قانون المصالحة في المجال الإداري أو الانعدام التام للشفافية فيما يتعلق بتطبيقه

0
8587

 قانون المصالحة في المجال الإداري أو الانعدام التام للشفافية فيما يتعلق بتطبيقه

بعد الثورة ، تم إدراج مسار العدالة الانتقالية ضمن النصوص القانونية  التونسية للنظر في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت في الفترة بين جويلية 1955 وديسمبر 2013 ، أي حتى تاريخ بدء نفاذ القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها.

و ينص الفصل الأول من هذا القانون الذي أقره المجلس الوطني التأسيسي[1] على أن العدالة الانتقالية “مسار متكامل من الآليات والوسائل المعتمدة لفهم ومعالجة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان بكشف حقيقتها ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم بما يحقق المصالحة الوطنية ويحفظ الذاكرة الجماعية ويوثقها ويرسى ضمانات عدم تكرار الانتهاكات والانتقال من حالة الاستبداد إلى نظام ديمقراطي يساهم في تكريس منظومة حقوق الإنسان.”

تلتزم الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها بموجب الفصل 148(9) من الدستور التونسي. مع ذلك، ومنذ الوهلة الأولى،  عرف هذا المسار معارضة سياسية قوية

كما دفعت الانتخابات التشريعية والرئاسية سنة 2014 ببعض رموز النظام القديم إلى الحكم. بالتالي و منذ وصول الأصوات المشوهة لمسار العدالة الانتقالية إلى السلطة، تلقى هذا المسار الكثير من الضربات التي تهدد بتقويض مصير هذه المحطة الهامة بالنسبة للانتقال الديمقراطي.

يعد إقرار القانون الاساسي عدد 62 لسنة 2017 المؤرخ في 24 أكتوبر 2017 المتعلق بالمصالحة الوطنية في المجال الإداري ،  و على الرغم من الحد من مجال تطبيقه اثر الانتقادات الحادة، خطوة تنسف  مضامين العدالة الانتقالية على النحو المنصوص عليه في القانون عدد 53.

كما ينص قانون ما يسمى  ” المصالحة في المجال الاداري” على انتفاع الموظفين العموميين و أشباههم على معنى الفصلين 82 و96 من المجلة الجزائية، الخاضعين للتتبعات الجزائية  أو الذين تمت محاكمتهم و ادانتهم بسبب أفعال ارتكبت خلال الفترة الممتدة من 1 جويلية 1955 إلى 14 جانفي 2011, بالعفو بالنسبة للأحكام التي إتصل بها القضاء أو بعدم المؤاخذة الجزائية.

يخضع الانتفاع بقانون المصالحة لشروط معينة  كما تضمن منطوقه  سبل الانتصاف فيما يتعلق بتطبيقه .(1)ونظرًا لغموض تطبيق هذا القانون ولتأثيره السلبي الواضح على مسار العدالة الانتقالية، شرعت منظمة محامون  بلا حدود, بوصلة, والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في إجراء بحوث و  وضع تدابير بهدف النفاذ إلى المعلومة في علاقة بموضوع تطبيق القانون المذكور2) .

 

  • . تطبيق قانون المصالحة في المجال الإداري:

  • شروط تطبيق القانون عدد 62:

 

يشمل القانون الأفعال التي ارتكبت في الفترة الممتدة من 1 جويلية 1955 إلى 14 جانفي 2011وينتفع من هذا القانون الموظفون العموميون وأشباههم الذين الحقوا اضراراً بالإدارة أو  خالفوا التراتيب وحققوا منفعة لا وجه لها للغير.

يشترط أن لا يكون الموظفون العموميون قد حصلوا على فائدة لأنفسهم جراء تلك الأفعال ولا ينطبق القانون عليهم إذا تعلقت الأفعال المنسوبة إليهم بقبول رشاوي أو بالاستيلاء على أموال عمومية[2].

يشمل تطبيق هذا القانون مبالغ جبر الضرر المادي والمعنوي لفائدة الدولة أو الجماعات المحلية أو المنشآت العمومية[3]

وهكذا ، فإن قانون المصالحة الوطنية في المجال الإداري لا يتضمن أي آلية تسمح بتحديد سياق وحقيقة والحيثيات التي سهّلت ارتكاب أفعال التي يعاقب عليها القانون، كما لا يشترط تصريحاً على الشرف من جانب المستفيد من العفو فيما يتعلق بصحة الوقائع أو الإجراءات الخاصة بالتحقق من المعطيات المرتبطة بالحالة المعنية.

وعلى الرغم من تنصيص الفصل 7 من القانون عدد 62 على استئناف التتبع أو المحاكمة أو العقوبة  في حال تعمد المتحصل على شهادة العفو تزوير الحقائق، فأن القانون لا ينص على أي إجراء خاص ينظم أو يأطر هذا النقض.

 


  • الإجراءات المنصوص عليها في القانون عدد 62:

 

ينص الفصل 2 من القانون على عدم مؤاخذة الموظفين العموميين و أشباههم جزائياً عن الأفعال المرتكبة التي يشملها القانون المذكور. بالتالي ، يتعين على العدالة التونسية  بالنسبة للقضايا قيد النظر أن تسقط التهم الموجهة إلى  الموظفين العموميين أو أشباههم الذين خالفوا التراتيب قبل 14 جانفي 2011 أو تسببوا في إلحاق ضرر بالإدارة أو حققوا منفعة لا وجه لها للغير شريطة عدم الحصول على فائدة لا وجه لها لأنفسهم.

بالإضافة إلى عدم المؤاخذة الجزائية، يمنح الفصل 3 العفو العام من أجل ارتكاب نفس الأفعال.تشمل تدابير العفو العام  الموظفين العموميين أو أشباهم الذين تمت مؤاخذتهم بحكم اتصل به القضاء. و من أجل الاستفادة من شهادة العفو، يجب على الموظفين العموميين أو أشباهم التقدم إلى الوكلاء العامين لمحاكم الاستئناف المختصة .

يمكن تقديم الطعون ضد شهادات العفو أمام هيئة تتألف من الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وعضوين من أقدم رؤساء الدوائر بها بحضور ممثل النيابة العمومية لديها.

كما يمكن لكل من يهمه الأمر أن يرفع الدعوى بمقتضى مطلب كتابي مصحوب بما لديه من مؤيدات تثبت صحة ادعاءاته[4]. و تبت الهيئة في الطعن خلال أجل لا يتجاوز الشهر  من تاريخ الإحالة.

تجدر الإشارة إلى أنه لم يتم حتى اليوم الإعلان  عن إنشاء هذه الهيئة.

 

 لم يتم القيام أيضا  بأية دعاية أو اتصال أو إعلام رسمي فيما يتعلق تطبيق القانون عدد 62. ففي الواقع ، لا يفرض القانون علنية تسليم شهادات العفو أو نشر قرارات الهيئة.

و في ظل عدم توفر معلومات موضوعية في هذا الشأن  تحاول منظمة محامون بلا حدود بمعية شركاؤها النفاذ إلى هذه المعلومات من أجل استخلاص استنتاجات حول مسار العدالة الانتقالية.

 

  • معلومات متعلقة بتطبيق القانون عدد 62

  • مطالب النفاذ إلى المعلومة المتعلقة بتطبيق القانون عدد 62:

 

خلال شهر مارس 2018 ،أي بعد 5 أشهر من بدء نفاذ القانون عدد 62 ، تقدمت محامون بلا حدود، البوصلة والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية   إلى الوكلاء العامين  لمحاكم الاستئناف بتونس وبنزرت وسوسة ونابل وصفاقس وقابس ، لطلب  إحصائيات حول تطبيق القانون عدد 62 وعلى وجه الخصوص ، تلك المتعلقة  بالبت في مطالب العفو وبعدد شهادات العفو الممنوحة منذ دخول القانون المذكور حيز النفاذ

و استندت المطالب المقدمة إلى الوكلاء العامين إلى الحق في النفاذ إلى المعلومة المنصوص عليها في الدستور التونسي[5] وفي القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة. يضمن هذا القانون الحق في الوصول إلى المعلومة لأي شخص طبيعي أو قانوني و يهدف من بين جملة من الأمور الأخرى إلى تعزيز مبادئ الشفافية[6].

لم نتل إلى اليوم رداً رسمياً على هذه المطالب التي تم تقديمها منذ عدة أشهر، على الرغم من حقيقة أن الهياكل المختصة ملزمة بالرد على أي مطلب نفاذ إلى المعلومة في غضون فترة زمنية لا تتعدى عشرين (20) يومًا من تاريخ استلام المطلب[7].

و من غير الممكن في سياق المطالب التي تقدم بها الشركاء الثلاثة الاستناد إلى الاستثناء من الحق في النفاذ إلى المعلومة المنصوص عليه في الفصل 24 من القانون عدد 22 [8]، ولا سيما فيما يتعلق بحماية الحياة الخاصة  والمعطيات الشخصية فشهادات العفو مرتبطة بأحكام إتصل بها القضاء  التي ينبغي أن تكون من حيث الجوهر في متناول أي شخص مهتم: العلنية مبدأ أساسي بالنسبة إلى  سير العدالة.

على مستوى محاكم الاستئناف، تم إبلاغ كل من محامون بلا حدود (ASF) و البوصلة (AB) و المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية  FTDES بشكل غير رسمي أنه لم تصدر حتى الآن أية شهادة عفو[9].يواصل المحامون المكلفون بصياغة ومتابعة المطالب  الاتصال بالوكلاء العامين للحصول على إجابات رسمية حول هذه المسألة. و في غضون ذلك، تم إبلاغنا على مستوى محكمة الاستئناف بتونس بشكل غير رسمي بأن الوكيل العام تسلم فعلاً مطالب حصول على شهادة عفو.

ومن المرجح أنه لم يتم تسليم أي شهادة عفو حتى هذا التاريخ وهو احتمال كبير ذلك أن القانون الأساسي للمصالحة في المجال الإداري حديث العهد. بالإضافة إلى ذلك، ونظرا لبطء سير  العدالة ، من المحتمل  أن  هناك ملفات  إتصل بها القضاء أو أن الأطراف المعنية لم تبد اهتماما كبيرا للتقدم بطلب للحصول على شهادات العفو. لكن هذه مجرد افتراضات في غياب المعلومات من السلطات وفي غياب الردود الرسمية على طلباتنا للنفاذ إلى المعلومة.

ب- توظيف عدم المؤاخذة الجزائية عملاً بالفصل 2 من القانون عدد 62:

تم رصد حالات طبق فيها الفصل 2 في بعض القضايا منذ بدء العمل بقانون المصالحة في المجال الإداري.

إذ ألغت محكمة التعقيب في 4 جانفي 2018 في حكم لصالح المتهم لا يقبل الطعن  قرار محكمة الاستئناف بتاريخ 3 أفريل 2017 لكونه موظف عمومي تتوفر فيه  حسب المحكمة شروط الاستفادة من قانون المصالحة في المجال الإداري.

في تلك القضية ، منح بنك عمومي قرضاً بمبلغ 3.3 مليون دينار إلى شركة تابعة لشقيق زوجة بن علي لاقتناء عقار في سوسة في منطقة  مصنفة أرضا فلاحية. ونتيجة منح القرض دون احترام التراتيب المعمول بها ، أصبحت المنطقة التي تتواجد بها الأرض المعنية منطقة صالحة للبناء بموجب مرسوم رئاسي.

و في قضية المغنية ماريا كاري الذي أحيت حفلين في تونس سنة 2006 ، قررت محكمة الاستئناف ماي 2018 إيقاف التتبعات القضائية لصالح بعض الموظفين العموميين عملاً بالقانون الأساسي المتعلق بالمصالحة في المجال الإداري.

كما تمت تبرئة وزراء سابقين، بما في ذلك وزراء الدفاع الوطني، من قبل المحكمة العسكرية في قضية قصر سيدي الظريف التي منحت فيها أراضي تابعة لوزارة الدفاع الوطني إلى بن علي لبناء قصر

و في قضية تمت اثارتها مجلس نواب الشعب ، تم تعيين إطار في وزارة التربية الوطنية قبل إصدار القانون عدد 62  بالرغم من كونه موضوع تتبعات متعلقة بقضية فضاء عليسه[10]. وعقب إدانته من المحكمة الابتدائية، استفاد الإطار

[1] انتخب المجلس بالاقتراع العام المباشر  خصوصا لصياغة دستور تونسي جديد صدر في 27 جانفي 2014.

[2] الفصل 2§2 من القانون عدد 62

[3] الفصل 3§2 من القانون عدد 62

[4] الفصل5§3 من القانون عدد 62.

[5] الفصل 32 من الدستور التونسي: تضمن الدولة الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة

[6] الفصل 1 من القانون عدد 22.

[7] الفصل 14 من القانون عدد 22. يمكن التمديد في الآجال المذكورة بالفصل 14 من هذا القانون بعشرة (10 (أيام مع إعلام طالب النفاذ بذلك إذا تعلق الأمر بالحصول أو الاطلاع على عدة معلومات لدى نفس الهيكل.

[8] الفصل 24 من القانون عدد 22. لا يمكن للهيكل المعني أن يرفض طلب النفاذ إلى المعلومة إلا  إذا كان ذلك يؤد ي إلى إلحاق ضرر بالأمن العام أو بالدفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية فيما يتصل بهما أو بحقوق الغير في حماية حياته الخاصة ومعطياته الشخصية وملكيته الفكرية

[9] تم إدراج تنويه في هذا الشأن ممضى من طرف كتابة الوكيل العام  ضمن وصل إيداع طلب الحصول على المعلومات

[10]