كلمة عبدالرحمان الهذيلي في ندوة العدالة الانتقالية

0
6358

السادة والسيدات الحضور

الأصدقاء والصديقات من مناضلي الجمعيات والمنظمات والأحزاب

نلتقي اليوم مرة أخرى في محطة نضالية مشتركة عنوانها الدفاع عن مسار العدالة الإنتقالية و لإعلان تمسكنا بإستمراره و بمواصلة هيئة الحقيقة و الكرامة لمهامها إلي أواخرسنة 2018 و هي معركة اضطرتنا حسابات الائتلاف الحاكم لخوضها لأنه كان من الأجدى أن تواصل الهيئة مهامها كما حدده لها القانون  و تصدر تقريرها النهائي  و تنهي مهامها بنفسها لنمرّ إلى المراحل القادمةمن مسار العدالة الإنتقالية .

إن إيماننا الكامل بنوايا الإلتفاف على هذا المسار ومن خلالها على روح الثورة ذاتهاهو الذي يدفعنا اليوم للإلتقاء و التوحّد و العمل المشترك ونحن لا نلتقي اليوم حول هيئة الحقيقة و الكرامة من منطلق الإصطفاف أو من منطلق المجاملات بل من منطلق المسؤولية  الأخلاقية و التاريخية أمام شعبنا و أمام شبابه فمعاناة الآلاف من ضحايا إنتهاكات حقوق الإنسان و ضحايا التعذيب و ما خلفته من آلام عميقة في نفوسهم ونفوس عائلاتهم لا يمكن محوها بدم بارد كما يريد التحالف الحاكم و حقوق كل هولاء وكل التونسيين في الإعتراف و الإعتذار لا يمكننا التفريط فيها لأننا ندرك عمق الجراح و نكبر تضحيات كل الأجيال من كل العائلات الفكرية التي قدمت الشهداء و السجناء و المنفيين و المطاردين وتصدت للدولة التسلطية ولجهازها القمعي.

 

كما أن عملنا نحن في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على ملف الجهة الضحية بالإشتراك مع محامين بلا حدود كشف لنا عمق الإحساس بالضيم و الغبن الذي يسكن أبناء الجهات الداخلية جرّاء السياسات العمومية الجائرة وحين نضيف إلي ذلك حجم الضرر الذي طال المجموعة الوطنية و الإقتصاد الوطني نتيجة الفساد الذي إستفحل سنوات حكم بن علي في إفلات كامل من العقاب تصير معركة العدالة الإنتقالية في جوهرها معركة من قيم جديدة و مجتمع جديد لن يغفر لنا التاريخ التخلي عنها.

 ونحن نخوض هذه المعركة فإننا   واعون تمام الوعي بالهنات التي رافقت عمل الهيئة ونأمل أن يتم تلافيها عاجلا ولكننا إخترنا وجهتنابوضوح وهي الإستمرار في الدفاع عن خطّ الثورة ومسارها وعن مشروع الجمهورية الديمقراطية الإجتماعية و العادلة التي و ضع أسسها دستور 2014 وندرك أن نية ضرب الهيئة هي في عمقها إرادة رموز النظام البائد ضرب فكرة العدالة الإنتقالية و إرادةمصادرة ذاكرة شعب إنتفض من أجل كرامتة وقدم الشهداء لنيل حريّته

 

إن السياق الوطني الجديد الذي يخطط فيه الإئتلاف الحاكم للإلتفاف على الثورة غني بالدلالات التي علينا رصدها  فمتابعتنا في المنتدى لحجم التحركات الإحتجاجية و الإجتماعية المتصاعد و الذي بلغ أكثر من 11ألف سنة 2017 و متابعتنا للملاحقات و المحاكمات الجائرة التي تطال نشطاء الحركات الإجتماعية في كل الجهات  و لعودة إنتهاكات حقوق الإنسان في مراكز الأمن و لعودة العنف البوليسي في وجه الشباب يدفعنا إلى التعبير عن قلقنا من ردة شاملة تنسف مكاسب الثورة و تعيدنا إلي مربّع التسلط خاصة إذا إستمرّت سياسة الإفلات من العقاب وإذا تمكنت قوى الثورة المضادة من التقدم أكثر للسيطرة علي مفاصل الدّولة .

كما أن التملص الواضح الذي يستمر من قبل مختلف مؤسسات الدولة ذات العلاقة بملف شهداء وجرحي
الثورة من تحمل مسؤولية نشر قائمة شهداء وجرحي الثورة بالرائد الرسمي للجمهوريةالتونسية يؤكد النية الرسمية في غلق باب المحاسبة والمساءلة وطي صفحة الماضي دون إنصاف الضحايا و كأن الثورة قوس لا بد أن يغلق في أسرع وقت.

 

وإذ تستمر منظماتنا في الإظطلاع بأدورها في مجالات عملها المتعددة في هذه المرحلة الحساّسة من تاريخ بلادنا فإننا نلتقي اليوم علي أرضية جامعة و مشتركة لوضع خطةوطنية لدعم مسار العدالة الإنتقالية و تأييد قرار هيئة الحقيقة و الكرامة التمديدلمدة عملها و من المهم أن نذكر الجميع بالأسس التي توّحد أرضية عملنا :

1تمسكنا بمسار العدالة الإنتقالية المتكامل وبكل آلياته لفهم ومعالجة ماضي إنتهاكات حقوق الإنسان وبكشف حقيقتها و مساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر ضرر الضحايا وردالإعتبار لهم بما يحقق المصالحة الوطنية علي أسس متينة ويحفظ الذاكرة الجماعية ويوثقها ويرسي ضمانات عدم تكرار الإنتهاكات و الإنتقال من حالة الإستبداد إلي نظام ديمقراطي يساهم في تكريس منظومة حقوق الإنسان

2رفضنا لمهزلة التصويت البرلماني ليلة 26 مارس الفارط الفاقدة للشرعية القانونية وإعتبار قرارها تعسفا على مسار العدالة الإنتقالية و إستجابة لرغبة بقايا النظام القديم في وقف كل مسار للمحاسبة و المساءلة و ورغبته في الإرتداد بكل مسار الإنتقال الديمقراطي

3ننبه كل القوي السياسية خاصة المؤثرة في البرلمان من مغبّة التّوافق على قاعدة حفظ المصالح الحزبية المتبادلة وعلي حساب روح العدالة الإنتقالية ذاتها التي تبقى حقا لكل القوى الوطنية و لكل الشعب التونسي و للأجيال القادمة حتي تنشأ علي قيم الحق والتسامح و العدل

4الحاجة الملحّة اليوم لتشكيل قوة ضغط ومقاومة من كل الفعاليات الرّافضة لمساعي الإلتفاف على مسار العدالة الإنتقالية وعلى مسار الإنتقال الديمقراطي برمته لوضعخطّة عمل برلمانية وميدانية وخطّة مناصرة دولية لملف العدالة الانتقالية.

إن هذه الأرضية المشتركة التي تجمعنا اليوم تبقي بدورها في حاجة إلي خطوات سريعة من قبل هيئة الحقيقة و الكرامة لتقديم أقصى ما يمكن من الملفات لدى الدوائر القضائيةالمختصّة و التقدّم في إعداد التقرير النهائي بما يتضمنه من توصيات تجعل مسارالعدالة الإنتقالية مستمرّا

السادةو السيدات أيها الحضور الكريم  

نحن لا نبالغ اليوم حين نقول بأننا نقطع منعرجا حاسما من تاريخ بلادنا و من مسار ثورتنا وهو منعرج يكشف لنا صراعا فعليا سيستمر بين نزعتين الأولى تريد استنادا إلى الأغلبية الإنتخابية و البرلمانية فرض أمر واقع جديد يرتب لعودة رموز النظام البائد دون مساءلة بل كأبطال و لعودة أسلوبه في الحكم القائم على العصى الأمنية والدعاية الإعلامية الفجّة ومن ثمة إستمرار نفس السياسات الإقتصادية و الإجتماعيةالسابقة بكل ما تخلفه من حيف و إحتقان أما النزعة الثانية وهي التي نعدّ أنفسناجزء منها فهي التي لا تزال تعمل من أجل التقدم نحو أهداف الثّورة و نحو إرساء دولة القانون و المؤسسات التي تحترم حقوق الإنسان و تضمن كرامة مواطنيها

وإننا نلمس في الأيام الأخيرة بوادر أمل جديدة تؤكد لنا ان بريق الثورة في أعماق التونسيين لم ينطفئ و أن رفضهم للفساد و للدولة التسلطية و للعنف البوليسي و للحيف الإجتماعي لا يزال قويّا حتي و إن كان تعبيرهم علي ذلك يتخذ أشكال مختلفة وهو مايزيدنا قناعة بضرورة الإستمرار على العهد كما تؤكد معطيات الأيام الأخيرة الثقةالكامنة لدى التونسيين في المجتمع المدني مما يضاعف مسؤولياتنا و يقوي إرادتنا ويحثنا على رصّ صفوفنا حتى نكون قوة الصدّ وحصن الدفاع عن الثورة و الوطن

معركتنا من أجل العدالة الإنتقالية ليست معركة معزولة عن هذا السياق العام وصمودنا فيها وتوحّدنا هو جزء من صمود قوى مدنية و إجتماعية و شبابية من أجل الحرية و الكرامة ونحنلا نخوض هذه المعركة أو غيرها من المعارك بنية التشفي أو الإنتقام أو الإقصاء أوالرغبة في العقاب  بل بنية بناء الجمهوريةالديمقراطية و المجتمع المفتوح و العادل فالضحية قادرة أن تكون أكثر إنسانية منجلاّدها و ضحايا الحيف و الإستغلال هم الأقدر على تبني قيم التسامح و النسيانالإيجابي وهم الأقدر على تحويل ذاكرتهم إلى ذاكرة إيجابية إنهم في حاجة إلي إعتراف وطني بهم وبدورهم

إننا لا نقدر إلا أن نكون صدي للضحايا وصدى للمنسيين حتى نكون جديرين بالحاضر وبالمستقبل
وجديرين  بتوافق فعلي يؤسس لتعايش جماعي صادق بذاكرة غير مثقلة بالجراح

شكرا لك أولاد أحمد وسلام إلي روحك الطاهرة بعد أن تركت لنا أن نقول: حصّنوا بيوتكم  دافعوا عن أنفسكم وعن أبنائكم لقد شرعوا في التسخين للقتل لا تساوموهم في حريّتكم هي بعض لحظات و ننتصر

وسننتصر
….