تقرير الثلاثي الرابع 2023 – المرصد الاجتماعي التونسي

تقرير الثلاثي الرابع 

أكتوبر – ديسمبر 2023

المرصد الاجتماعي التونسي بالمنتدى

لم تتغير الملامح العامة للتحركات الاجتماعية خلال الربع الأخير للسنة، فاتجه نسقها نحو مزيد الانخفاض وفقدت في مجملها قدرتها على التعبئة. وعلى غرار الأشهر السابقة تم توثيق اختفاء الاحتجاجات والفاعلين الاجتماعيين من الفضاء العام في مقابل تسجيل زيادة في أحداث العنف ومظاهر الضيق وعدم الرضاء الشعبي وما يمكن مالحظته خلال الثالثية الأخيرة للسنة هو تقارب وتشابه المطالب المرفوعة، والتي انحصرت جلها في قالب الضائقة الاجتماعية فتنوع الفاعلون الاجتماعيون واشتركوا في شعاراتهم المطالبة بالتنمية والحياة الكريمة والحق في الماء الصالح للشراب والصحة والنقل.. في مقابل سلطة تحاول بشتى الطرق كبح هذه القوى المقاومة والمطالبة بالتغيير

Télécharger (PDF, 8.91MB)

 

التلوث البيئي بقفصة: مدن تغرق في نفاياتها !

 من انجاز قسم العدالة البيئية والمناخيّة بالمنتدى –  التقرير السنوي 

لرحاب مبروكي و رابح بن عثمان 

مقدّمة 

تعيش ولاية قفصة على غرار باقي الولايات التونسية على وقع تزايد التهميش البيئي الذي دقّ ناقوس الخطر، نظرا لما ألت اليه الأوضاع جراء الارتفاع المهول للأخطار البيئية، التي باتت تقض مضاجع كل أبناء الجهة، خصوصا مع تنامي الاعتداءات على المحيط بمختلف مكوّناته سيما الأنشطة الصّناعية التي جعلت من مدن ولاية قفصة مدن تلوّث بامتياز، وذلك رغم تحذير التقارير البيئية من أخطارها على الانسان والحيوان والنبات.

Télécharger (PDF, 2.13MB)

نساء “برباشة” مسنات

نساء “برباشة” مسنات

ريم بن عمر (مركز الانصات والتوجيه للنساء ضحايا العنف – قصيبة المديوني )

تعيش بعض النساء كبيرات السن ظروفا قاهرة وتهميشا اجتماعيا اضطررن بسببه على العمل في ظروف صحية واجتماعية صعبة مقابل عدم الانحناء أمام عاصفة الزمان والاستسلام للظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يرزحون تحت وطأتها

رغم تقدمها في السن وظهور علامات المرض والوهن على محياها التي غزتها التجاعيد الا أنها تصر على تحدي الظروف الصعبة وعلى مواجهة الزمن وكسب قوتها بعرق جبينها في ظل عدم توفر أي مورد رزق تقتات منه حيث اشارت السيدة فاطمة كما اخترنا تسميتها والتي تجاوزت العقد السابع من عمرها: ” أفضل العمل بعرق جبيني بدلا من الجلوس أمام الجوامع والتسول من الناس” ثم أردفت قائلة ” اضطررت على الطلاق منذ أكثر من 10 سنوات لأنني كنت أتعرض الى العنف الشديد من قبل زوجي السابق، ومنذ ذلك الوقت بدأت في جمع القوارير البلاستيكية لكي أستطيع أن أعيل ابني من ذوي الاحتياجات الخاصة”. أما السيدة ليلى التي وجدت نفسها عاطلة عن العمل إثر الغلق الفجئي لمعملها بعد سنوات طويلة من العطاء فقد لجأت لجمع القوارير البلاستيكية لتنقذ عائلتها من جوع محتوم حيث قالت ” من سيقبل بتشغيلي وقد تجاوزت الخمسينات من عمري، فأصحاب المعامل يفضلون تشغيل الشباب لأن مردودية عملهم ستكون أفضل” ففي العدة يصاحب التقدم في العمر انخفاض فرص الحصول على عمل وهو ما يتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بكبار السن اذ يؤكد الاستحقاق الثاني من مبدأ الاستقلالية على أنه “ينبغي أن تتاح لكبار السن فرص العمل أو فرص أخرى توفر لهم مصدر دخل”  وهنا تجدر الإشارة على ضرورة أن يكون العمل متوافقا مع سن المرأة ووضعيتها الصحية علما أن الدولة مجبرة على حماية المسنات وضمان كرامتهن واسناد اعانة مادية للمعوزات منهن حسب القانون عدد 114 لسنة 1994 والمتعلق بحماية المسنين، اذ ينص في فصله الأول من الباب الأول ” تعتمد حماية المسنين على المبادئ التالية: –  حماية صحتهم وضمان كرامتهم وذلك بمساعدتهم على مجابهة الصعوبات التي تعترضهم في حياتهم اليومية بحكم تقدمهم في السن. –  مساعدتهم على معرفة حقوقهم وتقديم المعونة اللازمة لهم لتمكينهم من ممارستها والانتفاع بها” وينص في الفصل 19 من الباب الثالث : ” يمكن للدولة عند الحاجة اسناد اعانة مادية للأشخاص المسنين المعوزين قصد المساهمة في تسديد الحاجات الاساسية المتمثلة في الاكل والملبس وعند الاقتضاء المأوى.”

وحسب بيانات التعداد العام للسكان لسنة 2014، تشير الاحصائيات الى أن 50.82% من الناء المسنات لا تملكن أي دخل مقابل 42% ينتفعن بجراية تقاعد و2.51% فقط تنتفعن بمساعدات اجتماعية

ويؤثر انخفاض المنح الاجتماعية التي أصبحت لا تكفي لتغطية أدنى احتياجات النساء المسنات من أكل وشرب ومسكن، على نوعية حياتهن وتساهم في التهميش الاقتصادي لهاته الفئة. أما المسنات دون دخل فهن عاجزات عن توفير الحد الأدنى من المال وهن مجبرات على القيام بمثل هذه الأعمال الشاقة الغير منظمة وفي غياب أي حماية قانونية حيث أفادت السيدة فاطمة أنها تضطر على المشي لعدة كيلومترات منحنية الظهر، تجر عربتها المليئة بالقوارير البلاستيكية مصرة على الحصول على لقمة ممزوجة بالكد والتعب بين شتاء بارد وصيف لاهب وظروف صحية صعبة، فتقدمهن في السن يتزامن مع اصابتهن بعدة أمراض مزمنة مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين…حيث قالت السيدة فاطمة في هذا الصدد “أعاني من أمراض القلب منذ مدة طويلة، أقيم في المشفى لمدة أسابيع بين الفينة والأخرى بغرض العلاج وأضطر أحيانا على العودة الى العمل مباشرة فور خروجي من المشفى قبل أن تتحسن حالتي الصحية” أما السيدة ليلى التي تعاني من مرض السكري  فقد أوضحت أنها حين تتعرض الى جروح بسبب فرز النفايات التي قد تحتوي على مواد خطرة، لا تلتئم جروحها بسهولة وتكون عرضة الى الجراثيم مما يؤدي الى تعكر حالتها الصحية .

بالإضافة الى ذلك فهن تعانين من عدة أمراض أخرى مثل الام الظهر وعرق النسا والام الركبتين واليدين، وهي أمراض ذات ارتباط كبير بالتقدم في السن ساهم العمل كبرباشة في زيادة بروزها وتعكرها. كما تجدر الاجارة الى خطر تعرضهن لعدة حوادث شغل بسبب افتقارهن الى أدنى وسائل الحماية التي لا تقدرن على توفيرها وفي المقابل يتعرضن الى خطر الإصابات بالتهابات جلدية بكتيريا الكزاز والجراثيم التي تقود الى اليرقان    والتهاب السحايا وحدوث تلف في الكلى.

وفي حين تتمتع بعضهن بدفتر علاج مجاني تجبر السيدة زينب كما اجترنا تسميتها (65 سنة) على تحمل تكاليف علاجها حيث قالت ” أضطر على تحمل الالام أحيانا لأنني لا أقدر على دفع تكاليف العلاج “

يمثل هذا الوضع انتهاكا لحقهن في الحصول على رعاية صحية مستدامة والوقاية من الأمراض أو تأخير الإصابة بها في كنف الاحترام الكامل لكرامتهن واستقلاليتهن. اذ ينص الفصل 43 لدستور البلاد التونسية لسنة 2022 “الصحـة حـق لـكل إنسـان. تضمـن الدولـة الوقايـة والرعايـة الصحيـــة لـــكل مواطـــن وتوفـــر الإمكانيات الضروريـــة لضمـــان الســـلامة وجـــودة الخدمـــات الصحيـــة. تضمـــن الدولـــة العلاج المجانـــي لفاقـــدي الســـند ولـــذوي الدخـــل المحـــدود وتضمـــن الحـــق فـــي التغطيـــة الاجتماعية طبـــق مـــا ينظمـــه القانـــون”.

واضافة الى عوامل الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية التي ذكرت، تتعرض نساء البرباشة كبار السن الى العنف بتواتر وهو ما يساهم في مزيد اقصائهن اجتماعيا ونذكر من ذلك العنف النفسي الذي يتمظهر من خلال الضغط النفسي الكبير جراء الاقصاء والتهميش وسلبهن أبسط حقوقهن، الى جانب المضايقات التي تتعرضن لها من قبل المارة بسبب كلامهم المسموم ونظراتهم القاسية والاحتقار من شأنهن، أو من قبل البرباشة الاخرين وعمال البلديات، حسب تصريح احداهن، الذين يحتكرون بعض الشوارع والمصبات ويمنعوهن من الاقتراب منها.

ويمكن أن يترتب على هذا العنف عواقب وخيمة تتعلق بصحتهن الجسدية والنفسية مثل الاصابة بأمراض نفسية حادة كالاكتئاب الذي يزيد من نسبة الوفيات بالإضافة الى آثار سايكولوجية بعيدة الامد نتيجة الايذاء المستمر لهن.

وبالنظر الى القانون عدد 58 لسنة 2017 فان تعريف المرأة الذي تضمنه هذا القانون شمل كبيرات السن كما نص على تشديد العقوبات كلما كانت الضحية امرأة مسنة ولكن عدم معرفة هذه الفئة بهذا القانون    أو تجاهلهن له يفاقم من وضعيتهن البائسة ويؤبد بقاءهن في هامش سياسات الدولة والمجتمع.

صمود في وجه الظروف: وضع النساء البرباشة وتحدياتهن اليومية

صمود في وجه الظروف: وضع النساء البرباشة وتحدياتهن اليومية

ريم بن عمر (مركز الانصات والتوجيه للنساء ضحايا العنف – قصيبة المديوني )

بينما يناقش العالم حق المرأة في المشاركة السياسية بين “الانصاف” و” التناصف” تحرم بعض النساء من أبسط حقوقهن الأساسية مثل الحق في الغذاء الكافي، السكن اللائق، التعليم، الصحة، الضمان الاجتماعي وهو ما يزيد من حالة الاقصاء الاجتماعي والاقتصادي وتوسع ظاهرة التمييز الطبقي وقاعدة الفقر التي تشمل أساسا الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة. ومن أهم هذه الفئات نجد النساء ضحايا التشغيل الهش اللاتي تعملن في القطاعات غير المهيكلة حيث تواجهن الكثير من الصعوبات المرتبطة بغياب التشريعات والقوانين التي تحميهن من التمييز والعنف في ظل ظروفهن الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. فحسب تقرير الأمم المتحدة حول التمكين الاقتصادي للمرأة “في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا يشارك

سوى      20.5%   من النساء في القوى العاملة. وتشير التقديرات إلى أن 33% من النساء في المنطقة يشاركن في العمالة الهشة مقارنةً بنسبة 23%  للرجال. وتُمثَّل المرأة تمثيلًا زائدًا في المهن ذات الأجور المتدنية” هذه الفئة هي الأكثر تضررا في المجتمعات العربية وخاصة تونس اذ نجد العديد من أنواع التشغيل الهش كـالعاملات في القطاع الفلاحي وقطاع الحظائر والعاملات في مجال جمع وفرز النفايات والمعروفات باسم “البرباشة”.

“البرباشة” هي مهنة ظهرت في السنوات الأخيرة خاصة في المدن إذ يقوم العاملين والعاملات بها بجمع المواد القابلة للرسكلة خاصة البلاستيك والألومنيوم ويقومون ببيعها للشركات التي تقوم بتدوير ورسكلة هذه النفايات، وينقسم عمل البرباشة إلى نوعين:

  • برباشة المصبات المراقبة أو العشوائية إذ يقومون بفرز النفايات داخل المصبات بعد جمعها من قبل البلديات
  • برباشة الأحياء الذين يقومون بجمع وفرز القوارير البلاستيكية أو الألومينيوم داخل الأحياء في الأنهج أو في حاويات النفايات.

وقد شهدت ظاهرة “البرباشة” نموا هاما في السنوات الأخيرة تزامن مع استفحال الأزمة المركبة وتفاقم ظواهر البطالة والفقر والهشاشة. وقد صاحب هذا النمو تطورا ملحوظا لعدد النساء المشتغلات في هذا القطاع. ويستقبل مركز الاستماع والتوجيه للنساء ضحايا العنف الاقتصادي والاجتماعي بالمنتدى دوريا العديد من النساء اللاتي تمتهن هذه المهنة حيث تلجأن الى المركز بحثا عن المساعدة والاسناد في مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي تواجههن وبالخصوص المشاكل الصحية. وتكشف حصص الاستماع والانصات لهن حجم المعاناة التي تعشنها ما دفعهن للبحث عن الاسترزاق في هذه المهنة الشاقة رغم المصاعب التي تواجههن وحالة الاذلال والانهيار النفسي التي تعانينها. والكثير منهن تعرضن في حياتهن الى انتكاسات ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية مثل الترمل والطلاق والعنف الأسري والطرد التعسفي والاغتصاب والتحيل وغيرها. وراء كل واحدة منهن حكاية تشهد عن عمق الأزمة الاجتماعية التي نعاني منها مجتمعيا خاصة في علاقة بالعنف المسلط على النساء والانتهاك المستمر لحقوقهن في كل المستويات وفي كل مراحل العمر.

وبالرجوع لمهنة “البرباشة” نجد أنها مهنة شاقة خاصة أن العاملات فيها تنطلقن في العمل منذ الصباح الباكر للبحث عن أي قارورة بلاستيكية أو علب ألومنيوم وتجبن أحياء المدن على مدار أكثر من 10 ساعات متحديات الصعوبات المناخية سواء في الشتاء أو الصيف ما ينجر عن ذلك صعوبات جسدية تصل حد الارهاق إذ تقطع “البرباشة” بين الأنهج والطرقات يوميا مسافات طويلة لا تقل عن 8 كيلومترات مشيا على الأقدام حاملة ما تم جمعه في أكياس كبيرة على ظهرها.

يتميز العمل في هذا القطاع بتنافس كبير بين البرباشة خاصة بين النساء والرجال الذين عادة ما يستعينون بعربات ودراجات نارية ويجمعون النصيب الأوفر وهم الأكثر حظا لجمع أكبر عدد ممكن من المواد القابلة للرسكلة مما يدفع النساء لتقضية الكثير من الوقت وبذل المزيد من الجهد في سبيل جمع أكبر عدد من الكيلوغرامات لتوفير قوتهن اليومي، اذ تقمن ببيعها حسب سعر السوق ويتراوح الكيلوغرام الواحد بين 400 مليم و900 مليم وتقوم “البرباشة” بجمع 30 كيلوغرام على أقصى تقدير في اليوم. كما تتعرضن إلى كثير من الحوادث أثناء عملهن خاصة وأن النفايات تشمل مختلف أنواع الفضلات من البلور إلى جميع المواد الخطرة وحتى السامة وهن مفتقدات لجميع وسائل الحماية (قفازات وأقنعة واقية…) التي لا يملكن الامكانيات المادية لتوفيرها لحماية أنفسهن من هذه الأخطار.

ويقدر الدخل اليومي للمرأة البرباشة بحوالي 8 دنانير في اليوم أي ما يعادل 240 دينار شهريا. مع الملاحظ أن الأجر الأدنى في تونس يبلغ حوالي 460 دينار شهريا.

تواجه هذه الشريحة الاجتماعية التهميش المستمر وهي غائبة تماما في سياسات الدولة الاجتماعية وشمل التهميش الذي تتعرضن له 3 مجالات أساسية:

  1. الحق في الصحة

تسبب هذه المهنة عديد المشاكل الصحية فتقريبا جميع النساء التي تمت مقابلتهن في مركز الاستماع والتوجيه تعاني من مشاكل في الظهر وفي اليدين وليس لديهن أية طريقة للتداوي والعلاج إلا على حسابهن الخاص إذ أنهن لا تتمتعن بالتغطية الصحية ولا بدفتر العلاج المجاني مما يدفعهن لتحمل الالام دون علاجها ما ينجر عنه تعكر حالتهن الصحية وتراجعها حيث أوضحت احدى هذه النساء  التي تعمل كبرباشة داخل أحد المصبات أنها مريضة بضيق التنفس و بالرغم من ذلك فقد لاحظنا  أنها كانت تقوم بفرز النفايات داخل مصب عشوائي وسط الدخان المتأتي من حرق النفايات وجل ماكانت تقوم به لحماية نفسها من هذا الدخان هو وضع وشاح كتفيها على فمها. يعتبر هذا الوضع انتهاكا صارخا لحقوقهن من قبل الدولة وخاصة “الحق في الصحة” وهو حق مضمون في الدستور وفي جميع المعاهدات الدولية الممضي عليها من قبل الدولة خاصة وأنهن يقمن بدور بيئي هام يتمثل في مقاومة التلوث بالبلاستيك.

ان الحق في الصحة هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان وتم التأكيد على ذلك في الإعلان العالمي لحقوق الانسان سنة 1948 في المادة 25 التي تنص أنه ” لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وعلى صعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية”

وأيضا تم التأكيد على ذلك في المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ” تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن في الصحة البدنية والعقلية”

ونجد في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تأكيدا واضحا على حق المرأة في الصحة في المادة 12 من الاتفاقية ” تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان الرعاية الصحية من أجل أن تضمن لها على أساس تساوي الرجل والمرأة، الحصول على خدمات الرعاية الصحية بما في ذلك الخدمات المتعلقة بتخطيط الأسرة”

بالرجوع أيضا لدستور البلاد التونسية لسنة 2022 نجد في الفصل 43 تأكيد على حق كل انسان في الصحة وتأكيد واضح على فاقدي السند وذوي الدخل المحدود ” الصحة حق لكل انسان، تضمن الدولة الوقاية والرعاية لكل مواطن، وتوفر الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية”

تضمن الدولة العلاج المجاني لفاقدي السند ولذوي الدخل المحدود وتضمن الحق في التغطية الاجتماعية طبق ما ينظمه القانون” ولكن مع كل هذه المعاهدات الممضاة من قبل الدولة الملزم تطبيقها والتأكيد على الحق في الصحة في الدستور تخلت الدولة على مسؤوليتها ودورها تجاه هذه الفئة المهمشة التي أصبحت تعيش في اقصاء اجتماعي تام اذ لا تملك أبسط مقومات العيش الكريم.

  1. الحق في عمل لائق

 ان الدولة ملزمة بتوفير عمل لائق والعيش الكريم لجميع أفراد الشعب، لكن نجد البرباشة وخاصة النساء منهن تعشن وضعيات صعبة بسبب اضطرارهن للعمل في هذا المجال. فمنهن من تخجل من ممارسة هذا العمل نظرا لسوء نظرة المجتمع والوصم الاجتماعي الذي يميز النساء اللاتي تمتهن هذه المهنة وهن يسعين للقيام بها بعيدا عن أحبائهن ومدنهن حتى لا يواجهن أقرباءهن كما تلتجأ بعضهن الى العمل في الليل تحت جنح الظلام بعيدا عن الأعين. فلا يكفي انهن تعشن حالة الفقر والخصاصة لكنهن أيضا لا تجدن أبسط مقومات العمل اللائق الذي يكفل كرامتهن، فجميع مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الانسان من المادة الأولى التي تنص “يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء.” أكدت على أن جميع الناس أحرار ومتساوين في الكرامة والحقوق الا أن هذه الفئة من النساء لا تملكن أبسط مقومات المساواة والكرامة. فالإقصاء الاجتماعي لا تتعرض له هذه النساء فقط بل أيضا جميع أفراد عائلتهن سواء في الشارع أو في المدرسة أو في الفضاء العام حسب ما أكدته لنا إحدى النساء التي تم استقبالها في مركز الاستماع والتوجيه للنساء ضحايا العنف الاقتصادي والاجتماعي بالمنتدى.

كما أن المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان تأكد أن

  1. لكلِّ شخص حقُّ العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة. لجميع الأفراد، دون أيِّ تمييز، الحقُّ في أجٍر متساوٍ على العمل المتساوي. 3.لكلِّ فرد يعمل حقٌّ في مكافأة عادلة ومُرضية تكفل له ولأسرته عيشةً لائقةً بالكرامة البشرية، وتُستكمَل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية.”

رغم كل هذه التشريعات تحرم هذه الفئة من النساء من حقهن في عمل يضمن لهن حياة لائقة بالكرامة البشرية خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة بالنسبة للنساء التي بلغت 21.7% في الثلث الثالث لسنة 2023 مقابل 20.4% في الثلث الثالث لسنة 2022 حسب المعهد الوطني للإحصاء.

كما تجدر الإشارة الى استغلال ضعفهن وقلة حيلتهن من قبل “الوسطاء” الذين ينقلون ما تم جمعه من منازل النساء العاملات في هذا القطاع الى المصانع المخصصة في إعادة تدوير البلاستيك والمواد القابلة للرسكلة بأجر زهيد للكيلوغرام الواحد حيث يشاركنهن مرابحهن وعرق جبينهن.

  1. العنف

ان جل الانتهاكات الاقتصادية والاجتماعية التي ذكرت سابقا هي تجليات للعنف المسلط على هذه الفئة التي تتعرض الى جميع أنواع العنف (عنف معنوي، عنف مادي، | عنف اقتصادي، عنف جنسي) حيث تتعرضن الى عدة مضايقات تصل حد الاعتداء بالعنف اللفظي والمادي من قبل البرباشة الرجال الذين يعتبرون هذه المهنة حكرا لهم بسبب طبيعتها الشاقة ويرفضون مقاسمة النساء لهم لـ «مورد رزقهم”حسب ما أكدته احدى النساء والتي لم تتقدم بشكاية خوفا من التعرض لمضايقات أخرى

وقد ألزم القانون عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الدولة باتّخاذ التّدابير اللازمة للقضاء على الممارسات التّمييزيّة ضدّ المرأة على مستوى الأجْر والتغطية الاجتماعية ومنع تشغيل المرأة في ظروف قاسية أو مهينة أو مُضرّة بصحّتها وسلامتها وكرامتها

 فمتى إذن تتوفّر التغطية الصحّية والاجتماعية للنساء العاملات كبرباشة؟ متى يتنظم هذا القطاع وتتمتع العاملات فيه بظروف لائقة وبأجور تضمن لهنّ عيشا كريما؟

في السرديات اللامرئية لحوادث شاحنات النقل الفلاحي : نساء مغيلة واطفالها بين فكّي كماشة الجوع والموت

في السرديات اللامرئية لحوادث شاحنات النقل الفلاحي

نساء مغيلة واطفالها بين فكّي كماشة الجوع والموت

 

مقال: حياة العطار

صور ورسوم: منتصر عيساوي

منطقة المغيلة الواقعة بين ولايتي القصرين وسيدي بوزيد هي منطقة تواجه منذ عقود ثالوث الفقر والبطالة والتهميش، لم يجْنِ متساكنوها من الثورة سوى مزيدا من الفقر والوصم والإرهاب، وأحيل جلّهم على البطالة القسرية. نساء هذه المنطقة اضطرتهن ظروفهن الاجتماعية وقسوة المجال الجغرافي للتنقل الى الولايات المجاورة والعمل بحثا عن بديل للقمة هي في أصلها غُثّة، كن يجلبنها من جمع وبيع نباتات الصنوبر الحلبي والإكليل و”العرعار” والحلفاء من جبال المغيلة قبل ان تصبح مرتعا للإرهاب ومقبرة للرعاة والمواشي، وتتحول إثر ذلك الى مسرح للمواجهات المسلحة بين عناصر الجيش التونسي والمجموعات الإرهابية.

دوار البلاهدية، دوار الخلايفية، دوار السعايدية ودوار الصوايفية: أسماء لقرى وتجمعات سكنية متاخمة للمنطقة العسكرية المغلقة بجبل مغيلة. قرى لم نكن نسمع عنها قبل فاجعة 27 افريل 2019 ثم أصبحت اسماؤها متداولة جراء تكرر الحوادث. هناك، حيث الأرض الجُرُز اليابسة الغليظة التي لا زرع فيها ولا ماء تشرئب اعناق النساء الى الطرقات الرئيسية معلنات عن الاستعداد للالتحاق بالشاحنة والذهاب حيث لا يعلمن في سبيل ان يعدن بقوتهن مساءً. هناك في تلك القرى المنسية لا خيار للفتيات سوى ركوب الشاحنات والعمل في الحقول. جلّهن انقطعن عن الدراسة في سن مبكرة وبعضهن لم تطأ اقدامهن المدارس، أما اللاتي حالفهن الحظ واستطعن تحدي كل هذه المعيقات وبلوغ المرحلة الثانوية فلهن من العمل الفلاحي نصيب خلال العطل المدرسية.

Télécharger (PDF, 921KB)

 

سنة بعد بلاغ رئاسة الجمهورية: الحقوق والكرامة لجميع البشر 

سنة بعد بلاغ رئاسة الجمهورية: الحقوق والكرامة لجميع البشر

تمرّ اليوم 21 فيفري 2024، سنة على بلاغ رئاسة الجمهورية إثر اجتماع مجلس الامن القومي حول وضع المهاجرين والذي اعتبر وجودهم “ترتيبا اجراميّا تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافيّة لتونس[1]“. لا تزال رئاسة الجمهورية تتمسك بهذه القراءة العنصرية وترفض سحبها من نص البلاغ المنشور على المحامل الالكترونية الرسمية[2].

استهدف الخطاب وما تلاه من ممارسات حصرا المهاجرين من ذوي البشرة السوداء ولم يسلم من الانتهاك اللاجئون وطالبو اللجوء (المحميون بموجب معاهدة جينيف لسنة 1952 ولبروتوكولها المعدل لسنة 1967)، وكذلك الطلبة والعمال المهاجرون الذين يتواجدون في تونس بطريقة نظامية والأطفال غير المصحوبين والنساء. تم تنميط صورة المهاجرين ووصمهم وتجريم وجودهم في تونس.

يظهر اليوم جليا الكلفة السياسية والأخلاقية الباهظة لهذا الخطاب.  اصبحت السلطات التونسية رمزا للمقاربات التمييزية ضد المهاجرين وانضمت بذلك للسياسات اليمينية المتطرفة في أوروبا التي تنشر الخوف من المهاجرين والتي اتخذت سياسات السلطات التونسية ذريعة لمزيد انتهاك حقوق المهاجرين التونسيين في أوروبا والعمل على التضييق عليهم وطردهم.

استدعت اجهزة الدولة ترسانة قانونية تمييزية تجاوزتها التحولات ووظفتها لتمنع المهاجرين من السكن والتنقل والعمل والحصول على الخدمات الانسانية ووظفت اجهزة الدولة لمزيد عزل فئات مهمشة ومحرومة عن المجتمع وتقديمها فريسة سهلة لشبكة التهريب والاتجار بالبشر. تشهد غابات الزيتون في صفاقس، وصحاري الحدود مع ليبيا والجزائر على حجم المأساة الانسانية والمعاناة كما يتجمّع اللاجئون في منطقة البحيرة وجرجيس حول مقرات المنظمات الاممية بحثا عن الحماية محرومين من الخدمات الانسانية وفي ظروف انسانية ومناخية قاسية.

كما تتواصل الحملات التحريضية العنصرية ضد المهاجرين من خلال تنميط صورتهم وتقديمهم على انهم تهديد امني وصحي ووجودي وتبرر لطردهم وحرمانهم من الخدمات الاساسية. لا يمكن اعتبار الخطاب المعادي للمهاجرين من ذوي البشرة السوداء وجهة نظر او حرية تعبير بل هي جريمة بموجب القانون عدد 50 المتعلّق بالقضاء على جميع اشكال العنصري.

تقاطعت سياسات الكراهية والتمييز في تونس مع السياسات اليمينية الاوروبية المتطرفة ليكون الضحايا هم المهاجرون سواء التونسيون في اوروبا او المهاجرون في تونس. نجدد الدعوة الى سحب البلاغ من كل المحامل الرسمية لرئاسة الجمهورية وإلى اتخاذ خطوات فورية لإنهاء خطاب الكراهية والعنصرية في البلاد، وحماية المهاجرين من العنف، والتحقيق في أعمال العنف المبلغ عنها، وضمان الوصول إلى العدالة والانصاف للضحايا ونؤكد بأن الوضعية الإدارية للأشخاص لا تعتبر بأي حال من الأحوال عرقلة من أجل الولوج إلى الحقوق الاساسية وندعو بذلك لاستجابة قائمة على ضمان الحقوق تمر بداية بتسوية ادارية شاملة لوضعية العمال المهاجرين في تونس.

ختاما نؤكد التزامنا مع كل الطاقات المناضلة في تونس وافريقيا بالعمل وفق استراتيجية مضادة لسياسات الهجرة للاتحاد الأوروبي والتي يسعى لتصديرها لدول الجنوب ومتباينة خاصة مع الأطروحات اليمينة والعنصرية من اجل التحرير الكامل لأفريقيا التي لا تزال شعوبها تناضل من أجل استقلالها الحقيقي وكرامتها وكذلك إزالة كافة أشكال التفرقة ولا سيما تلك القائمة على أساس العنصر أو العرق أو اللون أو النوع الاجتماعي أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي.

الحقوق للجميع

الكرامة للمهاجرين

المنظمات الموقعة

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان

المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات

جمعية بيتي

الجمعية التونسية من أجل الحقوق والحريات

جمعية افريقيا الذكية

جمعية لينا بن مهني

اللجنة من اجل احترام الحريات وحقوق الانسان بتونس

فيدرالية التونسيين من اجل مواطنة الضفتين

محامون بلا حدود

جمعية البوصلة

الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية

جمعية مسارب

جمعية نشاز

الائتلاف التونسي لالغاء عقوبة الإعدام

المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب

مجموعة حقوق الأقليات الدولية

الجمعية التونسية للعدالة والمساواة دمج

المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب  

[1]https://www.facebook.com/Presidence.tn/posts/pfbid02gc6zFmwaKy3hy1EgvbsseZQFTH8XWRhz9GFvo7y2gH98eZ44oG9Xf8du5aeVgfNyl?__cft__[0]=AZUvuFc5q66WfNXQ0XUb2Jr4o8Ufm4tHOOpRtAPu3TeEFSUkw1PV_XIlpH-USd5lYkscLBUXacIQ_pDMxWW3kqgHjMaPkSWaVHwi6X7KMzUenw&__tn__=%2CO%2CP-R

[2] https://www.carthage.tn/?q=ar/%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D9%8A%D8%B3-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D9%8A%D8%AA%D8%B1%D8%A3%D8%B3-%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A7-%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A

التقرير السنوي لقسم العدالة البيئية والمناخية حقوق بيئية، تغيرات مناخية، عدالة بيئية واجتماعية

التقرير السنوي لقسم العدالة البيئية والمناخية

حقوق بيئية، تغيرات مناخية، عدالة بيئية واجتماعية

المؤلفون.ات

منيارة المجبري

حمزة خان

محمد قعلول

رحاب مبروكي

رابح بن عثمان

التنسيق

إيناس لبيض

التصميم الجرافيكي

زياد الحاج عياد

كعادته ومنذ سنة 2018 ينشر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تقريره السنوي للعدالة البيئية في شكل باكورة مقالات أشرف على إعدادها فريق العمل بين تونس وباقي الجهات، وراوحت بين الآثار الخطيرة للتغيرات المناخية على منظومة حقوق الإنسان في المناطق الهشة وبين إشكالية الشح المائي في البلاد التونسية وتداعياتها في ولاية المنستير لتنتهي بأزمة النفايات في جهة قفصة.

Télécharger (PDF, 3.82MB)

تقدير موقف حول تراجع الاحتجاجات الاجتماعية في تونس

تقدير موقف حول تراجع الاحتجاجات الاجتماعية في تونس رمضان بنعمر (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)  

تؤكد الأرقام الصادرة عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التراجع الكمي والكيفي للحركات الاحتجاجية منذ سنة 2021 رغم عدم تحسّن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية فالتراجع في الاحتجاج ليس استثناء تونسيا رغم سياقات الازمة ويمكن ملاحظة ذلك في وضعيات مشابهة على غرار لبنان او إيران او العراق او حتى عالميا  

السنة   عدد الاحتجاجات  تونس الكبرى  النسبة المائوية 
2015  4375  775  17,71 
2016  8599  1093  12,71 
2017  10336  946  9,15 
2018  9356  1145  12,23 
2019  9091  760  8,35 
2020  8759  911  10,4 
2021  12025  2650  22,03 
2022  8586  1478  17,21 
2023  3432  828  24,12 

يسطّر هذا الجدول تطوّر عدد التحركات الاحتجاجية منذ سنة 2015 وبصرف النظر عن تغيّر وتطوّر اساليب الرصد لدى المنتدى فانه يقدّر المنحى العام للاحتجاج واتجاهه اكثر نحور المركز (ولايات تونس الكبرى) كنتيجة طبيعية لمركزة القرار السياسي وتجميع السلطات لدى رئاسة الجمهورية رغم ان ولايات قفصة والقيروان والقصرين مازلت تحافظ على مرتبة متقدمة في الاحتجاج. 

من المفارقة ان المركزية المفرطة للسلطة واحتكارها القرار وضعف المشاركة السياسية وعجز النخب السياسية عن توسيع دوائر المنخرطين كلها عوامل تحفّز الحركات الاحتجاجية على الاندلاع وتساهم في انتشارها لكنها في السياق التونسي (بعد جويلية 2021) ساهمت في انحسارها فالمشهد السياسي بعد 25 جويلية كان نتيجة لحراك احتجاجي موجّة ضد النخب السياسية الحاكمة وعرف أوجه في احتجاجات جانفي وفيفري 2021 (لم يكن قيس سعيّد في تلك الفترة مستهدفا بشعارات التحركات الاحتجاجية رغم انه برر القمع الامني الذي تعرض له الفاعلون الاجتماعيون ) واستعمل قيس سعيد احتجاجات جويلية غطاء لتبرير قرارات مساء 25 جويلية ورغم المسار الذي اتجه نحو المركزية المفرطة (والذي كان جزءا من مطالب الاحتجاج من خلال استهداف البرلمان والنظام السياسي لدستور 2014) ومارافقه من اخفاق على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ولامبالاة وعزوف عن المشاركة السياسية (نسب مشاركة ضعيفة في الانتخابات) فان الاحتجاج واصل في منحى تراجعي ويعود ذلك لافتراضات نقدمها كالتالي 

تعثّر الحركات الاحتجاجية في القدرة على رسم الاستراتيجية الأنسب للتعامل مع تغير السياق السياسي: ينتاب الفاعلون الاجتماع الارتباك عند ملاحظة ان رئيس الجمهورية يستعمل شعاراتهم حول العدالة الاجتماعية ومقاومة الفساد والحق في الصحة والبيئة السليمة ويستسلمون لسردية ان الاخفاق يعود للمعارضين او المناوئين او الفاسدين. يؤثر كل ذلك على قدرة الحركات الاحتجاجية على التخطيط واختيار الوسيلة الانسب للاحتجاج بما يجعل التوجه نحو رئاسة الجمهورية أسلما لدى عديد الفاعلين وذلك عبر وساطات عديدة. كما ان خطابات رئيس الجمهورية كانت في اغلبها احتجاجا على الدولة واداراتها واجهزتها وسياساتها وضد النخب وهو ارباك ذكي للاحتجاج ف”الرئيس هو الشعب” وهو احتجاجهم 

الاحتواء الناعم: انتهج المشهد السياسي الجديدة آليات جديدة لاحتواء الحركات الاحتجاجية حيث توجه نحو قادة الاحتجاج او العناصر الفاعلة في الاحتجاجات لنجدها اصبحت تحتل مناصب هامة مثل الوزراء، او المستشارون او الولاة او المعتمدين وغيرها من المسؤوليات في الدولة اضافة الى تمرير الوعود بتسميات جديدة لكل العناصر الفاعلة في الاحتجاج وهو ما يحول عديد الفاعلين الى عنصر معرقل للاحتجاج املا في نصيب من التسميات…   

انعدام الثقة في الفعل الجماعي وتكريس عقلية الحل الفردي: كان لإخفاق النخب السياسية الصاعدة في ادارة الشأن العام وفشلها في الاستجابة لانتظارات المواطنين وعجزها عن ايجاد بدائل اقتصادية وتنموية وفي نفس الوقت تحالفها مع القوى الاقتصادية والمالية المهيمنة دور في غياب الثقة في العمل الجماعي اضافة الى تراجع منسوب الثقة في الوسائط التقليدية (نتيجة غياب البرامج والمسألة الديمقراطية داخل هذه التنظيمات) وحتى في مآل بعض الاحتجاجات وما رافقها من احتواء عبر استقطاب قادتها كل ذلك ساهم في تكريس اولوية الحل الفردي كآلية للنجاة ومسارا لتحقيق الحلم لدى فئات عديدة (الهجرة مثالا)  

انعدام الامل في قدرة الاحتجاج على التغيير: دائما ما ترسم الحركات الاحتجاجية استراتيجية ومسارا لتحقيق أهدافها ويرتبط ذلك بأملها في النجاح في الضغط لتحقيق الحد الادنى من مطالبها ويستوجب ذلك أملا كبيرا في ان تلقى هذه المطالب تجاوبا باعتبار تعدد مجالات التأثير (مجلس النواب، احزاب، مؤسسات مدنية، مؤسسات سياسية، وسائل اعلام …) يبدو ان الفاعلين فقدوا الامل في قدرتهم على احداث تغيير في ظل مركزة السلطة وانحسار مجالات التأثير  

تراجع دور الوسائط التقليدية من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني ونقابات: نتيجة تمش سياسي واضح بتحجيم أدوار الوسائط التقليدية وتنميط صورتها لدى الفاعلين بوصمهم بأنهم سبب الازمة فقد تراجع دور الوسائط التقليدية في مدى قدرتها على تأطير الاحتجاج وايصال رسالته والتعامل معه بالتجاوب او الصدّ. كما فرض السياق على هذه الوسائط معارك اخرى مرتبطة بوجودها وآليات عملها وديمومتها وتراجع حزامها التعبوي.  

ضعف التنظم والقدرة على الحشد والتعبئة  لدى الحركات الاحتجاجيةتستمد الحركات الاحتجاجية قوتها وجاذبيتها من عدالة مطالبها لكنها في تونس في السنوات الاخيرة فقدت قدرتها التعبوية نتيجة الانهاك الذي طال الفاعلين وعدم الايمان بقدرتها على التغيير اضافة الى الخوف من ردة فعل الدولة واجهزتها. كما ان تشتت الحركات الاحتجاجية وتقلص الثقة والتضامن داخلها افقدها القدرة على التعبئة والصمود والاستمرار.  

زيادة القمع للحريات  والتي تدفع الحركات الى فك التعبئةشهد الفضاء العام انتكاسة خلال السنوات الاخيرة وتراجعت الاشكال التعبيرية داخله والتي اصبحت موصومة. حافظت الدولة على التعامل القمعي مع الحركات الاحتجاجية المنظمة كما وقع في عقارب ثم في جرجيس كما اصبح المرسوم 54 سيفا مسلطا على الجميع وساهم في تكبيل الفاعلين الاجتماعيين في التعبير عن مطالبهم. فكيف لمواطن محروم من الماء او من الخدمات الصحية او غيرها من الحقوق ان يدعو للاحتجاج ضد الدولة ومسؤوليها وهو يتابع ما يفعله الفصل 24 من المرسوم 54 بالنخب السياسية والاعلامية والمدنية. 

الهرسلة القبلية للاحتجاج:  تلقى عديد النشطاء في الحركات الاحتجاجية بعد الاعلان عن نيتهم تنظيم احتجاجات استدعاءات امنية غير رسمية لمسائلتهم حول دوافع الاحتجاج وتحذيرهم من عواقب ذلك. تثني الهرسلة الامنية الفاعلين عن مواصلة احتجاجهم ويتم تحذيرهم من مغبة الاتصال بالمنظمات الحقوقية. 

اعتبار الاحتجاج جزء من منظومة “الانتقال الديمقراطي”  والتي وجب القطع معها: تسعى اطراف عديدة الى تصوير الاحتجاج جزء من “منظومة الانتقال الديمقراطي” التي وجب القطع معها تحت شعار استعادة هيبة الدولة فيصبح بذلك المحتجون موصومون بانهم استمرار لما يسمى “العشرية” ويتحول الفعل الاحتجاج الى “عودة لمنظومة ما قبل 25 جويلية”. 

ظهور اشكال جديدة من الاحتجاجمن المهم الوقوف على اشكال جديدة من الاحتجاج على الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السادة فالهجرة احتجاج والتفكير في الهجرة احتجاج والعزوف عن العمل السياسي والمدني احتجاج 

عموما أزمة الحركات الاحتجاجية جزء من الازمة الحالية للبلاد ككل وتراجعها يجب ان يثير البحث لدى اصحاب القرار أولا بعيدا عن القراءات المتسرعة الباحثة عن المكاسب في مواجهة الخصوم واعتبار تراجع الاحتجاج دليلا على النجاح، بل ان الخوف من ان يتراكم الغضب الكامن ويتكثف ليتحوّل بوجود قادح الى فعل احتجاجي عنيف قد يذكرنا بما وقع في جانفي 1984.  

 تحتاج هذه الفرضيات الى تحليل من المختصين وقراءات علمية  سيعود اليها المنتدى بأكثر دقة وتحليل 

 

التقارير التي اصدرها المنتدى حول الاحتجاجات الاجتماعية  

التقرير السنوي للمرصد الاجتماعي التونسي: ويتضمن المعطيات الكمية حول الاحتجاجات الاجتماعية والهجرة والعنف والانتحار خلال كامل سنة 2023 

اللغة العربية https://ftdes.net/wp-content/uploads/2024/02/ost2023ar.pdf 

اللغة الفرنسية https://ftdes.net/wp-content/uploads/2024/02/ost2023fr.pdf 

اللغة الإنجليزية https://ftdes.net/wp-content/uploads/2024/02/ost2023en.pdf 

التقرير الشهري جانفي 2024 حول الاحتجاجات الاجتماعية والهجرة والعنف والانتحار 

اللغة العربية https://ftdes.net/wp-content/uploads/2024/02/janvier2024.ar_.pdf 

اللغة الفرنسية https://ftdes.net/wp-content/uploads/2024/02/janvier2024.fr_.pdf 

اللغة الإنجليزية https://ftdes.net/wp-content/uploads/2024/02/janvier2024.en_.pdf 

يمكنكم الاطلاع بصفة مستمرة على مختلف الاحصائيات والتقارير التي يصدرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبر بوابة المنتدى 

تتكون البوابة من موقع الكتروني: Al-Forum 

تطبيقة محمولة يمكن تحميلها من ال Play Store : 

https://play.google.com/store/apps/details?id=com.mycompany.ftdesbackup