بقلم منيارة مجبري، المنسقة الجهوية لمشروع العدالة البيئية بالقيروان
لا شك أن مشكل التلوث وضرورة الحفاظ على البيئة من القضايا الشائكة التي تأخذ حيّزا من اهتمامات المواطن والمجتمع المدني والهياكل الرسميّة نظرا لما أصبحت تعرفه بلادنا من انتهاكات يوميّة للبيئة. فلئن أكد الدستور التونسى وجوب القضاء على التلوث البيئي جاعلا منه مسؤولية محمولة على الدولة التي توفّر الوسائل الكفيلة للقضاء عليه (الفصل 45) فإن واجب المحافظة على البيئة وسلامتها يبقى محمولا على الجميع: مؤسسات وأفراد ومجتمع مدني.
في السنوات الأخيرة شهدت معتمديّتا بوحجلة والشراردة من ولاية القيروان عديد المشاكل بسبب مادة المرجين وهي المخلفات السائلة لعملية استخراج الزيت من الزيتون بالمعاصر والمتكونة من ماء الزيتون وماء غسل الزيتون، وتعتبر هذه المادة ملوثة نظرا لحموضتها المرتفعة (PH5.5) واحتوائها على مواد فينولية « Polyphénols » ونسبة هامة من المواد العضوية والمعدنية مّما يرفع من الطلب البيولوجي والكيميائي من الاوكسجين إضافة إلى لونها الاسود والرائحة الكريهة التي تفرزها عند خزنها. تحتوى ولاية القيروان على 25 مصبا[1] ،منها 15 فقط في طور الاستغلال ومتحصلة على التراخيص أما باقي المصبات فهي رسميا مغلقة لعدم استجابتها للشروط .
مصب اللّبية: من نقطة سوداء إلى مصب مراقب
خلال السنوات الماضية أعتبر مصب اللّبية الذي كان يقع على الطريق الرابطة بين معتمدية بوحجلة وصفاقس من النقاط السوداء التي توجد في المعتمدية ، حيث كان مصبا للنفايات المنزلية قبل أن يقع غلقه سنة 2008 من قبل الوكالة الوطنية لحماية المحيط لعدم استجابته للشروط البيئية ليتحول بعد ذلك إلى مصب عشوائي للنفايات المنزلية وللمرجين. ويوجد قبالة هذا المصب مصب عشوائي للمرجين على ملك خواص والذي تم كذلك غلقه لأنه اضر بالمائدة المائية. وفي ظل غياب مصب مراقب في معتمدية بوحجلة ، أول معتمديات القيروان في إنتاج الزيت، وقع سكب مادة المرجين عشوائيا في الاراضي الفلاحية وعلى الطرقات والمسالك الفلاحية والاحياء والانهج مما تسبب في العديد من حوادث المرور حيث وقع تسجيل 12 حادثا منهم حالات وفاة بالإضافة إلى تضرر مردودية الاراضي الفلاحية وتضرر المحاصيل والمواشي والمائدة المائية وانتشار الامراض وهو ما أدى إلى اندلاع موجة غضب الفلاحين ومتساكني المنطقة منددين بالانتهاكات التي طالت صحتهم وموارد رزقهم ومطالبين السلطة المحلية والجهوية بالتحرك العاجل من أجل وقف الانتهاكات وردع المخالفين وتوفير مصب مهيئ ومراقب لأصحاب المعاصر وبحقهم الدستوري في بيئة سليمة. وللضغط على السلط و التحرك العاجل قام الاهالي بالعديد من الوقفات الاحتجاجية التصعيدية بإغلاق الطريق الرابطة بين القيروان وصفاقس على مستوى منطقة أولاد عاشور وإشعال العجالات المطاطية وذلك يوم 22 جانفي 2019.
في زيارة فرع المنتدى بالقيروان للجهة تواصلنا مع السيد منصف وهو أحد المتضررين حيث أخبرنا أن هذا المصب يعتبر كارثة بيئية و تسبب في انتشار الامراض وفي موت عديد المواشي بالإضافة الى ان المصب أصبح مكانا لوضع المسروقات كقطع السيارات.
كما التقينا بأحد الفلاحين الذي أخبرنا أن عملية السكب تكون في ساعة متأخرة من الليل بحيث لا يمكنه السهر طيلة الليل لردع المخالفين في ظل غياب الامن بالجهة وأضاف أنه في حال عدم تفاعل السلطة مع هذا الاشكال فسيتحول الامر إلى عروشية بالمنطقة معبرا عن غضبه وحزنه إزاء تضرر أشجار الزيتون البالغة من العمر 50 سنة والتي ماتت جراء سكب المرجين.
و تفاديا لهذا الاشكال كرست السلطة المحلية جهودها لإيجاد حل للسكب العشوائي قبل موسم جني الزيتون وبعد العديد من الجلسات تم الاتفاق على الغلق النهائي للمصب العشوائي للمرجين على ملك الخواص الذي وقع ردمه بطلب من الاهالي ولكن دون استشارة خبراء في هذا المجال للنظر في كيفية التصرف في مادة المرجين قبل ردمه ، مع العلم أن هذه المادة لم تتبخر كليا.
في سنة 2019،و قبل موسم جني الزيتون ،وقع الاتفاق بين جميع الاطراف على إعادة تهيئة مصب اللّبية بشرط القيام بدراسة التأثير على المحيط وعرضها على الوكالة الوطنية لحماية المحيط ،حيث أن هذا المشروع راهن عليه المجلس البلدي بالتنسيق مع الوكالة الوطنية لحماية المحيط وبالتعاون مع أصحاب المعاصر الذين تكفلوا بجميع مصاريف المشروع كما قبلوا بدفع عشرة دنانير مقابل دخول الشاحنة الواحدة للمصب .
كما أصبح تحت إشراف البلدية وبالتعاون مع مختلف المصالح التي تعهدت بالمواظبة على المداواة في أوقاتها لتجنب الروائح وانتشار الحشرات، كما تقرر منع أصحاب المعاصر من إخراج المرجين في الليل وإلزامها بتقديم معطيات على كمية المرجين التي تم إخراجها ومعطيات على ناقلها وذلك لتسهيل المراقبة ولتجنب السكب العشوائي للمادة.
و في شهر ديسمبر 2019 و بعد استيفاء المصب للشروط والحصول على الاذن من قبل الوكالة الوطنية لحماية المحيط بدأ استغلال مصب اللبية المتكون من 5 أحواض بطاقة استيعاب اجمالية تقدر ب60 ألف متر مكعب ،كما تعهدت البلدية بمعية كل الأطراف المتدخلة على القيام بكل أعمال الصيانة والمداواة والمراقبة لإنجاح موسم جني الزيتون دون كوارث بيئية أو حوادث مرورية . وهذا ما لاحظناه خلال هذا المواسم.
لكن يبقى هذا الحل وقتي لمدة تقارب 3 سنوات إلى حين تفعيل المشروع الوطني لتثمين مادة المرجين.
السلط الجهوية تفرض قوتها على السلطة المحلية والمواطنين
غير بعيدا عن معتمدية بوحجلة رفعت شعارات رافضة لمصب المرجين بالشوايحية الذي تم إحداثه منذ سنة 2011 و يبعد حوالى 3كيلومترات عن بلدية الشرايطية القصور من معتمدية الشراردة الواقع على الطريق الرابط بين الشراردة ونصرالله. ويمتد هذا المصب على مساحة 16500 متر مربع بطاقة استيعاب قصوى تقدر ب24750 م3 (خلال موسم جني الزيتون) وتحصل هذا المصب على الموافقة على التوسعة بتاريخ 13 ديسمبر 2016 من الوكالة الوطنية لحماية المحيط بعد الزيارة الميدانية بتاريخ 07 ديسمبر 2016.
وعلى إثر التحركات الاحتجاجية وعديد القضايا والمحاكمات على خلفية رفضهم للمصب وقع غلقه لمدة سنتين ليتم فتحه هذا الموسم واستغلاله من جديد وذلك بعد الزيارة التي قامت بها الوكالة الوطنية لحماية المحيط يوم 6 فيفري 2019 حيث اعتبرت أن الاشغال المنجزة مقبولة وتستجيب في مجملها للشروط المنصوص عليها بدراسة المؤثرات على المحيط، واشترطت الوكالة استعمال مادة ECO2 لتسريع عملية التبخر وتقليص الروائح الناجمة عن استغلال المصب. مع العلم أن المجلس البلدي بالشوايحية القصور أصدر قرار بلدي في 4 جانفي 2019 ينص على ” بعد التداول والنقاش صادق المجلس البلدي على إقرار مصب بلدي لمادة المرجين خاص بالبلدية لفائدة المعاصر التي هي داخل التراب البلدي لبلدية الشريطية القصور فقط لا غير ورفض المصب العشوائي الذي هو على ملك خاص الكائن بمنطقة شط الشوايحية” وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول مدى فاعلية و وزن هذا القرار الذي قوبل بالتجاهل من قبل الوكالة الوطنية لحماية المحيط و السلطة الجهوية ؟؟
بعد زيارتنا للمصب لاحظنا انه لا يستجيب لبعض الشروط التي أقرتها الوكالة الوطنية لحماية المحيط منها عدم رش الماء بصفة دورية بموقع المشروع والمسالك المؤدية إليه خلال فترة الاشغال للحد من تصاعد الغبار إضافة إلى أن المصب غير محاط بحاجز ترابي مشجر. كما ان الاهالي شككوا في عمق مادة الطين العازلة التي حسب كراس الشروط يجب أن لاتقل عن 50 صم وذلك لمنع تسرب مادة المرجين للمائدة المائية، وهو ما يطرح تساؤلا حول كيفية حصول المالك على موافقة الوكالة الوطنية لحماية المحيط؟؟
كما قام فرع المنتدى بالقيروان بتقديم مطلب نفاذ إلى المعلومة لكل من المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية والوكالة الوطنية لحماية المحيط للحصول على معلومات تخص ترخيص الاستغلال بتاريخ 25 ديسمبر 2019 فكان الرد مزدوجا بين المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية التي تقول بأن صاحب المصب متحصل على موافقة استغلال حوض فقط دون سواه كمصب لمادة المرجين مع استعمال مادة ECO2 في حين أن رد الوكالة لم يذكر عدد الاحواض التي يجب استغلالها وذكرت أن صاحب المصب قام بعملية العزل الأرضية وجوانب الحوض الثالث للمصب وذلك بفرش الطين . لكن عند زيارتنا بتاريخ 14 ديسمبر2019 للمصب لاحظنا استغلالا لثلاثة أحواض وهو ما يطرح عديد التساؤلات حول مدى متابعة السلطة المعنية لشروط استعمال أحواض المصب.
وهو ما يتساءل عنه محمد ، أحد متساكني الشوايحية وناشط بالمجتمع المدني في قوله : إن هذا المصب هو المشروع الوحيد الذي جادت به علينا الدولة وهو عشوائي وغير قانوني حيث تفاقمت الامراض بالجهة منذ بداية استغلاله .وأن الربح المادي أهم من صحة الإنسان”.
مع العلم أن منطقة الشوايحية هي من أكثر المناطق التي انتشر فيها مرض اللشمانيا الجلدي[2] حيث سجلت الوحدة الجهوية لمكافحة مرض اللشمانيا بالمستشفى المحلي بوحجلة 68 حالة إلى حد يوم 19 نوفمبر 2019 والذي تسببت فيه الحشرات منها ذبابة الرمل التي تساهم في نقل العدوى.
دور الدولة في تصريف وتثمين المرجين
رغم كل هذه الاشكاليات وتعميم مشكل المصبات العشوائية في كافة معتمديات ولاية القيروان اقتصرت جهود الدولة في حلين وقتيين : الاول هو سكب المرجين في المصبات ، وهو ما طرح العديد من الاشكاليات البيئية والثاني تمثل في عملية تثمينها كسماد و رش مادة المرجين في المجال الفلاحي وضبطت شروط وطرق التصرف في المرجين المستخرج من معاصر الزيتون بغرض استخدامه في المجال الفلاحي. و يستعمل المرجين فقط للزراعات المعمرة مثل الزيتون والعنب والاشجار المثمرة مع وجوب تجنب رش الاوراق وأن الكمية القصوى للمرجين الواجب استعمالها في الهكتار الواحد تبلغ 50مترا مكعب كل سنتين في نفس قطعة الارض.مع العلم ان كمية المرجين التي يمكن رشها على الاشجار ضعيفة مقارنة بالكمية التي يقع إنتاجها في كامل الولاية.
وفي نفس السياق نظم المنتدى في اطار برنامج التبادل الشبابي بين فروعه أيام 14 و15 ديسمبر 2019 بالقيروان ورشة عمل حول “كيفية التصرف وتثمين مادة المرجين” بحضور المجتمع المدني وممثل عن المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية حيث تدخل السيد يوسف خليفي رئيس جمعية حماية الطبيعة و البيئة بالقيروان و أكدّ لنا أن عملية الرش تضر بالتربة وليست بالحل الانسب لتثمين مادة المرجين من ثم تم اقتراح عمل مشترك بين جميع الاطراف لإيجاد حلول بديلة لتثمين هذه المادة ،وخلال الورشة تم عرض فيلم الوثائقي تحت عنوان “حياتنا مرجين “[3] لمدة 16 دقيقة من عمل فرع القيروان الذي يبرز ويوثق الانتهاكات البيئية بسبب المرجين بكل من معتمدية بوحجلة والشراردة كما وقع عرضه في مؤتمر الحركات الاجتماعية بتاريخ 28 فيفري 2020 من أجل البحث عن حلول بديلة للتصرف وتثمين المرجين.
ومن أهم المقترحات التي انبثقت بعد عرض هذا الفيلم بالإضافة إلى مقترحات صادرة في مناسبات مختلفة:
- – القيام بدراسة حول رسكلة وتثمين مادة المرجين بالتعاون بين المجتمع المدني ومختلف الأطراف المسؤولة في هذا الملف؛
- – التشجيع على الاستثمار في مشاريع تثمين المرجين كاستعمالها في إنتاج الطاقة؛
- – إتباع تقنيات تقلص من إنتاج مادة المرجين والأخذ بعين الاعتبار نتائج بحوث الخبراء ومراكز البحث العلمي في هذا المجال.
[1] https://www.assarih.com/a160332-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%8A%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%88%D8%AF—%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%B5%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%8A%D8%AA%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%86-%D9%86%D8%B9%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D9%86%D9%82%D9%85%D8%A9-%E2%80%A6
[2] https://www.hakaekonline.com/article/112216/%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%B3%D8%AC%D9%8A%D9%84-68-%D8%A5%D8%B5%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A8%D9%85%D8%B1%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%84%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86%D8%B0-%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9-2019