مشروع اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق: الحرية للسلع والتقييد للأشخاص
مشروع اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق: الحرية للسلع والتقييد للأشخاص
بقلم: مسعود الرمضاني
رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
سيحدد اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق العلاقات بين تونس والاتحاد الاوروبي على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المستقبل. وقد سبقت المشروع الذي لازال تحت الدرس والنقاش خطوات لابد من الانتباه اليها : اتفاقية الشراكة سنة 1995، التي كانت تونس اول بلد في جنوب المتوسط يسارع لإمضائها، ثم جاء مخطط العمل من اجل الشراكة المميزة، الذي تبنى بنوده السيد حمادي الجبالي، رئيس حكومة الترويكا سنة 2012، ووقعه السيد المهدي جمعة، رئيس الحكومة الانتقالية في افريل 2014.
كان من المفروض ان يغتنم الجميع مناخ الحرية الذي ساد بعد 14 جانفي 2011 ليقع نقاش عميق حول الشراكة مع الاتحاد الاوروبي ولتقييم النتائج، خاصة بعد دخول منطقة التبادل الحر حيز التنفيذ سنة 2008 وتفكيك المعاليم القمرقية على البضائع الموردة من الاتحاد الاوروبي والتي كلفت خزينة الدولة مليارات الدولارات. كما يرى الخبراء ان الاتفاقية افقدت تونس أكثر من 50 بالمائة من نسيجها الصناعي وعمقت التفاوت الجهوي، احد اهم اسباب انتفاضة 2011، وذلك بسبب اقتصار الاستثمارات الاجنبية على مناطق بعينها،
وامام غياب اي تقييم حقيقي لاتفاقية الشراكة لسنة 1995 وتداعياتها وفي وضع حرج تمر به البلاد اقتصاديا واجتماعيا نتيجة لارتفاع المديونية والعجز التجاري وانخفاض قيمة الدينار وتصاعد التحركات والمطالب ألاجتماعية، يحاول الاتحاد الاوروبي تمرير اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق الذي سيشمل بقية القطاعات، بما فيها الفلاحة والخدمات، وحسب سفير الاتحاد الاوروبي في تونس فانه يجب على بلادنا، التي انهكتها كل هذه الاوضاع، ان تسارع بإمضاء الاتفاقية التي “طال النقاش حولها“
وستقع خلال شهر افريل الجاري مفاوضات مهمة بين ممثلي الاتحاد وممثلين عن الحكومة التونسية على مستويين: الاول يخص اعادة قبول المهاجرين وتسهيل اجراءات التأشيرة، التي لا تخص الا عددا قليلا من التونسيين، والثاني مناقشة شروط التبادل التجاري، الذي سيفضي الى امضاء اتفاقية التبادل الشامل والمعمق.
اذن نحن امام فصل مقصود بين تبادل حر للسلع والمنتوجات ورؤوس الاموال وتحديد دقيق لتنقل الاشخاص من الجانب التونسي، وذلك مع صعوبة التأشيرات، خاصة بالنسبة للمواطنين العاديين.
مع اتفاق الشراكة الشامل والمعمق، يقترح الاتحاد الاوروبي على تونس مزيدا من الانفتاح الاقتصادي، انفتاح سيشمل كل القطاعات، بما فيها الفلاحة، مما سيضع الامن الغذائي امام محك صعب، ويكرس مزيد التبعية للمنتوجات الزراعية الاوروبية، التي هي اساس الغذاء في تونس، ويهدد التشغيل في هذا القطاع الحيوي.
والسؤال الذي يٌطرح دائما ويؤرق المجتمع المدني، دون ان يجد له الجواب الشافي لدى الطرفين، هو حول مدى قدرة الاقتصاد التونسي على المنافسة. فالاتحاد الاوروبي يعد بتنمية الاقتصاد التونسي عبر تسهيل الوصول الى السوق الاوروبية، ويؤكد انه سيكون محركا اساسيا للنمو وتشجيعا للاندماج الاقتصادي والاجتماعي، لكن اذا قيمنا التجارب الماضية وخاصة اتفاقية الشراكة لسنة 1995 التي أخضعت الصناعة التونسية للمنافسة الاوروبية ، نلاحظ بما لا يترك مجالا للشك أنها ، وبعد عشرين سنة من اتفاقية التبادل الحر، تعاني من صعوبات جمة، وان 55 بالمائة من النسيج الوطني الصناعي اندثرت بين 1996 و2010 وذلك بسبب عدم القدرة على المنافسة، ،وهذا حسب دراسة قام بها المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع البنك الدولي سنة 2013.
حرية التنقل في اتجاه واحد
نظريا، يحكم العلاقة بين بلدين مبدأ التعامل بالمثل، ويسعى الطرفان الى ان تكون مفاوضاتهما على قدم المساواة، لكن هذا لا ينطبق خاصة على الهجرة، فحين يمنح المواطن الاوروبي، آليا، تأشيرة مدتها ثلاثة اشهر، ما انفك المواطن التونسي الذي يقصد فضاء شانغن يعاني من صعوبات جمة، وقد لا يحصل على التأشيرة ان لم تكن لها ضمانات الاقامة هناك وضمانات العمل في تونس .
وهذا طبعا لا ينطبق على هجرة الادمغة، حيث تسجل تونس نزيفا متواصلا، خاصة باتجاه اوروبا : اذ حسب دراسة قامت بها منظمة التعاون والتنمية فان تونس سجلت مغادرة 94 الف كفاءة منذ 2011، بين اطباء واساتذة جامعيين واداريين ورجال اعمال…84 بالمائة منهم استقروا بالبلدان الأوروبية، وهذا ناتج طبعا عن التسهيلات التي تقدمها اوروبا للكفاءات مقابل انسداد الافق وغياب البيئة الحاضنة للعمل والتسهيلات الضرورية للبحث والتحفيز المادي في بلادنا…
وفي لقاء بين منظمات المجتمع المدني وسفير الاتحاد الاوروبي منذ حوالي اسبوعين، اشار السيد “باتريس برغميني” الى ضرورة الاسراع بإنهاء المفاوضات حول التبادل الحر الشامل والمعمق وامضاء تونس على الاتفاقية لان “من مصلحة الجميع” ان تصل المفاوضات الى نتيجة ايجابية.
وسبقت هذه الضغوطات المبطنة من اجل انهاء التفاوض بعض المؤشرات التي تشي بتصلب مواقف الاتحاد تجاه تونس، ومنها ادراج بلادنا ضمن قائمة الدول الاكثر عرضة لتبييض الاموال وتمويل الارهاب في فيفري الماضي، الذي يرى فيه بعض النواب اليساريين في البرلمان الاوروبي محاولة للضغط من اجل “التسريع بالمفاوضات بشأن التبادل الحر الشامل والمعمق“.
كما يرون ان ادعاء مساندة تونس في تحولها الديمقراطي يتناقض مع رفض الاتحاد الاوروبي مؤخرا منح بلادنا نسبة اضافية غير خاضعة للضريبة لتصدير زيت الزيتون، الذي عرف انتاجا غير مسبوق خلال موسم 2017 – 2018.
وان كنا نرفض العزلة والانغلاق ونؤمن بضرورة انفتاح بلادنا على الاتحاد الاوروبي وغيره على مستويات عدة : تجارية، ثقافية واجتماعية، فإننا ندرك حجم الصعوبات التي يواجهها المفاوض التونسي، المٌطالب بالمحافظة على المصالح الوطنية في وضع اقتصادي صعب وعلاقات غير متوازنة وتبعية اقتصادية ما انفكت تتفاقم، لكن عليه ان يدرك ان المفاوضات لا تهم الحكومة التونسية فقط بل كل الفاعلين، احزابا ومجتمعا مدنيا ونقابات شغالين وأعراف، وعليه ان يدرك، في نفس الوقت، حاجة الاتحاد الاوروبي لشراكة معمقة مع تونس وحاجته كذلك الى الاستقرار والنمو في جنوب المتوسط.
في المقابل يحاول الاتحاد الاوروبي، الذي هو ليس جمعية خيرية يحركها العطف على تونس، التمسك بأولويتين : بسط نفوذه التجاري برفع كل القيود امام سلعه في بلدان جنوب المتوسط ومقاومة تدفق المهاجرين، وليكون التفاوض مناسبا ومتوازنا، لابد من الموازنة بين مصالح الطرفين الاوروبي والتونسي، من ذلك منح نفس الظروف لتنقل الاشخاص من الجانبين وتسهيل عمليات التأشيرة قبل الغائها.
المفاوضات الجارية بين تونس والاتحاد الأوروبي: تحرير التبادل دون تبادل الحريات
المفاوضات الجارية بين تونس والاتحاد الأوروبي: تحرير التبادل دون تبادل الحريات
نصّ لـ: ماركو جون فيل و فالنتان بونفوا (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)
ترجمة: خولة بلعايبة
ستجري خلال شهر أفريل 2018 جلستا تفاوض جوهريتان بين تونس والاتحاد الأوروبي وتتناول الجلسة الأولى التي سوف تنعقد في منتصف شهر أفريل 2018 مسألة اعادة قبول المهاجرين وتسهيل اجراءات الحصول على تأشيرة لبعض التونسيين والتونسيات فيما ستتمحور الجلسة الثانية التي ستنعقد في أواخر الشهر حول دراسة الشروط التجارية بين تونس والاتحاد الأوروبي بهدف امضاء اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق بين تونس والاتحاد الأوروبي.
وقد تم تحديد تواريخ الجلستين والتي يفصل بينهما أسبوع واحد، بطلب من السلطات التونسية لتخوفها من تعزيز المبادلات التجارية والروابط الاقتصادية والخدمات على حساب حرية تنقل الأفراد.
هذه المفاوضات سُتلزم الدولة التونسية بالالتزام بها لعقود، وقد تغير البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد جذريا. ولعله يجدر التذكير بأن اتفاقية الشراكة لسنة 1995 والتي فتحت أبواب التنافس في القطاع الصناعي كانت محل انتقادات كثيرة لنتائجها السلبية التي لا زلنا نعاني مخلفاتها الى حد الآن[1].
ولتحديد استراتيجيات هذه المفاوضات بشكل دقيق، نحدثكم في هذا المقال عن أهداف الاتحاد الأوروبي والمرابيح التي يسعى لتحقيقها من خلال توقيع هاته الاتفاقية، وعن الاستراتيجية التي سيعتمدها خلال المفاوضات في محاولة منا لتوقع النتائج والمخلفات على المدى البعيد كي نتجنب أي تأثير سلبي لها في المستقبل.
*
* *
تعزيز التبادل التجاري كهدف بحد ذاته: الحقائق والاستنتاجات
يقترح الاتحاد الأوروبي على تونس معاهدة دولية[2] تتمثل في اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق والتي تهدف لزيادة انفتاحها الاقتصادي في كل ما يخص الأملاك، الخدمات ورؤوس الأموال. ويشمل هذا الانفتاح كل القطاعات الاقتصادية دون استثناء بما في ذلك القطاع الفلاحي. بذلك، تلغي الاتفاقية المعاليم الجمركية وتفرض على الدولة التونسية تطبيق المعايير الاوروبية لتتمكن من منافسة الاقتصادات الاوروبية.
أي مخاطر على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين التونسيين؟
تثير اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق عدة مخاوف تتعلق بتأثيرها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين التونسيين نذكر منها بالخصوص، تسببها في غلق وانعدام مواطن الشغل في كل من القطاع الفلاحي وقطاع الخدمات، وكذلك تهديد الأمن الغذائي للمواطنين بادخال القطاع الفلاحي صلب المنافسة الاقتصادية وذلك لزيادة الاعتماد على واردات الحبوب، التي تعد أساس غذاء التونسيين.
أما على الجانب الاجتماعي، ولئن لن تؤثر عليه الاتفاقية بشكل مباشر، إلا أن تقلص موارد ميزانية الدولة (بسبب تخفيض المعاليم الجمركية) ستؤدي اما الى انخفاض المنفقات الاجتماعية والتنموية أو الى ارتفاع الضرائب. علاوة على ذلك، سوف تتركز الاستثمارات بشمال البلاد معمقة بذلك التفاوت الجهوي والاجتماعي.
مستوى عيش المواطنين وصحتهم أيضا مهددة، اذ أن البنود المتعلقة بالملكية الفكرية المدرجة ضمن الاتفاقية قد تتسبب في صعوبة التمكن من الأدوية. هذا وقد يتضمن المشروع تأسيس محاكم خاصة كمحاكم التحكيم مما يمكّن من مهاجمة الدولة التونسية مباشرة اذا ما رأى الطرف الآخر في قوانينها او المقاييس التي تتخذها مساسا باستثماراته[3]. في نفس الاطار، قد يؤدي ذلك الى ايقاف بعض المقاييس المتخذة لحماية البيئة والمحيط أو ايقاف قانون ما وعدم سنّه[4].
فوائد مشكوك فيها للدولة التونسية:
يعد الاتحاد الاوروبي تونس مقابل انفتاحها بتنمية اقتصادها من خلال تحسين فرص دخولها السوق الاوروبية، اسنادها معايير دولية معترفا بها، ومزيد بعث الاستثمارات بتونس. مع ذلك، لو تفحصنا اتفاقية الشراكة لسنة 1995 والتي أسست للتنافس بين تونس وأوروبا في المجال الصناعي، لوجدنا أن القطاع الصناعي بتونس يعاني صعوبات عديدة بعد مرور 20 سنة عن توقيع الاتفاقية[5]. رفع حماية الدولة فجأة عن قطاع الخدمات، القطاع الحيوي لتونس، سيؤثر عليه بصفة عميقة جدا وسيؤثر كذلك سلبا على سوق التشغيل.منافسة تونس لاوروبا، حتى وان تمت بشكل تدريجي تقلق منظمات المجتمع المدني والنقابات وحتى أرباب الأعمال[6]. وتجدر الاشارة الى أن القدرة التنافسية لتونس في المجال الاقتصادي ضعيفة مقارنة بقدرة الاتحاد الاوروبي، وهي أضعف بسبع مرات في القطاع الفلاحي على وجه الخصوص[7].
عدى عن ذلك، عدم تكافئ الطرفين يظهر جليا على مستويين اثنين: أولا، يقترح الاتحاد الاوروبي على تونس بأن تطبق معايير ومقاييس أوروبية في مختلف المجالات[8]. كلفة تغيير هاته المعايير سوف تتكفل بها تونس وحدها، علما وان معايير صممت خصوصا لتلائم أوروبا ولن تكون ضرورة متناسبة مع الخصوصيات التونسية. من جهة أخرى، مشروع التبادل الحر الشامل والمعمق سيمكّن مقدمي الخدمات والمستثمرين من القدوم مباشرة الى تونس دون شروط، في حين يجب على التونسيين تقديم طلب تأشيرة لدخول أوروبا. رغم أنه وفي اطار الاستراتيجية التجارية لسنة 2015 “التجارة للجميع” أكدت المفوضية الاوروبية بأنه “للشروع في التجارة الدولية للخدمات، يجب على المؤسسات عقد صفقات بالخارج لتقديم الخدمات على زبائن جدد من السكان المحليين[9]“. على ذلك نستنتج بأن استثمار واستقرار مقدمي الخدمات في الخارج يعد أمرا بالغ الاهمية بالنسبة للاتحاد الاوروبي في حين لا يمكن لمقدمي الخدمات التونسيين بأن يتنقلوا الى اوروبا دون التقدم بطلب تأشيرة دون ضمان قبول الطلب.
بناء على كل ذلك، لا يمكن القول بأن هذا المشروع سيعود على تونس بالفائدة وخاصة على المدى القصير، بل صمم ليخدم مصالح المؤسسات الاوروبية على حساب بعض مجالات الاقتصاد التونسي. فكيف أقنع الاتحاد الاوروبي تونس بالقبول بالتفاوض حول هذا المقترح؟
العرض الأوروبي: استراتيجية تجارية عدوانية:
يعد العرض الذي قدمه الاتحاد الأوربي جزءا من استراتيجيته العالمية التي يسعى من خلالها الى تقليص كلفة اصداراته الى الحد الأدنى للرفع من مستوى صادراته[10].ويهدف وضع مثل هذه المقاييس ومواءمة المعايير الى دعم القدرة التنافسية للمؤسسات الدولية الاوروبية الكبرى أمام القوى الاقتصادية الصاعدة كالصين[11]. وبالفعل، نلاحظ في السنوات الأخيرة تنوع الواردات التونسية التي قل ارتباطها شيئا فشيئا بالبضاعة الاوروبية لتعوضها الواردات الصينية والتركية[12] كما حدث بغيرها من الدول الافريقية. لم يقدم الاتحاد الاوروبي اذا هذا العرض لتونس فقط، بل لعدة دول أخرى بمختلف مناطق العالم[13]. ولعل الهدف الأساسي هو التمكن من الحصول على بعض الموارد الحيوية كالطاقة وبعض المواد الاولية بأقل كلفة ممكنة، وتحسين الصادرات خاصة فيما يتعلق بقطاع الخدمات وهو الأهم بأوروبا وذلك بإلغاء الحماية عن مجالات الاقتصاد الاخرى[14].
اذا، يهدف الاتحاد الاوروبي من خلال هذه المفاوضات أساسا الى استثمار السوق التونسية، تعريضها الى منافسة شديدة من طرف السوق الاوروبية مستفيدا في ذلك من تطوره التكنولوجي وقدرته التنافسية في المبادلات مع تونس.
تقنيات التفاوض الاوروبية: الضغط لخدمة المصالح:
يعتمد الاتحاد الاوروبي وسائل مختلفة في تفاوضه حول اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق وحول مراقبة التحركات الهجرية للخروج باتفاقيات تخدم مصالحه.
وقد تم تحليل مسألة ادراج تونس ضمن القائمات السوداء[15] مؤخرا كوسيلة للضغط للتقدم في المفاوضات[16]. كذلك، يمول الاتحاد الاوروبي جزءا من ميزانية الدولة التونسية ويفرض شروطه، كما يفرض احداث تغييرات مقابل التمويلات[17]. لذلك، من الصعب على الدولة التونسية رفض المفاوضات المقترحة من طرف الاتحاد الاوروبي، خوفا من أن يقوم هذا الاخير بتقليص تمويلاته خاصة في الوضع المالي والاقتصادي الحالي وحاجتها الماسة له. هذا الشكل من الابتزاز المسلط من طرف الاتحاد الاوروبي له اذا في ظل الظروف الحالية، أن يكلّل بالنجاح.
في نفس السياق، وبعد أن حققت سنتا 2017 و2018 رقما قياسيا في انتاج زيت الزيتون، طالبت تونس بنسبة اضافية معفاة من الضرائب على صادراته نحو الاتحاد الاوروبي وقوبل هذا الطلب بالرفض رغم تحصلها على هذه النسبة خلال السنتين الماضيتين[18].
كذلك وفي نفس الاطار، وبهدف الحد من الهجرة الغير نظامية، يسعى الاتحاد الاوروبي الى مزيد الضغط حول اسناد التأشيرات رغم ان تنقل التونسيين أمر اساسي كي يتمكنوا من تكوين علاقات تجارية باوروبا، كي يتمكنوا من زيارة اقاربهم أو حتى للاستمتاع بعطلتهم هناك. الاتحاد الاوروبي يسعى اذا الى مزيد انفتاح تونس على اوروبا من حيث تنقل البضائع، الخدمات ورؤوس الاموال ولكن ليس من حيث حرية تنقل الافراد. لذلك تدور المفاوضات حول اتفاقيتين تهدفان رغم اختلافهما الى تكثيف المراقبة على الحدود الاوروبية بتحديد من وماذا يُسمح له بتخطيها: اتفاقية مزعومة لتسهيل الدخول وأخرى لتسهيل اجراءات التحصل على التأشيرة في اطار التفاوض حول الشراكة في التنقل.
حريات ممنوحة لطرف واحد
نظريا، تعتمد الاتفاقيات الدولية على مبدأ التبادل[19] بين الدول الاطراف والتي يفترض أن تتفاوض من منطلق المساواة. رغم هذا، يبدوا أن حرية التنقل بين تونس والاتحاد الاوروبي لا تمنح الا لطرف واحد حيث أن “تسهيل اجراءات الحصول على تأشيرة” ليست إلا وسيلة لتقدم المفاوضات حول اتفاقية اعادة الدخول، التي تسعى لها الدول الاعضاء للاتحاد الاوروبي منذ سنة 2000[20] .
طُعم “تسهيل اجراءات الحصول على التأشيرة”:
ولئن تكوّن الاتحاد الأوروبي من خلال فتح سوق مشتركة للتبادل الحر وفضاء يتيح حرية التنقل بين دوله الأعضاء إلا أنه عزل مسألة حرية تنقل الأفراد عن باقي المسائل خلال مفاوضته لباقي الاتفاقيات. وفي حين تسند الدولة التونسية التأشيرة بشكل منهجي للأوروبيين وتمكنهم من البقاء بأرضها لثلاثة أشهر، لازالت اجراءات الحصول على التأشيرة في غاية التعقيد بالنسبة للتونسيين الراغبين في الذهاب الى أوروبا وخاصة بعد تأسيس منطقة شنغن. فماهي يا ترى “التسهيلات” التي تم ذكرها في المفاوضات؟
وفي اطار التبادل الحر، يشجع الاتحاد الاوروبي هجرة الأدمغة[21]. لهذا الغرض، تسهل اوروبا اجراءات الحصول على تأشيرة للنخبة التونسيين التي تمثل ثروة معرفية تخدم الاقتصاد الاوروبي[22]. من جهة أخرى نلاحظ انخفاض عدد المتخرجين التونسيين المتحصلين على شهائد عليا في كل من الجامعات العمومية والخاصة بنسبة 25% بين سنتي 2010 – [23]2016.
“نزيف الأدمغة ” ليس بمصطلح جديد، وهو مفهوم يتخذ حيزا استراتيجيا في اطار المفاوضات حول اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق ومفاوضات قبول المهاجرين وتسهيل اجراءات الحصول على تأشيرة. في المقابل لم تتناول المفاوضات مسألة حرية تنقل العمال من غير أصحاب الشهائد. ونلاحظ بأن البنود المتعلقة بهجرة اليد العاملة عادة ما تُتناول في اتفاقيات بين دولتين فقط، اذ تظل هذه المسألة محل خلاف بين دول الاتحاد الاوروبي.
في الماضي، تم توقيع عديد الاتفاقيات حول هجرة العملة الموسميين[24] مع مختلف دول الاتحاد الاوروبي. وبلغت الهجرة الدائرية والموسمية أوجها خلال الستينات مع حاجة الدول الاوروبية الكبيرة لليد العاملة لتبقى مرغوبة بها حتى سنوات 2000. أما اليوم فقد أغلق باب الهجرة لتحل محله تسهيلات اجراءات العودة، او تسهيل الحصول على التأشيرات لبعض “الشبان المؤهلين[25]” فقط من الذين خصصت لهم تونس جزءا مهما من ميزانيتها للتكوين العلمي والجامعي.
اذا ما قارنا اتفاقيات تسهيل اجراءات الحصول على تأشيرة في اطار الشراكة الخاصة بحرية التنقل مع دول أخرى[26]، نجد بأن الاتحاد الاوروبي لا يسند تأشيرة الا للطلاب الجامعيين اللامعين، الباحثين، أصحاب المشاريع، المستثمرين أو لعدد من نشطاء المجتمع المدني. هذا النوع من المعاهدات يزيد من عمق هوة التفاوت الاجتماعي ويكرس اللامساواة بين الطبقات الاجتماعية.
عدى عن ذلك، نلفت النظر الى أهمية تحويل الاموال للعمال بالخارج الى عائلتهم بتونس في الاقتصاد التونسي اذ تمثل هذه التحويلات نسبة 4.75% من الناتج الداخلي الخام في 2014[27].
ويتسم سياق الهجرة الجهوية بديناميكية مزدوجة حيث تشهد مناطق شمال المتوسط موجة من الخوف و”فوبيا” المهاجرين خاصة بعد الهجمات التي حصلت على التراب الاوروبية (رغم أن أغلب منفذي الهجمات كانوا من الاوروبيين) والتي سخرها عدد من الممثلين السياسيين لصالحهم. أما مناطق جنوب المتوسط، حيث الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تدهور مستمر وحيث تعم حالة من اليأس، يسعى أغلب الشباب الى الهجرة وترك البلاد نظاميا بالنسبة للنخبة، أو سرّيا بالنسبة لمن قوبل طلب تأشيرتهم بالرفض. هكذا، يقترح الاتحاد الاوروبي لمعالجة مسألة الهجرة الغير نظامية (التي يجرمها) باعتماد سبل قانونية للترحيل يطلق عليها رسميا اسم “اتفاقيات اعادة القبول”.
حين يحد التبادل الحر من حرية تنقل الأشخاص:
يعمل الاتحاد الاوروبي على مزيد الحد من اسناد التأشيرات في اطار مكافحة الهجرة الغير نظامية. وقد اقترح “ديميتري افراموبولوس” المفوض الاوروبي المكلف بالهجرة في 14 مارس 2018 “تشديد شروط منح التاشيرات للدول الشركاء الغير متعاونين كفاية مع نظام اعادة القبول”[28]. وبتوقيع اتفاقية “اعادة القبول”، على الدولة التونسية أن توافق لمدة طويلة على شروط الترحيل القادمة من دول الاتحاد الاوروبي وحتى على قبول المرحلين الغير تونسيين الذين عبروا عن طريق تونس.
منذ توقيع معاهد انستردام في 1997 مثلت السياسة الهجرية المشتركة حجر أساس نقاشات دول الاتحاد الاوروبي الأعضاء[29] وتم التأسيس لاستراتيجية الاستعانة بدول العالم الثالث لمراقبة حدود الاتحاد. هذه الاستراتيجية، وان لم يتم التصريح بها مباشرة الا اننا نلاحظها من خلال العبارات الموظفة في الخطابات على غرار “سياسات الجوار الاوروبية”، “دعم حماية دول اللجوء الاول”، “الشراكة مع بلدان العالم الثالث ودول العبور” و “تقاسم المسؤوليات مع الدول المصدر”[30]. عبارة “بلد ثالث آمن” تمكن دول الاتحاد الاوروبي من تبسيط ترحيل مواطني هاته البلدان[31].
وبقراءة أجندة المفوضية الاوروبية فيما يخص الهجرة يتوضح لنا بأن دول الاتحاد الأوروبي قد اتفقوا على الضغط لتشديد“العمليات، لضمان تحمل دول العالم الثالث مسؤولياتهم باعادة قبول مهاجريهم[32]“. اضافة الى ذلك، يسعى الاتحاد الاوروبي التفاوض حول قبول تونس للمهاجرين الغير تونسيين الذين عبروا من خلال اراضيها ومياهها للوصول الى اوروبا. وللانتهاء من مشروع تأمين الحدود يصرح الاتحاد الاوروبي بان: “الهدف هو زيادة تأمين الحدود وأيضا دعم قدرة دول افريقيا الشمالية على التدخل وانقاذ المهاجرين الغارقين بالبحر[33].” وقد قام بعض دول الاتحاد الاوروبي بالفعل بتمرير هذا النوع من الاتفاقيات المتعلقة بدعم قدرات خفر السواحل ونذكر منها الاتفاقية الخاصة بخفر السواحل الليبي الذين، رغم مساسهم المتكرر بحقوق الانسان تمكنوا من تأمين الحدود الليبية[34].
وأخيرا، نذكر بأنه ولتقليص نفقات الترحيل وجعل العمليات تسير بشكل منهجي، تجري المفاوضات حول “اتفاقيات اعادة القبول” مع عدد من دول العالم الثالث كتونس والمغرب[35]. منذ سنة 2005 قامت المفوضية الاوروبية بالتصريح بمنح “250 مليون اورو مقسمة على مدى 4سنوات” لبداية مفاوضات “اتفاقيات اعادة القبول”[36] وهو ما يؤكد الأولوية والاهمية التي يتمتع بها هذا الموضوع لدى الاتحاد الاوروبي.
* *
*
في الختام، تلفت المفاوضات الجارية بين تونس والاتحاد الاوروبي نظرنا الى هاجسي هذا الأخير: البقاء في المركز الأول في ما يتعلق بالتجارة الدولية، ومراقبة من يُسمح له بدخول الأراضي الاوروبية.ولتأمين النتائج يعتمد الاتحاد الأوروبي نفس التمشي في مفاوضات المسألتين: الوعود بتحسينات صغيرة (يُسمح لفئة معينة من التونسيين بالسفر الى اوروبا كما يسمح لبعض القطاعات بمزيد التصدير) لخدمة مصالحه المباشرة على حساب المصالح المتبادلة.
كيف لمثل هذه المفاوضات تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي بتونس؟ لازالت تونس، بعد مرور 7 سنوات على الثورة، في مرحلة اعادة البناء، ولازالت الأنظمة غير متوازنة والاصلاحات الدستورية غير تامة. ليس الوقت مناسبا اذا للالتزام بمثل هذه التغييرات وعلينا التعامل مع هذه المفاوضات بأتم الحيطة والحذر.
بالنسبة للمفاوضات حول حرية التنقل، اتفاقيات اعادة القبول تفرض مسؤوليات كبيرة على تونس من حيث اعادة قبول التونسيين وخاصة غير التونسيين من الأفارقة العابرين من خلالها في حين لا يلتزم الاتحاد الاوروبي الا بتسهيل طفيف في منح التأشيرات ولفئة معينة من الكفاءات الذين تُعتبر هجرتهم في حد ذاتها مكسبا لأوروبا.
أما فيما يخص اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق، تبدوا المكاسب واضحة للطرف الاوروبي من حيث حيازة مقدمي الخدمات الاوروبيين على زبائن جدد وعلى أسواق عمومية جديدة وهيمنة مرجحة لهم على نسيج السوق الاقتصادي التونسي في حين تعرض هذه ا اتفاقية تونس لعديد المخاطر:
- فقدان الوظائف في قطاع الفلاحة بسبب قوة منافسة القطاع الاوروبي المدعوم
- فقدان الوظائف المرجح في قطاع الخدمات
- ارتفاع ممكن في استهلاك الثروات المائية للاستغلال الفلاحي والزراعي (بارتفاع النشاط والانتاجية الفلاحية في ظل التنافس)
- فقدان المداخيل الجبائية للواردات والصادرات والتي ستعرقل مساعي تونس في التأسيس لتقليص الفوارق بين الجهات والتي ستزيد من حدة التفاوت الجهوي
الى جانب ذلك، عدم تكافئ موازين القوى بين دولة يقطنها 11مليون ساكن تعاني أصلا من ضعف اقتصادها ولا تزال تمر بمرحلة انتقالية، واتحاد يعد 500 مليون ساكن ويصنف كالقوة التجارية الأولى في العالم، يمكن الاتحاد الأوروبي من تسليط ضغوطات على تونس للقبول بشروطه.
وضّحنا في ما سبق بأن الدعم التنموي لتونس يشترط منها القيام بإصلاحات ومقاييس مفروضة من طرف الاتحاد الاوروبي وهو ما يبين بأن المفاوضات لا تجري لمصلحة الدولة التونسية.
في الختام، نقترح بأن تربط تونس بين مسألة حرية التجارة ومسألة حرية تنقل الأفراد، في اتفاقية شراكة كاملة تصب لمصلحتها وليس فقط لمصلحة الاتحاد الاوروبي وفي ما يلي بعض التوجيهات المقترحة:
- فيما يتعلق بالمفاوضات الأولى الخاصة بتنقل الأفراد:
- على هذه الشراكة أن تكون متبادلة متيحة الحرية لكلا متساكني الضفية الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط.
- ادراج تسهيلات التحصل على تأشيرة للراغبين في الهجرة من غير حاملي الشهائد العليا (هجرة دائرية وموسمية)
- مزيد التكافؤ بين الطرفين الممضيين في ما يتعلق بمنح التأشيرات
- فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتجارية:
- على عقد الشراكة أن يحدد الاجراءات التي تضمن لتونس التمتع بفرص العمل، خاصة بالنسبة لمواطنيها الشبان بالمناطق الداخلية
- تحسين جودة المنتوج التونسي من خلال تبادل الخبرات والتقنيات والشراكة العلمية
- يجدر التوجه نحو تنمية فلاحية صديقة للبيئة مع تطوير قطاع فلاحي يتلاءم مع التغيرات المناخية، شح الموارد المائية ويمكن من ضمان الاكتفاء الغذائي للتونسيين
- لا يجب الموافقة على البنود المتعلقة بانشاء محاكم تحكيم دولية وذلك لاحترام سيادة الدولة بغض النظر عن مصالح الشركات الدولية الأجنبية.
[1] https://ftdes.net/fr/10-ans-apres-lechec-du-libre-echange-avec-lue/
[2] تعلو المعاهدة الدولية على القانون التونسي، الا أنها يجب أن تتوافق مع الدستور
[3] اللجوء الى مكاتب محاماة مختصة في المشاريع الخاصة. وتعرف هذه المكاتب بانحيازها حيث سبق ودافعوا عن بعض الاستثمارات وأدانوا أخرى في حين أن تضارب المصالح بيّن.
[4] أ. محجوب و ز.سعداوي 2016 تقييم الشراكة بين الاتحاد الاوروبي وتونس – مؤسسة روزا لوكسومبرغ، الشبكة الاورومتوسطية لحقوق الانسان – ماي 2015
[5] ع.بدوي، م. المقدم 2016 تقييم اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الاوروبي – مؤسسة روزا لوكسومبرغ – تونس 2016
[6] اعلان المجتمع المدني بمناسبة تصويت البرلمان الاوروبي على افتتاح مفاوضة اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق بين تونس والاتحاد الاوروبي في 15 فيفري 2016 والموقع من طرف 28 منظمة
[7] أ.محجوب و ز. سعداوي تأثير اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بتونس – الشبكة الاورومتوسطية لحقوق الانسان – ماي 2015 ص.18
[8] المعايير الصحية وشبه الصحية على وجه الخصوص، الملكية الفكرية، التنافسية والاسواق العمومية.
[9] الاستراتيجية التجارية لسنة 2015 “التجارة للجميع”
[10] المفوضية الاوروبية “القدرة التنافسية الاوروبية في التجارة العالمية” 2006 ص 06- 07 المفوضية الاوروبية (التجارة للجميع) 2015 ص.09
[11] Ibid
[12] المرصد الاقتصادي التونسي “العلاقات التجارية: هل تتحرر تونس من الاتحاد الاوروبي؟” Datanalysis رقم 15، 23 مارس 2018
[13] عرضت اتفاقيات التبادل الحر الشامل والمعمق على دول اوروبا الشرقية (اكرانيا، مولدافي وجورجيا) وعلى دول المتوسط (بدأ المغرب المفاوضات قبل تونس كما تم الاتصال بمر والاردن). ومن الدول الأخرى نذكر افريقيا الجنوبية، الهند، البرازيل، آسيا الجنوبية وأمريكا الوسطى
[14] بريجيت ماهنكوف “من برشلونة الى سياسات الجوار” – التنمية من خلال التبادل الحر بروكسال 2017 – Brigit Mahnkopf, « From
[15] صنف الاتحاد الاوروبي تونس ضمن الدول المدرجة بالقائمة السوداء للملاذات الضريبية في 05 ديسمبر 2017 وفي 07 فيفري 2017 ضمن القائمة السوداء لتبييض الاموال وتمويل الارهاب. ورغم بعض الثغرات الادارية التونسية فيما يخص هاتين المسألتين الا أن عديد الاطراف اعتبرت هذا التصنيف قرارا سياسيا بالأساس. مثال عن ذلك: https://inkyfada.com/2017/12/tunisie-liste-noire-union-europeenne/
[16] مثالا عن ذلك، انظر الحوار مع عضو البرلمان الاوروبي http://nawaat.org/portail/2018/02/28/liste-noire-libre-echange-interview-avec-m-c-vergiat-deputee-europeenne-en-visite-a-tunis/
[17] تمويلات في اطار المساعدة المالية الكلية وسياسة الجوار. الرجاء مراجعة النقطة الاخيرة في تقرير الاورومتوسطية للحقوق: دعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بمنطقة المتوسط – بروكسال 2016 ص. 09 – 10
[18] المرصد الاقتصادي التونسي “مخطط الدعم الاوروبي الوقتي لصادرات زيت الزيتون التونسي” ملخص رقم 5، 5أفريل2018
[19] قطاع الخدمات من القطاعات الأكثر تأثيرا على الاقتصاد. تعمل لجنة من الأجانب كفؤ ومؤهلون ومكونو من طرف الاتحاد الاوروبي معا خلال فترة قصيرة لتقديم خدماتهم للمؤسسات الخاصة والعمومية. تدرس اللجنة جميع الجوانب لتوفير السلامة القانونية لهؤلاء الاشخاص ولدعم مكانة الاتحاد دعما يمكنه من طلب المقابل خلال مفاوضات اتفاقية التبادل الشامل والمعمق. https://ec.europa.eu/home-affairs/sites/homeaffairs/files/what-we-do/policies/european-agenda-migration/background-information/docs/communication_on_the_european_agenda_on_migration_fr.pdf
[20] http://www.migreurop.org/article963.html
[21] “أوروبا تتنافس مع الانظمة الاقتصادية الاخرى في مجال استقطاب العمال الكفؤ والمأهلين لخدمة مصالحها والتي هي في حاجة ماسة لخدماتهم. وقد يشهد استقطاب اوروبا لهذه الكفاءات ارتفاعا ب23بالمئة بين سنتي 2012 – 2025 خاصة في مجال اليد العاملة من اصحاب الشهائد العليا حيث نقصا فادحا في اليد العاملة في بعض القطاعات الحيوية كالعلوم، التكنولوجيات الحديثة، الهندسة والأطقم الطبية. تعاني اوروبا من شيخوخة سكانها في حين يعتمد اقتصادها اكثر فأكثر على وظائف تتطلب الكفاءة. https://ec.europa.eu/home-affairs/sites/homeaffairs/files/what-we-do/policies/european-agenda-migration/background-information/docs/communication_on_the_european_agenda_on_migration_fr.pdf
[22] تقرير شفيق روين، “نزيف المتحصلين على الشهائد العليا” data analysis14 – 2018 . http://www.economie-tunisie.org/fr/observatoire/infoeconomics/l%E2%80%99h%C3%A9morragie-des-dipl%C3%B4m%C3%A9s-du-sup%C3%A9rieur
[23] اتفاقية تبادل المهنيين الشبان بين تونس وفرنسا (2003) اتفاقية اليد العاملة بين تونس وفرنسا (1963) اتفاقية العمال الموسميين بين تونس وايطاليا (2000) – “مشروع دعم الشراكة من أجل حرية التنقل بين تونس والاتحاد الاوروبي. اعادة الادماج بتونس: البيئة الاقتصادية والاجتماعية، الاطار القانوني والاداري” 2017 ص22 (https://lemma.tn/wpcontent/uploads/2017/12/Rapport_EnvironnementRetourTn_LemmaOfii_2017.pdf).
[24] اتفاقية بين تونس والمانيا في مارس 2017 حول”العودة الطوعية، اعادة الادماج الاجتماعي والاقتصادي والتنمية التضامنية”
[25] اتفاقية المهنيين الشبان بين تونس وسويسرا 2012 اتفاقية المهنيين الشبان بين تونس وفرنسا 2003 “مشروع دعم الشراكة من أجل حرية التنقل بين تونس والاتحاد الاوروبي. اعادة الادماج بتونس: البيئة الاقتصادية والاجتماعية، الاطار القانوني والاداري” 2017 ص22 (https://lemma.tn/wp-content/uploads/2017/12/Rapport_EnvironnementRetourTn_LemmaOfii_2017.pdf).
[26] بالمقارنة مع اتفاقيات تسهيل اجراءات التأشيرة التي تم التفاوض حولها مع اذربيجان، ارمانيا والرأس الاخضر في 2014
[27] قدر مجموع تحويل الاموال الى تونس من طرف التونسيين العاملين بالخارج في 2014 ب3984 مليون دينار وهو ما يعادل نسبة 4.75% من الناتج الداخلي الخام لسنة 2013. ديوان التونسيين بالخارج 2014 – “احصائيات حول التونسيين العاملين بالخارج لسنة 2014” اصدار ادارة الدراسات والمعلوماتية. الاستراتيجية الوطنية للهجرة – جويلية 2015
[28] http://tunisievisa.info/actualites/la-commission-europeenne-durcit-sa-politique-de-visa-schengen/#
[29] https://www.monde-diplomatique.fr/2004/03/MORICE/11059
[30] http://www.migreurop.org/article963.html
[31] http://www.migreurop.org/article963.html
[32] ” أجندة المفوضية الاوروبية فيما يخص الهجرة، مفوضية البرلمان الاوروبي، المجلس، الهيئة الاقتصادية والاجتماعية الاوروبية وهيئة المناطق” بروكسال في 13.05.2015 (2015) 240 الاجندة النهائية https://ec.europa.eu/home-affairs/sites/homeaffairs/files/what-we-do/policies/european-agenda-migration/background-information/docs/communication_on_the_european_agenda_on_migration_fr.pdf
[33] Ibid.
[34] لقي 50 شخصا حتفهم في 6 نوفمبر 2017 بعد التدخل العنيف لخفر السواحل الليبي بينما كانت منظمة Sea Watch تقوم بعملية انقاذ. لمزيد التفاصيل اطلع على تقرير https://www.amnesty.org/fr/press-releases/2017/12/libya-european-governments-complicit-in-horrific-abuse-of-refugees-and-migrants/
[35] وقعت تونس في مارس 2014 على قبول بداية المفاوضات حول “اتفاقية الشراكة الخاصة بالتنقل” وسبقتها المغرب في جوان 2013 وكذلك مولديفبا، جورجيا، ارمانيا واذرابيجان. http://www.lemonde.fr/societe/article/2014/03/03/l-union-europeenne-signe-un-accord-sur-l-immigration-avec-la-tunisie_4376841_3224.html
المفاوضات الجارية بين تونس والاتحاد الأوروبي: تحرير التبادل دون تبادل الحريات
المفاوضات الجارية بين تونس والاتحاد الأوروبي: تحرير التبادل دون تبادل الحريات
نصّ لـ: ماركو جون فيل و فالنتان بونفوا (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)
ترجمة: خولة بلعايبة
ستجري خلال شهر أفريل 2018 جلستا تفاوض جوهريتان بين تونس والاتحاد الأوروبي وتتناول الجلسة الأولى التي سوف تنعقد في منتصف شهر أفريل 2018 مسألة اعادة قبول المهاجرين وتسهيل اجراءات الحصول على تأشيرة لبعض التونسيين والتونسيات فيما ستتمحور الجلسة الثانية التي ستنعقد في أواخر الشهر حول دراسة الشروط التجارية بين تونس والاتحاد الأوروبي بهدف امضاء اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق بين تونس والاتحاد الأوروبي.
وقد تم تحديد تواريخ الجلستين والتي يفصل بينهما أسبوع واحد، بطلب من السلطات التونسية لتخوفها من تعزيز المبادلات التجارية والروابط الاقتصادية والخدمات على حساب حرية تنقل الأفراد.
هذه المفاوضات سُتلزم الدولة التونسية بالالتزام بها لعقود، وقد تغير البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد جذريا. ولعله يجدر التذكير بأن اتفاقية الشراكة لسنة 1995 والتي فتحت أبواب التنافس في القطاع الصناعي كانت محل انتقادات كثيرة لنتائجها السلبية التي لا زلنا نعاني مخلفاتها الى حد الآن[1].
ولتحديد استراتيجيات هذه المفاوضات بشكل دقيق، نحدثكم في هذا المقال عن أهداف الاتحاد الأوروبي والمرابيح التي يسعى لتحقيقها من خلال توقيع هاته الاتفاقية، وعن الاستراتيجية التي سيعتمدها خلال المفاوضات في محاولة منا لتوقع النتائج والمخلفات على المدى البعيد كي نتجنب أي تأثير سلبي لها في المستقبل.
*
* *
تعزيز التبادل التجاري كهدف بحد ذاته: الحقائق والاستنتاجات
يقترح الاتحاد الأوروبي على تونس معاهدة دولية[2] تتمثل في اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق والتي تهدف لزيادة انفتاحها الاقتصادي في كل ما يخص الأملاك، الخدمات ورؤوس الأموال. ويشمل هذا الانفتاح كل القطاعات الاقتصادية دون استثناء بما في ذلك القطاع الفلاحي. بذلك، تلغي الاتفاقية المعاليم الجمركية وتفرض على الدولة التونسية تطبيق المعايير الاوروبية لتتمكن من منافسة الاقتصادات الاوروبية.
أي مخاطر على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين التونسيين؟
تثير اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق عدة مخاوف تتعلق بتأثيرها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين التونسيين نذكر منها بالخصوص، تسببها في غلق وانعدام مواطن الشغل في كل من القطاع الفلاحي وقطاع الخدمات، وكذلك تهديد الأمن الغذائي للمواطنين بادخال القطاع الفلاحي صلب المنافسة الاقتصادية وذلك لزيادة الاعتماد على واردات الحبوب، التي تعد أساس غذاء التونسيين.
أما على الجانب الاجتماعي، ولئن لن تؤثر عليه الاتفاقية بشكل مباشر، إلا أن تقلص موارد ميزانية الدولة (بسبب تخفيض المعاليم الجمركية) ستؤدي اما الى انخفاض المنفقات الاجتماعية والتنموية أو الى ارتفاع الضرائب. علاوة على ذلك، سوف تتركز الاستثمارات بشمال البلاد معمقة بذلك التفاوت الجهوي والاجتماعي.
مستوى عيش المواطنين وصحتهم أيضا مهددة، اذ أن البنود المتعلقة بالملكية الفكرية المدرجة ضمن الاتفاقية قد تتسبب في صعوبة التمكن من الأدوية. هذا وقد يتضمن المشروع تأسيس محاكم خاصة كمحاكم التحكيم مما يمكّن من مهاجمة الدولة التونسية مباشرة اذا ما رأى الطرف الآخر في قوانينها او المقاييس التي تتخذها مساسا باستثماراته[3]. في نفس الاطار، قد يؤدي ذلك الى ايقاف بعض المقاييس المتخذة لحماية البيئة والمحيط أو ايقاف قانون ما وعدم سنّه[4].
فوائد مشكوك فيها للدولة التونسية:
يعد الاتحاد الاوروبي تونس مقابل انفتاحها بتنمية اقتصادها من خلال تحسين فرص دخولها السوق الاوروبية، اسنادها معايير دولية معترفا بها، ومزيد بعث الاستثمارات بتونس. مع ذلك، لو تفحصنا اتفاقية الشراكة لسنة 1995 والتي أسست للتنافس بين تونس وأوروبا في المجال الصناعي، لوجدنا أن القطاع الصناعي بتونس يعاني صعوبات عديدة بعد مرور 20 سنة عن توقيع الاتفاقية[5]. رفع حماية الدولة فجأة عن قطاع الخدمات، القطاع الحيوي لتونس، سيؤثر عليه بصفة عميقة جدا وسيؤثر كذلك سلبا على سوق التشغيل.منافسة تونس لاوروبا، حتى وان تمت بشكل تدريجي تقلق منظمات المجتمع المدني والنقابات وحتى أرباب الأعمال[6]. وتجدر الاشارة الى أن القدرة التنافسية لتونس في المجال الاقتصادي ضعيفة مقارنة بقدرة الاتحاد الاوروبي، وهي أضعف بسبع مرات في القطاع الفلاحي على وجه الخصوص[7].
عدى عن ذلك، عدم تكافئ الطرفين يظهر جليا على مستويين اثنين: أولا، يقترح الاتحاد الاوروبي على تونس بأن تطبق معايير ومقاييس أوروبية في مختلف المجالات[8]. كلفة تغيير هاته المعايير سوف تتكفل بها تونس وحدها، علما وان معايير صممت خصوصا لتلائم أوروبا ولن تكون ضرورة متناسبة مع الخصوصيات التونسية. من جهة أخرى، مشروع التبادل الحر الشامل والمعمق سيمكّن مقدمي الخدمات والمستثمرين من القدوم مباشرة الى تونس دون شروط، في حين يجب على التونسيين تقديم طلب تأشيرة لدخول أوروبا. رغم أنه وفي اطار الاستراتيجية التجارية لسنة 2015 “التجارة للجميع” أكدت المفوضية الاوروبية بأنه “للشروع في التجارة الدولية للخدمات، يجب على المؤسسات عقد صفقات بالخارج لتقديم الخدمات على زبائن جدد من السكان المحليين[9]“. على ذلك نستنتج بأن استثمار واستقرار مقدمي الخدمات في الخارج يعد أمرا بالغ الاهمية بالنسبة للاتحاد الاوروبي في حين لا يمكن لمقدمي الخدمات التونسيين بأن يتنقلوا الى اوروبا دون التقدم بطلب تأشيرة دون ضمان قبول الطلب.
بناء على كل ذلك، لا يمكن القول بأن هذا المشروع سيعود على تونس بالفائدة وخاصة على المدى القصير، بل صمم ليخدم مصالح المؤسسات الاوروبية على حساب بعض مجالات الاقتصاد التونسي. فكيف أقنع الاتحاد الاوروبي تونس بالقبول بالتفاوض حول هذا المقترح؟
العرض الأوروبي: استراتيجية تجارية عدوانية:
يعد العرض الذي قدمه الاتحاد الأوربي جزءا من استراتيجيته العالمية التي يسعى من خلالها الى تقليص كلفة اصداراته الى الحد الأدنى للرفع من مستوى صادراته[10].ويهدف وضع مثل هذه المقاييس ومواءمة المعايير الى دعم القدرة التنافسية للمؤسسات الدولية الاوروبية الكبرى أمام القوى الاقتصادية الصاعدة كالصين[11]. وبالفعل، نلاحظ في السنوات الأخيرة تنوع الواردات التونسية التي قل ارتباطها شيئا فشيئا بالبضاعة الاوروبية لتعوضها الواردات الصينية والتركية[12] كما حدث بغيرها من الدول الافريقية. لم يقدم الاتحاد الاوروبي اذا هذا العرض لتونس فقط، بل لعدة دول أخرى بمختلف مناطق العالم[13]. ولعل الهدف الأساسي هو التمكن من الحصول على بعض الموارد الحيوية كالطاقة وبعض المواد الاولية بأقل كلفة ممكنة، وتحسين الصادرات خاصة فيما يتعلق بقطاع الخدمات وهو الأهم بأوروبا وذلك بإلغاء الحماية عن مجالات الاقتصاد الاخرى[14].
اذا، يهدف الاتحاد الاوروبي من خلال هذه المفاوضات أساسا الى استثمار السوق التونسية، تعريضها الى منافسة شديدة من طرف السوق الاوروبية مستفيدا في ذلك من تطوره التكنولوجي وقدرته التنافسية في المبادلات مع تونس.
تقنيات التفاوض الاوروبية: الضغط لخدمة المصالح:
يعتمد الاتحاد الاوروبي وسائل مختلفة في تفاوضه حول اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق وحول مراقبة التحركات الهجرية للخروج باتفاقيات تخدم مصالحه.
وقد تم تحليل مسألة ادراج تونس ضمن القائمات السوداء[15] مؤخرا كوسيلة للضغط للتقدم في المفاوضات[16]. كذلك، يمول الاتحاد الاوروبي جزءا من ميزانية الدولة التونسية ويفرض شروطه، كما يفرض احداث تغييرات مقابل التمويلات[17]. لذلك، من الصعب على الدولة التونسية رفض المفاوضات المقترحة من طرف الاتحاد الاوروبي، خوفا من أن يقوم هذا الاخير بتقليص تمويلاته خاصة في الوضع المالي والاقتصادي الحالي وحاجتها الماسة له. هذا الشكل من الابتزاز المسلط من طرف الاتحاد الاوروبي له اذا في ظل الظروف الحالية، أن يكلّل بالنجاح.
في نفس السياق، وبعد أن حققت سنتا 2017 و2018 رقما قياسيا في انتاج زيت الزيتون، طالبت تونس بنسبة اضافية معفاة من الضرائب على صادراته نحو الاتحاد الاوروبي وقوبل هذا الطلب بالرفض رغم تحصلها على هذه النسبة خلال السنتين الماضيتين[18].
كذلك وفي نفس الاطار، وبهدف الحد من الهجرة الغير نظامية، يسعى الاتحاد الاوروبي الى مزيد الضغط حول اسناد التأشيرات رغم ان تنقل التونسيين أمر اساسي كي يتمكنوا من تكوين علاقات تجارية باوروبا، كي يتمكنوا من زيارة اقاربهم أو حتى للاستمتاع بعطلتهم هناك. الاتحاد الاوروبي يسعى اذا الى مزيد انفتاح تونس على اوروبا من حيث تنقل البضائع، الخدمات ورؤوس الاموال ولكن ليس من حيث حرية تنقل الافراد. لذلك تدور المفاوضات حول اتفاقيتين تهدفان رغم اختلافهما الى تكثيف المراقبة على الحدود الاوروبية بتحديد من وماذا يُسمح له بتخطيها: اتفاقية مزعومة لتسهيل الدخول وأخرى لتسهيل اجراءات التحصل على التأشيرة في اطار التفاوض حول الشراكة في التنقل.
حريات ممنوحة لطرف واحد
نظريا، تعتمد الاتفاقيات الدولية على مبدأ التبادل[19] بين الدول الاطراف والتي يفترض أن تتفاوض من منطلق المساواة. رغم هذا، يبدوا أن حرية التنقل بين تونس والاتحاد الاوروبي لا تمنح الا لطرف واحد حيث أن “تسهيل اجراءات الحصول على تأشيرة” ليست إلا وسيلة لتقدم المفاوضات حول اتفاقية اعادة الدخول، التي تسعى لها الدول الاعضاء للاتحاد الاوروبي منذ سنة 2000[20] .
طُعم “تسهيل اجراءات الحصول على التأشيرة”:
ولئن تكوّن الاتحاد الأوروبي من خلال فتح سوق مشتركة للتبادل الحر وفضاء يتيح حرية التنقل بين دوله الأعضاء إلا أنه عزل مسألة حرية تنقل الأفراد عن باقي المسائل خلال مفاوضته لباقي الاتفاقيات. وفي حين تسند الدولة التونسية التأشيرة بشكل منهجي للأوروبيين وتمكنهم من البقاء بأرضها لثلاثة أشهر، لازالت اجراءات الحصول على التأشيرة في غاية التعقيد بالنسبة للتونسيين الراغبين في الذهاب الى أوروبا وخاصة بعد تأسيس منطقة شنغن. فماهي يا ترى “التسهيلات” التي تم ذكرها في المفاوضات؟
وفي اطار التبادل الحر، يشجع الاتحاد الاوروبي هجرة الأدمغة[21]. لهذا الغرض، تسهل اوروبا اجراءات الحصول على تأشيرة للنخبة التونسيين التي تمثل ثروة معرفية تخدم الاقتصاد الاوروبي[22]. من جهة أخرى نلاحظ انخفاض عدد المتخرجين التونسيين المتحصلين على شهائد عليا في كل من الجامعات العمومية والخاصة بنسبة 25% بين سنتي 2010 – [23]2016.
“نزيف الأدمغة ” ليس بمصطلح جديد، وهو مفهوم يتخذ حيزا استراتيجيا في اطار المفاوضات حول اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق ومفاوضات قبول المهاجرين وتسهيل اجراءات الحصول على تأشيرة. في المقابل لم تتناول المفاوضات مسألة حرية تنقل العمال من غير أصحاب الشهائد. ونلاحظ بأن البنود المتعلقة بهجرة اليد العاملة عادة ما تُتناول في اتفاقيات بين دولتين فقط، اذ تظل هذه المسألة محل خلاف بين دول الاتحاد الاوروبي.
في الماضي، تم توقيع عديد الاتفاقيات حول هجرة العملة الموسميين[24] مع مختلف دول الاتحاد الاوروبي. وبلغت الهجرة الدائرية والموسمية أوجها خلال الستينات مع حاجة الدول الاوروبية الكبيرة لليد العاملة لتبقى مرغوبة بها حتى سنوات 2000. أما اليوم فقد أغلق باب الهجرة لتحل محله تسهيلات اجراءات العودة، او تسهيل الحصول على التأشيرات لبعض “الشبان المؤهلين[25]” فقط من الذين خصصت لهم تونس جزءا مهما من ميزانيتها للتكوين العلمي والجامعي.
اذا ما قارنا اتفاقيات تسهيل اجراءات الحصول على تأشيرة في اطار الشراكة الخاصة بحرية التنقل مع دول أخرى[26]، نجد بأن الاتحاد الاوروبي لا يسند تأشيرة الا للطلاب الجامعيين اللامعين، الباحثين، أصحاب المشاريع، المستثمرين أو لعدد من نشطاء المجتمع المدني. هذا النوع من المعاهدات يزيد من عمق هوة التفاوت الاجتماعي ويكرس اللامساواة بين الطبقات الاجتماعية.
عدى عن ذلك، نلفت النظر الى أهمية تحويل الاموال للعمال بالخارج الى عائلتهم بتونس في الاقتصاد التونسي اذ تمثل هذه التحويلات نسبة 4.75% من الناتج الداخلي الخام في 2014[27].
ويتسم سياق الهجرة الجهوية بديناميكية مزدوجة حيث تشهد مناطق شمال المتوسط موجة من الخوف و”فوبيا” المهاجرين خاصة بعد الهجمات التي حصلت على التراب الاوروبية (رغم أن أغلب منفذي الهجمات كانوا من الاوروبيين) والتي سخرها عدد من الممثلين السياسيين لصالحهم. أما مناطق جنوب المتوسط، حيث الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تدهور مستمر وحيث تعم حالة من اليأس، يسعى أغلب الشباب الى الهجرة وترك البلاد نظاميا بالنسبة للنخبة، أو سرّيا بالنسبة لمن قوبل طلب تأشيرتهم بالرفض. هكذا، يقترح الاتحاد الاوروبي لمعالجة مسألة الهجرة الغير نظامية (التي يجرمها) باعتماد سبل قانونية للترحيل يطلق عليها رسميا اسم “اتفاقيات اعادة القبول”.
حين يحد التبادل الحر من حرية تنقل الأشخاص:
يعمل الاتحاد الاوروبي على مزيد الحد من اسناد التأشيرات في اطار مكافحة الهجرة الغير نظامية. وقد اقترح “ديميتري افراموبولوس” المفوض الاوروبي المكلف بالهجرة في 14 مارس 2018 “تشديد شروط منح التاشيرات للدول الشركاء الغير متعاونين كفاية مع نظام اعادة القبول”[28]. وبتوقيع اتفاقية “اعادة القبول”، على الدولة التونسية أن توافق لمدة طويلة على شروط الترحيل القادمة من دول الاتحاد الاوروبي وحتى على قبول المرحلين الغير تونسيين الذين عبروا عن طريق تونس.
منذ توقيع معاهد انستردام في 1997 مثلت السياسة الهجرية المشتركة حجر أساس نقاشات دول الاتحاد الاوروبي الأعضاء[29] وتم التأسيس لاستراتيجية الاستعانة بدول العالم الثالث لمراقبة حدود الاتحاد. هذه الاستراتيجية، وان لم يتم التصريح بها مباشرة الا اننا نلاحظها من خلال العبارات الموظفة في الخطابات على غرار “سياسات الجوار الاوروبية”، “دعم حماية دول اللجوء الاول”، “الشراكة مع بلدان العالم الثالث ودول العبور” و “تقاسم المسؤوليات مع الدول المصدر”[30]. عبارة “بلد ثالث آمن” تمكن دول الاتحاد الاوروبي من تبسيط ترحيل مواطني هاته البلدان[31].
وبقراءة أجندة المفوضية الاوروبية فيما يخص الهجرة يتوضح لنا بأن دول الاتحاد الأوروبي قد اتفقوا على الضغط لتشديد“العمليات، لضمان تحمل دول العالم الثالث مسؤولياتهم باعادة قبول مهاجريهم[32]“. اضافة الى ذلك، يسعى الاتحاد الاوروبي التفاوض حول قبول تونس للمهاجرين الغير تونسيين الذين عبروا من خلال اراضيها ومياهها للوصول الى اوروبا. وللانتهاء من مشروع تأمين الحدود يصرح الاتحاد الاوروبي بان: “الهدف هو زيادة تأمين الحدود وأيضا دعم قدرة دول افريقيا الشمالية على التدخل وانقاذ المهاجرين الغارقين بالبحر[33].” وقد قام بعض دول الاتحاد الاوروبي بالفعل بتمرير هذا النوع من الاتفاقيات المتعلقة بدعم قدرات خفر السواحل ونذكر منها الاتفاقية الخاصة بخفر السواحل الليبي الذين، رغم مساسهم المتكرر بحقوق الانسان تمكنوا من تأمين الحدود الليبية[34].
وأخيرا، نذكر بأنه ولتقليص نفقات الترحيل وجعل العمليات تسير بشكل منهجي، تجري المفاوضات حول “اتفاقيات اعادة القبول” مع عدد من دول العالم الثالث كتونس والمغرب[35]. منذ سنة 2005 قامت المفوضية الاوروبية بالتصريح بمنح “250 مليون اورو مقسمة على مدى 4سنوات” لبداية مفاوضات “اتفاقيات اعادة القبول”[36] وهو ما يؤكد الأولوية والاهمية التي يتمتع بها هذا الموضوع لدى الاتحاد الاوروبي.
* *
*
في الختام، تلفت المفاوضات الجارية بين تونس والاتحاد الاوروبي نظرنا الى هاجسي هذا الأخير: البقاء في المركز الأول في ما يتعلق بالتجارة الدولية، ومراقبة من يُسمح له بدخول الأراضي الاوروبية.ولتأمين النتائج يعتمد الاتحاد الأوروبي نفس التمشي في مفاوضات المسألتين: الوعود بتحسينات صغيرة (يُسمح لفئة معينة من التونسيين بالسفر الى اوروبا كما يسمح لبعض القطاعات بمزيد التصدير) لخدمة مصالحه المباشرة على حساب المصالح المتبادلة.
كيف لمثل هذه المفاوضات تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي بتونس؟ لازالت تونس، بعد مرور 7 سنوات على الثورة، في مرحلة اعادة البناء، ولازالت الأنظمة غير متوازنة والاصلاحات الدستورية غير تامة. ليس الوقت مناسبا اذا للالتزام بمثل هذه التغييرات وعلينا التعامل مع هذه المفاوضات بأتم الحيطة والحذر.
بالنسبة للمفاوضات حول حرية التنقل، اتفاقيات اعادة القبول تفرض مسؤوليات كبيرة على تونس من حيث اعادة قبول التونسيين وخاصة غير التونسيين من الأفارقة العابرين من خلالها في حين لا يلتزم الاتحاد الاوروبي الا بتسهيل طفيف في منح التأشيرات ولفئة معينة من الكفاءات الذين تُعتبر هجرتهم في حد ذاتها مكسبا لأوروبا.
أما فيما يخص اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق، تبدوا المكاسب واضحة للطرف الاوروبي من حيث حيازة مقدمي الخدمات الاوروبيين على زبائن جدد وعلى أسواق عمومية جديدة وهيمنة مرجحة لهم على نسيج السوق الاقتصادي التونسي في حين تعرض هذه ا اتفاقية تونس لعديد المخاطر:
- فقدان الوظائف في قطاع الفلاحة بسبب قوة منافسة القطاع الاوروبي المدعوم
- فقدان الوظائف المرجح في قطاع الخدمات
- ارتفاع ممكن في استهلاك الثروات المائية للاستغلال الفلاحي والزراعي (بارتفاع النشاط والانتاجية الفلاحية في ظل التنافس)
- فقدان المداخيل الجبائية للواردات والصادرات والتي ستعرقل مساعي تونس في التأسيس لتقليص الفوارق بين الجهات والتي ستزيد من حدة التفاوت الجهوي
الى جانب ذلك، عدم تكافئ موازين القوى بين دولة يقطنها 11مليون ساكن تعاني أصلا من ضعف اقتصادها ولا تزال تمر بمرحلة انتقالية، واتحاد يعد 500 مليون ساكن ويصنف كالقوة التجارية الأولى في العالم، يمكن الاتحاد الأوروبي من تسليط ضغوطات على تونس للقبول بشروطه.
وضّحنا في ما سبق بأن الدعم التنموي لتونس يشترط منها القيام بإصلاحات ومقاييس مفروضة من طرف الاتحاد الاوروبي وهو ما يبين بأن المفاوضات لا تجري لمصلحة الدولة التونسية.
في الختام، نقترح بأن تربط تونس بين مسألة حرية التجارة ومسألة حرية تنقل الأفراد، في اتفاقية شراكة كاملة تصب لمصلحتها وليس فقط لمصلحة الاتحاد الاوروبي وفي ما يلي بعض التوجيهات المقترحة:
- فيما يتعلق بالمفاوضات الأولى الخاصة بتنقل الأفراد:
- على هذه الشراكة أن تكون متبادلة متيحة الحرية لكلا متساكني الضفية الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط.
- ادراج تسهيلات التحصل على تأشيرة للراغبين في الهجرة من غير حاملي الشهائد العليا (هجرة دائرية وموسمية)
- مزيد التكافؤ بين الطرفين الممضيين في ما يتعلق بمنح التأشيرات
- فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتجارية:
- على عقد الشراكة أن يحدد الاجراءات التي تضمن لتونس التمتع بفرص العمل، خاصة بالنسبة لمواطنيها الشبان بالمناطق الداخلية
- تحسين جودة المنتوج التونسي من خلال تبادل الخبرات والتقنيات والشراكة العلمية
- يجدر التوجه نحو تنمية فلاحية صديقة للبيئة مع تطوير قطاع فلاحي يتلاءم مع التغيرات المناخية، شح الموارد المائية ويمكن من ضمان الاكتفاء الغذائي للتونسيين
- لا يجب الموافقة على البنود المتعلقة بانشاء محاكم تحكيم دولية وذلك لاحترام سيادة الدولة بغض النظر عن مصالح الشركات الدولية الأجنبية.
[1] https://ftdes.net/fr/10-ans-apres-lechec-du-libre-echange-avec-lue/
[2] تعلو المعاهدة الدولية على القانون التونسي، الا أنها يجب أن تتوافق مع الدستور
[3] اللجوء الى مكاتب محاماة مختصة في المشاريع الخاصة. وتعرف هذه المكاتب بانحيازها حيث سبق ودافعوا عن بعض الاستثمارات وأدانوا أخرى في حين أن تضارب المصالح بيّن.
[4] أ. محجوب و ز.سعداوي 2016 تقييم الشراكة بين الاتحاد الاوروبي وتونس – مؤسسة روزا لوكسومبرغ، الشبكة الاورومتوسطية لحقوق الانسان – ماي 2015
[5] ع.بدوي، م. المقدم 2016 تقييم اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الاوروبي – مؤسسة روزا لوكسومبرغ – تونس 2016
[6] اعلان المجتمع المدني بمناسبة تصويت البرلمان الاوروبي على افتتاح مفاوضة اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق بين تونس والاتحاد الاوروبي في 15 فيفري 2016 والموقع من طرف 28 منظمة
[7] أ.محجوب و ز. سعداوي تأثير اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بتونس – الشبكة الاورومتوسطية لحقوق الانسان – ماي 2015 ص.18
[8] المعايير الصحية وشبه الصحية على وجه الخصوص، الملكية الفكرية، التنافسية والاسواق العمومية.
[9] الاستراتيجية التجارية لسنة 2015 “التجارة للجميع”
[10] المفوضية الاوروبية “القدرة التنافسية الاوروبية في التجارة العالمية” 2006 ص 06- 07 المفوضية الاوروبية (التجارة للجميع) 2015 ص.09
[11] Ibid
[12] المرصد الاقتصادي التونسي “العلاقات التجارية: هل تتحرر تونس من الاتحاد الاوروبي؟” Datanalysis رقم 15، 23 مارس 2018
[13] عرضت اتفاقيات التبادل الحر الشامل والمعمق على دول اوروبا الشرقية (اكرانيا، مولدافي وجورجيا) وعلى دول المتوسط (بدأ المغرب المفاوضات قبل تونس كما تم الاتصال بمر والاردن). ومن الدول الأخرى نذكر افريقيا الجنوبية، الهند، البرازيل، آسيا الجنوبية وأمريكا الوسطى
[14] بريجيت ماهنكوف “من برشلونة الى سياسات الجوار” – التنمية من خلال التبادل الحر بروكسال 2017 – Brigit Mahnkopf, « From
[15] صنف الاتحاد الاوروبي تونس ضمن الدول المدرجة بالقائمة السوداء للملاذات الضريبية في 05 ديسمبر 2017 وفي 07 فيفري 2017 ضمن القائمة السوداء لتبييض الاموال وتمويل الارهاب. ورغم بعض الثغرات الادارية التونسية فيما يخص هاتين المسألتين الا أن عديد الاطراف اعتبرت هذا التصنيف قرارا سياسيا بالأساس. مثال عن ذلك: https://inkyfada.com/2017/12/tunisie-liste-noire-union-europeenne/
[16] مثالا عن ذلك، انظر الحوار مع عضو البرلمان الاوروبي http://nawaat.org/portail/2018/02/28/liste-noire-libre-echange-interview-avec-m-c-vergiat-deputee-europeenne-en-visite-a-tunis/
[17] تمويلات في اطار المساعدة المالية الكلية وسياسة الجوار. الرجاء مراجعة النقطة الاخيرة في تقرير الاورومتوسطية للحقوق: دعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بمنطقة المتوسط – بروكسال 2016 ص. 09 – 10
[18] المرصد الاقتصادي التونسي “مخطط الدعم الاوروبي الوقتي لصادرات زيت الزيتون التونسي” ملخص رقم 5، 5أفريل2018
[19] قطاع الخدمات من القطاعات الأكثر تأثيرا على الاقتصاد. تعمل لجنة من الأجانب كفؤ ومؤهلون ومكونو من طرف الاتحاد الاوروبي معا خلال فترة قصيرة لتقديم خدماتهم للمؤسسات الخاصة والعمومية. تدرس اللجنة جميع الجوانب لتوفير السلامة القانونية لهؤلاء الاشخاص ولدعم مكانة الاتحاد دعما يمكنه من طلب المقابل خلال مفاوضات اتفاقية التبادل الشامل والمعمق. https://ec.europa.eu/home-affairs/sites/homeaffairs/files/what-we-do/policies/european-agenda-migration/background-information/docs/communication_on_the_european_agenda_on_migration_fr.pdf
[20] http://www.migreurop.org/article963.html
[21] “أوروبا تتنافس مع الانظمة الاقتصادية الاخرى في مجال استقطاب العمال الكفؤ والمأهلين لخدمة مصالحها والتي هي في حاجة ماسة لخدماتهم. وقد يشهد استقطاب اوروبا لهذه الكفاءات ارتفاعا ب23بالمئة بين سنتي 2012 – 2025 خاصة في مجال اليد العاملة من اصحاب الشهائد العليا حيث نقصا فادحا في اليد العاملة في بعض القطاعات الحيوية كالعلوم، التكنولوجيات الحديثة، الهندسة والأطقم الطبية. تعاني اوروبا من شيخوخة سكانها في حين يعتمد اقتصادها اكثر فأكثر على وظائف تتطلب الكفاءة. https://ec.europa.eu/home-affairs/sites/homeaffairs/files/what-we-do/policies/european-agenda-migration/background-information/docs/communication_on_the_european_agenda_on_migration_fr.pdf
[22] تقرير شفيق روين، “نزيف المتحصلين على الشهائد العليا” data analysis14 – 2018 . http://www.economie-tunisie.org/fr/observatoire/infoeconomics/l%E2%80%99h%C3%A9morragie-des-dipl%C3%B4m%C3%A9s-du-sup%C3%A9rieur
[23] اتفاقية تبادل المهنيين الشبان بين تونس وفرنسا (2003) اتفاقية اليد العاملة بين تونس وفرنسا (1963) اتفاقية العمال الموسميين بين تونس وايطاليا (2000) – “مشروع دعم الشراكة من أجل حرية التنقل بين تونس والاتحاد الاوروبي. اعادة الادماج بتونس: البيئة الاقتصادية والاجتماعية، الاطار القانوني والاداري” 2017 ص22 (https://lemma.tn/wpcontent/uploads/2017/12/Rapport_EnvironnementRetourTn_LemmaOfii_2017.pdf).
[24] اتفاقية بين تونس والمانيا في مارس 2017 حول”العودة الطوعية، اعادة الادماج الاجتماعي والاقتصادي والتنمية التضامنية”
[25] اتفاقية المهنيين الشبان بين تونس وسويسرا 2012 اتفاقية المهنيين الشبان بين تونس وفرنسا 2003 “مشروع دعم الشراكة من أجل حرية التنقل بين تونس والاتحاد الاوروبي. اعادة الادماج بتونس: البيئة الاقتصادية والاجتماعية، الاطار القانوني والاداري” 2017 ص22 (https://lemma.tn/wp-content/uploads/2017/12/Rapport_EnvironnementRetourTn_LemmaOfii_2017.pdf).
[26] بالمقارنة مع اتفاقيات تسهيل اجراءات التأشيرة التي تم التفاوض حولها مع اذربيجان، ارمانيا والرأس الاخضر في 2014
[27] قدر مجموع تحويل الاموال الى تونس من طرف التونسيين العاملين بالخارج في 2014 ب3984 مليون دينار وهو ما يعادل نسبة 4.75% من الناتج الداخلي الخام لسنة 2013. ديوان التونسيين بالخارج 2014 – “احصائيات حول التونسيين العاملين بالخارج لسنة 2014” اصدار ادارة الدراسات والمعلوماتية. الاستراتيجية الوطنية للهجرة – جويلية 2015
[28] http://tunisievisa.info/actualites/la-commission-europeenne-durcit-sa-politique-de-visa-schengen/#
[29] https://www.monde-diplomatique.fr/2004/03/MORICE/11059
[30] http://www.migreurop.org/article963.html
[31] http://www.migreurop.org/article963.html
[32] ” أجندة المفوضية الاوروبية فيما يخص الهجرة، مفوضية البرلمان الاوروبي، المجلس، الهيئة الاقتصادية والاجتماعية الاوروبية وهيئة المناطق” بروكسال في 13.05.2015 (2015) 240 الاجندة النهائية https://ec.europa.eu/home-affairs/sites/homeaffairs/files/what-we-do/policies/european-agenda-migration/background-information/docs/communication_on_the_european_agenda_on_migration_fr.pdf
[33] Ibid.
[34] لقي 50 شخصا حتفهم في 6 نوفمبر 2017 بعد التدخل العنيف لخفر السواحل الليبي بينما كانت منظمة Sea Watch تقوم بعملية انقاذ. لمزيد التفاصيل اطلع على تقرير https://www.amnesty.org/fr/press-releases/2017/12/libya-european-governments-complicit-in-horrific-abuse-of-refugees-and-migrants/
[35] وقعت تونس في مارس 2014 على قبول بداية المفاوضات حول “اتفاقية الشراكة الخاصة بالتنقل” وسبقتها المغرب في جوان 2013 وكذلك مولديفبا، جورجيا، ارمانيا واذرابيجان. http://www.lemonde.fr/societe/article/2014/03/03/l-union-europeenne-signe-un-accord-sur-l-immigration-avec-la-tunisie_4376841_3224.html
(Français) Le peuple du bassin minier n’a pas renoncé à ses rêves de justice sociale
« Cette révolution était portée par des aspirations sociales »
Cette répression n’étonne pas Fahem Boukadous, rédacteur en chef de Mines FM, une station de radio qui émet sur la région. Il était, en 2008, l’un des rares journalistes à couvrir la révolte populaire. Cela lui avait valu une condamnation à quatre ans de prison. Après une année de clandestinité, il a passé sept mois dans les geôles de Ben Ali, avant d’être libéré en janvier 2011. « Certains ont voulu réduire la révolution tunisienne à une révolution politique, comme celles qui ont éclaté dans les pays de l’Est à partir de 1989. Ceux-là pensent que la page doit se tourner, après l’adoption de la Constitution. Je pense au contraire que cette révolution était portée par des aspirations sociales. Ici nous poursuivons les luttes pour réaliser les objectifs de justice sociale qui en étaient le moteur », tranche le journaliste.Dans les vastes locaux de l’UGTT (Union générale des travailleurs tunisiens), à Gafsa, on observe le jeu électoral avec prudence. « Nous nous tenons à la même distance de tous les partis pour préserver le rôle de médiateur de la centrale syndicale, explique Mohamed Miraoui, le secrétaire général de l’Union régionale. Si l’UGTT n’avait pas imposé le dialogue national qui a permis de mettre des adversaires politiques autour d’une même table, le pays aurait peut-être sombré dans le chaos, comme la Libye voisine. » Cette neutralité affichée n’empêche pas le dirigeant syndical de porter un regard sévère sur le bilan de la troïka, la coalition issue des élections de 2011, dominée par Ennahdha. « Sur le plan politique et démocratique, la situation s’est améliorée, mais, sur le plan social et économique, c’est un désastre », soupire-t-il. Depuis les bureaux voisins du Front populaire s’échappe une mélopée de la Libanaise Fayrouz. Les militants montent le son pour couvrir les chants religieux qui rythment les distributions de tracts des islamistes sur l’artère principale. Le candidat de la coalition de gauche, Amar Amroussi, reçoit le soutien de Hamma Hammami. Jadis traqué par la police de Ben Ali, le porte-parole du Front populaire, en tournée dans le Sud, ne circule plus que sous étroite escorte policière, du fait de sérieuses menaces d’attentat. Autour de lui, dans la marche organisée en hommage à un militant du Front populaire tué par une grenade lacrymogène, les militants brandissent des portraits de Chokri Belaïd, assassiné le 6 février 2013.“Sur le plan démocratique, le situation s’est améliorée, mais, sur le plan social, c’est un désastre.” Mohamed Miraoui, secrétaire général de l’Union régionale UGTTÀ la sortie de Gafsa, l’interminable ruban de bitume, qui s’étire jusqu’aux mines de phosphates de Redeyef, n’est emprunté que par les camions et les pick-up chargés de citernes d’eau. Les floculants utilisés pour nettoyer les grains de phosphate ont pollué la nappe phréatique, ce qui contraint les habitants de la région à de lourdes dépenses pour s’approvisionner en eau potable. Les plus modestes ont la dentition rongée par l’eau souillée. La prévalence des cancers et des maladies respiratoires est préoccupante mais jamais aucune étude épidémiologique sérieuse n’a été conduite par l’État. Au pied de la mine, Redeyef affiche sa méfiance envers les partis politiques. La mémoire de luttes de la cité minière se déploie en fresques colorées, au fil de rues défoncées, asphyxiées par une malsaine poussière. Figure du soulèvement populaire de 2008, Adnène Hajji a constitué une liste indépendante. Dans les locaux du Forum tunisien pour les droits économiques et sociaux du bassin minier, il se dit « mécontent des partis qui imposent leurs programmes politiques sans écouter les citoyens ». « Depuis 2011, il n’y a pas eu de vrai changement, pas d’avancées sociales pour les classes populaires. Les têtes ont changé, mais pas les politiques libérales », s’emporte-t-il. Seule industrie et principal employeur de la région, la Compagnie des phosphates de Gafsa (CPG) aiguise les appétits : une délégation d’une trentaine d’entreprises françaises opérant dans le secteur minier est attendue le 18 novembre à Tunis pour entamer des discussions avec les dirigeants de la CPG en vue de « nouer des partenariats » avec l’entreprise publique tunisienne. Les attentes sociales du peuple du bassin minier ne figurent pas au programme de cette visite.
Termes de référence d’une étude sur l’intégration maghrébine
Rapport: Un traitement injuste et arbitraire du dossier des travailleurs des chantiers
FTDES : l’emploi au cœur des mouvements de protestation
A ces autres causes de revendications sont : la protection de l’environnement, les services de santé, l’aménagement de l’infrastructure, l’amélioration des conditions du logement et de l’habitat, le développement régional, la lutte contre le racisme, la pénurie d’eau et lutte contre la manipulation de la loi.
Pour consulter l’intégralité du rapport veuillez cliquer sur le
– See more at: http://www.leconomistemaghrebin.com/2014/04/03/ftdes-emploi-protestation/#sthash.ZZ5Xi4PS.dpufFTDES : l’emploi au cœur des mouvements de protestation
A ces autres causes de revendications sont : la protection de l’environnement, les services de santé, l’aménagement de l’infrastructure, l’amélioration des conditions du logement et de l’habitat, le développement régional, la lutte contre le racisme, la pénurie d’eau et lutte contre la manipulation de la loi.
Pour consulter l’intégralité du rapport veuillez cliquer sur le
– See more at: http://www.leconomistemaghrebin.com/2014/04/03/ftdes-emploi-protestation/#sthash.ZZ5Xi4PS.dpufLe peuple du bassin minier n’a pas renoncé à ses rêves de justice sociale
« Cette révolution était portée par des aspirations sociales »
Cette répression n’étonne pas Fahem Boukadous, rédacteur en chef de Mines FM, une station de radio qui émet sur la région. Il était, en 2008, l’un des rares journalistes à couvrir la révolte populaire. Cela lui avait valu une condamnation à quatre ans de prison. Après une année de clandestinité, il a passé sept mois dans les geôles de Ben Ali, avant d’être libéré en janvier 2011. « Certains ont voulu réduire la révolution tunisienne à une révolution politique, comme celles qui ont éclaté dans les pays de l’Est à partir de 1989. Ceux-là pensent que la page doit se tourner, après l’adoption de la Constitution. Je pense au contraire que cette révolution était portée par des aspirations sociales. Ici nous poursuivons les luttes pour réaliser les objectifs de justice sociale qui en étaient le moteur », tranche le journaliste.Dans les vastes locaux de l’UGTT (Union générale des travailleurs tunisiens), à Gafsa, on observe le jeu électoral avec prudence. « Nous nous tenons à la même distance de tous les partis pour préserver le rôle de médiateur de la centrale syndicale, explique Mohamed Miraoui, le secrétaire général de l’Union régionale. Si l’UGTT n’avait pas imposé le dialogue national qui a permis de mettre des adversaires politiques autour d’une même table, le pays aurait peut-être sombré dans le chaos, comme la Libye voisine. » Cette neutralité affichée n’empêche pas le dirigeant syndical de porter un regard sévère sur le bilan de la troïka, la coalition issue des élections de 2011, dominée par Ennahdha. « Sur le plan politique et démocratique, la situation s’est améliorée, mais, sur le plan social et économique, c’est un désastre », soupire-t-il. Depuis les bureaux voisins du Front populaire s’échappe une mélopée de la Libanaise Fayrouz. Les militants montent le son pour couvrir les chants religieux qui rythment les distributions de tracts des islamistes sur l’artère principale. Le candidat de la coalition de gauche, Amar Amroussi, reçoit le soutien de Hamma Hammami. Jadis traqué par la police de Ben Ali, le porte-parole du Front populaire, en tournée dans le Sud, ne circule plus que sous étroite escorte policière, du fait de sérieuses menaces d’attentat. Autour de lui, dans la marche organisée en hommage à un militant du Front populaire tué par une grenade lacrymogène, les militants brandissent des portraits de Chokri Belaïd, assassiné le 6 février 2013.“Sur le plan démocratique, le situation s’est améliorée, mais, sur le plan social, c’est un désastre.” Mohamed Miraoui, secrétaire général de l’Union régionale UGTTÀ la sortie de Gafsa, l’interminable ruban de bitume, qui s’étire jusqu’aux mines de phosphates de Redeyef, n’est emprunté que par les camions et les pick-up chargés de citernes d’eau. Les floculants utilisés pour nettoyer les grains de phosphate ont pollué la nappe phréatique, ce qui contraint les habitants de la région à de lourdes dépenses pour s’approvisionner en eau potable. Les plus modestes ont la dentition rongée par l’eau souillée. La prévalence des cancers et des maladies respiratoires est préoccupante mais jamais aucune étude épidémiologique sérieuse n’a été conduite par l’État. Au pied de la mine, Redeyef affiche sa méfiance envers les partis politiques. La mémoire de luttes de la cité minière se déploie en fresques colorées, au fil de rues défoncées, asphyxiées par une malsaine poussière. Figure du soulèvement populaire de 2008, Adnène Hajji a constitué une liste indépendante. Dans les locaux du Forum tunisien pour les droits économiques et sociaux du bassin minier, il se dit « mécontent des partis qui imposent leurs programmes politiques sans écouter les citoyens ». « Depuis 2011, il n’y a pas eu de vrai changement, pas d’avancées sociales pour les classes populaires. Les têtes ont changé, mais pas les politiques libérales », s’emporte-t-il. Seule industrie et principal employeur de la région, la Compagnie des phosphates de Gafsa (CPG) aiguise les appétits : une délégation d’une trentaine d’entreprises françaises opérant dans le secteur minier est attendue le 18 novembre à Tunis pour entamer des discussions avec les dirigeants de la CPG en vue de « nouer des partenariats » avec l’entreprise publique tunisienne. Les attentes sociales du peuple du bassin minier ne figurent pas au programme de cette visite.