تقدير موقف حول تراجع الاحتجاجات الاجتماعية في تونس

0
2721

تقدير موقف حول تراجع الاحتجاجات الاجتماعية في تونس

رمضان بنعمر (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)  

تؤكد الأرقام الصادرة عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التراجع الكمي والكيفي للحركات الاحتجاجية منذ سنة 2021 رغم عدم تحسّن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية فالتراجع في الاحتجاج ليس استثناء تونسيا رغم سياقات الازمة ويمكن ملاحظة ذلك في وضعيات مشابهة على غرار لبنان او إيران او العراق او حتى عالميا  

السنة   عدد الاحتجاجات  تونس الكبرى  النسبة المائوية 
2015  4375  775  17,71 
2016  8599  1093  12,71 
2017  10336  946  9,15 
2018  9356  1145  12,23 
2019  9091  760  8,35 
2020  8759  911  10,4 
2021  12025  2650  22,03 
2022  8586  1478  17,21 
2023  3432  828  24,12 

يسطّر هذا الجدول تطوّر عدد التحركات الاحتجاجية منذ سنة 2015 وبصرف النظر عن تغيّر وتطوّر اساليب الرصد لدى المنتدى فانه يقدّر المنحى العام للاحتجاج واتجاهه اكثر نحور المركز (ولايات تونس الكبرى) كنتيجة طبيعية لمركزة القرار السياسي وتجميع السلطات لدى رئاسة الجمهورية رغم ان ولايات قفصة والقيروان والقصرين مازلت تحافظ على مرتبة متقدمة في الاحتجاج. 

من المفارقة ان المركزية المفرطة للسلطة واحتكارها القرار وضعف المشاركة السياسية وعجز النخب السياسية عن توسيع دوائر المنخرطين كلها عوامل تحفّز الحركات الاحتجاجية على الاندلاع وتساهم في انتشارها لكنها في السياق التونسي (بعد جويلية 2021) ساهمت في انحسارها فالمشهد السياسي بعد 25 جويلية كان نتيجة لحراك احتجاجي موجّة ضد النخب السياسية الحاكمة وعرف أوجه في احتجاجات جانفي وفيفري 2021 (لم يكن قيس سعيّد في تلك الفترة مستهدفا بشعارات التحركات الاحتجاجية رغم انه برر القمع الامني الذي تعرض له الفاعلون الاجتماعيون ) واستعمل قيس سعيد احتجاجات جويلية غطاء لتبرير قرارات مساء 25 جويلية ورغم المسار الذي اتجه نحو المركزية المفرطة (والذي كان جزءا من مطالب الاحتجاج من خلال استهداف البرلمان والنظام السياسي لدستور 2014) ومارافقه من اخفاق على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ولامبالاة وعزوف عن المشاركة السياسية (نسب مشاركة ضعيفة في الانتخابات) فان الاحتجاج واصل في منحى تراجعي ويعود ذلك لافتراضات نقدمها كالتالي 

تعثّر الحركات الاحتجاجية في القدرة على رسم الاستراتيجية الأنسب للتعامل مع تغير السياق السياسي: ينتاب الفاعلون الاجتماع الارتباك عند ملاحظة ان رئيس الجمهورية يستعمل شعاراتهم حول العدالة الاجتماعية ومقاومة الفساد والحق في الصحة والبيئة السليمة ويستسلمون لسردية ان الاخفاق يعود للمعارضين او المناوئين او الفاسدين. يؤثر كل ذلك على قدرة الحركات الاحتجاجية على التخطيط واختيار الوسيلة الانسب للاحتجاج بما يجعل التوجه نحو رئاسة الجمهورية أسلما لدى عديد الفاعلين وذلك عبر وساطات عديدة. كما ان خطابات رئيس الجمهورية كانت في اغلبها احتجاجا على الدولة واداراتها واجهزتها وسياساتها وضد النخب وهو ارباك ذكي للاحتجاج ف”الرئيس هو الشعب” وهو احتجاجهم 

الاحتواء الناعم: انتهج المشهد السياسي الجديدة آليات جديدة لاحتواء الحركات الاحتجاجية حيث توجه نحو قادة الاحتجاج او العناصر الفاعلة في الاحتجاجات لنجدها اصبحت تحتل مناصب هامة مثل الوزراء، او المستشارون او الولاة او المعتمدين وغيرها من المسؤوليات في الدولة اضافة الى تمرير الوعود بتسميات جديدة لكل العناصر الفاعلة في الاحتجاج وهو ما يحول عديد الفاعلين الى عنصر معرقل للاحتجاج املا في نصيب من التسميات…   

انعدام الثقة في الفعل الجماعي وتكريس عقلية الحل الفردي: كان لإخفاق النخب السياسية الصاعدة في ادارة الشأن العام وفشلها في الاستجابة لانتظارات المواطنين وعجزها عن ايجاد بدائل اقتصادية وتنموية وفي نفس الوقت تحالفها مع القوى الاقتصادية والمالية المهيمنة دور في غياب الثقة في العمل الجماعي اضافة الى تراجع منسوب الثقة في الوسائط التقليدية (نتيجة غياب البرامج والمسألة الديمقراطية داخل هذه التنظيمات) وحتى في مآل بعض الاحتجاجات وما رافقها من احتواء عبر استقطاب قادتها كل ذلك ساهم في تكريس اولوية الحل الفردي كآلية للنجاة ومسارا لتحقيق الحلم لدى فئات عديدة (الهجرة مثالا)  

انعدام الامل في قدرة الاحتجاج على التغيير: دائما ما ترسم الحركات الاحتجاجية استراتيجية ومسارا لتحقيق أهدافها ويرتبط ذلك بأملها في النجاح في الضغط لتحقيق الحد الادنى من مطالبها ويستوجب ذلك أملا كبيرا في ان تلقى هذه المطالب تجاوبا باعتبار تعدد مجالات التأثير (مجلس النواب، احزاب، مؤسسات مدنية، مؤسسات سياسية، وسائل اعلام …) يبدو ان الفاعلين فقدوا الامل في قدرتهم على احداث تغيير في ظل مركزة السلطة وانحسار مجالات التأثير  

تراجع دور الوسائط التقليدية من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني ونقابات: نتيجة تمش سياسي واضح بتحجيم أدوار الوسائط التقليدية وتنميط صورتها لدى الفاعلين بوصمهم بأنهم سبب الازمة فقد تراجع دور الوسائط التقليدية في مدى قدرتها على تأطير الاحتجاج وايصال رسالته والتعامل معه بالتجاوب او الصدّ. كما فرض السياق على هذه الوسائط معارك اخرى مرتبطة بوجودها وآليات عملها وديمومتها وتراجع حزامها التعبوي.  

ضعف التنظم والقدرة على الحشد والتعبئة  لدى الحركات الاحتجاجيةتستمد الحركات الاحتجاجية قوتها وجاذبيتها من عدالة مطالبها لكنها في تونس في السنوات الاخيرة فقدت قدرتها التعبوية نتيجة الانهاك الذي طال الفاعلين وعدم الايمان بقدرتها على التغيير اضافة الى الخوف من ردة فعل الدولة واجهزتها. كما ان تشتت الحركات الاحتجاجية وتقلص الثقة والتضامن داخلها افقدها القدرة على التعبئة والصمود والاستمرار.  

زيادة القمع للحريات  والتي تدفع الحركات الى فك التعبئةشهد الفضاء العام انتكاسة خلال السنوات الاخيرة وتراجعت الاشكال التعبيرية داخله والتي اصبحت موصومة. حافظت الدولة على التعامل القمعي مع الحركات الاحتجاجية المنظمة كما وقع في عقارب ثم في جرجيس كما اصبح المرسوم 54 سيفا مسلطا على الجميع وساهم في تكبيل الفاعلين الاجتماعيين في التعبير عن مطالبهم. فكيف لمواطن محروم من الماء او من الخدمات الصحية او غيرها من الحقوق ان يدعو للاحتجاج ضد الدولة ومسؤوليها وهو يتابع ما يفعله الفصل 24 من المرسوم 54 بالنخب السياسية والاعلامية والمدنية. 

الهرسلة القبلية للاحتجاج:  تلقى عديد النشطاء في الحركات الاحتجاجية بعد الاعلان عن نيتهم تنظيم احتجاجات استدعاءات امنية غير رسمية لمسائلتهم حول دوافع الاحتجاج وتحذيرهم من عواقب ذلك. تثني الهرسلة الامنية الفاعلين عن مواصلة احتجاجهم ويتم تحذيرهم من مغبة الاتصال بالمنظمات الحقوقية. 

اعتبار الاحتجاج جزء من منظومة “الانتقال الديمقراطي”  والتي وجب القطع معها: تسعى اطراف عديدة الى تصوير الاحتجاج جزء من “منظومة الانتقال الديمقراطي” التي وجب القطع معها تحت شعار استعادة هيبة الدولة فيصبح بذلك المحتجون موصومون بانهم استمرار لما يسمى “العشرية” ويتحول الفعل الاحتجاج الى “عودة لمنظومة ما قبل 25 جويلية”. 

ظهور اشكال جديدة من الاحتجاجمن المهم الوقوف على اشكال جديدة من الاحتجاج على الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السادة فالهجرة احتجاج والتفكير في الهجرة احتجاج والعزوف عن العمل السياسي والمدني احتجاج 

عموما أزمة الحركات الاحتجاجية جزء من الازمة الحالية للبلاد ككل وتراجعها يجب ان يثير البحث لدى اصحاب القرار أولا بعيدا عن القراءات المتسرعة الباحثة عن المكاسب في مواجهة الخصوم واعتبار تراجع الاحتجاج دليلا على النجاح، بل ان الخوف من ان يتراكم الغضب الكامن ويتكثف ليتحوّل بوجود قادح الى فعل احتجاجي عنيف قد يذكرنا بما وقع في جانفي 1984.  

 تحتاج هذه الفرضيات الى تحليل من المختصين وقراءات علمية  سيعود اليها المنتدى بأكثر دقة وتحليل 

 

التقارير التي اصدرها المنتدى حول الاحتجاجات الاجتماعية  

التقرير السنوي للمرصد الاجتماعي التونسي: ويتضمن المعطيات الكمية حول الاحتجاجات الاجتماعية والهجرة والعنف والانتحار خلال كامل سنة 2023 

اللغة العربية https://ftdes.net/wp-content/uploads/2024/02/ost2023ar.pdf 

اللغة الفرنسية https://ftdes.net/wp-content/uploads/2024/02/ost2023fr.pdf 

اللغة الإنجليزية https://ftdes.net/wp-content/uploads/2024/02/ost2023en.pdf 

التقرير الشهري جانفي 2024 حول الاحتجاجات الاجتماعية والهجرة والعنف والانتحار 

اللغة العربية https://ftdes.net/wp-content/uploads/2024/02/janvier2024.ar_.pdf 

اللغة الفرنسية https://ftdes.net/wp-content/uploads/2024/02/janvier2024.fr_.pdf 

اللغة الإنجليزية https://ftdes.net/wp-content/uploads/2024/02/janvier2024.en_.pdf 

يمكنكم الاطلاع بصفة مستمرة على مختلف الاحصائيات والتقارير التي يصدرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبر بوابة المنتدى 

تتكون البوابة من موقع الكتروني: Al-Forum 

تطبيقة محمولة يمكن تحميلها من ال Play Store : 

https://play.google.com/store/apps/details?id=com.mycompany.ftdesbackup