة المجتمع في بداية الأمر وإعادة المصالحة الفعلية التي انشرخت بطانتها بينه وبين المؤسسات، والتي على هذا القانون تركيزها…” [18] هكذا وصفته السيدة نجيبة الزاير القاضية والمديرة السابقة للدراسات والتكوين الاساسي بالمعهد الاعلى للقضاء في ورقة سياسية أعدّتها للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في اطار مناصرة القانون وتقديم مقترحات لتنقيحه وتعديل صيغته بهدف تفعيله.

عديدة هي القوانين والنصوص التي وجب تعديلها ومراجعتها بما يتلاءم مع التزامات الدولة وتعهداتها دوليا ووطنيا من جهة ومع استحقاقات الثورة ومطالب الفئات التي طال انتظارها ولم تجن ثمار مقاومتها للاستبداد ولا حتى الاعتراف بها. وأيضا مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والمناخية. وتفادي المزيد من الكوارث التي ان حدثت فهي لن تستثني أحدا. ولا ننسى أيضا مسار اللامركزية، المتعثر الخطوات، وعجز الجماعات المحلية على القيام بمهامها والمساهمة في تقليص التفاوتات الجهوية نظرا لضعف مواردها ومحدودية صلاحياتها وغياب الإطار القانوني الذي يخول لها التصرف وفقا لمبادئ اللامركزية وجعل منها مسارا “أعرجا على المستوى التشريعي[19]. هنا نستحضر أحد أبرز مظاهر هذا العرج والذي يعكس غياب الارادة السياسية في تنفيذ القوانين وتوحيد المسارات بالشكل الذي يحمي البيئة والإنسان وتحديد مجالات التدخل وحدودها، نتحدث هنا عن جهاز الشرطة البيئيّة الذي أحدث رسميا في إطار تطبيق القانون عدد 30 لسنة 2016 المنقح للقانون عدد 59 لسنة 2006 المتعلق بمخالفة تراتيب حفظ الصحة والنظافة العامة بالمناطق الراجعة للجماعات المحلية. هذا الجهاز بقيت ملامحه الى حدود اللحظة غير واضحة، كما أن تداخل الادوار بينه وبين الشرطة البلدية وبينه وبين أجهزة وزارة الداخلية شكل عائقا أمام نجاعته ولم يجد طريقا للتنفيذ. هذا الجهاز بدا منذ انشائه ذر رماد على العيون في ظل الهشاشة التي تعتري اغلب البلديات من حيث هيكلتها والميزانيات المرصودة لها والمعدات والآليات التي تمتلكها.

  1. التقاضي البيئي سبيل لإعمال الحقوق وآلية لحمايتها

رغم قتامة المشهد وكثرة التجاوزات والانتهاكات الحاصلة في حق البيئة والإنسان، ورغم تعثر مسار مناصرة الحقوق البيئية، واصطدامها بمطبات عديدة تؤدي أحيانا الى استنزاف القوى، وأحيانا أخرى الى القبول بالواقع والتأقلم معه، إلا أن طريق المقاومة، عند أولئك الذين آمنوا بأن على الأرض ما يستحق الحياة، هي طريق طويلة لا نهاية لها. طالما توفر وعي بالحقوق وبضرورة البناء من أجل مستقبل الأجيال القادمة. وهنا نستحضر احدى أشهر مقولات مارتن لوثر كينغ، الناشط الأمريكي في مجال الحقوق المدنية، وأحد أبطال المقاومة السلمية “على كل شخص لديه قناعات إنسانية أن يقرّر نوع الاحتجاج الذي يناسب قناعاته، لكن علينا جميعا الاحتجاج.” بمعنى أن المقاومة لا تقتصر على نوع واحد من الاحتجاج أو آلية معينة دون غيرها وإنما تختلف باختلاف القناعات والأهداف والرؤى والفئات المستهدفة والسياقات. وعليه وجب طرق كل الأبواب واستغلال كل المكاسب والاستناد عليها لبلوغ التغيير المنشود.

ترسانة القوانين والمعاهدات والاتفاقيات لم توضع عبثا. وإنما وجدت لتحمي حقوق الانسان وتتصدى لانتهاكها. وعلينا جميعا استغلالها بالشكل الذي يتلاءم مع قدراتنا وآمالنا. وقد أقرّ المشرع حقا آخر من حقوق الانسان كرّسه الفصل 108 من الدستور كما يلي “حق التقاضي وحق الدفاع مضمونان، وييسّر القانون اللجوء إلى القضاء ويكفُل لغير القادرين ماليا الإعانة العدلية…”[20]. وبما أن الدولة في كل النصوص الدستورية والمواثيق الدولية هي المسؤول الأول على تكريس حقوق الانسان وبالتالي فهي ملزمة بتوفير كل العناصر الأساسية والتأسيسية المكونة للحقوق والتي حدّدتها اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية صلب المجلس الاقتصادي والاجتماعي لدى الأمم المتحدة كعنصر التوافر وعنصر إمكانية الوصول دون تمييز وعنصر الجودة الى جانب التزامها باحترام المبادئ المكونة للحقوق كمبدأ الحماية ومبدأ الاحترام ومبدأ التطبيق فبإمكاننا كأفراد أو كمجموعات مقاضاتها أو مقاضاة مؤسساتها المسؤولة عن الانتهاكات. واعتماد القضاء كدعامة قوية وفعالة تحول دون الانزلاق والانحدار بالقوانين والالتزامات. “ويمكن للضحايا الذين انتهكت حقوقهـم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وممثليهـم أن يثيـروا قضيتهم لدى آليات شبه قضائية دولية أو إقليمية لحماية حقوق الانسان ولكن بعد استنفاذ جميع مسالك التقاضي الوطنية أو عندما تنعدم الآليات القضائيّة للبلاد أو تكون غير ناجعة في التطبيق” [21]. هنا أذكّر بأن قسم العدالة البيئيّة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية توجه منذ سبتمبر 2020 الى اعتماد التقاضي البيئي في استراتيجيته من أجل تطوير طرق عمله وآليات تدخله ومساندته للتحركات البيئية. وبهدف تحقيق النجاعة المطلوبة في مناصرة قضايا الحق في البيئة والحق في الماء والحق في التنمية المستدامة[22]. فكانت تجربة الحوض المنجمي وقضيته ضد الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه بالسقدود وضد شركة فسفاط قفصة بالرديف وتجربة فرع القيروان وقضيته ضد بلدية الشبيكة على خلفية القاء نفايات مجهولة المصدر بمنطقة الرويسات. الى جانب المسار القضائي الذي انطلق فيه قسم العدالة البيئيّة مؤخرا في ملف أراضي برج الصالحي وعقود الكراء المبرمة مع الشركة التونسية للكهرباء والغاز.  كما انخرط في عدة قضايا أخرى مع جمعيات شريكة وفي دورات تكوينية لفائدة أعضاء فريقه أو لنشطاء الحركات الاجتماعية في التقاضي. سعيا منه إلى تنمية ثقافة اللجوء إلى المحاكم وإرساء فقه التقاضي البيئي من أجل محاسبة المتورطين في الجرائم البيئيّة. هذا الى جانب تكوين شبكة من المحامين والمحاميات للدفاع عن الحركات الاجتماعية وخوض اشتباك قانوني كل ما تطلب الأمر.

تشترط نجاعة مسار التقاضي وفاعليته وقابلية تنفيذ الاحكام الصادرة عنه فهم ومعرفة أنواع القضاء (العدلي والإداري والمالي) واختصاص كل نوع ومجالات تدخله وحدوده. وهذا يساعد أصحاب الحقوق ومنظمات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الانسان على تحقيق تقدم مهم في مسار المناصرة، والضغط من اجل كسب احكام عادلة ومنصفة. كما أن صدور الاحكام لا يعني بالضرورة ملاءمتها مع اهداف المناصرة. أو قابليتها للتنفيذ. ولكن مراكمة الاحكام والضغط من اجل تنفيذها، والطعن في بعضها، أو التشهير بالأحكام التي لا تحترم حقوق الإنسان. وفضح ممارسات السلطات بما فيها السلطة القضائية، ان تتطلب الأمر ذلك، من شأنه تحقيق تأثير إيجابي في السياسات والممارسات.

وقد يكون التقاضي آلية ناجعة وفعالة من آليات المناصرة تؤدي مع الوقت الى تحسين القوانين المعمول بها في الدولة سواء من خلال تطبيق قوانين موجودة وسارية المفعول، أو توضيح وتعديل قوانين ضعيفة وغير فعالة، أو الطعن في قوانين وجب الغاؤها لعدم مطابقتها مع مبادئ حقوق الإنسان أو سن قوانين جديدة، وبالتالي فرض سيادة القانون وخلق فقه قضائي ناجز وذو مرجعية حقوقية فعلية شاملة وكونية. ولما لا بعث مؤسسات خاصة بالنزاع البيئي ومحاكم بيئية. أو ما عبرت عنه القاضية نجيبة الزاير بــ”القضاء الأخضر”، خاصة مع تزايد حجم الجرائم المرتكبة في حق البيئة والإنسان وبطء المسار القضائي. اذ تعتبر القاضية والرئيسة السابقة للدراسات والتكوين الاساسي بالمعهد الاعلى للقضاء أن “من فوائد احداث مؤسسة قضائية مختصة في النزاع البيئي أيضا، تجميع كل القضايا البيئية بمحكمة مختصة او بدائرة بيئية مختصة بكل مؤسسة قضائية من الاقضية الثلاثة. هذه المؤسسات “الخضراء” تنشر بها كل النزاعات البيئية، وينظر فيها قضاة تم تكوينهم في مجال قانون البيئة، الدولي والوطني، فتكون منطلقا لسرعة التقاضي والارتقاء بنوعية الاحكام التي يعللها ويسببها هؤلاء القضاة المتخصصون.” [23]

ويلعب أيضا المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان والحركات الاجتماعية دورا محوريا وهاما. اذ من شأنها أن تكون دعامة لنضالات القضاة ولاجتهاداتهم في الاحكام التي تواجه تعطيلات في التنفيذ على خلفيات سياسية أو لحسابات أخرى، مثلما حدث في قضية النفايات مجهولة المصدر التي رفع في شأنها فرع المنتدى بالقيروان قضية ضد بلدية الشبيكة، صدر فيها حكم ضد البلدية المذكورة أنصف الاهالي بتاريخ 15 افريل 2021 لكن تعنت البلدية وتواطؤ السلط الجهوية حال دون تنفيذ الحكم لمدة 8 أشهر. هنا لم يكتفي فرع القيروان بحكم القضاء وإنما واصل في الضغط وراسل وزارة البيئة ووالي الجهة واعتمد استراتيجية إعلامية ومناصرة ميدانية افضت في الأخير الى امتثال البلدية وتنفيذ قرار المحكمة الإدارية يوم 03 ديسمبر 2021.

لذا فإن المناصرة لا تقتصر على آلية التقاضي فحسب. وإنما تنوع الآليات واختلافها وتشريك أكثر ما يمكن من فئات المجتمع في المعارك الحقوقية وفي القضايا التي تمس الانسان في حياته وفي كرامته وتهدد مستقبل الأجيال القادمة، من شأنها أن تحقق تدريجيا التغيير وتأثر في أصحاب القرار وفي صانعي السياسات.

 

حاولنا من خلال هذا الجزء من التقرير تسليط الضوء على الجوانب المضيئة في منظومة حقوق الانسان في تونس وفي المكتسبات القانونية والتشريعية التي بين أيدينا من جهة. وعلى المطبّات التي تعيق اعمال الحقوق البيئية من جهة أخرى. ولكن الأكيد أننا لم نتناول المسألة بعين رجل القانون ولم نتعمق في النصوص والتدابير والآليات نظرا أولا لعدم الاختصاص وثانيا حتى لا نقع في تأويلات وقراءات خاطئة. وإنما تناولنا المسائل بمرجعية حقوقية زادُنا فيها تجربتنا الميدانية وإيماننا بضرورة علو حقوق الانسان وكرامته وسلامته وآمنه على كل المنظومات وكل القوانين.

ولأننا نؤمن أن “طريق الالف ميل يبدأ بخطوة” وأن كل قوانين ومؤسسات وهياكل وسلطات ومكونات الدولة يفترض أن تكون في خدمة الانسان أولا وآخرا، لم نكتف بمجرد التذكير أو النقد أو التنديد وإنما خضنا ولا زلنا كل أنواع المعارك وسلكنا طريق النضال جنبا الى جنب مع أصحاب الحقوق ومع المساندين والمؤمنين بالقضايا العادلة على اختلاف مشاربهم واختصاصاتهم ومجالاتهم.

[1]  ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الانسان

[2]  المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان

[3]  ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الانسان

[4]  من كتاب “التنمية حرية” للمفكر والكاتب والاقتصادي الهندي أمارتيا صن ترجمه المصري شوقي جلال

[5]  النقطة 1 من المادة 6 من الجزء 3 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

[6]  المادة 12 النقطة 2 ب من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

[7]  النقطة ب من المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

[8]   الموقع الرسمي للأمم المتحدة، مكتب المفوض السامي، المقرر الخاص المعني بحقوق الانسان والبيئة

[9]  الموقع الرسمي للأمم المتحدة، مكتب المفوض السامي، المقرر الخاص المعني بحق الانسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي

[10]  رسالة الى السيد بيدرو اروجو اغودو  المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي، الموقع الرسمي للمنتدى https://ftdes.net/ar/rapporteur-special-sur-les-droits-de-lhomme-a-leau-potable-et-a-lassainissement/

[11]  ديباجة اعلان الحق في التنمية، جامعة مينسوتا، مكتبة حقوق الانسان http://hrlibrary.umn.edu/arab/b075.html

[12]  تقرير “مستقبلنا المشترك” المعروف بتقرير “برونتلاند” للتنمية المستدامة الصادر عن اللجنة العالمية للبيئة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة سنة 1987

[13] Les sources du droit de l’environnement en Tunisie, Tribunal Administratif de Tunisie https://web.archive.org/web/20180713102213/http://www.aihja.org:80/images/users/114/files/Congres_de_Carthagene_-_Rapport_de_la_Tunisie_2013-TUNISIE-FR.pdf

[14]  الفصل الخامس من القانون عدد 91 لسنة 1988 المتعلق باحداث وكالة وطنية لحماية المحيط

[15]  يضبط الامر عدد 2005 المؤرخ في 11 جويلية 2005 أصناف الوحدات الخاضعة لدراسة التأثير على المحيط وأصناف الوحدات الخاضعة لكراس الشروط

[16]  مشروع مجلة المياه: مقترحات قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية https://ftdes.net/ar/le-projet-de-nouveau-code-des-eaux/

[17]  قانون عدد 35 لسنة 2018 مؤرخ في 11 جوان 2018 يتعلق بالمسؤولية المجتمعية للمؤسسات

[18]  قانون المسؤولية المجتمعية للمؤسسات هيكل بلا روح للقاضية نجيبة الزاير https://ftdes.net/ar/la-responsabilite-sociale-des-entreprises-en-tunisie/

[20]  دستور 2014 الباب الخامس: السلطة القضائية، القسم الأول: القضاء العدلي والإداري والمالي

[21]  قابلية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للتقاضي الاطار القانوني والتطبيقات القضائيّة في تونس [21]  اللاّمركزيّة: خطوات أولى متثاقلة في مسار طويل الأمد، أسماء سلايمية، المفكرة القانونية https://bit.ly/33mFGUd

[22]  التقاضي البيئي: إستراتيجية عمل جديدة لقسم العدالة البيئية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية https://ftdes.net/ar/le-contentieux-environnemental-nouvel-axe-strategique-pour-le-departement-justice-environnementale-du-ftdes/

[23]   نجيبة الزاير: هل من مأسسة لقضاء اخضر بتونس؟  https://bit.ly/3GPqcpE