الصيد العشوائي بصحراء توزر وقفصه: انتهاك تباركه الهياكل الرسمية

0
7668

الصيد العشوائي بصحراء توزر وقفصه: انتهاك تباركه الهياكل الرسمية

رحاب مبروكي (فرع الحوض المنجمي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)

تتعرض الحيوانات البرية في المناطق الصحراوية بالجنوب التونسي لخطر بالغ بسبب الاصطياد العشوائي من قبل أثرياء خليجيين. ويجري تهريب منتجات الأحياء البرية سواء الطيور أو الغزلان أو غيرها من الأصناف الحيوانية الصحراوية بطرق غير قانونية من خلال سلاسل تصدير محكمة التنظيم وعابرة للحدود الوطنية، لتباع في الأسواق الدولية بأثمان مرتفعة.

 

وقد شجع غياب تطبيق القانون الأمراء الخليجيين على الإمعان في الصيد الجائر وغير المشروع لأصناف مهددة بالانقراض، منتهكين بذلك للسيادة الوطنية للبلاد التونسية ما داموا بمنأى عن الملاحقات القانونية خاصة وأنهم يمارسون صيدا جائرا تباركه وزارة الفلاحة عبر منحهم تراخيص في غير موسم الصيد المسموح به قانونيا. وفي هذا الإطار أنجز هذا التحقيق لقسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للوقوف على المخالفات القانونية التي يرتكبها أثرياء الخليج داخل الأراضي التونسية وتهديدهم للثروة الحيوانية بالمناطق الصحراوية في خرق واضح لقانون الصيد في تونس وللاتفاقيات الدولية المبرمة في هذا المجال وأهمها اتفاقية التجارة الدولية بأنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض “سايتس”[1]، دون تدخّل من السلطة المعنية لوقف هذا الأمر.

الاتجار غير المشروع يضعف نظام التنوع البيولوجي

“متاجرة العديد من الأشخاص في الأنواع المهددة بالانقراض، يضعف النظم البيئية بأكملها، ويهدد الروابط الأساسية للتنوع البيولوجي في العالم والذي يعد فقدانه أحد أكبر التهديدات العالمية في عصرنا”.  هكذا أكدت الأمينة العامة لاتفاقية “سايتس” إيفون هيغورو، في تصريحات لها إثر صدور التقرير الأممي “من الآثار السلبية العديدة للتجارة غير القانونية في الحياة البرية على رفاهية الإنسان وحفظ الأنواع”[2]. ودعت هيغورو “الحكومات في العالم إلى الاستثمار في الطبيعة، والامتثال للاتفاقيات المتعلقة بالتنوع البيولوجي وإنفاذها، في الحفاظ على الأنواع البرية، واستخدامها المستدام” على حد تعبيرها. وتأتي تصريحاتها على خلفية الارتفاع غير المسبوق للصيد الخفي للحيوانات البرية خاصة منها المهددة بالانقراض والمسجلة في القائمة الحمراء باتفاقية “السايتس” في عديد دول العالم ومنها تونس مما يطرح تساؤلا بخصوص مصير الحياة البرية وما تواجهه من خطر مستقبلي خاصة في ظل تراخي الأطراف الموكولة لها مهمة حمايتها.  ولا يخفى على أحد الدور الذي تلعبه الأصناف الحيوانية البرية في الحفاظ على التوازن الايكولوجي وخاصة أهميتها داخل السلاسل الغذائية والتداعيات الخطيرة لتناقص أعدادها على حياة أصناف برية أخرى. ولعل إرساء المحميات الطبيعية من أهم أشكال حماية هذه الحيوانات، خاصة منها النادرة والمهددة بالانقراض، حيث تحافظ عليها وتحميها من الصيد العشوائي وتضمن لها التكاثر بشكل آمن.

تراخيص ممنوحة منذ عقود تخالف القوانين والاتفاقيات

يتواصل صيد الحيوانات البرية في الصحراء الغربية للجنوب التونسي في مخالفة للقوانين الوطنية وأهمها الفصل 166 من مجلة الغابات الذي تضمن ما يلي “لا يمكن لأحد أن يتعاطى الصيد البري في غير مدة فتحه القانونية وفي كامل تراب الجمهورية”، كما نصت المجلة على تحديد وسائل الصيد المسموح باستعمالها ومناطق الصيد والعقوبات الملزمة لمخالفي الفصول القانونية التي تراوحت بين الخطايا المالية والأحكام بالسجن. وبالإضافة إلى القوانين المحلية صادقت تونس كغيرها من البلدان على اتفاقيات للحفاظ والاستخدام المستدام للحياة البرية وعلى رأسها اتفاقية “السايتس” التي صنفت  حيوانات مثل الغزلان وطائر الحبارى بالملحق الأول لها كأنواع مهددة بالانقراض، مما يجعل صيدها بشكل عشوائي خطرا على ديمومة بقائها ، كذلك الاتفاقية الافريقية  للمحافظة على الطبيعة ومواردها المنعقدة بالجزائر سنة 1975واتفاقية “بارن” المبرمة بسويسرا  في 19 سبتمبر 1979 ، المتعلقة  بالحفاظ على  الحياة  البرية والوسط الطبيعي الأوروبي، والتي انضمت إليها تونس بموجب القانون عدد 75 المؤرخ في  17 أوت 1995[3]، ، وذلك بالنظر لاهتمام هذه الاتفاقية  بهذه الحيوانات، وحرصها على إعارة الاهتمام الخاص بالحيوانات المهدد ة وبمقاطنها، وبالتعاون مع عديد الدول،  في اخذ التدابير  اللازمة وفق البند 2 منها والبند 4 منها، للحفاظ على اصناف الثروة الحيوانية البرية[4]وذلك حسب ما أفادتنا به السيدة نجيبة الزاير خبيرة في حقوق الانسان وقانون البيئة والمديرة السابقة للدراسات بالمعهد الأعلى للقضاء  وأضافت بأن “التشريع  التونسي اهتم بالحيوانات البرية المهددة بالانقراض الا ان  مجلة الغابات  لم يتم تحيينها ولا مراجعتها منذ القانون عدد13 لسنة 2005 ، والتي يتعين اعادة النظر في شانها في عديد من الجوانب ، وبالخصوص فيما يتعلق بالتصدي للإيذاء والانتهاكات المسلطة على الحيوانات البرية والمهددة بالاندثار”. مشيرة إلى ضرورة الإسراع في اصدار مجلةالبيئة وتحيين مجلة الغابات والنصوص التطبيقية المتعلقة بالصيد للحيوانات البرية والمهددة بالانقراض وذلك بادراج المبادئ الاساسية لقانون البيئة وهي عديدة من بينها  مبدأ الوقاية ومبدأ المحاذرة ومبدأ عدم رجعية القوانين البيئية ومبدأ العلم والإعلام…، وملائمة المجلة مع قانون الجماعات المحلية الذي يضمن مبدأ التشارك والشفافية، وملائمة هذه المجلة ايضا مع المبادئ العامة للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد الذي يُبقي من يفتك بالثروات الحيوانية البرية، ويتاجر فيها بوجه مخالف للقانون الجاري به العمل،  في مأمن من المحاسبة ومن العقاب وفق ما صرحت به.

أثرياء الخليج ينتهكون الثروة الحيوانية بصحراء الجنوب

نبه يوم 05 جانفي 2021 نشطاء بالمجتمع المدني بعد هبوط طائرتين تابعة للخطوط القطرية في مطار توزر نفطه وعلى متنهما وفد قطري تزامن وصوله مع رصد عدد من السيارات خلال الفترة المنقضية بصدد استكشاف مكان الصيد وتهيئة الأرضية للأمراء القطريين الذين اعتادوا الحلول بتونس في هذه الفترة من كل سنة لغاية ممارسة الصيد الصحراوي ويتواصل هذا الأمر منذ عقود ودون تحرك فعلي من طرف الجهات المختصة بل بتواطئي من بعضها مما يشكل انتهاكا واضحا للسيادة الوطنية وخطرا حقيقيا على مستقبل الثروة الحيوانية بالبلاد. ” واعتبرت السيدة نجيبة الزاير أن هذا الانتهاك من شانه أن يضر بالبيئة ويتسبب في اضمحلال مكوناتها وانقراض الثروة الحيوانية بها.”

ورغم تعالي الأصوات المنادية بوقف تدمير الحياة البرية بصحراء الجنوب التونسي إلا أن الانتهاك متواصل بمباركة السلطات التونسية وعلى رأسها وزارة الفلاحة التي منحت تراخيص تخول للقطريين الدخول إلى التراب التونسي تحت غطاء تصوير أفلام وثائقية، والتي لم يكن سوى مجرد عملية تمويه عن النشاط المزمع والمتمثل في ممارسة الصيد.

جمعيات بيئية تندد بالانتهاك الفظيع للثروة الحيوانية

أطلقت جمعيات بيئية عدة نداءات تندد بالانتهاك الكبير الذي يمارسه أثرياء الخليج وتهديدهم لمستقبل الحياة البرية على الأراضي التونسية وكان رئيس جمعية تونس الايكولوجية عبد المجيد دبّار نبّه إلى خطورة ما يحدث في حق الحياة البرية أثناء حضوره في وسائل إعلامية عدة وأشار الى ان القطريين يقومون بالصيد في غير مواسم الصيد القانونية وباستعمال وسائل صيد متطورة وعالية الجودة كما يقومون باصطياد اصناف حيوانية في طور الانقراض مثل طائر الحبارى وغزال الريم وغزال السماتي وهي حيوانات محجر صيدها وطنيا ودوليا.  واشار إلى التغاضي المتعمد من قبل السلطة المعنية واتخاذها موقف المتفرج إزاء هذا الانتهاك البيئي[5].

بدوره أشار الكاتب العام للجمعية الوطنية لهواة الصيد البري والرماية بوبكر العكرمي إلى مجهودات الجمعية في التصدي لانتهاك الحياة البرية مشيرا إلى إرسال العديد من المراسلات ومطالب النفاذ إلى المعلومة إلى إدارة الغابات بتونس من أجل التحقق من صحة وجود الخليجيين على الأراضي التونسية وممارستهم للصيد الجائر ليتم الاعتراف بوجود الخليجيين لغاية تصوير الأفلام الوثائقية حسب ما صرّح به. وأشار إلى انه تم إرسال مراسلة ثانية إلى وزارة الثقافة التي أكدت انها لم تسند اي ترخيص بهذا الشأن، وطالب الكاتب العام لجمعية الصيادين بضرورة وقف الصيد العشوائي وتشديد المراقبة الامنية على الاجانب وتفعيل الاجراءات القانونية في التعاطي مع الثروة الحيوانية وذلك عبر تنظيم عمليات الصيد في نطاق موسم الصيد المسموح به قانونيا.

من أجل الحفاظ على ثروتنا البرية والقطع مع سياسة الهروب من العقاب

“ما زالت الأحياء البرية جزءا صميما من مستقبلنا لدورها الأساسي في العلم والتكنولوجيا والترفيه، وكذا لمكانتها المهمة في إرثنا المتواصل.” بهذه العبارات صرّح الأمين السابق للأمم المتحدة بان كي مون لتثمين دور الأحياء البرية في إثراء الحياة الطبيعية والحفاظ على الإرث البشري، ولئن بدا انتهاكها واضحا في العديد من البلدان وبمباركة كثير من الحكومات التي لم تضعها في خانة الأولويات وتجاهلت دورها الفعال في الدورة الحياتية فان الأوان قد حان لوضع حد للانتهاكات التي تتعرض لها الطبيعة عبر تفعيل الاتفاقيات المبرمة والضرب بإجراءات موجعة لجميع المنتهكين سواء كانوا تونسيين أم أجانب.

[1]https://cites.org/sites/default/files/fra/disc/CITES-Convention-FR.pdf

[2] https://undocs.org/pdf?symbol=ar/A/70/951

[3]الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 64 الصادر بتاريخ  11 اوت 1995، ص.1756.

[4]نجيبة الزاير، قانون البيئة، مجمع الأطرش للكتاب المختص، تونس.2020، ص.169.-170

[5] https://www.facebook.com/aljanoubiya.tv.Page.officielle/videos/329923767616367