تقرير حول الاحتفال باليوم العالمي للمياه

0
5950
رفع لافتات تحمل رسائل موجهة للجهات المعنية 

تقرير حول الاحتفال باليوم العالمي للمياه

من إعداد : هاجر الخلفاوي و أنجى نعيجي  (متطوعتين  بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فرع القيروان)

 

منذ 22 مارس 1993 تحتفل جل دول العالم باليوم العالمي للمياه بعد صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1992.  ويقع الاحتفال سنويا بهذه المناسبة التي تعتبر فرصة لرفع الوعي بالأمور المتصلة بالحق في الماء باعتباره لا فقط ضرورة لإرواء العطش وحماية الصحة وإنما أيضا دعامة للنمو الاقتصادي والاجتماعي وللتنمية المستدامة. هي أيضا فرصة للتفكير بشأن الأشخاص والأماكن التي مازالت تفتقر لهذا الحق حيث أن 3.6 مليار نسمة في العالم، وفقا لتقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية، أي ما يقارب نصف سكان العالم يعيشون في مناطق تشح فيها المياه. يمثل هذا اليوم في كل عام تذكيرا بالأزمة المائية التي تعاني منها معظم دول العالم وبالأخص المنطقة العربية ودعوة لإعادة النظر في سياساتها وتحديد أولوياتها من اجل حماية حقوق مواطنيها وضمان حقوق الأجيال القادمة.

من أهم أسباب هذا المشكل نذكر سوء الإدارة وفشل الخيارات والسياسة المنتهجة في التصرف واستغلال الثروات المائية مع غياب إستراتيجية واضحة.  وتعتبر تونس من بين 12 دولة تعاني الفقر الحاد من حيث توفير المياه اذ تبلغ فيها حصة الفرد سنويا أقل من 500 متر مكعب من الماء.[1]

في هذا الإطار عمل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فرع القيروان في إطار مشروع العدالة البيئيّة على قضية الحق في الماء مستندا على دستور 2014 الذي ينص في فصله 44 على “ان الحق في الماء مضمون والمحافظة عليه وترشيد استغلاله واجب على الدولة والمجتمع“. وعلى الفصل 21 الذي ينص على أن ” المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامّة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم.” بالإضافة إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي امضت عليها البلاد التونسية ولم تحترمها في تعدّ صارخ لحقوق الانسان وعدم توفير ابسط ضروريات الحياة كالماء الصالح للشراب.

وتحتل ولاية القيروان المراتب الأولى في عدد التحركات الاحتجاجية للمطالبة بالماء الصالح للشراب نظرا لتفاقم أزمة العطش والانقطاعات المتكررة في مناطق عديدة منها والتي تصل في بعض الأحيان لسنوات، ولتفاقم مديونية الجمعيات المائية وسوء التصرف فيها وتردي خدمات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه. وفي القيروان حوالي 60 ألف مواطن لا يتمتعون بالربط لا بشبكة الصوناد ولا بالجمعيات المائية، التي تعاني بدورها من الفساد والمديونية التي زادت من حدّة الأزمة وعمقت من حرمان سكان المناطق الريفية من التزود بالماء، الإضافة إلى ما يقارب 175 مدرسة ابتدائية غير موصولة بالشبكة العمومية لاستغلال وتوزيع المياه من جملة 313 مدرسة والتي تتزوّد أغلبها من الجمعيات المائية التي تعاني مديونية لفائدة الشركة التونسية للكهرباء والغاز أو عن طريق صهاريج او آبار فلاحية ومدارس أخرى تستعمل الماجل.

لهذا احيا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية – فرع القيروان هذه المناسبة على طريقته، فكانت البداية بإعداد اجتماع تحضيري لطرح الافكار وتحسينها من قبل فريق العدالة البيئية والتي تقرر على إثرها تنظيم خيمة توعوية وعرض أفلام وثائقية مع معرض للصور الفوتوغرافية وتصوير ميكروتروتوار (micro-trottoir) من أجل مناصرة قضايا الحق في الماء وتوفيره لجميع المواطنين دون تمييز كما ن ص عليه الدستور التونسي.

 وحرص فريق مشروع العدالة البيئية بالمنتدى خلال هذا اليوم الاحتفالي على تسليط الضوء على مشروعية الحق  في الماء كما ونوعا من خلال نصب خيمة تحسيسية  في ساحة أولاد فرحان بالقرب من السوق الأسبوعية والتي تهدف في مضمونها إلى التعريف بأحقية الماء الصالح للشراب وحسن التصرف فيه  مع التذكير بالمشاكل التي يعانيها المواطن في سبيل توفير الماء خاصة في أرياف ولاية القيروان،  حيث تم رفع لافتات تحمل رسائل موجهة للجهات المعنية  معتمدين  على الجانب القانوني الذي يضمن الحق في الماء كما ونوعا،  وواقع  ظالم  لا تطبق فيه  هذه القوانين مع معاناة متواصلة للأهالي. ومن أهم الشعارات التي تم رفعها “الماء حق دستوريمن حقي نعيش ونشرب ماء نظيف ” “الدستور يضمن والواقع يظلم

2021 جاء و مازالت المدارس بلاش ماء ”  “العطاشى برشا و الحكومة طرشا

رفع لافتات تحمل رسائل موجهة للجهات المعنية

كما تضمن هذا النشاط عريضة مناصرة للمطالبة بإحداث الوكالة الوطنية لمياه الشرب بالوسط الريفي والتي تحتوي على جملة من المطالب من أهمها:

  • توفير الماء الصالح للشراب كما ونوعا لكافة المواطنين، بحيث يكون متاحًا في كل بيت أو مؤسسة تربوية أو مكان عمل أو منطقة أينما كانت دون تمييز.
  • إحداث مؤسسة عمومية تكتسي صبغة إدارية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية المالية يطلق عليها اسم الوكالة الوطنية لمياه الشرب بالوسط الريفي تقوم بإنتاج وربط وتوزيع مياه الشرب للمواطنين كما ونوعا.
  • إلغاء اي عقود شراكة تؤدي إلى خصخصة الماء، والالتزام بما جاء به الفصل 13 من الدّستور التونسي” الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، تمارس الدولة السيادة عليها باسمه”، مع التنصيص على مجانية الكمّية الحياتية لمياه الشرب باعتباره حقا من حقوق الإنسان الأساسية.
  • على الجماعات المحلية والديوان الوطني للتطهير توفير خدمات التطهير التي تعتبر من مهامهما بالأرياف تماما كما في المناطق الحضرية.
امضاء العريضة من طرف المواطنين

   تم التواصل مع المواطنين وتفسير ما جاء في العريضة، فكان هنالك تجاوب كبير من طرفهم وأعربوا على مساندتهم التامة لما جاء في العريضة وذلك من خلال التوقيع لأنهم يرون أن الحق في الماء حق مقدس، مع العلم ان العريضة تم إيصالها إلى جميع معتمديات ولاية القيروان ونشرها إلكترونيا[2]  من اجل جمع أكبر عدد ممكن من التواقيع.

وتميز هذا اليوم بحضور إعلامي لوسائل الإعلامية الجهوية (المسموعة، المرئية، المكتوبة) لتغطية هذا النشاط.

في الفترة المسائية اقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية بتنسيق من الآنسة منيارة ألمجبري, معرض صور فوتوغرافية تعبر عن الواقع المأساوي الذي يعيشه الالاف من قاطني القيروان و اريافها. وارفق هذا المعرض بجملة من الكتب والدراسات المنجزة من قبل المنتدى حول الوضعية المائية و الاخلالات السائدة بهذا القطاع. كما تم عرض ثلاث أفلام وثائقية رسّخت في أذهان الحضور كارثية الوضع المائي ومأساوية الواقع اليومي لآلاف المواطنين.

ورشة عرض لأفلام حول الحق في الماء

ويبرز الفيلم الاول “حكاية مش بدونة[3] ، الذي تم انجازه ضمن مشروع العدالة البيئية بفرع القيروان، المعاناة اليومية التي تمر بها المئات من النساء الريفيات في رحلتهن لجلب الماء. هؤلاء النسوة المضطرات يوميا إلى قطع العشرات من الكيلومترات غير عابئات بمشقة وخطورة هذه الرحلة او بطرقاتها الوعرة فقط من اجل توفير احتياجاتهن اليومية من المياه. فخيارهن الوحيد اما التحمل او ترك عائلاتهن وأولئك اللذين في كفالتهن عطشى. و لا تستثني هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر احدا او تقتصر علي فئات عمرية معينة كما برز جليا من خلال عرض تجربة اميمة بطلة الفيلم الثاني بعنوان “أميمة والعين المقدسة…حياة بدائية بعد 61 عاما من الاستقلال”[4] عمل صحفي لناجح الزغدودي  . هذا الفيلم الذي تابع صراع تلك الصبية الفتية ومعاناتها في جلب الماء. فكغيرها من النساء تجد هذه الفتاةنفسها مجبرة على تحمل ليس فقط مشقة الطريق بل ايضا الظروف المناخية المتغيرة من اجل تأمين ما كان حريا بالدولة التونسية تأمينه وفقا لما تنص عليه معاهداتها واتفاقياتها الدولية والحصول على ما يفترض ان يكون حقا مكفولا في الدستور.

حق خسرته الشابة فقط لكونها ريفية، فأميمة وخلال السنة الدراسية تتمتع كغيرها بحقها في الماء من خلال الربط بالوكالة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه نظرا لوجودها بالقيروان المدينة لتعود لاستجداء ماء العيون خلال عطلها وعودتها لمسقط رأسها في الوسط الريفي بتعلة صعوبة ربط الاوساط الريفية بالشبكة الوطنية للماء. ليغدو الربط مع الوكالة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه وتوفر الماء بمنزلها مطلب الطفلة الوحيد بل حلمها. وكأن الحق في الماء يرتبط بالموقع الجغرافي للفرد. ليأتي الفيلم الثالث “حصاد الضباب [5]كضوء في اخر النفق، كبارقة امل تحث علي تحسين الاوضاع وإيجاد حلول بديلة. فالفيلم يروي تجربة قرية اد عاشور المغربية الفريدة في تحويل خصوصية منطقتهم وسلبياتها الى نقاط قوة من خلال تسخير الضباب الذي يلف هذه المنطقة ويطوق متساكنيها لاستخلاص الماء من خلال نصب شبكات خاصة مصممة لاعتراض هذا الأخير وتحويله من حالته الغازية الى حالة سائلة بعد معالجته، أي من ضباب إلى ماء، وبذلك يتحول الضباب الذي لطالما اعتبره سكان المنطقة لعنة إلى وسيلة لتعويض النقص المائي للمنطقة. كما تم عرض ميكروترتوارmicro-trottoir[6]” عمل لفرع المنتدى بمناسبة اليوم العالمي للمياه حيث تم طرح أسئلة على المواطنين لنشر الثقافة المائية اضافة لمعلومات حول قطاع الماء ومن أجل معرفة رأي المواطنين بخصوص نوعية مياه الشرب.

وفتح فيلم “حصاد الضباب” المجال للحضور من نشطاء في المجتمع المدني والجمعيات البيئة للتفاعل والنقاش بغية التوصل لحلول ملائمة أكثر لطبيعة مشاكلنا المائية الحالية وللنسج على منوال اشقائنا المغاربة ومحاولة خلق بدائل للوضع المائي الراهن لتونس بشكل عام وللقيروان وضواحيها بصفة خاصة. فالمخزون المائي لهذه الاخيرة قادر ان وظف بطريقة سليمة على تلبية احتياجات متساكنيها، مما يثير التساؤلات حول نجاعة السياسات المائية الحالية ومدى جدية الدولة في التعامل مع هذا الوضع الكارثي. الأمر الذي دفع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لتقديم اقتراح تنقيح وتحديث مجلة المياه الصادرة سنة 1975 والتي أثبتت عدم قدرتها على التعامل مع الوضع المائي الراهن.

[1] التقرير السنوي 2020 لقسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. مناصرة القضايا البيئية من الإحتجاج إلى التقاضي.

[2]https://ftdes.net/ar/petition-kairouan/?fbclid=IwAR0C-nHURTTVRbdxSyL6OmTJ0grfPqWHks9AZXEDNMVXWmD3ydBZWM8T8o

[3]https://www.youtube.com/watch?v=uFx93K7vmQE&t=62s

[4]https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=9u0VR8Dnt8s&feature=youtu.be&fbclid=IwAR2cu4B3YajdPuygp9G9McSs1fmiW03gvZHiyh8G58Qa_WI3YlQdoc5t2wk#menu

[5]https://www.youtube.com/watch?v=2ntUTwiEMAM

[6]https://www.youtube.com/watch?v=PuvuUcRKXuI&t=4s