قمع التنقل
باسم السيادة وخدمةً لمراكمة الريع: التحكم في الهجرة، الهشاشة المصطنعة، وأنظمة الحدود العِرقية في الجزائر ما بعد الحِراك
“بإمكاننا اليوم أن نفعل كل شيء، شرط ألا نقلّد أوروبا، وألا يستحوذنا هوس بها وبالرغبة في اللحاق بها. أوروبا تعيش الآن بوتيرة جنونية ومتهوّرة إلى حدّ فقدانها كل رشد وكل عقل، وها هي تُسرع نحو الهاوية؛ إن من الحكمة أن نتفاداها بكل ما أوتينا من جهد
فرانز فانون، المعذبون في الارض 1961
شددت السلطات الجزائرية في السنوات الاخيرة بشكل كبير من سياساتها (المناهضة) للهجرة. فقد تم توسيع نطاق عمليات الترحيل إلى تونس والطرد الجماعي إلى النيجر، بينما تقوم السلطات بترحيل المزيد والمزيد من الأشخاص إلى ليبيا والمغرب. وفي الوقت نفسه، فإن صورة ”الجزائر الجديدة“ المزدهرة التي روّج لها نظام ما بعد الحراك، تتناقض بشدة مع تزايد عدد الحراقة الجزائريين الذين يفضلون مرة أخرى مخاطر الهجرة غير النظاميةعلى البقاء في البلاد.
كانت الجزائر في الماضي، وعلى عكس دول الجوار، تعتبر الجزائر مترددة للغاية في الاندماج الرسمي في النظام الحدودي الأوروبي، حيث كانت ترفض بشكل شبه دائم المشاركة في مشاريع” إدارة الحدود“الممولة أوروبيًا. إلا أن الدولة بدأت في عهد الرئيس عبد المجيد تبون وقائد الجيش سعيد شنقريحة، تحولاً حذراً وكثفت تعاونها (المناهض للهجرة) مع ألمانيا وإيطاليا والمنظمة الدولية للهجرة وجامعة الدول العربية، خاصة فيما يتعلق بتدريب الشرطة والتعاون في مجال الترحيل.
ومع ذلك، فإن الأعمال الانتقامية التي تقوم بها الدولة ضد الحراقة والهشاشة المصطنعة لآلاف الأشخاص والعنصرية (المعاد إنتاجها) على نطاق واسع من قبل الدولة وقطاعات واسعة من المجتمع تتناقض بشكل صارخ مع ماضي الجزائر المناهض للإمبريالية. إذ تحتفظ الدولة بصور سياسية تغذيها روح جزائر ما بعد الاستعمار في الستينيات والسبعينيات. ومع ذلك، لم يبق في الواقع سوى آثار هذا الانحياز الذي كان في يوم من الأيام انحيازًا قويًا إلى الجنوب العالمي. فالتضامن الدولي الذي تتشدق به الدولة الجزائرية من حين لآخر هو اليوم تضامن مشروط وانتقائي، مدفوعًا بتجاذبات النظام الداخلية حول الوصول إلى عائدات المحروقات، وفي أحسن الأحوال” استراتيجيات مناهضة للإمبريالية“في السياسة الخارجية.
لقد تحولت السيطرة على الهجرة إلى موضوع دائم الحضور في الخطابات العامة والتدخلات الحكومية في جميع أنحاء شمال أفريقيا. ومع ذلك، لا تزال الأمور المقابلة في الجزائر غير مذكورة بقوة. وبناءً على ذلك، يهدف هذا التقرير إلى المساهمة في سد هذه الفجوة من خلال تقديم خريطة لقمع الدولة للحراقة الجزائريين وغير الجزائريين، والبنية التحتية للسلطات في مجال الاحتجاز، وممارسات الترحيل التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، وتعاون الجزائر مع الحكومات الأجنبية فيما يتعلق بقمع التنقل. ومن الأمور ذات الصلة في هذا الصدد على وجه الخصوص تعاون الجزائر مع تونس وليبيا وإيطاليا وألمانيا وكذلك مع المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجامعة الدول العربية و”هيئتها العلمية“ جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ومقرها الرياض.
الانجليزية