انتشار النفايات في تونس: الصعوبات والتحديات والحلول من أجل صحوة إيكولوجية حقيقية

0
17412

انتشار النفايات في تونس: الصعوبات والتحديات والحلول من أجل صحوة إيكولوجية حقيقية

   إيمان بدور: باحثة في علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس

ملخص

 تهدف هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على مشكل بيئي خطير وهو انتشار النفايات الصلبة في تونس وتراكمها وذلك لأن أول خطوة لحل أي معضلة تكمن في الاعتراف بوجودها والكشف عن مدى خطورتها والتعمق في فهمها.  ونعتمد لذلك المنهج الوصفي التحليلي لكشف وتشخيص وتفسير الواقع الكارثي للنفايات الصلبة في تونس بالاستناد إلى دراسات وأرقام ومعطيات علمية في الشأن البيئي.

تعرف تونس منذ بداية العشرية الأخيرة تدهورا في الوضع البيئي من خلال تراكم النفايات وانتشارها وعدم وجود حلول جدية وناجعة ومستدامة للتخلص منها وهو ما جعل حياة المواطن أكثر تعقيدا وصعوبة. ويرجع ذلك إلى أن أزمة التصرف في النفايات الصلبة باختلاف أنواعها، الغذائية والصناعية والطبية الخطيرة تجاوزت انعكاساتها السلبية الوضع البيئي بالجهات الأكثر تضررا لتطال جودة الحياة بكامل مناطق البلاد. ولا يخفى على أحد ان السياسات الاقتصادية لتونس منذ التسعينات والمبنية على الانفتاح على الأسواق الخارجية ودعم القطاعين الصناعي والسياحي على حساب القطاع الفلاحي، كان لها تأثير كبير ليس فقط على الموارد الطبيعية التي تفاقم استنزافها بل وعلى المنظومات الإيكولوجية التي أصبحت تستقبل شتى أنواع النفايات وبكميات متزايدة.

ويلاحظ المتأمل في واقعنا أن النفايات الصلبة والخطرة ليست مشكلة بيئية عابرة يمكن التخلص منها ببعض الحلول الوقتية والترقيعية وذلك لأن انتشارها أصبح يشبه الكارثة أو الآفة بعدما توغلت في مختلف الجهات والولايات. ولا تقتصر مشكلة النفايات فقط على تلك الموجودة في المصبات العشوائية والمراقبة كبرج شاكير أو مصب القنة بعقارب والتي يتم تناولها منذ سنوات على نطاق واسع في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، بل أن النفايات المنزلية وفواضل مواد البناء غمرت النسيج العمراني بأكمله لتصبح جزءًا لا يتجزأ من المناظر الحضرية والطبيعية والحياة اليومية للمواطنين. وتنتشر القمامة في كل مكان في المناطق السكنية كالأحياء والساحات الخالِية وأمام البيوت والطرقات والشوارع الرئيسية والفرعية والأنهج والحدائق العمومية، بالإضافة إلى الملاعب والشواطئ، وأيضا الأماكن الترفيهية والمحطات الواقعة في وسط العاصمة ووسط المدن السياحية الكبرى.

تعكس هذه المعضلة غياب ثقافة بيئية لدى المواطنين إلى جانب غياب قوانين صارمة وعقوبات جزائية رادعة ضد الملوثين والمخالفين. فالفضلات يتم رميها في الشوارع متسببة في تلوث بصري وبيئي يعكس عدم قدرة الدولة والجماعات المحلية ووزارة الاشراف على تطوير آليات حوكمة جديدة وفعالة للإصلاح والنهوض بمنظومة جمع وتثمين النفايات المنزلية والصناعية.

وتؤكد هذا الأمر دراسات عديدة في الشأن البيئي ترصد أرقاما صادمة تعكس الواقع الخطير للنفايات في تونس وتبين أن العجز عن إيجاد حلول لهذا المشكل في بلادنا أصبح ككرة الثلج التي تكبر و تتفاقم لتنتشر في كل المناطق لتصبح بذلك أكثر خطورة على أمن المواطن التونسي وذلك على الرغم من المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و التشريعات و القوانين التي سنتها تونس لمجابهتها ومكافحتها، و المنظمات والهيئات التي جندت تحت مسميات لامعة لمعالجة هذه المعضلة والوقاية منها والتي تظل عاجزة جلها عن إيجاد حل لهذا الوضع البيئي الكارثي.

 واقع النفايات الصلبة حسب الأرقام والمعطيات

  • مخلفات البناء: حسب المعطيات المنشورة من قبل وزارة البيئة منذ سنة 2000 وصلت إلى حدود ال 8 مليون متر مكعب تتكدس 70 % منها في المدن الساحلية وأساسا في ولايات سوسة وصفاقس وتونس العاصمة.
  • النفايات المنزلية: كل مواطن تونسي ينتج تقريبا 365 كيلوغراما من النفايات في السنة أي بمعدل كيلوغرام واحد في اليوم.
  • النفايات البلاستيكية: كشفت دراسة قامت بها منظمة “جمعيتي” أن كل تونسي ينتج 0،11 كغ من النفايات البلاستيكية كما يبلغ معدل إنتاج الفرد الواحد للنفايات البلاستيكية 23 % في اليوم وفق دراسة صادرة عن الوكالة الوطنية لحماية المحيط في 2018 أي ما يعادل 250 ألف طن، 28 % منها تتبخر في الطبيعة و4 % يتم إلقاؤها في البحر بينما لا يتم رسكلة سوى 4 % لتعتبر تونس بذلك ضمن أكثر دول الحوض المتوسط تلوثا بالبلاستيك.

·         النفايات الخطرة: وهي المتأتية بالأساس من المنشآت الصحية. وقد أكدت العديد من الدراسات ان الأزمة الصحية كوفيد 19 قد ساهمت بشكل كبير في ارتفاعها بنحو 40% منذ 2019. ويطرح تجميعها إشكاليات عديدة كعدم فرزها رغم احتوائها على أدوات خطرة وحادة كالإبر بالإضافة إلى أعضاء بشرية ودم. ويتم نقل هذه النفايات مع النفايات الأخرى كبقايا الطعام، وقشور الغلال والخضراوات، والورق، والبلاستيك، بالإضافة إلى قطع الزجاج والملابس. ويؤدي هذا الأمر إلى انتشار العدوى بين السكان بالإضافة الى مشكل التهرب الضريبي حيث أن عددا كبيرا من المصحات والصيدليات لا تفصح عن حجم نفاياتها الحقيقي وذلك لتجنب دفع ضرائب عالية. وتبلغ نفايات المستشفيات في تونس 18000 طن سنويًا من بينها 8000 طن من النفايات السامة والخطرة. وتوجد في تونس 7 شركات مسؤولة عن جمع نفايات المستشفيات الخطرة تجمع 12000 طنا فقط في المصبات العشوائية دون أي رقابة من السلطات وتقوم هذه الشركات بردم النفايات الاستشفائية دون أي فرز وهذا ما يؤدي إلى إنتاج مواد خطيرة تنبعث منها روائح كريهة وغازات سامة.·         إرتفاع عدد النقاط السوداء: وفقا لمقال تم نشره في le Magazine Web Manager، هناك انتشار مفرط للفضاءات العشوائية التي تتجمع فيها مخلفات الهدم والبناء بعد الثورة. حيث تم رصد حوالي 290 نقطة سوداء تشوه المشهد الطبيعي والعمراني وتضر بالبيئة.

إدارة النفايات في تونس تفتقر إلى رؤية وإستراتيجية واضحة

1.       قوانين متناقضةدوليا، انضمت تونس الى اتفاقية بازل سنة 1972 بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود واتفاقية ستوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة لعام 2018. ومن خلال التوقيع على هاتين الاتفاقيتين، تلتزم تونس باحترام المعايير الدولية فيما يتعلق بالنفايات الناتجة عن القطاع الصناعي وتطبيق معايير معينة من حيث إعادة التدوير والفرز الانتقائي. غير اننا نلحظ على ارض الواقع أن هذه المعاهدات لا يتم احترامها. فعلى سبيل المثال تنتج المصانع والمستشفيات كميات كبيرة من النفايات الملوثة في غياب للفرز والمراقبة الإدارية. وفي ظل عدم وجود رقابة حقيقية من جانب الدولة، إضافة إلى الافتقار إلى الوسائل التقنية اللازمة وسوء الإدارة والفساد، ينتهي تجميع وتكديس النفايات السامة والخطرة في المصبات المخصصة للنفايات المنزلية. وتتعارض هذه الانتهاكات والتجاوزات القانونية مع ما ورد في كراس الشروط عدد 2 المتعلق بضبط طرق وشروط ممارسة أنشطة رسكلة النفايات غير الخطرة وتثمينها.2.       سياسة الردم وغياب الفرز والتدوير

  من الضروري أن نتساءل حول مآل النفايات التي يتم تجميعها في المصبات والتي لا تمثل الا جزءًا من النفايات التي ينتجها التونسيون وذلك كما يؤكده وليم المرداسي خبير في التصرف في النفايات حيث يتم تجميع 85٪ فقط من النفايات في مصبات النفايات البلدية بينما يتم تكديس الباقي في مصبات عشوائية أو تركها في الشوارع والأماكن الحضرية. ومن ناحية أخرى، يتم إعادة تدوير 4 إلى 7٪ فقط من النفايات المنزلية بينما يتم تكديس الباقي بطريقة عشوائية حتى تجد الدولة مكانا لنقله.

ووفقًا لتقرير الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات لسنة 2018، يوجد في تونس “ثلاثة عشر مصبا خاضعًا للرقابة ومركزًا تقنيًا لردم النفايات، CET، والتي تخدم 55 ٪ من السكان التونسيين”. وبالإضافة الى أن هذه المصبات والمراكز تغطي نصف سكان تونس فقط فإنها لا تمثل حلاً بيئيًا سليما ومن هنا نفهم الاستياء العام المتصاعد إزاء خدماتها. أما من الناحية الاقتصادية، فتعتبر مخلفات الردم مكلفة للغاية. فعلى سبيل المثال يستقبل مصب برج شاكير أكبر كميات من النفايات سنويا أي أكثر من 900 ألف طن يوميا بينما يكلف الدولة ما بين 150 و200 دينار للطن الواحد وذلك وفق ما أكده لنا رئيس شركة مختصة في إعادة تدوير النفايات. وتتكون النفايات التي يتم ردمها من المواد العضوية والبلاستيك ومخلفات البناء ونفايات أخرى تحتوي على معادن ومكونات يمكن معالجتها وإعادة استخدامها. ويهدر القائمون على الشأن البيئي وعلى رأسهم الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات التي يمثل تحويل النفايات الى ثروة وطنية من أهم مشمولاتها، أموالا طائلة لردم هذا الكنز الحقيقي الذي يحتاجه الاقتصاد الوطني بشدة خاصة في هذه الفترة التي تتسم بعدم الاستقرار السياسي وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. وعلى العكس من ذلك، تعتبر دول عديدة إعادة تدوير النفايات وتثمينها مكونا مهما وأساسيًا لسياسة إدارة النفايات الخاصة بها. وذلك على غرار مجموعة من الدول الأوروبية التي اعتمدت منذ 2018 إستراتيجية لإعادة تدوير نفاياتها البلدية مثل ألمانيا بنسبة 67٪ وسلوفينيا بنسبة 59٪ والنمسا بنسبة 58٪ وبلجيكا بنسبة 55٪ وهولندا بنسبة 56٪.3.       تداعيات ضعف سياسة إدارة النفاياتومن الناحية الاجتماعية، فإن لانتشار النفايات وتراكمها آثار سلبية على صحة السكان القاطنين بالقرب من المصبات كما أدى عدم قدرة الدولة على حل مشكلة النفايات وانتشار المصبات العشوائية إلى موجة من الاحتجاجات في عدة مناطق من البلاد للمطالبة بإغلاق مراكز جمع النفايات. ونخص بالذكر حراكي “مانيش مصب” و “سكر المصب ” اللذان يمثلان عينة من الحركات الاجتماعية التي تؤكد على أن افة تراكم النفايات تعود بالأساس إلى عجز الحكومات المتعاقبة عن إيجاد حلول ناجعة و فعالة ولكن أيضًا الى غياب الإرادة السياسة والوطنية وانعدام جدوى وفاعلية الهياكل المختصة في ملف النفايات.ويظهر ذلك على سبيل المثال من خلال إحداث مصبات للنفايات داخل الأراضي الفلاحية دون دراسات علمية مسبقة والذي يعد جرما بيئيا كما هو الشأن بسبيطلة من ولاية القصرين أين تم تحويل ارض فلاحية من ملكية زراعية مشتركة خصبة تضمن الاستقلال الغذائي للمنطقة إلى مصب عشوائي مليء بالنفايات المنزلية السامة والخطيرة وذلك بحسب شهادة أحد متساكني المنطقة. وتحول بذلك الموقع إلى مكان تنتهك فيه قواعد حماية البيئة ويمثل خطرا يهدد الهوية الثقافية والخصوصية التاريخية لسبيطلة.إن تغاضي الدولة عن مثل هذه الممارسات يغذي الشعور بالغبن وبعدم المساواة الاجتماعية مع المناطق الأقل ضررا كما يفقد المواطن ثقته في السلطات التي يبدو له أنها لا تهتم بالخطر الذي يسببه الحرق والردم على صحته فيتجرد من إحساسه بالانتماء واحترامه لوطنه وهويته. وعليه، فان التأثير النفسي للنفايات لا يقل أهمية عن تداعياتها الصحية السلبية. علاوة على ذلك، فإن عدم وجود تدابير لمنع تساقط النفايات عند نقلها من نقاط التجميع إلى مراكز معالجة النفايات يؤدي الى تناثرها في الطرقات التي تصبح مليئة بالنفايات أثناء مرور شاحنات جمع القمامة وهذا ما يؤكد حمل الرياح للقمامة قبل أن تتساقط على الأرض. ولا تتوافق هذه الشاحنات مع المواصفات المتعلقة بنقل النفايات غير الخطرة ولا سيما مع المادة [1]4 من القانون عدد 41 لسنة 1996 المؤرخ في 10 جوان 1996 المتعلّق بالنّفايات وبمراقبة التصرف فيها وإزالتها ومع ما ورد بالقانون عدد 14 لسنة 2001 المؤرخ في 30 جانفي 2001 المتعلّق بتبسيط الإجراءات الإدارية الخاصة بالتّراخيص المسلّمة من قبل الوزارة المكلّفة بالبيئة في المجالات الراجعة لها بالنّظر.4.       حلول غير ناجعة وتمشي ارتجالي

تم خلال العقد الأخير تنفيذ عشرات المشاريع لمعالجة وتثمين النفايات بمختلف أنواعها وبلغت الميزانية المرصودة لذلك مئات الملايين من اليوروات في عدة مناطق من البلاد، دون أن يحدث تغيير ملموس للواقع البيئي. وبغض النظر عن شبهات الفساد وحالات الفساد المثبتة، فإن المشاريع التي اكتمل إنجازها في بعض المناطق لم تتعدى الطور التجريبي بما أنه لم يقع تصديرها الى مناطق أخرى تعاني من نفس الإشكاليات. ومن هنا تمثل هذه المشاريع القائمة على مشكلة انتشار النفايات الصلبة وتراكمها بطاقة مربحة تستخدمها بعض الأطراف منذ عقود للحصول على الأموال والدعم المادي من بعض الشركاء الاقتصاديين.

وأمام تزايد الاحتجاجات، بدأت الدولة تولي أهمية أكبر لإعادة التدوير من خلال احداث شركات متخصصة في معالجة الورق والبلاستيك والمعادن. لكن دور هذه الشركات ظل محدودًا حيث يتم إعادة تدوير جزء صغير من النفايات. كما أفضت البرامج الوطنية المختلفة التي نفذتها وزارة البيئة لإعادة تدوير النفايات ومن بينها Ecolef وEcozit إلى نتائج محدودة للغاية فيما يتعلق باستيعاب النفايات والبلاستيك ويمكن تفسير هذه النتائج على أرض الواقع بقلة وعي المواطنين والصناعيين على وجه الخصوص وضعف انخراطهم في هذا البرنامج.ويتواصل غياب خطة إستراتيجية لمعالجة مشكل النفايات بتونس فجميع الإجراءات المتخذة حتى الآن لم تكن فعالة كما أسهمت في تفاقم الفساد في قطاع البيئة على غرار استئناف نشاط مصبات رغم وصولها إلى أقصى طاقة استيعابها ورغم صدور قرارات غلق قضائية وبلدية بشأنها. فالشركات المستغلة للمصبات لا تريد خسارة سوق تجني من خلالها أرباحا طائلة تبلغ المليارات سنويا لهذا يتواصل ضغطها سياسيا لغاية الربح المادي من خلال التمديد في الصفقات. صفقات على المقاس ومجالس وزارية خاصة بمستثمرين لتمكينهم من الصفقات العمومية لاستغلال المصبات، واتفاقيات بالمراكنة على غرار ما حدث في ملفات جربة وبرج شاكير أين يستأنف المصب نشاطه على الرغم من أن عمره الافتراضي لا يتجاوز 10 سنوات.ومن جانب آخر، لا يجب أن يكون لتشغيل بعض المصبات من قبل الشركات مثل Ecotti في عقارب أو Segor في برج شاكير الأسبقية على صحة المواطنين حيث نلاحظ من خلال العديد من الاخلالات أن الدولة تضع أكبر مصب للنفايات في البلاد وهو مصب برج شاكير بين أيادي أناس غير مختصة ودون تهيئته وإصلاحه.وتظل بذلك الحلول المقدمة من محطات إعادة تدوير لا تقوم بإعادة تدوير النفايات ومؤسسات صحية لا تطبق معايير فرز ونقل ومعالجة النفايات الطبية ومصبات تجمع النفايات وتردمها أو تقوم بتصديرها لجهات أخرى، حلولا ارتجالية دون أن يكون لها تأثير حقيقي على الواقع البيئي في البلاد. وعليه فإنه من الضروري إيجاد حلول مستدامة حقيقية لأن الحلول قصيرة المدى التي تطبقها الدولة لم تعط أكلها وأدت إلى تفاقم مشكلة النفايات. لقد أصبح الواقع البيئي في تونس يحتم التغيير من خلال تشريك جميع الفاعلين البيئيين من مواطنين وبلديات وشركات وسلطات وخبراء ومجتمع مدني ووسائل إعلام في مشروع يطبق على نطاق وطني لإحداث تغيير عميق للواقع البيئي الخاص بالبلاد وخلق ثقافة بيئية حقيقية لدى المواطنين والفاعلين الاقتصاديين الذين يراكمون الثروة على حساب البيئة وحقوق الأجيال القادمة ولدى السياسيين وصناع القرار الذين يظل الشأن البيئي آخر اهتماماتهم.

الحلول

  إن تراكم النفايات وانتشارها ليست فقط مشكلة بيئية وإنما هي ذات تداعيات خطيرة على جميع المستويات الاقتصادية والصحية والاجتماعية، الأمر الذي يتطلب اليوم حلولاً واستراتيجيات فعالة لحل هذه المعضلة على المدى الطويل وتحويلها إلى رافعة للتقدم وتحسين الأوضاع الاقتصادية. كما أنه في غياب ارادة شعبية وسياسية حقيقية، لا يمكن تحقيق التغيير المأمول وهذا ما يؤكده العديد من الخبراء.1.       التربية البيئية: نقطة الانطلاق

يجب أن تنطلق هذه الإستراتيجية بتجذير ثقافة بيئية حقيقية أي بزيادة وعي المواطنين بالمخاطر المرتبطة بانتشار النفايات من خلال حملة واسعة النطاق يتم بثها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التلفزيونية والإذاعات والصحف وعبر ملصقات في الأماكن العامة الأكثر ترددًا. كما يمكن اعتماد مادة البيئة كمادة رئيسية في البرنامج المدرسي مثلها مثل العلوم الطبيعية والرياضيات وأن يتم تدريسها في المؤسسات التعليمية بما فيها مراكز التكوين المهني من أجل تربية الأجيال القادمة على أهمية البيئة ونظافتها وبالتالي تكوين جيل متحضر ومسؤول.

2.       الاستلهام من التجارب الأجنبية الناجحة في مجال التوعية البيئيةتم في فرنسا على سبيل المثال بث مسلسل مصغر في عام 2017 تحت عنوان “لا ترم هذا، رتبني” يشرح مبدأ الفرز للمواطنين بطريقة ممتعة ومسلية. اما في الولايات المتحدة، فقد ابتكر تيد تيرنر رسمًا كاريكاتوريًا باسم Captain Planet في عام 1990 يظهر هذا الكارتون بطلًا خارقًا يناضل من أجل حماية الطبيعة والبيئة من الملوثات الشريرة. كما أطلق العديد من مستخدمي YouTube وصانعي المحتوى مقاطع فيديو توعوية توضح نوعًا من الانتقام الاجتماعي ضد المواطنين الذين لا يهتمون بالبيئة أو الذين يرمون نفاياتهم في كل مكان. وتساهم هذه التجارب الاجتماعية المختلفة في توعية المواطنين بأهمية عدم إلقاء الفضلات في الشوارع والأماكن العامة قصد الحفاظ على البيئة. كما يجب على الدولة أن تشجع وسائل الإعلام على إنشاء برامج منتظمة لزيادة الوعي بالتلوث ومعالجة النفايات لدى المواطنين بالإضافة الى تخصيص نشريات ومجلات المشكلة بهدف ترسيخ الوعي البيئي.3.       تطبيق ما جاء في الفصل 47 من الدستور وتبني تثمين النفايات بدل ردمها

لا يكمن المشكل في المصبات ولكن في طريقة استغلالها المخالفة لما جاء في الفصل 47 من الدستور الذي ينص على “تضمن الدولة الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ. وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي”. لذلك لابد من تهيئة المصبات وإصلاحها لتتوافق مع المعايير الدولية، مع ضرورة إبعادها عن التجمعات السكنية وذلك لأن العمل في الجانب البيئي يفرض بالضرورة التفكير في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للمساهمة في التنمية المستدامة المنشودة لبلادنا. كما يجب على الدولة ان تعتمد على التثمين عوضا عن ردم النفايات الذي يمثل مشكلة وليست حلاً بالنظر إلى أنه يسمم الأرض والمياه والبيئة.

  1. ترسيخ اللامركزية في التصرف في النفايات

يجب على الدولة تطبيق اللامركزية من خلال تمكين البلديات من الوسائل اللوجستية لتنفيذ مهامها وألا يقتصر دورها فقط على نقل النفايات إلى المصبات. كما ينبغي على كل بلدية أن تهتم بإدارة النفايات داخل مجالها البلدي فقط وأن يتوقف نقل النفايات من بلدية الى أخرى بهدف التجميع او الردم. لذا على كل بلدية توفير الحاويات وتركيزها وتوزيعها حسب كتلة كل تجمع سكني.

كما يجب أن يكون لدى الشرطة البلدية والبيئية المزيد من الوسائل للقيام بعملهما بشكل فعال لفرض عقوبات أكثر صرامة على ملوثي البيئة.

  1. تبني منهجية الاقتصاد الأخضر

 من الإجراءات التي يجب العمل عليها سن قانون يفرض على المتاجر الكبرى ومراكز التسوق تجهيزها بآلات إعادة تدوير النفايات البلاستيكية كما يمكن أيضا رسكلة النفايات القابلة لإعادة الاستخدام بواسطة شركات متخصصة عمومية أو خاصة تساعد الدولة على إنشائها. ويجب أن تتواجد هذه الشركات في كل منطقة من البلاد بهدف تحويل النفايات العضوية إلى سماد وإعادة تدوير نفايات البلاستيك والمعادن.

ويمكن لهذا الاجراء أن يخلق مواطن شغل للعملة مثل الحرفيين والمصممين كما يمكن أن يمثل حلاً للفلاحين خاصة في المستغلات التي تعاني من مشكلة نفايات حقيقية (كما هو الحال في الواحات) وشركات البناء. ومن خلال تطبيق مثل هذه الخطة، يمكن أن تصبح معالجة النفايات قطاعًا مربحًا مثل السياحة أو الصناعة أو الزراعة وأن تقلل من نفقات الدولة على التوريد.

كما يجب تشجيع كل المبادرات من الأشخاص الذين يرغبون في الاستثمار في سوق رسكلة النفايات وتدويرها وتثمينها وتحويلها لمواد صالحة للاستعمال.

ختاما، ومن أجل النهوض بالواقع البيئي وخلق مجتمع أكثر وعيًا والتزامًا بالمشاكل البيئية على المدى القصير والمتوسط والطويل:• يجب على الدولة إجراء جملة من التحويرات القانونية والاقتصادية والمؤسساتية التي من شأنها تغيير الوعي المجتمعي في علاقة بالبيئة والنهوض به.• ومن أجل أن يؤدي هذا البرنامج حقًا إلى نتائج واقعية وملموسة على أرض الواقع، يجب إشراك جميع الأطراف الفاعلة والمواطنين خاصة.  وبهذه الطريقة، يمكن لتونس تحويل نفسها حرفيًا من بلد ملوث إلى بلد يثري نفسه بنفاياته ويولد دخلًا كبيرًا بالإضافة إلى خلق فرص العمل.

وأخيرا يجب الحرص على إيلاء الجانب البيئي أهمية أكبر وأن تكون هناك شفافية أكثر في تعاطي الهياكل الحكومية والإدارية المعنية مع ملف النفايات مع إنشاء آليات مساءلة للحد من الفساد المستشري في هذا القطاع.

[1] يجب أن يتم تعاطي أنشطة رسكلة وتثمين النفايات غير الخطرة دون أن تتسبب في أي خطر على صحة الإنسان أو تلويث البيئة وخاصة الماء والهواء والتربة والحيوانات والنّباتات.

Télécharger (PDF, 758KB)