”الرحمة من مصب “الرحمة

0
8035

برنامج التبادل الشبابي لمشروع العدالة البيئية في نسخته الثالثة: قربة من 15 الى 20 جوان 2020

تقرير من إعداد 

وفاء الطرفاوي، متطوعة من القيروان – 

زكرياء خلايفي، متطوع من الرديف-قفصة – 

خير الدين الخليفي، متطوع من القيروان – 

تنسيق: محمد قعلول – 

 

 يعتبر مشكل التلوث بالنفايات المنزلية والمشابهة واحدا من أكثر المشاكل التي تواجهها البلاد التونسية والتي برزت على السطح في السنوات الأخيرة كأحد أبرز المشاكل التي يشتكي منها المواطن نظرا لتفاقمها باستمرار. كما تبرز هذه المشكلة خاصة من خلال تعدد التحركات الاحتجاجية في العديد من المناطق والتي بلغت أوجها في جزيرة جربة ومدينة عقارب والمنستير وغيرها من المدن التونسية. وقد تحولت هذه الحركات الاحتجاجية تدريجيا إلى حركات اجتماعية منظمة ومستمرة، تمارس الضغط على السلط المعنية من أجل ايجاد حلول لتفاقم مشكلة النفايات الصلبة وتدهور الوسط البيئي في المناطق التي يتم فيها تكديس الفضلات الحضرية.

وفي مواجهة هذه الحركات الاحتجاجية اعتمدت الادارة ممثلة خاصة في وزارة البيئة وهياكلها أساليبا ملتوية من تقديم الوعود الزائفة لتهدئة الأوضاع الى الحلول المغلوطة لتعكس تواصل نفس الخيارات الفاشلة في التصرف في النفايات. كما يتواصل العمل على ترهيب الفاعلين الاجتماعيين في هذه الحركات عبر ملاحقتهم قضائيا بتهم مختلفة، ولعل اخر الملفات التي برزت على الساحة هو ملف مصب الرحمة بولاية نابل.

مصب الرحمة: شاهد على فشل سياسة التصرف في النفايات الصلبة في تونس

يقع المصب الجهوي للنفايات بنابل في منطقة الرحمة من معتمدية منزل بوزلفة، وقد وقع افتتاحه سنة 2009 وهو تحت تصرف الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات. ويمتد على مساحة 30 هكتار ويستقبل حوالي 550 طن من النفايات يومياً حسب تقدير بعض الخبراء. ومنذ سنة 2009 إلى سنة 2017 استقبل هذا المصب حوالي 2 مليون طن من النفايات حسب معطيات الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات. وتستغل هذا المصب شركة “Ecoti” التي تقوم بعملية الردم التقني للنفايات دون أي تثمين، إضافة الى استخراج غاز الميثان ومياه الرشح.

ومع اهتراء منظومة التصرف في النفايات لهذه الشركة والفساد في مراقبتها، نجد عديد التجاوزات التي تتمثل خاصةً في تسرب مياه الرشح إلى الأودية القريبة من المصب مما أدى إلى نفوق عديد المواشي التي تشرب من الاودية والضرر الكبير على الأراضي الفلاحية والزراعات القريبة من المنطقة.

ويحيط هذا المصب بثلاث مناطق هي الرحمة، داموس الحاجة والنخيلة وجميع هذه المناطق تستغيث اليوم ومنذ سنوات جراء الاثار السلبية المختلفة لهذا المصب. وفي هذا الإطار يحدثنا فيصل، مواطن من منطقة الرحمة ” يؤثر هذا المصب على حياتنا اليومية خاصةً أنه يضر بشكل كبير الأراضي الفلاحية ويؤدي إلى تلويث الوادي الذي نقوم باستغلاله للفلاحة وللمواشي. مما أدى بنا إلى ارتفاع تكلفة تربية المواشي بعد ان أصبحنا نشتري لها العلف حتى لا تموت اثناء الرعي. كما ان عيشنا في المنطقة أصبح منغصا بسبب الروائح الكريهة والأمراض التي سببها هذا المصب “. وتضيف عايدة متساكنة من النخيلة قائلة ” من جراء هذا المصب والغازات السامة المنبعثة أصبت بالسرطان”.

 

عائدة، بوجه شاحب والكثير من الألم

 

واطلعنا الأهالي عن الارتفاع الكبير في عدد مرضى السرطان في المنطقة الذي اودى بحياة  عديد المتساكنين وأولهم صاحب قطعة الأرض التي أقيم عليها المصب.

ويحدثنا في هذا السياق الصادق بنبرة غاضبة “إن هذا المصب ليس مصب مراقبا كما يدعون بل هو مصب عشوائي إذ يعد كارثة بيئية وصحية واجتماعية على المنطقة التي أصبحت غير صالحة للعيش بسبب ما نعانيه جراء هذا المصب من أمراض وروائح كريهة اضافة لتلويثه للأراضي الفلاحية والمائدة المائية. وقد قدمنا عديد الشكاوى للسلطات المعنية لكن لم نجد أي تفاعل بل تم ترهيبنا وإيقافنا. وتعد منطقتنا من أحسن المناطق الفلاحية من حيث منتوجاته،ا لكن بعد تمركز هذا المصب أصبحنا نعاني ولا نستطيع حتى العيش في منازلنا كما تضرر الفلاحون في لقمة عيشهم حيث يرفض التجار في بعض الأحيان شراء منتوجاتهم خوفا من ان تكون حاملة لسموم المصب .

من اجل منوال تنموي صديق للبيئة ومنصف لمختلف الشرائح الاجتماعية

تعكس هذه الوضعية فشل جل الخيارات التي وقع اعتمادها في تونس للتصرف في النفايات الصلبة كما أن مختلف السياسات المتبعة في التصرف في النفايات أصبحت قديمة وأثبتت فشلها خاصة أنها تقوم على ردم النفايات في المصبات المراقبة أو على حرقها في المصابات العشوائية. وتؤدي هذه التقنيات إلى روائح كريهة وغازات سامة تتسبب في امراض خطيرة وتلوث التربة والمياه السطحية والجوفية وخسارة جودة الأراضي الفلاحية بسب عملية الردم بالإضافة الى التضرر المادي والصحي للمواطنين القاطنين قرب المصبات.

وتجدر الإشارة الى ان الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة هي أبرز ضحايا التلوث لأنها لا تمتلك الإمكانيات المادية ولا السياسية للتصدي لهذا التلوث وهو ما يجعلها في احتجاج دائم دون أن تحقق مطالبها في العيش في بيئة سليمة. ويكرس هذا الامر الفوارق بين الفئات والجهات في جميع المجالات ليكشف بوضوح قصور المنوال التنموي الذي تم اعتماده في البلاد منذ منتصف الثمانينات من حيث أبعاده الاقتصادية والاجتماعية ووحشيته فيما يتعلق بالجانب البيئي.