صقيع جانفي يعود :
هكذا فشلت الحكومة في ادارة ازمة الاحتجاجات
في جانفي اخر مشابه، عاد صقيع الحراك الاجتماعي ليهب على القصبة. ومرة اخرى تفشل الحكومة في ادارة هذه الازمة الاجتماعية رغم التحذيرات المسبقة من تزايد حدة الاحتقان الاجتماعي وكذلك رغم الاقتناع الجماعي بان جانفي اصبح موعدا للثورة والاحتجاج في تونس.
عاد إذن صقيع حراك جانفي وعاد معه فشل الحكومة في الاستجابة الى استحقاقات هذا الحراك الذي تنظمت صفوفه وتطورت اشكاله الاحتجاجيّة واصبح له ممثلون محليا وجهويّا وأتقن نشطاؤه فنون التفاوض في طرح المطالب وتقديم الحلول والمقترحات. وحدها الحكومة ما تزال تراوح مكانها في التعاطي مع الحراك الاجتماعي وتقتصر حلولها على تقديم مقترحات غير واقعيّة من جهة ومواجهة الاحتجاجات بالقبضة الامنية وملاحقة نشطاء الحراك الاجتماعي قضائيا من جهة ثانية في اطار ما بات يعرف بالمحاكمات الاجتماعية.
يُفْترض ان الحكومة كانت على وعي كامل بان قانون المالية الجديد وما تضمنه من توظيفات جبائية جديدة ستعمق هشاشة الوضع الاجتماعي وتزيد من حالة الفقر التي بدات تنتشر بشكل واسع في البلاد ومن ابرز ملامحها تراجع الطبقة المتوسطة. ويفترض ايضا انها كانت تتوقع اندلاع احتجاجات تطالب بمراجعة هذه التوظيفات الضريبية الجديدة – فتاريخيا كان جانفي موعدا للاحتجاج ضد الاجراءات الجديدة التي يتضمنها قانون المالية وذلك بالتزامن مع انطلاق العمل به – ويفترض ان تستبق وقوع هذه الاحتجاجات باتخاذ اجراءات اكثر واقعيّة لحماية فقراء البلاد ومهمشيها تجاه الارتفاع المتزايد للاسعار وانهيار القدرة الشرائية. لكن شيئا من ذلك لم يحصل لتندلع احتجاجات رافقها ليلا عمليات تخريب ونهب كانت مرفوضة من قبل الجميع.
وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد اصدر بمناسبة الذكرى السابعة للثورة بيانا اكد فيه انه لم يدخر جهدا في توجيه الرسائل “المباشرة والصريحة والمسؤولة للحكومة ولرئاسة الجمهورية في محطات مختلفة للتنبيه من مخاطر اتباع نفس الخيارات التي قادت الى الانتفاضة الشعبية” مقرّا ب”حقيقة المخاطر الناتجة عن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية على الشعب ، وخاصة على فئاته المتوسطة والضعيفة، اضافة الى ارهاصات العودة الى الماضي والتي تجلت عبر المصادقة على قانون المصالحة وترتيب عودة وجوه مشبوهة من النظام السابق لسدة الحكم ومؤسسات الدولة وطنيا وجهويا ومحليا والتراخي في مقاومة الفساد رغم الإعلانات الرسمية المتلاحقة مقابل سعيه لإخماد الأصوات المرتفعة المطالبة بالحرية والتنمية بكل الوسائل وفسحه المجال لعودة ثقافة الغنيمة ونفوذ اللوبيات على الحياة السياسية و الأنشطة الاقتصادية”.
واكد المنتدى في بيانه فقدانه “ثقته الفعلية في قدرة وإرادة التحالف الحكومي الحالي على التقدم بالبلاد نحو تحقيق أهداف الثورة وتأكده من إنقطاعه الكامل عن المجتمع وهموم المواطنين بإقدامه أخيرا على المصادقة على قانون مالية لسنة 2018 أدى إلى التهاب الأسعار وأكد سياسة التقشف الحكومية”.
ويبدو ان الحكومة وبهدوء عاصفة جانفي تعتقد انها انتصرت على الاحتقان للاجتماعي وان ما قد يحصل من احتجاجات خلال الأشهر المقبلة لا يمكنه ان يكون في حجم صقيع جانفي. لكن من يتابع تطورات الحراك الاجتماعي سيكون على قناعة بان للأشهر المتبقية من هذا العام صقيع اخر يشبه جانفي او قد يفوقه ما لم تبادر الحكومة والسلطات الجهوية والمحلية بتشخيص الواقع الاقتصادي والاجتماعي في الجهات بشكل واقعي تعتمد فيه آلية الاستماع الى نشطاء الحراك الاجتماعي والتفاوض مع الشركاء في المجتمع المدني لايجاد حلول واقعيّة لمختلف المطالب. فاعتصام “الكامور” في صحراء تطاوين والذي تفاجأ به كثيرون منهم القائمون على الدولة، باعتباره حراك ثقيل حدث خارج شهر جانفي، كان مسبوقا بسلسلة من التحركات الاحتجاجيّة خاضها المعطّلون من ابناء تطاوين منذ سنة 2016 لتثمر لاحقا التفافا جهويا حول مطالب شبابها توّج باعتصام “الكامور” واجبرتْ خلاله الحكومة على التفاوض مع المعتصمين. وحتى لا تجد حكومة الائتلاف الحزبي الحاكم نفسها في ذات الموقف المحرج ما عليها سوى النظر بواقعية لمطالب الحراك الاجتماعي والاستماع الى نشطاء هذا الحراك فالتشاركية وحدها الحل لتجاوز مختلف الازمات الاجتماعية.
الفرنسية
العربية