حق ذوي الإعاقة في التعليم: منسيون رغم التصعيد !  

0
3607

حق ذوي الإعاقة في التعليم: منسيون رغم التصعيد !  

 رحاب مبروكي

متوارون عن الأنظار، يعانون الإنتهاك والإهمال في مجتمعاتهم، ويصارعون من أجل الحصول على حقوقهم الأساسية. هكذا يظل الأطفال ذوو الإعاقة بمركز الهادي بوصلاحيللتربية المختصة بالرديف من بين أكثر الأفراد تضررا عبر انتهاك أبرز حقوقهم الأساسية، مثل الحق في التعليم، وذلك منذ إغلاق المركز الوحيد بالمنطقة الذي يضم ما يقارب  50 تلميذ، بسبب إمتناع سلطة الإشراف عن توفير المتطلبات اللازمة وخاصة أموال التأمين ومنحة التسيير و صيانة الحافلة و إقتناء البنزين و توفير مستلزمات الإعاشة للتلاميذ بعنوان السنة الدراسية 2023_2024.  

يكشف هذا التقرير عن مدى تقصير الجهات المعنية في القيام بمهامها، بسبب عدم توفير المعدات اللازمة بمراكز التربية المختصة بأغلب الجهات، من أجل تمكين الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة من التمتع كغيرهم بالحق في التعليم في ظروف طيبة وذلك وفق مبدأ الكرامة الإنسانية والحقوق المتساوية الغير قابلة للتجزئة. 

صورة بتاريخ 28 سبتمبر 2023 تبين تواصل إغلاق المركز  
صورة بتاريخ 28 سبتمبر 2023 تبين تواصل إغلاق المركز

أطفال محرومون من حقهم في التعليم 

يوم أخر يمضي على معز (20 سنة ( دون أن يتمكن من اللحاق بمركز التربية المختصة، أين يلتقي بأقرانه للتعلم ولممارسة بعض الأنشطة اليدوية. فمعز الذي يعاني من التوحد منذ صغر سنه لم يقتنع إلى حد اليوم أنه لم يعد بإمكانه الذهاب إلى أكثر مكان يمكّنه من تحقيق نموه السليم وإندماجه داخل المجتمع، والاعتماد على نفسه وتطويرها على نحو أفضل. لا يزال يطلب من أمه  يوميا مرافقته للمركز دون أن يفهم سبب منعه من ممارسته حقه في التعليم. معز ليس الوحيد الذي يحرم من هذا الحق بسبب تقصير الجهات المعنية في ضمان سير عمل المركز. بل كثيرون غيره ممن حرموا من حقهم في التعلم منذ مفتتح السنة الدراسية الحالية، بسبب نقص تجهيز المركز ،ما يعكس تغلغل المفاهيم المجتمعية النمطية حول “الإعاقة”، ذهنية كانت أو جسدية ومدى تهميش هذه الفئة من طرف المجتمع، ومن أصحاب القرار بشكل خاص.  

 

 

الطابع العالمي للحق في التعليم  

يعتبر حق الجميع في التعلم حقا أساسيا لا غنى عنه، كما أن تعزيزه والسعي إلى ترسيخه لذوي الإحتياجات الخصوصية يعكس مدى إحترام البلدان لإحتياجات هذه الفئة، فالتعليم هو الوسيلة التي تعينهم على عيش حياة أكثر استقلالية وكرامة. وقد إكتسب الحق في التعليم للجميع بما في ذلك ذوي الاحتياجات طابعا عالميا وذلك بموجب القانون الدولي، ولاسيّما في المادة 24 منإتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة1  التي صادقت عليها تونس بموجب القانون عدد    04 لسنة   22008  حيث ورد فيها ما يلي تسلّم الدول الأطراف بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم. ولإعمال هذا الحق دون تمييز وعلى أساس تكافؤ الفرص، تكفل الدول الأطراف نظاما تعليميا جامعا على جميع المستويات وتعلما مدى الحياة “.  

 وهنا نفهم أنه يجب على الدول أن تضمن نظاما تعليميا شاملا على جميع المستوياتمن أجل إعمال هذا الحق دون تمييز وعلى أساس تكافؤ الفرص، ما يعني أن الدول ملزمة بضمان عدم استثناء الأشخاص ذوي الإعاقة من النظام التعليمي العام بسبب إعاقتهم. أما لجنة حقوق الطفل، فتقدم بدورها فيتعليقها العام رقم 9 بشأن حقوق الأطفال ذوي الإعاقة3، توصيات من أجل التحقيق الفعلي للحق في تعليم الأطفال ذوي الإعاقة، وتؤكد على أن التعليم الشامل ينبغي أن يكون هدف تعليم الأطفال المعوقين. 

وبالرجوع إلى التشريع التونسي نجد أنه في إطار تنظيم الدولة للحق في التعليم تم وضع العديد من التشريعات نلمس  منها ما جاء في الدستور في فصله  54 “تحمي الدولة الأشخاص ذوي الإعاقة من كل تمييز و تتخذ كل التدابير التي تضمن لهم الاندماج الكامل بالمجتمعأما القانونتوجيهي عدد 83 لسنة 2005 مؤرخ في 15 أوت 42005يتعلق بالنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم فينصّ في فصله الأول على  ضمانتكافؤ الفرصبين الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم من الأشخاص والنهوض بهم وحمايتهم من أي شكل من أشكالالتمييز. وتعتبر من قبيلالتمييزكل الأحكام أو الأعمال التي يترتب عنها إقصاء أن ينتج عنها تقليص من الحظوظ أو ضرر للأشخاص ذوي الإعاقة حسب القانون السابق ذكره. إلى جانب العديد من النصوص القانونية الأخرى الدولية والوطنية التي تسهر على تنظيم هذا الحق وكيفية التحاق هذه الفئة بالمدارس. لكن رغم السير الواضح نحو منظومة تعزز حقوق الإنسان إلا أن الواقع الملموس لا يزال أبعد ما يكون عن ما تم التنصيص عليه.  

هل تمكنت البلاد التونسية من ضمان تحقيق التعليم الشامل؟  

مع مفتتح السنة الدراسية الحالية لم يتمكن آلاف الأطفال ممن هم في حاجة إلى تلقي دروس في التربية المختصة من الإلتحاق بمراكز تأهيلهم بسبب أن الدولة لم تلتزم بتوفير الدعم اللازم لتسهيل التعليم الفعال لهم بما في ذلك ضمان الترتيبات التيسيرية المناسبة والأدوات اللازمة لاحتياجاتهم. وهو ما يعكس التقصير  في الإيفاء بالإلتزامات والتعثر في تطبيق القوانين. وهو ما دفع بالكثير من الأولياء  إلى التصعيد  والخروج للاحتجاج من أجل ضمان حق أبنائهم في التعليم.  

بتاريخ 28 سبتمبر 2023 تم تنظيم وقفة احتجاجية قام بها الأولياء والإطار التربوي تنديدا بتواصل غلق المركز بالرديف. ويطالب المحتجون بضرورة التسريع في صرف منحة التسيير الخاصة بالسنة الدراسية الحالية وذلك للتمكن من تغطية احتياجات المركز بما في ذلك تأمين معاش التلاميذ من الوجبات إضافة إلى توفير البنزين لتسهيل تنقل الحافلة الخاصة بالتلاميذ.  

صورة بتاريخ 28 سبتمبر 2023 للوقفة الاحتجاجية التي قام بها الأولياء  
صورة بتاريخ 28 سبتمبر 2023 للوقفة الاحتجاجية التي قام بها الأولياء

تحدثنا السيدة حياة بن عمار نائبة المدير بمركز الهادي بوصلاحي للتربية المختصة بالرديف وولية أحد التلاميذ المصابين بالتوحد قائلة:” من غير الممكن أن يظل طفل من ذوي الاحتياجات الخصوصية حبيس في المنزل بسبب غلق المتنفس الوحيد لهذه الفئة “. وتطالب محدثتنا يضرورة إعادة الحافلة وصرف منحة التسيير في أقرب الآجال والتي تعتبر في المستحقات الأساسية.  كما تستنكر تواصل صمت المسؤولين وعدم سعيهم إلى إيجاد حلول لجل هذا الإشكال. فرغم الثراء التشريعي ظلت حقوق ذوي الإعاقة حبيسة الواقع العاجز عن تجسيدها حيث تكابد هذه الفئة إلى اليوم من أجل تلقي تعليم مناسب ودامج.   

ما يجب فعله لانفراج الأزمة ؟  

على الدولة اليوم ضرورة الحرص على دمج الأطفال ذوي الاعاقة داخل المجتمع، وعدم استبعادهم وذلك عبر ضمان حقوقهم الأساسية في فيها التعليم. من جهته يدعو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى ضرورة تطبيق الدستور في حماية هذه الفئة ووضعهم في مقدمة الخطط الإستراتيجية وعلى سلم أولويات المسؤولين وصناع القرار. أيضا على الجميع ترويج ثقافة مكافحة الانتهاكات التي يتعرضون لها في مجالات عدة وتكريس الوعي والسلوك المجتمعي لصالح حمايتهم من التمييز، سواء في مجال التعليم أو غيره من المجالات الأخرى.