السياحة البيئية في طبرقة: وجه من وجوه التضامن النسوي المُتحدي للتغيرات المناخية

السياحة البيئية في طبرقة: وجه من وجوه التضامن النسوي المُتحدي للتغيرات المناخية

 

مالك الزغدودي: صحفي وباحث تونسي مهتم بقضايا البيئة وحقوق الإنسان

 

تعد مدينة طبرقة واحدة من الوجهات السياحية التي تتميز بثنائية الغابة والبحر، حيث يتلاقى جمال الطبيعة بالخصوصيات الثقافية المُميزة لسكان جبال خمير.

بدأ بعض سكان المدينة في السنوات الأخيرة، بتقديم خدمات سياحية تجمع ما بين توفير زيارات الى الغابات أو البحر، واكتشاف الخصوصيات الغذائية والتُراثية المميزة للمنطقة، حيث أصبحت المدينة من الجهات الجاذبة لمُحبي السياحة البيئية.

من بين هذه المشاريع التي مزجت بين المحافظة على النظام البيئي المحلي وفي نفس الوقع خلقت موارد اقتصادية دائمة لسكان المنطقة نال مطعم “بِيرْ نَاتِيرْ” Pure nature” رواجا كبيرا بين محبي خوض تجارب ثقافية غذائية تقليدية وعشاق الطبيعة والرياضات الجبلية أو البحرية والباحثين عن المناظر الطبيعية الجميلة.

تبرز أيضا خصوصية هذا المكان في تلاحم النساء، اللاتي يعملن فيه بتفانٍ على تطوير طرق الطبة المحلية والتعريف بها، حيث يتجسد التضامن بين النساء كقيمة أساسية لهذا المشروع.

مشروع شخصي يتحول إلى حلم جماعي

في قلب هذه الوجهة السياحية البيئية، تجتمع النساء العاملات ضمن هذا المشروع، ليس فقط لطبخ أطباق تعكس تراث المنطقة أو تجسد جانبا مهما من التراث اللامادي لا فقط لمنطقة خمير بل للشمال والوسط الغربي التونسي مثل أنواع الخبز المختلفة مثل الطابونة /الملاوي /الخبز المبسس /خبز الكانون، بل ليُشكلنَ صورة حية للتعاون والتضامن بين النساء ومثالا عن نجاح المشاريع التي تحترم البيئة وحقوق المرأة. حيث أكدت دلندة صاحبة فكرة مشروع “pure nature” أن فكرة تأسيس فضاء سياحي بيئي يعرف بتاريخ المنطقة وتراثها المادي واللامادي وتقديم أطباق تقليدية تعكس الثراء الغذائي للمنطقة، مع التأكيد على أن الفضاء مساحة للتعاون وتبادُل الأفكار بين كل العاملات والعاملين فيه وهو مشروع لا يعترف بالهرمية المهنية. ومن أهم أهدافه توفير فرص العمل لنساء المنطقة وتطوير مهاراتهن في الطبخ وتمريرها للأجيال القادمة من الرجال والنساء على حد السواء. المهم هو الرغبة في التعلم”.

 

يمكن إذن للزوار الاستمتاع بأجواء تجمع بين الطبيعة الخلابة وروح الفريق النسائي المُلهم، مما يجعل طبرقة جهة فريدة لعشاق السياحة البيئية والثقافية.

يجسد هذا الفضاء قيم التعاون النسوي كركيزة أساسية في بناء تجربة سياحية لا تُنسى، حيث تصنع النساء لحظات جمالية تتحدى الزمن وتعكس روح الجماعة والابتكار وتقاوم التهميش الاجتماعي وغياب فرص العمل.

بعد مرور السنوات الثلاثة الأولى للمشروع بسلام ونجاح، تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية في توثيق نجاح مشروع محافظ على البيئة والموروث المحلي للجهة، مشروع تغلب عليه روح التعاون بين النساء أصبح مزارا سياحيا مهما في مدينة طبرقة.

لكن الحرائق الأخيرة صيف 2023 أتت على الأخضر واليابس وأحرقت الغابة المحيطة بالمطعم وجزءا كبيرا منه كما قضت على المناظر الجميلة المحيطة بالمطعم لترسم مشهدا حزينا لما يمكن أن يؤدي له تغير المناخ والتطرف في درجات الحرارة، خاصة في الدول التي لم تتخذ الإجراءات الوقائية المناسبة ولا تملك خططا واضحة واستراتيجيات مستقبلية لمجابهة تطرف المناخ الذي أصبح حقيقة ملموسة ومعاشة ومؤثرة بشكل مباشر على كل جوانب حياة السكان.

الخالة سعيدة
الخالة سعيدة

 

 

حدثتنا الخالة سعيدة وهي عاملة في المطعم مسؤولة عن تحضير الخبز: “في غفلة منا، كانت النار بعيدة وسيارات الحماية المدنية القليلة تتوجه بشكل متواصل إلى غابات ملولة من أجل إطفاء الحرائق… لقد تخيلت أننا بعيدون عن النار ولن تصل لنا ألسنة اللهب، لكن في بعض دقائق حاصرتنا النيران والتهمت الغابة المحيطة بنا وحرقت الأشجار والمطبخ وتمكنا من الهرب بصعوبة شديدة. لقد عشت أكثر من خمسة وخمسين سنة لم أشهد مثل هذا الجفاف أو شدة الحرائق التي عشتها هذا الصيف “

زرنا فريق عمل مطعم “pure nature” بعد أقل من شهر من اندلاع حرائق الصيف، وجدنا فريق العمل من النساء والرجال يحاولون تنظيف آثار الحرائق وترميم المطعم. وقد أكدت لنا أغلب الشهادات أن مشاهد الحرائق لم تمحى بعد من ذاكرتهم لكنهم عازمون على استئناف مشروعهم والبقاء في مكانهم على أطراف الغابة ومقاومة التغيرات المناخية بكل الأشكال الممكنة.

شهادات حول تأثير الحرائق على الغابة والنشاط الاقتصادي في المنطقة

 

لم تكن دلندة صاحبة مشروع “pure nature” فقط مستثمرة في مجال السياحة البيئية، أو مؤمنة بمنوال تشاركي في تسيير مؤسستها الصغرى، بل هي أيضا خريجة المعهد العالي لعلوم الغابات والمراعي بطبرقة (جامعة جندوبة) متحصلة على شهادة “تقني سامي في علوم وتقنيات الغابات والسياحة البيئية” وهو ما جعلها تمتلك رصيدا من المعارف التقنية والعلمية طبقته في تعاملها مع الغابة المجاورة لمشروعها.

 حيث حافظ فضاء المشروع على حدود واضحة وفاصلة مع الغابة، وخلقت شبكة تجميع نفايات بمجهودات خاصة تجعل نظافة المكان مثالية من أجل عدم تلويث الغابة، كما استغلت في مشروعها النباتات الغابية والزيوت المحلية المستخرجة من الغابات وهو ما خلق عديد مواطن الشغل للعديد من نساء المنطقة.

لكن الحرائق الأخيرة دمرت جزءا مهما من النباتات والأشجار الغابية والأعشاب والحشائش الطبية التي كانت تعتبر مورد رزق جزء مهم من النساء الريفيات في المنطقة أو مشاريع التقطير الصغرى والمحلية في منطقتي طبرقة وعين دراهم.

قمنا بزيارة الغابة المجاورة للمطعم البيئي، رفقة دلندة والخالة سعيدة وبعض العاملات حيث رصدنا تضرر أشجار الفرنان والبلوط والحرق شبه الكلي لعدد من  الحشائش والأعشاب الطبية، لكن ما يبعث الأمل حسب تصريح دلندة : “الأشجار المحلية مثل الفرنان يمكن أن تعيد النمو بسرعة، شرط وجود الأمطار وأيضا شجيرات القذُوم التي تعتمد عليها نساء المنطقة من أجل استخراج زيت القذُوم يمكن أن تنبت بسرعة، لكن الصنوبر الحلبي الذي تزرعه الدولة في صورة تعرضه للحرق لا يمكن أن يعيد النمو مرة أخرى، بل إنه يحتاج إلى القطع وإعادة الغراسة وأعتقد أن زرع أشجار مقاومة للتغيرات المناخية هو الحل الأمثل للحد من خطر الحرائق وعلى أجهزة الدولة تطوير الدراسات والتنسيق مع الباحثين وأصحاب المشاريع والمسؤولين المحليين من أجل حماية الغابة لما تمثله من أهمية بيئية وحياتية وثقافية للمنطقة ولكل تونس. يجب ألا ننسى أن غابات جندوبة تمثل نصف غابات تونس تقريبا واحتراقها يعني فقدان جزء مهم من الغطاء النباتي والحيوانات البرية في تونس.”

 

لم ينعكس الأثر السلبي للحرائق على أصحاب المشاريع السياحية، بل شمل العاملات الموسميات في تقطير الزيوت الغابية خاصة زيت الريحان وزيت القذُوم حيث حدثتنا الخالة فوزية وهي امرأة خمسينية تعودت منذ أكثر من عشرين سنة على تقطير الزيوت، حيث عبرت عن خيبة أملها كالتالي ” لم أستطع جمع حتى ربع الكمية التي كنت أجمعها السنوات الماضية، وأصبح العمل متعبا وغير مربح. لقد التهمت الحرائق أغلب شجيرات الريحان والقذُوم وهذا يهدد لا فقط عملي في تقطير الزيوت بل عمل أغلب النساء في كل قرى طبرقة. لقد وجدنا أجدادنا يجمعون ويُقطِرُون الزيوت فقمنا بالحفاظ على هذا النشاط، لكن للأسف الغابة أصبحت تحترق كل سنة وأنا متأكدة أن الأمور لو بقيت على حالها لن يبقى أحد في الأرياف الموجودة داخل الغابات وسوف تكون الجبال مهجورة من سكانها”.

لم يكن ما سرده علينا أنيس وهو راعي أغنام في أواخر العقد الرابع، بعيدا عن بقية الشهادات حيث أكد أن الحرائق أتت على أغلب المراعي، وأنه مضطر لبيع نصف قطيعه وإضافة إلى الكوارث الطبيعية حسب قوله بل غلاء الأعلاف وتملُص الدولة من كل أدوارها. حيث أكد أن غياب كاسرات الحرائق وتعبيد الطرقات التي تسهل وصول شاحنات الإطفاء وكذلك نقص العدد البشري لأعوان الغابات والحماية المدنية هو ما ساعد على انتشار الحرائق وعدم السيطرة عليها حيث أنه كان شاهد عيان طيلة أيام إطفاء الحرائق.

 

نلاحظ في مختلف الشهادات التأثير الواضح والملموس على مختلف أوجه حياة سكان القرى الجبلية في أرياف طبرقة وعين دراهم، وغياب الحلول والاستراتيجيات من قبل الدولة وهو ما فاقم تأثيرات التغيرات المناخية.

رغم ذلك شهدنا أيضا رغبة واضحة في المقاومة وخلق جسور التعاون بين السكان المحليين وقدرة على التكيف مع هذه المتغيرات، إلا أنه على الدولة التسريع في خلق حلول وتصورات حلول عاجلة للقرى الجبلية في طبرقة وعين دراهم وحماية الثروة الغابية والحيوانية في المنطقة.

حمران: رحلة السيادة الغذائية وصعوبات تطبيقها على أرض الواقع

حمران: رحلة السيادة الغذائية وصعوبات تطبيقها على أرض الواقع

مالك الزغدودي: صحفي وباحث تونسي مهتم بقضايا البيئة وحقوق الإنسان

برز خلال السنوات الأخيرة في الفضاء العام، وخاصة الناشطين والفلاحيين النقاش حول مفهوم السيادة الغذائية. نظمت طيلة هذه الأعوام العديد من الندوات وورشات العمل وخرجت إلى النور عديد المبادرات الجمعياتية والشبابية في هذا الاتجاه. وتزامن هذا الحراك مع عودة الكثيرين إلى العمل الزراعي في الأرض ومحاولة خلق بدائل فلاحية تحافظ على البيئة وناجعة في الآن ذاته، ومن بين هذه المبادرات نجد مجموعة حمران (Homran community) وهم مجموعة من الشباب التونسي عادوا من فرنسا ودول أخرى في هجرة معاكسة من الشمال إلى الجنوب، واشتروا أرض في قرية حمران التي تبعد أكثر من عشرة كيلومترات بقليل عن مدينة عين دراهم. تقع الغابة في قلب جبال خمير وهي فضاء حر لممارسة قناعات السيادة الغذائية والحفاظ على التوازن البيئي وتطبيق نظريات البناء الأخضر المتناغم مع الطبيعة مع الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الاستقلالية الطاقية والغذائية.

أصبح الفضاء قبلة للشباب المؤمن بقيم السيادة الغذائية والمحب للطبيعة والباحثين حول السياسات الغذائية والفلاحة التقليدية والمستدامة، وأصبح مجموعة حمران نموذجا يحبه سكان المنطقة وملهم لباقي المجموعات المؤمنة بنفس القيم. لكن لم تجر الرياح كما تشتهي سفن مؤسسي فضاء حمران ورواده، فبعد فترة من بناء المنزل والبدء في التجارب الزراعية وانتاج البذور المحلية تفطنت المجموعة إلى وجود مدجنة دجاج لا تحترم الشروط والتراتيب الصحية والقانونية المنصوص عليها بكراس الشروط، ورغم تبليغهم السلط المعنية بشتى الوسائل والطرق القانونية الممكنة، وتضمين الشكايات كل الوثائق والمؤيدات القانونية اللازمة، لم تحرك السلط المسؤولة ساكنا وظل الأمر على ما هو عليه من تجاوزات خطيرة في حق الغابة وتجربة مجموعة حمران عموما.

طريق رحلة السيادة الغذائية يبدأ بخطوة

تجدر الإشارة في البداية إلى ظروف وسياقات نشأة مفهوم السيادة الغذائية، حيث ظهر المفهوم بداية في بعض دول أميركا الجنوبية وشرق أسيا، بصفته مفهوم مناقض للمفهوم الرأسمالي للأمن الغذائي، وتطور في سياق الحركات الفلاحية الشعبية الجذرية التي حررت مساحات الأراضي الزراعية من براثن الأنظمة السياسية المستبدة والشركات الغذائية والزراعية الصناعية العابرة للقارات، وتمردت على سياسات حكوماتها الداعمة للأغنياء، والمدافعة عن مصالح الرأسماليين وأصحاب المشاريع الفلاحية الكبرى المستغلة للأرض والشركات الرأسمالية الاحتكارية العابرة للقارات. وهنا يظهر مفهوم السيادة الغذائية بصفته مفهوما يحمل فلسفة وممارسة تحررية شعبية مقاومة تهدف إلى تحقيق السيادة الغذائية وممارستها على أرض الواقع وإنتاج الغذاء وتحقيق الاكتفاء بعيدا عن جشع الشركات وتدمير الموارد الطبيعية.

يقاوم المؤمنون بقيم السيادة الغذائية خاصة شركات البذور والكيماويات والسياسات الزراعية العالمية القائمة على استنزاف الموارد والتربية والتدجين المكثف للحيوانات، إضافة إلى مجابهتهم تدمير الموروث والنموذج الزراعي والغذائي المحلي.

من داخل هذه الفلسفة والقناعات خرجت مجموعة حمران المتكونة في البداية من ثلاثة أصدقاء آمنوا بهذه المبادئ وقاموا بشراء أرض بمنطقة حمران أحد أرياف مدينة عين دراهم أين بدؤوا طريق تأسيس حلمهم المقاوم واستقبلوا العديد من التونسيين والأجانب لمشاركتهم تجاربهم واندمجوا مع المجتمع المحلي شيئا فشيئا.

تحدثنا مريم وهي مهندسة فلاحية تونسية: ” لقد درسونا في أسوار الجامعة التونسية أو في فرنسا نموذجا زراعيا واحدا يتميز بوفرة الانتاج مهما كانت الكلفة على الأرض والموارد الطبيعية، هذا النموذج الناجح حسب وصفهم يمكن لنا ملاحظة تأثيره على المناخ والتغيرات المناخية الخطيرة التي شهدها العالم. لقد عدنا من فرنسا من أجل تنفيذ حلم تطبيق نموذج مصغر للسيادة الغذائية والزراعة من خلال البذور المحلية والبناء من خلال الموارد المحلية المتناغمة مع الطبيعة وتجنب كل مظاهر الضرر نحو الطبيعة”.

 

القطاع الفلاحي مشاكل هيكلية تضاف إليها مشكلة التغيرات المناخية

 يعتبر القطاع الفلاحي في تونس من أهم القطاعات الاستراتيجية في البلاد ويساهم بنسبه 10 % في الناتج الداخلي الخام وهي نسبة تعتبر متدنية نظرا للمشاكل والصعوبات الكبيرة التي تعيشها المنظومة الفلاحية منذ الاستقلال. وبالرجوع إلى السياسات المتبعة من قبل الدولة للنهوض بالقطاع الفلاحي، نلاحظ انه تم الاعتماد على ثلاث استراتيجيات مختلفة انطلاقا من مرحلة التوجه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي بعد الاستقلال والعمل على تلبية الحاجيات المحلية ومحاولة الترفيع في اليد العاملة إلى أن وصلت إلى 80% من إجمالي اليد العاملة في تونس[1].

رغم هذه الأهمية للقطاع الفلاحي إلا أنه يعيش أزمات متكررة ومتواترة ويسقط من سلم أولويات واستراتيجيات الدولة وهذا أمر شديد الخطورة خاصة في ظل التغيرات المناخية التي تهدد أغلب المنتجات على طول الخارطة الفلاحية التونسية، عوض أن تدعم الدولة محاولات السيادة الغذائية أو لنقل التجارب التي تحاول تحقيق نموذج فلاحي مستدام وأكثر عدالة مثلما هو الحال مع مجموعة حمران، فهي على النقيض تماما تدعم كبار الفلاحين ونفس النماذج الفلاحية التي أثبتت فشلها سابقا.

لم تحرك أجهزة الدولة المحلية والجهوية ساكنا من أجل تطبيق القانون وحماية البيئة والغابة وتطبيق القانون على المدجنة غير المحترمة للشروط القانونية رغم توفر كل أدلة الإدانة وهذا ما أكدته مريم في شهادتها حيث صرحت : “الأمر الأكثر غرابة أني مهندسة فلاحية وأعرف جيدا من الناحية التقنية أن المدجنة مخالفة قانونيا وأن الروائح والفضلات لا يمكن معالجتها هنا والتخلص منها في الغابة، لكن تقرير الجهات الصحية هنا يؤكد على عدم وجود رائحة كريهة وهذا الأمر مستحيل تقنيا ولو حدث لأصبحت تونس رائدة في هذا المجال، طبعا الريادة هنا في تجاوز القانون …”

 

نص التقرير محل اعتراض مجموعة حمران

تؤكد مريم أيضا أن المستوصف يبعد 20 مترًا فقط عن مبنى التكاثر (محضنة التكاثر). لكن تقرير الخبير يقول إن الممرضة لا تنزعج من نشاط التكاثر ولا من الرائحة. إن كان وجود مدجنة لا يؤثر على المرضى ولا مخاطر صحية منجرة عن قرب المدجنة فلماذا لم يجب التقرير حول إذا كان القانون يسمح بهذا القرب؟ وهو ما يقدح في مصداقيته.

وقد كان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وثق هذه التجاوزات الخطيرة في حق الغابة في إطار مناصرته للحقوق البيئية. وفي زيارتنا الثانية لمجموعة حمران لمواكبة تحركاتهم في مجابهة التغيرات المناخية ورصد تأثيرها عليهم ورصد تطور تجاربهم الزراعية، كانت المفاجأة غير السارة في أن التجاوزات في حق الغابة لم تتوقف كما أن السلط المحلية والجهوية لم تحرك ساكنا.

رابط تقرير قسم البيئة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعنوان خروقات بيئية في غابة حمران

يحدثنا عمر وهو الآخر مهندس فلاحي ترك عمله بفرنسا وعاد لتأسيس مجموعة حمران حيث أكد:” نحن لم نطلب من الدولة شيئا سوى تطبيق القانون، نحن نناضل من أجل الحفاظ على الغابة وبحوثنا في تطبيق تجربة فلاحية تعتمد على البذور المحلية غايتها ليست ربحية. سوف نوفر البذور لكل من يرغب في زراعتها. نحن نؤمن بنموذج فلاحي لا يعتمد على الانتاج المكثف واستنزاف الأرض والماء والمبيدات، لذلك سوف نواصل النضال بكل الطرق القانونية من أجل التمسك بحقنا وتطبيق القانون.”

السيادة الغذائية حل من حلول مقاومة التغيرات المناخية

في مواجهة التغيرات المناخية ومن أجل تأسيس نموذج فلاحي بديل وتطبيق مفهوم السيادة الغذائية، يسعى مجموعة من الناشطين البيئيين والمجتمع المدني وفلاحيين مؤمنون بعديد المبادرات المهمة منها الدفع نحو الاعتراف بالبذور الأصيلة بموجب القانون. حيث أن القانون التونسي المتعلّق بالبذور والشتلات والأصناف النباتية المدرجة في السجل الرسمي يفرض قيودا على بذور الفلاحين ويذهب إلى حد منع بيعها وتبادلها.

تبدو الوضعية سريالية في بلد يمتلك موروثا من البذور ذي جودة وحيث تواتر نقص الموّاد الغذائيّة الاساسيّة سمة رئيسية لحياة التُونسيين.

يفرض القانون المؤرّخ في 10 ماي 1999 توزيع البذور المهجنة والغير قابلة للتكاثر في شكل حزم تقنية تقدمها شركات البذور، مرفوقة بأسمدة تضر بالتنوّع البيولوجي والنظم البيئية، وتفرض على الفلاحين التونسيين تبعية مطلقة لهذه الشركات. هنا نلاحظ أن تجارب مثل مجموعة حمران تمثل نواة مهمة في تحقيق فلاحة مستدامة متأقلمة مع التغيرات المناخية وتمس بشكل مباشر نموذج حياة التُونسِيين حيث أن المسألة تتعلّق بالصحّة العموميّة من حيث رفع مستوى الوعي بالغذاء الصحّي من خلال شراء المنتوجات الفلاحية المنتجة من البذور المحلية وزيادة الوعي لدى الرأي العام بالآثار الضارّة للمبيدات الكيميائية، التّي غالبا ما تستخدم في الزراعة المكثفة.

ربما تكون فكرة تأسيس مجموعة حمران بهدف التخلص من تقاليد الفلاحة الرأسمالية والتركيز على نقل تجربتهم الفلاحية للزوار حافزا لتعزيز الوعي بأهمية الزراعة المستدامة وتوفير فضاء لتنفيذها. ومع ذلك، تواجه أغلب المجموعة المدافعة عن هذه الخيارات تحديات كبيرة من أجل تحقيقها وفرضها كسياسة فلاحية عمومية تطبق في أغلب الجهات التونسية.

[1] منير حسين ومحمد قعلول، 2021. تهديد السيادة الغذائية في تونس. دعم الفلاحة الربحية وتهميش الفلاح الصغير. التقرير السداسي لقسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. https://ftdes.net/ar/crise-de-souverainete-alimentaire/

ملولة حكاية قرية تقاوم التغيرات المناخية

ملولة حكاية قرية تقاوم التغيرات المناخية

مالك الزغدودي: صحفي وباحث تونسي مهتم بقضايا البيئة وحقوق الإنسان

الملخّص:

يهدف هذا المقال إلى رصد طرق الصيد الساحلي التقليدي بطبرقة، تحديدا قرية ملولة وهي قرية بحرية أغلب سكانها بحارة لا يتجاوز عددهم 30 بحارا.

يهدف البحث للتعرف على طرق الصيد التقليدية المتوارثة وفعاليتها في الحفاظ على المحيط والثروة السمكية والمرجان البحري المشهورة به مدينة طبرقة. ويفسر المقال البحثي أيضا التمازج بين الغابة واستعمال الفلين [1] مع الشباك ومحاولة مجمع الصيد الحفاظ على هذه الطرق.

نحاول أيضا رصد طرق الصيد التقليدية الأخرى: بالصنارة / الغوص أو الغطس الطبيعي (ميزة للصيادين والسماكين بمنطقة ملولة) عبر السهم المضغوط.

إذن نحاول في هذا المقال إضافة إلى رصد طرق الصيد الساحلي التقليدية، دراسة مجهودات البحارة من أجل تأسيس بديل اقتصادي ناحع ويحافظ على البيئة والموروث الفلاحي والبحري في الآن ذاته.

سوف نرصد في هذا المقال طرق الصيد الساحلي التقليدي التي يستعملها بحارة ملولة، وكيف تساهم في الحفاظ على تقنيات الصيد التقليدية وحماية البيئة البحرية للمنطقة والمردودية الاقتصادية للصيد في الآن ذاته؟

مصطلحات رئيسية: البحّارة، الصيد التقليدي، التراث البحري، التراث المادي واللامادي، ملولة، طبرقة

منهجية وتقنية البحث

اعتمدت في هذه الورقة البحثية على مقابلات نصف موجهة[2] مع عشرة بحارة من قرية ملولة، يجمع بينهم نشاط ممارسة الصيد الساحلي التقليدي، لكنهم يختلفون في تقنيات الصيد والمستوى التعليمي وسنوات الخبرة. كما يتفقون جميعا على الحفاظ على تقنيات الصيد الساحلي التقليدية الخاصة بمنطقة طبرقة عموما وقرية ملولة خصوصا.

  كانت العينة متمثلة في عشر بحّارة مختصين في الصيد الساحلي التقليدي، أربعة منهم يعملون ضمن مجمع بحارة الصيد الساحلي التقليدي أما باقي البحارة فهم غير منخرطين في المجمع لكنهم يمارسون الصيد التقليدي ويبيعون القسم الأكبر من صيدهم من الأسماك إلى المجمع المهني لتعليب الأسماك في ملولة.

خصائص عيّنة البحّارة

الرقم العمر طريقة الصيد سنوات الخبرة المستوى التعليمي الحالة الاجتماعية
01 53 الغزل (الشبكة) 37 ابتدائي متزوّج
02 28 صنارة 5 ثانوي متزوج
03 44 الغزل (الشبكة) 23 ابتدائي متزوّج
04 21 الغزل (الشبكة) 4 اعدادي أعزب
05 21 الغزل (الشبكة) 4 اعدادي أعزب
06 36 الغزل (الشبكة) 17 أمّي متزوج
07 31 صنارة 8 ثانوي متزوج
08 38 صنارة + غزل 20 ابتدائي متزوج
09 64 الغزل (الشبكة) 50 أمي متزوج
10 16 الغزل (الشبكة) 2 ابتدائي أعزب
  1. وضعية قطاع الصيد الساحلي التقليدي في تونس

يمتد الشريط الساحلي في البلاد التونسية على طول 1300 كلم أي ما يعادل 810 ميل على البحر الأبيض المتوسط، وتمتلك تونس حدودا بحرية مع كل من الجزائر وليبيا وإيطاليا.

يشتغل في هذا القطاع حوالي 108 آلاف[3] تونسي منهم 54 ألفا بصفة غير مباشرة ويساهم الصيد البحري بنسبة 8 بالمائة من قيمة إنتاج القطاع الفلاحي و17 بالمائة من عائدات الصّادرات الفلاحية الغذائية.

هذه الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للصيد البحري، من حيث قدرته التشغيلية المرتفعة ونسبة مساهمته في الصادرات الفلاحية الغذائية، وبالتالي التدفقات من العملة الصعبة ليس الميزة الوحيدة لهذا النشاط لأنه يعد نشاطا موروثا بالنسبة للتونسيين عبر التاريخ مارسوه منذ فجر التاريخ وبالتالي يمتلك البحارة أو الصيادة التونسيين تراثا ماديا ولا ماديا في علاقة بالصيد البحري وتقنياته وكل العوالم المتعلقة به وتعد مدونة الصيد البحري في تونس سواء الرسمية أو غير الرسمية (الشعبية) غنية بقصص البحر والبحارة.

يختلف نشاط الصيد البحري من منطقة إلى أخرى بحكم تغير عديد العوامل الطبيعية والجغرافية والمناخية وتوزع السكان (الكثافة السكانية) وأنواع الأسماك أو القشريات أو غلال البحر.. كما تختلف مكانة الصيد البحري في النسيج الاقتصادي من منطقة الى أخرى. فمثلا في جزيرة قرقنة يعد الصيد البحري هو النشاط الاقتصادي المهمين والأساسي وبالتالي تميزت المدينة بمُدونة فريدة في علاقة بالصيد البحري أو تقسيم البحر وملكيته وتوارثه[4] وخلق معايير قيس خاصة بالجزيرة لا توجد في أي منطقة أخرى من العالم… وتوجد على طول السواحل التونسية المختلفة من حيث المنتوجات البحرية (قرى الساحل في المنستير وسوسة وقرى ومدن الشمال بنزرت، رأس الجبل الهوارية، قرقنة … وصولا لشط بوغرارة وجرجيس وجربة …). هذا التنوع خلق طرق صيد تقليدية متنوعة وأغاني صيد مختلفة وأكلات بحرية متعددة بل وتسميات أسماك مختلفة جذريا أحيانا لا فقط بين شمال البلاد وجنوبها بل أحيانا بين قرية بحرية وقرية بحرية أخرى قريبة منها وذلك راجع في جزء كبير منه الى التأثير الثقافي لفترة الاستعمار الفرنسي بالإضافة الى تلاقح الثقافة المحلية مع ثقافات أخرى كالإيطالية. فمثلا منطقة طبرقة أغلب تسميات الأسماك إيطالية بحكم التمازج الثقافي والتاريخي الكبير مع البحارة الإيطاليين الذين سكنوا جالطة أو مارسوا الصيد في طبرقة قبل وبعد الاستقلال وبين بحارة سيدي مشرق وهي قرية محاذية لطبرقة حيث توجد أسماء فرنسية بحكم أن أحد أول الرُياس (قبطان سفينة) وصاحب أول مركب صيد في المنطقة كان فرنسيا … وبالتالي تمازجت عديد الثقافات المتعلقة بالصيد البحري وأثرت في ثقافة البحارة التونسيين وهذا الحال في قرية ملولة البحرية التابعة إداريا لمدينة طبرقة من ولاية جندوبة وهي ثاني أكبر معبر حدودي بالبلاد التونسية رابط بين تونس والجزائر .

  1. تقديم منطقة ملولة

منطقة ملولة هي قرية ساحلية وجبلية في الآن ذاته تقع في أعالي سلسلة جبال خمير (الأطلس الصغير) على ساحل البحر الأبيض المتوسط وهي قرية حدودية تربط بين تونس والجزائر تضم في حدود 450 مسكنا يسكنها قرابة 1300 سكنا ويعمل بها حوالي 30 بحارا. يوجد بها ميناء صيد تقليدي صغير مهيأ لاستقبال مراكب صيد تقليدية وأنشطة ترفيهية يتمتع بها زوار المنطقة بالإضافة الى مطاعم بحرية تقليدية ومقهى.

صورة للميناء التقليدي بملولة
صورة للميناء التقليدي بملولة

مارس سكان منطقة ملولة الصيد منذ أجيال حيث حدثنا عماد وهو الممثل القانوني لمجمع الصيد البحري التقليدي الساحلي بطبرقة أن بداية الصيد البحري كان من ثلاثينات القرن العشرين من خلال مراكب صيد تقليدية دون محرك من خلال التجديف وكانت التقنيات حسب ما يتذكره محدثنا من خلال الروايات التي وصلته من بحارة المنطقة أساسا الشباك والصيد العائمة والغاطسة والصنارة.

  1. تجربة مجمع الصيد البحري التقليدي

تأسس مجمع الصيد البحري التقليدي في 22 جويلية 2019 ويضم 60 بحارا ينشطون في مجال الصيد الساحلي التقليدي. يتراوح طول قوارب الصيد بين 3 إلى سبعة متر ويلتزم بحارة المجمع بالحفاظ على النظم البيئة المحلية واحترام الراحة البيولوجية وكافة القوانين المنظمة للصيد الساحلي التقليدي، ويستعمل البحارة أيضا مراكبهم في توفير رحلات صيد ترفيهي عبر الصنارة لهوات الصيد أو من يرغب في خوض نزهة بحرية خاصة في فصل الصيف. ويضم المجمع 13 بحارا من قرية ملولة قمنا بإجراء مقابلات نصف موجهة مع 10 منهم من أجل التعرف على طرق الصيد الساحلي التقليدي، وتأثير التغيرات المناخية وطريقة بيع ما يصطادونه سواء في الميناء أو للمجمع المهني المشترك في ملولة.

  1. طرق الصيد الساحلي التقليدي التي يستعملها بحارة ملولة

بورتريه بحار صيد تقليدي

عم علي 64 سنة بحار أبا عن جد مثلما عرّف نفسه خبرة تتجاوز الأربعين عاما بقليل، قضى أكثر من نصفها كصياد ساحلي تقليدي. يؤكد العم علي أن الصيد الساحلي التقليدي لا يوفر دخلا مستقرا مقارنة بالعمل كبحار على مراكب صيد مياه الأعماق لكنه بالمقابل يوفر الاستقلالية ويجنب الكثير من أهوال البحار. يؤكد لنا محدثنا أن طرق الصيد البحري في منطقة طبرقة وصولا إلى سيدي مشرق (تتبع ولاية باجة إداريا) متشابهة وأن أغلب الطرق متوارثة من الأب إلى الإبن وهي أساسا الصيد بالغزل (الشباك) العائمة أو الطافية على سطح الماء ولكل طريقة غرض. ويفسر” عم علي” أن البحارة في طبرقة كانوا يستعملون مادة الفلين (الڨشر باللهجة المحلية لسكان جبال خمير: طبرقة، عين دراهم) وهو لحاء شجرة البلوط لجعل الشبكة تطفوا قبل أن يدخل البلاستيك ويؤكد أنه سعيد لأنه منذ تأسيس مجمع الصيد البحري هناك عودة كبيرة من البحارة سواء ضمن المجمع أو خارجه لاستعمال مادة الفلين.

يصر العم علي أيضا أنه كان غطاسا بارعا يصطاد القرنيط بالسهام المضغوطة تحت الماء (fusée de pêche) وأن طبرقة وتحديدا ملولة كانت جنة للسمك الصغير خاصة المناني المهدد بالانقراض اليوم والقرنيط حيث كان يغطس من أجل صيد هذه الأنواع تحديدا، ويوضح أن أغلب بحارة المنطقة تعلموا تقنيات الصيد بالسهام المضغوطة تحت الماء من السياح الفرنسيين والايطاليين من ثم تمرسوا فيها طيلة عقود.

ورث العم علي مهارات الصيد وصيانة قاربه الصغير (7 متر) وبعض تقنيات صيانة المحرك الصغير لابنه وأدخل نشاط الصيد الترفيهي والنزهات البحرية إلى جدول نشاطه من أجل تحسين مدخوله ومقاومة تغيرات المناخ التي أدت إلى نقص فادح في مردودية الصيد حسب قوله “لم يكف حريق الغابة أعتقد أن البحر أيضا تعرض للحرق، لم ينج من البشر لا الغابة ولا البحر”.

يتراوح مدخول العم علي وإبنه بين 500 إلى 2000 د شهريا حسب الفصل وعوامل الطقس ونوعية السمك والأنشطة الممارسة حينها.

وتؤكد آمنة بالكحلة في دراستها الاستقصائية المنجزة مع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعنوان: “دراسة حول صغار البحارة[5] ووضعية الصيد الساحلي في جرجيس وقرقنة وطبلبة” أن قطاع الصيد البحري يعاني في الواقع من عديد الصعوبات، على غرار تقلص الثروة السمكية بشكل متزايد، وضعف كفاءة ومردود الصيادين (ضعف التأطير)، إضافة إلى هشاشة البنية التحتية الأساسية (استلام وتوزيع المنتجات). ونتيجة لذلك، يتسم وضع صيادي الأسماك التقليديين بالهشاشة وتعيش هذه الفئة المجتمعية في تونس ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة ولعل أكثر الصيادين تأثرا بهذه المصاعب هم صيادو مناطق قرقنة وجرجيس وطبلبة إذ أن 70 الى 80% من وحدات الصيد البحري توجد بمنطقة خليج قابس. وهنا نلاحظ أن نفس الدروف والصعوبات التي ذكرتها بالكحلة في دراستها، هي ما يمر به بحارة طبرقة اليوم ولم تتحرك السلطات المعنية وتغير شيئا إلى حد ساعة كتابة هذا المقال

صورة أحد بحارة ملولة أثناء رمي الشباك
صورة أحد بحارة ملولة أثناء رمي الشباك
  1. الحفاظ على تقنيات الصيد التقليدية

يؤكد عماد التريكي وهو الممثل القانوني لمجمع الصيد التقليدي بطبرقة وأصيل منطقة ملولة أن ملولة تحوز على تراث بحري هام إضافة إلى رصيد مهم من تقنيات الصيد المميزة سواء التي يستعملها بحارة المجمع أو بحارة ملولة عموما مثل الصيد بالشباك العائمة والطافية من خلال مادة الفلين وهو نتيجة مزج منتجات الغابة المنتجة محليا من جبال خمير ونشاط الصيد الساحلي وأيضا استعمال الخشب المحلي في صناعة السفن أو الصيد من خلال الغوص الذي لا يمارسه بحارة المجمع لكنه ممارس من أغلب بحارة ملولة. ويؤكد عماد أيضا على تنوع الأسماك التي يصطادونها حسب الفصول أو المتوفرة طيلة السنة وهي أساسا لا تخرج عن هذه الأنواع الآتي ذكرها (التسميات حسب المعجم المحلي لبحارة ملولة) : شلبة ( تريليا / بلاميط / ڨڨدانسي / مرجان / باقري / جغالي / ملبري / أورطا / قاروص/ قراض /سار / شليمونة / خطيف / مسلة /طنودة .. .

وتعتبر أغلب هذه الأنواع قابلة للتثمين عن طريق تعليبها من قبل النساء العاملات في المجمع المهني المشترك، وهو ما خلق رابطا من التعاون بين مجتمع البحارة عموما وخاصة بحارة مجمع الصيد التقليدي وعاملات المجمع المهني المشترك لتعليب الأسماك.

وفي علاقة بسؤالنا حول جدوى ونجاعة استعمال طرق الصيد التقليدية في تحسين وضعية البحارة المادية، أكد عماد أنه بعد التخلي عن عديد طرق الصيد الضارة وتقليل استعمال البلاستيك وتنظيف البحر والشاطئ والميناء التقليدي في أخر ثلاثة سنوات بدأت الأمور تتحسن بشكل طفيف. أما في علاقة بالمداخيل فقد فسر محدثنا أن تواجد البحارة في إطار قانوني سهل لهم الحصول على رخص نقل الشغوفين بالصيد التقليدي أو النزهات البحرية وهذا حسن بعض الشيء من وضعيتهم المادية، إضافة إلى وجود زبون دائم للأسماك وبأسعار مجزية للبحارة من خلال تقنية البيع المباشر بلا وسطاء وهو المجمع المهني المشترك لتعليب الأسماك.

أما في علاقة بالموروث التقني أو اللامادي للصيد البحري في ملولة وضح التريكي أنه كان من المخطط تأسيس مهرجان البحر في ملولة من أجل تثمين هذا التراث ولكن الحرائق الأخيرة أجلت المشروع.

صورة عماد التريكي الممثل القانوني لمجمع الصيد البحري التقليدي بطبرقة. المكان الميناء التقليدي ملولة.

خاتمة

تعتبر تجربة بحارة ملولة في تأسيس مجمع مهني للصيد التقليدي وانفتاح البحارة على أنشطة اقتصادية أخرى مثل الصيد الترفيهي أو تقديم نزهات بحرية قد حسن من ظروفهم الاقتصادية بشكل مباشر، وحافظ على مهنة الصيد الساحلي التقليدي التي كان يهجرها الشباب بسبب ضعف مداخيلها أساسا والنقص الفادح في الثروة السمكية بسبب التغيرات المناخية. كما مكنت العودة الى بعض التقنيات التقليدية مثل استعمال الفلين والتخلي عن البلاستيك والعودة للتجذيف مكان المحرك الذي يعمل بالوقود من خلق تحسن ملحوظ في توفر الأسماك التي كانت تتأثر بتلوث المنظومة البحرية جراء تقنيات الصيد الغير مستدامة.

[1] الفلين (الخفاف) مادة تقليدية للحفاظ على الشباك طافية وتحديد مناطق الصيد

[2] متى بدأت في الصيد الساحلي التقليدي/ المجمع المهني لتعليب الأسماك؟

ما هي دوافع توجهك إلى العمل بالبحر / بالمجمع المهني لتعليب الأسماك؟

ما هي أهم طرق الصيد التقليدية المستعملة في ملولة؟

كيف كان تأثير استعمال طرق الصيد الساحلي التقليدي على مختلف جوانب عملك؟

[3] أرقام المعهد الوطني للإحصاء 2022

[5]المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. دراسة حول صغار البحارة ووضعية الصيد الساحلي في جرجيس وقرقنة وطبلبة. دراسة من انجاز آمنة بن كحلة / تأطير امال ساسي تمر

 chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://ftdes.net/rapports/pecheurs.abstract.ar.pdf

​​الحرائق ونقص مياه الشرب​​​ : شهادات حول تأثير تغير المناخ على حياة سكان أرياف طبرقة 

الحرائق ونقص مياه الشرب : شهادات حول تأثير تغير المناخ على حياة سكان أرياف طبرقة 

مالك الزغدودي: صحفي وباحث تونسي مهتم بقضايا البيئة وحقوق الإنسان 

الحرائق والنقص الفادح في نسب التساقطات المائية وشح مياه السدود والانقطاع المتكرر للماء الصالح للشراب وأزمة المحاصيل المعاشية وتعطل شبكة الكهرباء لأيام متواصلة هو واقع حياة سكان أرياف طبرقة هذا الصيف.      

في هذا المقال، سنسلط الضوء على الحرائق الأخيرة وتحديات نقص المياه في منطقة طبرقة وأريافها من خلال الشهادات المؤلمة من النساء الريفيات، اللواتي يعشن يوميًا مع تلك المشاكل. سنناقش أيضًا تأثيرات تغير المناخ على المنطقة، خاصة الحرائق الدامية التي اندلعت هذا الصيف بالإضافة إلى تقديم حلول لمشكلة نقص المياه. سوف يحتوي هذا المقال على فيديو حاولنا من خلاله توثيق ورصد أغلب المشاكل التي تعترض سكان القرى المحيطة بمدينة طبرقة، وأيضا صورا توثق معاناة النساء في منطقة شعبة الربيع، بسبب تأثير الحرائق على الجبال المحيطة بمنطقة ملولة. 

    

سكان الأرياف وخاصة منهم النساء الأكثر تضررا من صعوبة الولوج الى الماء      

للنساء في أرياف مدينة طبرقة دور أساسي في توفير المياه لأسرهن وحيواناتهن المدجنة (الدجاج أو المواشي بأنواعها) أو الأنشطة الفلاحية العائلية التي يمارسنها مثل زراعة العلف أو تربية النحل وزراعة بعض الخضروات.  

تقوم النسوة بمهمة جلب المياه يوميًا من مصادرها مثل العيون أو الآبار إلى منازلهن وحقولهن الزراعية. هؤلاء النساء يواجهن تحديات متعددة، بدءًا من الرحلات الطويلة التي يقمن بها للوصول إلى مصادر المياه، وصولًا إلى عدم التيقن من توفر المياه عند الوصول إلى تلك النقاط. هذه الرحلات المرهقة تزيد من عبء النساء وتؤثر على صحتهن وجودة حياتهن اليومية.      

علاوة على ذلك، تنعكس مشاكل نقص المياه على حياة النساء الريفيات من خلال تأثيرها على الزراعة فالفلاحة العائلية هي مصدر رزق كبير للعديد من هؤلاء النساء وأسرهن، ونقص المياه يجعل الزراعة أمرًا صعبًا ويؤثر سلبًا على مدخول الأسر وجودة الحياة. 

بالنسبة للنساء الريفيات في طبرقة، فإن هذه المشكلات تمثل أعباءًا مضافة على كاهلهن، ويتعين على السلطات المحلية والوطنية التصدي لهذه المشكلة بشكل جدي. ينبغي تحسين البنية التحتية المائية، وتوجيه المزيد من الاستثمارات نحو تحسين توزيع المياه وضمان استدامتها كما يجب تعزيز الوعي بأهمية المياه وضرورة الحفاظ عليها. 

 إن توفير المياه بشكل مستدام ليس مسؤولية النساء الريفيات وحدهن، لكن على أرض الواقع هن وحدهن المسؤولات. 

 حيث حدثتنا الخالة مريم امرأة ستينية أرادت مشاركتنا قصتها، وتجربتها الصعبة “عندما كنت متوجهة للحصول على مياه العين في منطقة شعبة الربيع (تبعد أقل من 6 كلم على وسط مدينة طبرقة)، وخلال تلك اللحظات الهادئة بجوار العين، كنت على وشك مواجهة خطر حقيقي. ظهر ذئب بجواري، وكان ذلك الأمر مروعًا. 

كان يجب علي أن أفعل شيئًا، وسرعان ما اتخذت قرارًا بالدفاع عن نفسي. بفضل الله، تمكنت من تفادي الهجوم والبقاء سالمة، حيث لم يهاجمني الذئب. تخيلوا وحدكم أني في القرن 21 في تونس وفي مدينة يوجد بها ثلاثة سدود وعدد لا أعرفه من البحيرات الجبلية وأنا في الستين من العمر، أقابل الذئاب من أجل توفير شربة ماء رغم أن كل القرى المحيطة بشعبة الربيع مزودة بشبكة المياه الصالحة للشراب.”  

 هذه الشهادة تجسد معاناة النساء في المناطق الريفية، حيث يواجهن تحديات خطيرة أثناء تزويد المياه لأسرهن، مقابل تجاهل كامل من سلط الإشراف المحلية والجهوية. 

 تعكس أيضا هذه التجربة أهمية توفير وصول آمن وسهل للمياه وضمان سلامة النساء أثناء رحلاتهن للحصول على هذا الحق الأساسي وذلك كما ينص عليه الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. كما يجب أن نعمل جميعًا من أجل تحسين ظروف حياة النساء في المناطق الريفية وتخفيف معاناتهن.      

نشير إلى أن مدينة طبرقة وأريافها، تمتاز بوفرة البحيرات والعيون الجبلية والسدود الممتلئة بالمياه رغم نقص الأمطار هذه السنة مثل سد الوادي الكبير(الخذائرية) وسد أولاد سدرة. وفي هذه المناطق الحدودية مع الجزائر، تتواجد قرى جبلية مثل الزويتينة وشعبة الربيع وهما محرومتان من شبكة المياه الصالحة للشراب وعانت منطقة ملولة هي الأخرى من انقطاعات كبيرة في المياه الصالحة للشراب خاصة بعد الحرائق الأخيرة.  

 ومما يقوي الشعور بالغبن واللاعدالة لدى سكان هذه القرى، أنهم يعيشون معاناة يومية مع نقص المياه على الرغم من توفر المياه في النزل وعدد من المنشآت السياحية، ويجد الأهالي صعوبة في الوصول إلى المياه بسبب تقاعس السلط الجهوية وشركة استغلال وتوزيع المياه (الصوناد) في ربط هذه القرى بشبكة المياه الصالحة للشرب. 

سكان هذه المناطق الريفية وخاصة النساء يعبّرن عن حاجتهن الملحة للمياه وتسهيل الوصول إليها بشكل مستدام. إنهن يضعن آمالهن على السلطات المحلية وشركة استغلال وتوزيع المياه لتقديم الدعم والحلول الضرورية. ومن هنا يأتي دور المجتمع المدني في دعم هذه الجهود وزيادة الوعي حول هذا التحدي الحيوي الذي يؤثر على حياة النساء والسكان في المناطق الريفية بطبرقة. ومن أهم التحديات الرئيسية التي تطرحها معضلة العطش بهذه المناطق هو عدم توجيه الاستثمارات والجهود بشكل كاف إلى تحسين البنية التحتية المائية. فالسدود الموجودة تعتبر مكمنًا هامًا لتوفير المياه، لكن بات من الضروري العمل على صيانة وتهيئة هذه المنشآت من أجل ضمان استدامتها ونجاعة أفضل من حيث تخزين وتوجيه المياه.       

بالإضافة إلى ذلك، يجب مراعاة التفاوتات الإقليمية في توفر المياه وضمان توزيعها العادل، حيث من غير المعقول مواصلة تحويل مياه الشمال من ولايات الشمال الغربي المعطشة من أجل تزويد العاصمة والمدن الساحلية. كما ينبغي أن تكون هناك استراتيجيات واضحة للتعامل مع تغيرات المناخ وتأثيرها على توفر المياه. 

بشكل عام، يمكن القول إن هناك حاجة ملحة إلى تعزيز التفاعل والتعاون بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المحلي لتطوير سياسات مائية أكثر فاعلية وتوجيه الاستثمارات بشكل أفضل لتحسين حياة السكان في هذه المناطق المهمشة. وتجدر الإشارة أن السلط المحلية لم تتفاعل مع سكان منطقة ملولة والزويتينة وشعبة الربيع حول مشاكلهم إلى حدود نشر هذا المقال.      

التغيرات المناخية والحرائق كابوس آخر يلقي بظلاله على أرياف طبرقة 

لا تزال آثار حرائق ملولة لشهر جويلية 2023 حاضرة في أذهان سكان تلك المنطقة. كان اللهيب يمتد بسرعة عبر الغابات الكثيفة، مخلفا وراءه مشهدًا مأساويا حيث تضررت المساحات الخضراء التي كانت مصدرًا للحياة والموارد للسكان، وتحولت إلى رماد وحطام وأصبحت غابات الصنوبر الحلبي متفحمة تصدر رائحة كريهة أرهقت السكان صحيا وجعلت من عملية التنفس خانقة حسب شهادة أكثر من مواطن ومواطنة هناك. 

إن تلك الحرائق لم تمتد فقط لتضر البيئة، بل انعكست تأثيراتها بشكل كبير على المجتمع المحلي. تم تدمير المنازل، وخسارة الممتلكات، وانقطاع المياه عن السكان، مما جعلهم يواجهون تحديات صعبة لاستعادة حياتهم السابقة والحفاظ على موارد رزقهم. 

 وقد اندلعت هذه الحرائق في سياق متصاعد للتغيرات المناخية التي تشهدها المنطقة. ويعزز ارتفاع درجات الحرارة والجفاف الحاد اندلاع الحرائق ويتسببان في امتدادها بشكل أكبر. كما تجسد هذه الحوادث التحديات الجادة التي تواجهها المناطق الريفية والضرورة الملحة للتكيف مع التغيرات المناخية. هذه المشكلات تجسد الضرورة الملحة للتصدي لتحديات نقص المياه وتغير المناخ في منطقة طبرقة وأريافها كما تزيد معاناة السكان من أهمية البحث عن حلً جاد وفعّالً لهذه القضايا. 

أكد لنا عماد التريكي وهو ناشط محلي ورئيس المجمع المهني للصيد التقليدي بطبرقة منطقة ملولة:  

إن هذا المشهد الكارثي يجعلنا ندرك أهمية العمل المشترك للمحافظة على بيئتنا وضمان سلامة مجتمعاتنا. يجب علينا تعزيز جهودنا للوقاية من مثل هذه الحرائق والعمل على تعزيز الاستدامة في مواجهة التغيرات المناخية”  

عماد يشارك تجربته مع انقطاع المياه أثناء الحرائق وما عقبها: “الماء يعني الحياة، ولكن لدينا هنا مشكلة كبيرة في توفيره. نحن نعتمد على الآبار الجبلية، لكنها لا تكفي دائمًا. في الأيام الجافة، يصبح الأمر مأساويًا نضرا لانخفاض منسوب المياه. ولم تكن هذه أصعب المشاكل التي واجهناها هذا الصيف، فحرق الغابة هو الكابوس الأكبر لكل سكان المنطقة ويجب على الجهات المسؤولة توفير الحلول المناسبة في أقرب فرصة. 

مقترحات الحلول حول التغيرات المناخية وكيفية توفر مياه الشرب  

 بعد الزيارة إلى منطقة ملولة والحديث مع عدد من السكان فكرنا في تقديم محاولة تفكير أولية في المشاكل التي شهدنها، وقد اعتمدنا في تقديم مقترحات الحلول على عدد من خبراء أساتذة معهد علوم المراعي والغابات بطبرقة نظرا لتمكنهم العلمي ومعرفتهم الجيدة بخصوصيات غابات جبال خمير. كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن طبيعة المقال الصحفية لا تسمح بمزيد الغوص والبحث فيما هو علمي تقني. 

 

  • تحسين البنية التحتية المائية: يجب على الحكومة الاستثمار في تطوير وصيانة الآبار والآبار الجبلية والبنية التحتية المائية بشكل عام. هذا يشمل تقديم التمويل والتكنولوجيا اللازمة لضمان توفير مياه نظيفة وآمنة للمناطق الريفية. 
  • تعزيز الكفاءة في استخدام المياه: يجب تشجيع ممارسات فعالة لاستخدام المياه في المنازل والزراعة والصناعة. ذلك يمكن أن يتضمن تحسين نظم الري وتعزيز الوعي بأهمية توفير المياه. 
  • تشجيع استخدام الطاقة المتجددة لإيجاد مصادر بديلة لمياه الشرب: يمكن تقليل الضغط على مصادر المياه التقليدية من خلال تشجيع استخدام الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح لمحطات تحلية المياه. 
  • زيادة الوعي بتغير المناخ: يجب توعية السكان بأثر تغير المناخ وكيف يمكنهم التحضير لهذه التحديات، بما في ذلك تقديم التدابير الوقائية من الحرائق، كما من الضروري تعزيز قدراتهم على تنويع مصادر الدخل من أجل تفادي الاتكال الكامل على الموارد الطبيعية التي أصبحت تتميز بهشاشة كبيرة في هذه المناطق. 
  • دعم المشاريع الزراعية المحلية: يمكن دعم الزراعة بمشاريع تعزز استدامة استخدام المياه وتحسين إنتاج المحاصيل. 
  • تعزيز التشريعات والسياسات: يجب على الحكومة وضع سياسات وتشريعات تدعم استدامة موارد المياه وتحفيز الاستثمار الرشيد في هذا القطاع. 

وفي الختام، يمكن تقديم المقترحات التالية للتعامل مع حرائق الغابات، والتي يبقى الدور الأكبر لمصالح الغابات في تفعيلها: 

 تعزيز التوعية بأخطار حرائق الغابات والتدريب والتعليم حول كيفية التصرف في حالة حدوث حرائق خاصة لسكان القرى الجبلية في منطقة خمير. 

  • تحسين رصد الحرائق وإعداد خطط إجلاء استباقية. 
  • تطوير البنية التحتية لمكافحة الحرائق وتعزيز مناطق وقف النيران (coupe-feu) 
  • التنظيم والتعاون بين الجهات المعنية وسلطة الاشراف والعمل على مراجعة مجلة الغابات لكونها أهم نص تشريعي ينظم قطاع الغابات ويسهر على حماية وديمومة هذه المنظومة. 
  • تشجيع البحث والتطوير العلمي من أجل مجابهة التغيرات المناخية  
  • استخدام تقنية الحرائق الاصطناعية لتنظيف الغابات وتقليل تجمعات المواد الجافة أو ترك مجال أوسع للرعي الذي يساهم في تنظيف الغابات من الأوراق والحشائش الجافة. 

 

 

حكايات من قلب غابات جبال خمير

حكايات من قلب غابات جبال خمير

مالك الزغدودي: صحفي وباحث تونسي مهتم بقضايا البيئة وحقوق الإنسان

“الغابة هي حياتي، لا يمكن أن أتنفس خارج هذه الغابة، سابقا لم تكن هناك زيارات للجبل أو زوار يرمون النفايات ويتركون أعقاب السجائر هنا وهناك. نحن سكان غابة عين الزانة (منطقة جبلية تتبع إداريا معتمدية عين دراهم) نعرف معنى الحرائق ونعيش رعبها وعشنا قتلها حيواناتنا وحرقها حقولنا لكن الزوار بجهل أو بسهو منهم لا يعرفون. مرحبا بالجميع لكن احترموا الغابة … “

محسن عرفاوي 68 سنة، راعي وفلاح أخذنا في جولة معه في غابات جبال الخمير، الممتدة بين مدينتي طبرقة وعين دراهم على تخوم الحدود التونسية الجزائرية.

 

تعرفنا على سكان القرية عين الزانة الذي لا يتجاوز عددهم المئة شخص على الأكثر، يعيش أغلبهم من الرعي أو جمع البلوط وبيعه وهو ثمرة شجرة الفرنان والبلوط أو العمل الموسمي في جمع مادة الخفاف وهو لحاء شجرة الفرنان أو كما يسمى بالعامية في هذه المناطق “بالڨشر”.

دأبت أيضا نساء هذه القرية والقرى المجاورة على جمع الاكليل والزعتر الجبليي وبيعهن هذه المنتوجات الطبيعية إلى معامل تقطير واستخراج الزيوت الروحية والطبية، بأثمان غير مجزية مقارنة بالمجهود المبذول في جمعه كما أكدت أغلب شهادات نساء القرية.

لا يقتصر نشاط قرية عين الزانة على جمع الحشائش والشجيرات بل هناك التحطيب الموسمي وهو عبارة على جمع بقايا أغصان الأشجار اليابسة، وهي عملية تساهم في وقاية الغابة من الحرائق كما أكد لنا فيصل وهو حارس غابة حديث العهد، لم تتجاوز مدة خدمته الأربعة سنوات، لم يقع ترسيمه إى حد الساعة ولم يتمع بالقدر الكافي من الدورات التدريبية حسب قوله رغم حسسية المهام التي يقوم بها، حيث أصبح حرس الغابات بمثابة جرس الإنذار رقم واحد في مواجهة الحرائق والكوارث المحتملة التي تواجهُها الغابات.

وأيضا يقوم النسوة والأطفال بجمع الفطر (الفڨوع) والريحان والكمأ البني (الترفاس) وأوراق الكالتُوس من أجل التقطير وطبعا زيت القذّوم.

في حقيقة الأمر لم أكن أحتاج رحلة ميدانية للتأكد من الارتباط الوثيق بين سكان القرى الجبلية وغابات خمير وما تنتجه من موارد، لعديد الأسباب والعوامل ربما أهمها أني من سكان تلك المناطق رغم انقطاعي لأكثر من عقد عن قضاء أكثر من أسبوعين هناك، إلا أنه في حقيقة الأمر ما تزال علاقتي جيدة بأغلب سكان تلك المناطق بحكم عملي الصحفي أو البحثي، لكن لم أكن أعتقد يوما أن تشهد الغابة مثل هذا الدمار الهائل وما لحقه من تأثير مباشر على حياة السكان وعدم قدرتهم على التأقلم مع التغيرات المناخية وتقاعس الدولة في القيام بدورها في حماية الثروة الغابية وفي توعية زوار وسكان القرى الجبلية على حد السواء.

ملاحظة: يهدف هذا المقال إلى أن يكون صوت سكان عدد من القرى والتجمعات السكانية الجبلية في جبال خمير بين مدينتي طبرقة وعين دراهم، من خلال وصف أغلب الأنشطة الاقتصادية للسكان المعتمدة بشكل مباشر على الغابة. كما يهدف أيضا إلى رصد تأثير التغيرات المناخية على الغابة وبالتالي على حياة السكان المحليين موثقا ما يعيشونه من هشاشة اجتماعية واقتصادية، مسلطا الضوء على تقاعس وانعدام أي مخطط استراتيجي من الدولة من خلال هياكلها المعنية من أجل خلق حلول مستدامة لحل أزمة الحرائق الغابية وما تمثله من خطر مباشر وغير مباشر على سكان القرى الجبلية.

يتضمن هذا المقال محاولة نقل الشهادات كما هي دون تحريف بمبدأ الأمانة الصحفية والعلمية، من أجل خلق معجم محلي للنباتات والأشجار والمنتجات الغابية في المجال الغابي والسكني لقرى خمير، وذلك من خلال توثيق الأسماء باللهجة المحلية كما وردت في الشهادات المتعددة لسكان القرى التالية وهي قرية عين الزانة / قرية ملولة / قرية شعبة الربيع / تجمع المريج / قرية سيدي محمد.

اخترت القرى المتاخمة للجبال أو الموجودة داخل الجبال أين يرتبط النشاط الاقتصادي والمعيشي للسكان مباشرة بالغابة.

حرائق الغابات: مدمرة للطبيعة ولمورد رزق سكان القرى الجبلية

“بعيدا عن لغة الأرقام وما تعنيه في أحيان كثيرة من حقائق، علاقتنا بالغابة وجدانية قبل أن تكون اقتصادية أو حياتية ولا تدخل تحت أي نموذج وقراءة اقتصادية دقيقة لا رأسمالية ولا اشتراكية، نحن سكان الغابة (الجبلية) والغابة هنا ليست مجرد وصف لغوي بل هي عنوان للوحدة بيننا نحن السكان والنظام الطبيعي والبيئي المحيط بنا بشكل عام بمعنى أننا نعيش مصيرا واحدا لا يمكن فصله وتجزئته”هكذا بدأ ماهر نقاشنا قبل إنطلاق زيارتنا إلى القرى.

انطلق النقاش ما قبل الرحلة بمجموعة مكثفة ومتعددة من الأسئلة:

  • هل نحن المسؤولون عن التغيرات المناخية؟ هل تونس دولة صناعية ساهمت في تلويث العالم وهي الآن تدفع ثمن الاحتباس الحراري؟
  • هل كانت القرى الجبلية ضمن مخططات التنمية الوطنية الخمسية والعشرية؟
  • يقولون إننا ضحايا، ثم يقولون إننا محظوظون نتنفس هواء نقيا ونأكل من خيرات ما نزرع ونُربي المواشي والدجاج “العربي” ثم مع الحرائق نعود ضحايا والغريب يعتقدون أننا نتوسل بطاطين وحليب!!!
  • هل يعرف التونسيون مجلة الغابات؟ هل يجب تغيير منوال التنمية العمرانية حتى يجعل المدن لا تتوسع عشوائيا على حساب الغابات؟

كل هذه الأسئلة والاستفهامات العميقة كانت محل النقاش مع الأصدقاء ماهر العرفاوي ومناف العرفاوي وأنيس بوشناق ونحن في زيارة عدد من القرى الجبلية وفي نقاش مع سكانها مباشرة بعد حرائق هذا الصيف (2023) المتكررة والتي لا تهدأ. ويمثل الشباب السالف ذكرهم إضافة إلى عدد أخر من سكان المنطقة مجموعة من الناشطين المحليين المهتمين بالبيئة والتغير المناخي.

ربما لم يكن هؤلاء الخمِيريون كما يطلقون على أنفسهم (وهنا هم ليسوا من الخمير الحمر في كمبوديا بل نسبة إلى سلسلة جبال خمير وما تحمله من تاريخ وثقافة حياتية مشتركة)، يتخيلون أن تشهد الغابة والحياة البرية مثل هذا التدهور الرهيب وما عقبه من انعكاس مباشر على حياة السكان المحليين.

قررت نقل الأحداث أو على الأقل الأسئلة الحارقة كما هي، تخليت نسبيا عن دور الواعظ الذي يريد أن يجد حلولا إلى دور الصحفي الذي ينقل القصة الصحفية لا من خلال بطل (بروتاغونيست) واحد بل من خلال أبطال متعددين.

بعد الحرائق قررنا تسجيل أغلب الأعمال المرتبطة بالغابة فوجدنا أن هناك ثلاثة أعمال رئيسية:

  • الأولى وهي الأكثر شيوعا الرعي وتتمثل أساسا في رعي الأغنام والماعز الجبلي والأبقار ومن ثم بيع الحليب أو المواشي وهي الأعمال التي تراجعت مردوديتها بسبب الحرائق
  • العمل الثاني وهي الأعمال الموسمية: من خلال حظائر جمع لحاء الفرنان “الڨشر” أو تثبيت كاسرات الحرائق التي لم تثبت نجاعتها في كل حرائق السنوات الفارطة ولم يفتح تحقيق جدي واحد في مدى نجاعتها أو وجودها من الأساس.
  • العمل الثالث أو المجال الثالث: وهو جمع الخشب بمختلف أنواعه وتحويله إلى أواني خشبية أو تحف يدوية أو جمع الحشائش أو أوراق الأشجار والشجيرات التي يمكن أن تتحول إلى زيوت نباتية، إضافة إلى مختلف منتوجات الغابة الأخرى من فطر أو الكمأ البني “الترفاس”…

كانت أغلب شهادات سكان القرى من رجال ونساء تفيد بتراجع المداخيل أكثر من النصف بعد الحرائق، مع التأكيد على أن الأمور تتجه نحو الأسوأ.

كررت الزيارة بعد شهر من الحرائق إلى منطقة ملولة من أجل كتابة هذا المقال بأكثر دقة ممكنة، ومن أجل التصوير مع بعض سكان المنطقة حول تدخل أجهزة الدولة أو الحلول التي يرونها ممكنة من أجل حل وضعيتهم بعد حرق أكثر من 80 بالمئة من الغابة المحيطة بهم.

لم يتغير شيء، غابة الصنوبر الحلبي المحترقة والمتفحمة والتي يجب أن يقع قطعها وإزالتها مازالت في مكانها مع نفس روائح الحرائق وثاني أكسيد الكربون. نساء المنطقة العاملات في جمع القذّوم في حالة بطالة حيث أكدت الخالة سعاد 55 سنه أنها لم تتمكن من جمع أي حبات من القذّوم من أجل تقطيرها هذه السنة وعصرها واستخراج زيت القذّوم ومن ثم بيعه. كما أردفت قائلة ” تحرقنا نحن ليس الغابة، رزقنا هو الذي حرق، حياتنا، هذه ليست غابة هي مصنع أحلامنا الصغيرة. كنت أبيع زيت القذّوم وأهب ما أحصله من نقود إلى ابني الذي يدرس في الجامعة. الحرائق متكررة والدولة لم تجد من حلول سوى أن ترسل رجال الحماية المدنية أو الغابات وهم في حد ذاتهم لا حول لهم ولا قوة…”

 حياة الخالة سعاد لا تختلف كثيرا عن حياة بقية نساء القرى الجبلية في طبرقة وعين دراهم، وتأثير الحرائق انعكس بشكل مباشر على حياتهُن، إضافة إلى حالة الجفاف التي ضربت المنطقة مما حرمهن من زراعة حقولهن الصغيرة، وممارسة ما تعودن عليه من فلاحة عائلية.

الغابة هي مصدر النشاط الاقتصادي الأساسي في القرى الجبلية

سعيد 50 سنة فلاح وعامل موسمي، يعمل في حظائر “الڨشر” أي نزع لحاء الفرنان، وجمع الفقوع موسميا وهو الآن مفقود ونادر حسب قوله. يُربِي العم سعيد عددا صغيرا من الماعز والأغنام ويعتمد على الرعي الجبلي في ذلك.

تأثر منزله من الحرائق وكذلك حقله وهو الآن لم يزرع لا هو ولا زوجته شيئا نظرا لشح الأمطار.

كان مدخول العم سعيد سنويا لا يتجاوز 5 آلاف دينار، معظمها من بيع الماعز أو الأغنام أما اليوم نظرا لتراجع أعداد القطيع، وغلاء الأعلاف وحرق المراعي في الغابة باع السنة الفارطة فقط ثلاثة خرفان ولم يكن هناك أي من الأعمال الموسمية في الغابة.

تراجع مدخول العم سعيد وعائلته المكونة من ثلاثة أفراد إلى 3 آلاف دينار.

حالة عائلة العم سعيد الذي تعمل زوجته الخالة منجية في جمع خيرات الغابة وبيعها والتي احترقت هي الأخرى، حالة ممثلة لأغلب العائلات في قرى وأرياف مدينة طبرقة وعين دراهم.

خلال الزيارات الميدانية وأخذ شهادات السكان تبين التأثير الشديد والمباشر على حياتهم، وفسر أغلبهم أنهم أصبحوا يفكرون جديا في مغادرة القرية والتوجه نحو المدن سواء طبرقة وتونس العاصمة وبعض المدن الساحلية مثل الحمامات وسوسة.

حيث وصف العم سعيد الأمر بالعبارة التالية ” تموت الغابة، فتصبح بعدها حياتنا مستحيلة والغابة تموت يوما بعد يوم”.

ربما كانت كلمات العم سعيد أفضل العبارات التي تلخص الوضعية وعلاقة سكان القرى مع الغابة وكيفية المقاومة اليومية والعيش تحت خطر التغيرات المناخية في شهادة صادقة مثلت بصورة أو بأخرى لا فقط صوت سكان الغابة بل صوت الغابة ذاتها.

بسبب حرق نفايات على جانبي الطريق بالمتلوي : حالات إغماء وحوادث مرور

الرديف في 9 جانفي 2024

بسبب حرق نفايات على جانبي الطريق بالمتلوي : حالات إغماء وحوادث مرور

على إثر تداول صور من طرف بعض المواطنين/ات على صفحات التواصل الاجتماعي تفيد بوجود كميات من النفايات المنزلية والخطيرة ملقاة بجانب الطريق الرئيسية بمدخل مدينة المتلوي بولاية قفصه تم حرقها بطريقة عشوائية مما تسبب في حالات إغماء في صفوف أصحاب السيارات وحوادث مرور، يتابع فريق قسم العدالة البيئية والمناخية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية هذه الحادثة بانشغال كبير.

ولئن كان موضوع النفايات بجهة قفصه عموما وبمدينة المتلوي تحديدا من الإشكاليات الحارقة التي كانت ولا زالت تشكل واحدة من المعضلات البيئية التي تعاني منها الجهة نتيجة الخيارات الخاطئة في التعاطي مع هذه المسألة الحساسة بسبب سوء إدارة ملف النفايات المنزلية والطبية وغياب استراتيجية ناجعة تضمن تصرفا امنا فيها، فإن الوقت قد حان لمحاسبة الأطراف المتسببة في هذه الخروقات ومساءلة الاطراف المسؤولة عن ذلك.

ونظرا للأخطار البيئية والصحية التي تسببها هذه الممارسات غير القانونية والتي تلحق أذى كبيرا بحياة السكان وصحتهم عبر حرمانهم من حقهم في العيش في بيئة سليمة مثلما ينصّ عليه الدستور، فقد أصبح محمولا على البلاد التونسية اليوم الالتزام بحماية حقوق أفرادها البيئية وصون كرامتهم عبر ضمان الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم وعلى رأسها العيش داخل محيط نظيف. وهو ما لن يتحقق دون إتباع إجراءات جادة وخطوات عملية نحو مزيد ترسيخ العدالة البيئية المنشودة عبر القضاء على المصبات العشوائية والتصرف المستدام في أطنان النفايات عن طريق فرزها وتثمينها عوض ردمها إو حرقها في الهواء الطلق.

وعليه فإن قسم العدالة البيئية والمناخية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية:

📍 يؤكد على مساندته المطلقة لمتساكني المتلوي في التمتع بحقهم في بيئة سليمة

📍 يدعو سلطة الإشراف إلى التدخل العاجل من أجل وقف حرائق النفايات المتواصلة منذ يومين

📍 يشدد على ضرورة التعجيل بتهيئة مصب مراقب بمعتمدية المتلوي يستجيب للشروط البيئية والصحية

📍 يدعو إلى تعزيز بلدية المكان بالوسائل اللوجستية والبشرية من أجل مجابهة هذه الأزمة البيئية.

قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية-مكتب الحوض المنجمي

بحارة قصيبة المديوني المعاناة متواصلة

بحارة قصيبة المديوني المعاناة متواصلة

تونس في 09 جانفي 2024،

يتابع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية معاناة بحارة مدينة قصيبة المديوني من جراء التلوث الناجم عن محطات التطهير للمياه المستعملة والسكب العشوائي للمياه من قبل شركات غسل النسيج الذي أدى الى تدهور وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية وبعد أشغال الاستصلاح بميناء قصيبة المديوني التي لم يتم استكمالها خاصة حاجز الأمواج الذي لم يتم وضع قنوات التهوئة داخله مما جعل مياه الميناء راكدة وزادت حدة التلوث من تأثيرها على صيانة مراكب الصيد فبعد ان كان البحار يقوم بالصيانة مرة واحدة في السنة أصبح الأن مطالب بالقيام بعملية الصيانة دوريا كل 6 أشهر وهو ما يستحق موارد مالية إضافية للبحارة مما يجعلهم غير قادرين على القيام بعملية الصيانة، وأيضا تبرز معاناة البحارة في الإجراءات الإدارية بكثرة تعقيداتها وغياب مكتب وكالة الموانئ وتجهيزات الصيد البحري ومندوبية التنمية الفلاحية بالمنستير في القيام بدورهم فحسب بحارة الميناء هناك أكثر من 4 بحارة قدموا مطالب تكبير للمراكب وتمت الموافقة عليها لكن لم يتحصلوا على وثائقهم القانونية للإبحار مما جعلهم يواجهون مصير البطالة فمنهم بحار لم يتحصل على وثائقه منذ جوان 2022.

وبالإضافة الى كل هذه المشاكل يواجه البحارة سياسة اللامبالاة في صيانة تجهيزات الميناء من ذلك تحطم 3 أعمدة الانارة داخل البحر مما سبب عدة حوادث وتحطم لمراكب الصيد وخسائر مادية كبيرة لبعض البحارة وعدم قدرة بعضهم على مواصلة العمل جراء الضرر الكبير الحاصل في سفنهم.

ويعتبر المنتدى ان هذا التوجه هو ضرب متعمد لصغار البحارة وهو اهمال من الجهات المسؤولة في هذا القطاع ويؤكد أن هذه السياسة من شأنها ان تخلف تداعيات اجتماعية واقتصادية على البحارة وهي تدفعهم الى ترك المهنة والتوجه للعمل في القطاعات غير المهيكلة والالتجاء الى الهجرة غير النظامية ففي شهر أوت 2023 تجاوز عدد البحارة الذين هاجروا بطريقة غير نظامية 30 بحار منهم عائلتان.

ويؤكد المنتدى أن

📍 تواصل هذه السياسات المعتمدة سيطيح بكامل منظومة الصيد البحري بالمنطقة خاصة ان هذه المهنة تعتبر عماد دخل العديد من العائلات في مدينة قصيبة المديوني

📍 تعطيل استكمال اشغال استصلاح الميناء من شأنه ان يعمق الأزمة ويزيد من حالة الاحتقان التي يعيشها البحارة

📍 عدم صيانة منارات الإضاءة هو استهتار بالأرواح البشرية فالحوادث التي حصلت كادت ان تسبب كوارث أكبر.

📍 مساندتنا لكل تحركات البحارة في حماية لجميع حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.

مكتب المنستير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

الكرامة والحقوق والمساواة لجميع البشر

الكرامة والحقوق والمساواة لجميع البشر

يتابع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بقلق الوضع الخاص بالمهاجرين وتداعياته الانسانية الخطيرة. حيث نتلقى شهادات متواترة عن عمليات طرد جماعي للحدود الجزائرية في ظروف مناخية قاسية وايضا عمليات طرد نحو الحدود الليبية تنتهي في مراكز احتجاز تديرها تشكيلات ليبية مسلحة. كما تتعمق الوضعية الانسانية لأكثر من 300 من طالبي اللجوء المتواجدين في احدى الساحات بضواحي العاصمة دون اي خدمات انسانية. كما تعمل تشكيلات امنية مختلفة في العامرة وجبنيانة على الايقاف العشوائي للمهاجرين وما يرافق ذلك من حجز ما تبقى من ممتلكات او اتلافها وتعنيف وكذلك التضييق على الشبان التونسيين تحت حجة “مساعدة المهاجرين”. لا تستثني هذه الممارسات العمال المهاجرين والطلبة واللاجئين وطالبي اللجوء والذين دخلوا التراب التونسي بطريقة نظامية وتستهدف ايضا الفئات الاكثر هشاشة من القصر والنساء وعديمي الجنسية.

تواصل الحكومة التونسية اعتماد مقاربة امنية زجرية بدلا من الاستجابة الانسانية من اجل ارضاء الابتزاز الاوروبي لضمان استمرار تدفق الدعم المالي واللوجستي. لم يخف المسؤولين الاوروبيون في بروكسل ارتياحهم لهذه النتائج وبأن مذكرة التفاهم تحقق طريقها للتنفيذ حسب رؤيتهم.

لا يمكن للحكومات الاوروبية ومفوضيتهم ان يكونوا جزء من سياسات تحمي حقوق الانسان وحقوق المهاجرين او شركاء جديرين بالثقة خاصة ومواقفهم المخزية لما يجري في الاراضي المحتلة ومسؤوليتهم المباشرة عن المآسي الانسانية على حدود قلعتهم وفي المتوسط تفضح نفاقهم منذ سنوات.

يؤمن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ان حقوق الإنسان للجميع والكرامة حق لا ينكره اللون، او الجنس او الدين او الوضعية الادارية. نحن في حاجة اليوم وأكثر من اي وقت مضى لنثبت للعالم ذلك وان للبشر في ارضنا حقوقا وكرامة نعمل جميعا صانعي قرار وهياكل رسمية ومدنية ومواطنين على ضمانها للجميع.

يجدد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دعوته للدولة التونسية وهياكلها على استجابة انسانية لوضعية اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين وعديمي الجنسية في تونس.

ندعو للقطع مع السياسات غير الانسانية التي تهدد ابنائنا المهاجرين في اوروبا من عنصرية واسلاموفوبيا وحجز وطرد جماعي وتضييق ولا الى استنساخها في تونس.

نوكد على ضرورة ايقاف عمليات الصد بالقوة وعمليات الطرد الى الحدود ونقل من تقطعت بهم السبل إلى مواقع آمنة حيث يمكن حمايتهم والسماح لهم بالسكن والتنقل حتى يتسنى لهم الحصول على المياه الكافية والغذاء والمأوى والرعاية الصحية والعمل ولا يمكن ان يتحقق ذلك الا بإطلاق عملية تسوية إدارية للمهاجرين غير النظاميين.

لا تتحقق “السيادة” بالاستقواء على الفئات المستضعفة وباللجوء الى قوانين راكدة ومناشير تمييزية بل بالقطع مع سياسات القلعة الاوروبية واطلاق سياسات وطنية تحقق الكرامة والحقوق والحريات وتتيح التمتع بها وممارستها على قدم المساواة لجميع البشر.

المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

الرئيس عبدالرحمان الهذيلي