على أبواب جانفي: المحاكمات سلاح السلطة في مواجهة الاحتجاجات

0
9592

على أبواب جانفي:

المحاكمات سلاح السلطة في مواجهة الاحتجاجات

تونس/ المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

أسماء سحبون صحفية تونسية

جانفي هو موسم للاحتجاجات في تونس بدأ بأزمة 26 جانفي 1978 او ما عُرِف تاريخيا بـ”الخميس الأسود”، تاريخ التصادم بين الاتحاد العام التونسي للشغل والنظام القائم آنذاك، وصولا الى احداث الخبز في جانفي 1984 ثمّ احداث جانفي 2011 التي انهت نظام حكم بن علي بعد حوالي ربع قرن من الدكتاتورية.

وقد اكتسب جانفي هذه الصفة، باعتباره أولى الأشهر التي ينطلق فيها تطبيق قانون المالية الجديد بكل ما يتضمنه من توظيفات ضريبية وزيادات تنهك القدرة الشرائية للمواطنين.

ولأن جانفي 2019 مختلف عن بقية اشهر جانفي طيلة السنوات الماضية، باعتبار التازم الاقتصادي والاجتماعي وانهيار القدرة الشرائية للتونسيين، فإنّ الأنظار معلقة على هذا الشهر القادم بعد أيام قليلة في محاولة لاستشراف ملامح هذا الشهر وما قد يحصل فيه من تطورات في الاحداث.

مؤشرات سلبية

يكمن الاختلاف في ان الازمة الاقتصادية والاجتماعية شهدت تضخما كبيرا إذ شهدت الثلاثية الأخيرة من 2018 وفقا لارقام المعهد الوطني للإحصاء زيادة في نسبة البطالة لتصل الى 15.5 بالمئة كما تزايد خلال الربع الأخير من العام الجاري انهيار قيمة الدينار مقابل العملتان الرئيسيتان لتبلغ قيمته 3.4 مقابل الأورو و3.1 مقابل الدولار وتزايد العجز في الميزان التجاري لتستقر الحصيلة السلبية في حدود 15592 مليار دينار.

كما تزايدت ازمة المناجم ليتوقف الإنتاج في محطات انتاج ام العرائس والرديف والمظيلة بشكل نهائي (وهي تمثل 25 بالمئة من مجمل الانتاد في مناطق الحوض المنجمي) وتفاقم العجز الطاقي ليبلغ 1473 مليون دينار الى غاية افريل 2018. كما بلغت نسبة التضخم 7.4 بالمئة وتنفتح السنة الجديدة على زيادة في هذه النسبة لتبلغ 8 بالمئة وفقا لتقديرات البنك المركزي.

وزادت أيضا الازمة العقارية في البلاد لتشهد أسعار العقارات زيادة بحوالي 24.8 بالمئة خلال الربع الأخير من العام مقارنة بنفس الفترة من العام 2015. كما تضاعف أيضا عدد الفقراء في البلاد بسبب مجمل هذه المؤشرات والتي انعكس ظلها على مستوى الأسعار وبالتالي القدرة الشرائية للمواطنين ليبلغ عدد الفقراء في البلاد 1693968 حوالي 321 الف منهم يعانون من الفقر المدقع أي انهم عاجزون عن توفير الحاجيات الحياتية الأساسية مثل الغذاء والسكن.

وبالإضافة الى مجمل هذه المؤشرات يتميز جانفي 2019 بانه فاتحة لسنة انتخابية جديدة افرزت ازمة سياسية وتشكل خارطة تحالفات جديدة الامر الذي جعل التهديد بالاحتجاج في جانفي نصرة للمتضررين من الازمة الاقتصادية والاجتماعية جزء اخر من المعركة السياسية.

تجريم أبناء الحراك الاجتماعي

هذه هي الملامح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للعام الذي نمضي اليه بقانون مالية جديد اثار الجدل في الكثير من فصوله وخاصة اثر التصويت على فصل إضافي اقترحته الحكومة لتاجيل انطلاق العمل بالفصل الرابع من قانون المالية لسنة 2018 الى غاية العام 2020 والقاضي بفرض ضريبة بـ 35 بالمئة على الشركات المصدرة والمساحات الكبرى ووكلاء السيارات.

كما ان قانون المالية للسنة الجديدة لم يتضمن الإجراءات المطلوبة لانعاش الاقتصاد الوطني وفقا لما كان قد بيّنه الخبير الاقتصادي عبد الجليل البدوي في تقريره الصادر عن قسم الدراسات بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحت عنوان “مشروع ميزانية 2019: الاستمرار في نشر الأوهام الاقتصادية قصد تحقيق الاحلام السياسية”.

ومن ابرز ما غاب عن قانون المالية للعام الجديد هو دعم دور الدولة في الاستثمار العمومي والذي ينظر اليه خبراء الاقتصاد على انه القاطرة لانعاش الاقتصاد وإخراج البلاد من متاهة المديونية خاصة منها المديونية الخارجية والتي بلغت نسبة 48 بالمئة. إذ تراجعت نفقات التنمية في قانون المالية من 6.7 بالمئة خلال العام 2012 الى 5.2 بالمئة خلال العام 2019 رغم الوضع الاقتصادي المتازم وبالتالي تخلّت الدولة عن دورها التنموي وهنا لا تستقيم القاعدة إذ ان الدولة تأخذ مكانها الريادي في التنمية عند اشتداد الازمات لانعاش اقتصادها ولجلب الاستثمار الخاص.

امام مجمل هذه المؤشرات تشتد الأنظار الى جانفي باعتباره موعدا للثورة خاصة وانه يتضمن هذا العام اضرابا عاما في المنشات العمومية والوظيفة العمومية يعتزم النقابيون خوضه في 17 جانفي المقبل. وضع صعب ينظر اليه نشطاء الحراك الاجتماعي بعين الريبة وذلك لما تميّز به جانفي من تشويه وتجريم لابناء الحراك الاجتماعي والذين كانوا طيلة جانفي حطبا للتحركات الاحتجاجية ولم يحصدوا سوى المحاكمات.

محاكمات

يقول عبد الحليم حمدي عضو التنسيقية الوطنية للحركات الاجتماعية إنّ “الوضع صعب” وان أبناء الحراك الاجتماعي يواجهون “التجريم والتشويه”. وقد بلغ عدد المحاكمات خلال العام 2017 حوالي 400 محاكمة للمحتجين فيما بلغ عدد المحاكمات خلال العام 2018 حوالي 150 محاكمة فيما تتحدث المفوضية السامية لحقوق الانسان عن 800 محتج تم ايقافهم والتحقيق معهم.

وكانت المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب قد كشفت خلال شهر نوفمبر 2018 من خلال مشروعها “سند” الذي يجري تنفيذه في تونس ان 58 بالمئة من الضحايا تعرضوا للتعذيب بسبب ممارستهم حرية التعبير وانخراطهم في الحركات الاجتماعية.

كما يقول عبد الحليم حمدي إنّ “المحاكمات ضد نشطاء الحراك الاجتماعي اشتدت بعد انتخابات 2014 واصبح هناك تمشي ممنهجا فبدأت بإيقاف أبناء الدهماني المعتصمين في مقر المعتمدية لمدة شهر وعشرين يوما بتهمة تعطيل مرفق عام وهضم جاب موظف عمومي ثم اشتدت المحاكمات في صفوف المحتجين رفضا للعطش وتواترت المحاكمات وتكون ذات التهمة في كل مرة وتنتهي مجمل القضايا بعدم سماع الدعوة رغم اصدار احكام ابتدائية فيها عقوبات بدنية تصل الى سنتين سجنا”.

غسان المحفوظي وحمادي المجاهد وصفوان بوعزيزي وبلال عماري وحنان السماري والهادي العماري ووفاء المباركي وعبد الله حمادي وعرفات التليلي وغيرهم من الأسماء من نشطاء الحراك الاجتماعي والذين خاضوا اشكالا احتجاجيا دفاعا عن حقهم في التشغيل وحق مناطقهم في التنمية والعدالة الاجتماعية لاقوا طريقهم للمحاكمة والتجريم. ويؤكد حمدي أنّ “العدالة الوحيدة التي تحققت في البلاد هي التوزيع العادل للمحاكمات بين مختلف الجهات”. مشيرا الى ان بعض القضايا تمّت اثارتها بشكل مقصود من ذلك اثارة قضية قطع طريق ضد الناشطة حنان السماري وثلاث محتجات اخريات معها في منزل بوزيان في جانفي 2018 وهي حادقة تعود اطوارها الى العام 2013 حيث كنت شاهد عيان عن الشكل الاحتجاجي الذي خاضته المحتجات إذ شددن العلم الوطني في شجرة بجانب الطريق وفي الجانب المقابل صعدت احداهنّ على حجر لرفع تلك الراية الوطنية أي انه لم يكن هناك أي تعطيل للمارين في الطريق لكنّ عرض صور من الثورة في بوزيان في معرض اقمنه في جانفي 2018 فكرة لم ترق لمعتمد المدينة فطلب من حنان حذف اللوحة المتضمنة لصور حرق سيارة شرطة ومركز الشرطة وحينها تدخّلت تنسيقية الحركات الاجتماعية باعتبار ان هي ذلك تعدّ على مشهد تاريخي من الثورة وتمت إعادة اللوحة الى مكانها فما كان من السلطات المحلية سوى النبش في ملفات المحتجات واحالتهنّ على القضاء بتهم تتعلق احداثها بالعام 2013.

في جانفي القادم بعد أيام قليلة سيعود الحراك الى الشوارع ما إذا اعتبرنا ان لجانفي ملامح خاصة بالحراك الاجتماعي ومعه ستعود السلطة الى سلاحها المتمثل في تشويه الحراك الاجتماعي ومحاكمة أبناء الحراك الاجتماعي سواء بالنبش في ملفات قديمة او بالتوزيع “العادل” لتهمة “تعطيل مرفق عام والاعتداء على موظف عمومي اثناء أداء مهامه” بين مختلف المحتجين ومن الجنسين.