من ما قبل الموجة الى الموجة الاولى ….هل نشهد موجة ثانية من العنف في حق النساء  ؟

0
6904

من ما قبل الموجة الى الموجة الاولى ….هل نشهد موجة ثانية من العنف في حق النساء  ؟

  نورس المبروك منسقة مركز الاستماع والتوجيه للنساء ضحايا العنف الاقتصادي والاجتماعي بقصيبة المديوني

 

رغم حجم الأضرار التي تكبدتها الإنسانية جرّاء اعتماد العنف كأداة للتخاطب والحوار، ورغم أنَّ نجاح أي إنجاز بشري يتوقف على دعائم الاستقرار والسلام والألفة ورغم التطورات الهائلة في الذهن والفعل الإنساني بما يلائم المدنية والتحضّر… رغم هذا وذاك ما زالت البشرية تدفع تكلفة باهظة من أمنها كأداة لحل مشاكل الحياة اليومية واستقرارها جرّاء اعتماد العنف خاصة في حق النساء.

في تونس، كما في العالم، أدت إجراءات العزل المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد في فترة الحجر الصحي الشامل  بين شهري مارس وماي إلى ارتفاع كبير وغير مسبوق في ظاهرة العنف المسلط على النساء اللواتي اجبرن على الرضوخ للأمر الواقع بسبب التدابير التقييدية، بحيث ارتفع العنف المسلط عليهن في تلك الفترة الى سبع مرات ونصف وفقا للنداءات الواردة على الوزارة التي بلغت قرابة 4 آلاف مكالمة هاتفية تلقتها وزارة المرأة على رقمها الأخضر 1899 بمعدل امرأة معنفة كل 45 دقيقة منذ بداية الحجر الصحي الشامل

وقد بلغت نسبة المعنفات اللاتي يتراوح سنهن بين 20 و40 سنة % 78.8  وقد تلقت وزارة المرأة 3276 مكالمة في 3 أسابيع فقط على الرقم الأخضر الذي وضعته على ذمة المعنفات، كما أكدت الوزارة على أن  نسبة  العنف المسلط على المرأة تضاعفت 7.5 مرة في فترة الحجر الصحي الشامل مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية وقد سجلت الى غاية نصف أفريل 872   حالة عنف من خلال المكالمات التي تلقتها بالرقم الأخضر 1899، كما سجل العنف الجنسي ارتفاعا طيلة شهر أفريل الماضي حسب نتائج الرصد الشهري للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بنسبة 18% من مجموع العنف المسجل نتيجة لما خلفه الحجر الصحي الشامل من خلو للفضاء العام وغياب شبه كلي للرقابة الاجتماعية.

لكن رغم ارتفاع هذه النسب فإنها لا تعكس الحجم الحقيقي للعنف لان اغلب النساء المعنفات في الوسط العائلي تخشى من رفع القضايا او التبليغ عن القريب المعنف لخوفها منه بدرجة أولى أو لخوفها من المجتمع بدرجة ثانية  حيث تبقى سجينة واقعيها العنيف وتداعياته النفسية دون أمل في تغير ظروفهن وتضطر الى تقبل ذلك الواقع والتعايش معه.

 ويعود هذا العنف في تفسير بعض الأخصائيين النفسانيين الى عديد من الأسباب منها العزلة اي ان الحجر الصحي خلق وضع جديد لم نتعود عليه مما يعني صعوبة التكيف والتعامل معه، فتواجد الاسرة في مكان مغلق لفترة طويلة فيه رهبة من الإصابة بالوباء وخوف من الغد المظلم، كذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية وصعوبات الحياة اليومية تضع الفرد أمام تحديات نفسية، فالكثير من الأشخاص فقدوا موارد رزقهم خاصة العمال اليوميين وأصحاب الاعمال الحرة… .مما يجعل من الفرد يرد الفعل على الأشخاص المحيطين به، فراغ الوقت كذلك يعتبر من الأسباب: فالجلوس في المنزل دون هدف كلها عوامل تولد رد فعل غالبا ما يكون عنيف والشخص الأضعف هو من يمارس عليه هذا العنف، حيث نجد المرأة هي الأقرب الى أن تكون الضحية في اطار موروث ثقافي ذكوري متخلف  يشرع على دونية النساء.

والآن مع عودة ارتفاع حالات الكورونا المسجلة في تونس او لنقل مع بداية الموجة الأولى الفعلية للوباء بعد فترة ما قبل الوباء في بداية السنة وما تبعها من موجة أولى للعنف في حق النساء، بالتالي هل يمكن أن نشهد موجة ثانية من العنف بالتوازي مع هذه الموجة من الكورونا خاصة مع حضر التجول الذي فرض على بعض الجهات على غرار سوسة والمنستير و سيدي بوزيد ؟ هل يمكن أن نعود لتسجيل حالات عنف من جديد  في حق النساء؟ وماهي الاجراءات الواجب اتخاذها للتصدي لهذه الظاهرة؟

 اذ ندعو إلى ضرورة أن تتحرك السلط المعنية للتصدي لشتى الإنتهاكات المسلطة على المرأة وعلى رأسها العنف بأشكاله المختلفة، فإننا ننبه الى ضرورة أن ترسم السلط المعنية استراتيجية واضحة المعالم في مقاومة هذه الظاهرة وذلك عبر تفعيل الوسائل والآليات المتوفرة للحد من الظاهرة وتجاوز الإشكال على مستوى تطبيق ترسانة القوانين التي حظيت بها المرأة التونسية في وقت ارتفع فيه منسوب العنف بكل أنواعه في حق المرأة خاصة خلال أزمة الكورونا وفي ظل غياب للردع الأمر الذي أصبح يشكّل تهديدا لمكاسب المرأة نحن في حاجة ملحة لتفعيل الآليات التي نص عليها القانون عدد 58 لسنة 2017 والمتعلق بالقضاء على كل أشكال العنف ضدّ المرأة وذلك بتدعيم الموارد اللوجستية والبشرية ووضع آليات للتنسيق الأمثل والسريع مع المؤسسة القضائية، وإحداث مراكز مختصة في البحث في جرائم العنف المسلط على المرأة مستقلة عن مراكز الأمن الوطني أو الحرس الوطني أو إحداث فضاءات خاصة بالمرأة في المركز ومنفصلة عن بقية فضاءاته الى جانب دعم التنسيق بين المجتمع المدني والسلط المحلية، وتسهيل التعامل مع المجتمع المدني عند تسجيل إشعارات عنف، ومزيد تحسيس الوزارات ذات العلاقة بأهمية دورها في الوقاية من العنف المسلط على المرأة.

 يجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في حماية حقوق المرأة وبأن تكون لها استراتيجية واضحة في هذا الصدد، كما يجب التعامل بجدية مع حالات العنف التي قد تسجل ومزيد الإحاطة وإرشاد النساء ضحايا العنف وإيجاد حلول لهذه الظاهرة في إطار سياسة إستباقية يمكن أن تحد من إمكانية أن نشهد موجة ثانية من العنف في حق النساء.