مقال من إعداد رابح بنعثمان / المنسق الجهوي لمشروع العدالة البيئية صلب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية فرع الحوض المنجمي
الحوض المنجمي أين تعتبر قطرة الماء حلما صعب المنال
منذ سنوات و أهالي الحوض المنجمي يكابدون الانقطاعات المتكررة للماء و التي أصبحت مصدر قلق و إزعاج للعديد منهم .و رغم الاحتجاجات المتكررة بقي المشكل قائما إلى حدود هذه الصائفة التي ازدادت فيها وتيرة الانقطاعات و يبدو أن الأوضاع تسير إلى الاسوء لأنه لا يبدو أن هناك بوادر لإيجاد حل جذري لهذه المعظلة
و سيكون لنا في هذا المقال حديث عن مدينتي الرديف و المظيلة كأمثلة يمكن إسقاطها على باقي مدن الحوض المنجمي.
1)معاناة مستمرة و لامبالاة المسؤولين
تعتبر الوضعية في مدينة الرديف ذات خصوصية نوع الما لان مسالة الانقطاعات باتت خبزنا اليومي و لا يكاد يمر يوم دون أن نسجل اضطرابا في توزيع الماء ففي أحياء مثل حي سيدي عبد القادر و حي المغرب العربي تتواصل الانقطاعات حتى في فصل الشتاء الذي عادة مايقل فيه الاستهلاك و هو ما يطرح اسئلة عديدة حول دور الشركة الوطنية لاستغلال و توزيع المياه و قدرتها على تقديم خدمة مقبولة في المستوى المطلوب
- احتجاجات و نداءات استغاثة دون إجابات إلى يومنا هذا
أمام هذه الوضعية غير الإنسانية و أمام لامبالاة سلط الإشراف لم يجد الأهالي من حل سوى التوجه نحو مغسلة الفسفاط و إيقافها عن العمل كورقة ضغط من اجل حلحلة الوضع وهو ما تم فعلا يوم السبت 30 جوان 2018 علما أن الرديف هي المدينة الوحيدة من بين مدن الحوض المنجمي الأربعة التي تستعمل فيها شركة فسفاط قفصة المياه الصالحة للشراب في عملية غسيل الفسفاط
و قد جاء هذا التحرك كردة فعل على لامبالاة المسؤولين و هي في ذات الوقت دعوة إلى كل الحساسيات الفاعلة في البلاد إلى مساندة أهالينا من اجل افتكاك حقهم الدستوري
بعد هذا التحرك أصبحت السلط المحلية و الجهوية أمام حتمية إيجاد حل لهذه المشكلة و في هذا الإطار تقرر أن تعاضد شركة فسفاط قفصة “مجهودات ” الصوناد و ذلك من اجل إيصال الماء إلى كل الأحياء .و قد تم توقيع محضر اتفاق بين والي قفصة و ممثل عن شركة فسفاط قفصة و ممثل عن وزارة الفلاحة ينص بالأساس على أن تقوم الشركة بضخ كمية 1200م/3 في اليوم و تقسط على 6 ساعات و تكون كالتالي من الساعة الثانية ظهرا إلى الساعة الخامسة ظهرا و من الساعة الثالثة صباحا إلى الساعة السادسة صباحا
و رغم هذا المجهود لم نلحظ تحسنا كبيرا فقد عادت الانقطاعات إلى سالف عهدها مما يعني بالضرورة العودة إلى مربع الاحتجاجات الأول فدخل عدد من أهالي الرديف في سلسلة من التحركات ابتدأت باعتصام أول في المغسلة يوم 7 جويلية 2018 ووقفة احتجاجية بالمقر الاجتماعي للشركة بالرديف يوم 8 جويلية و قد كان الشعار المركزي لهذا التحرك “نحبو الماء”
بعد هذا التحرك تم عقد جلسة تفاوضية مع السيد مدير إقليم الرديف حضرها إلى جانب عدد من إطارات الشركة كل من رئيس المنتدى (فرع الحوض المنجمي) و منسق مشروع العدالة البيئية و عدد من الأهالي ممثلين عن الأحياء المتضررة و قد كان هدفنا الأساسي من هذا اللقاء إيجاد حل على الأقل في الوقت الراهن مع اقتناعنا الراسخ أن الكمية التي حددتها الشركة لن تفي بالغرض و من اجل ذلك عملنا على تحسين ما ورد في الاتفاق الأول إلا أننا اصطد منا برفض تام بحجة أن ما نطلبه سيؤثر على نسق العمل و سيضر العمال على مستوى جراياتهم
2 )المظيلة /المنطقة المنكوبة
في المظيلة ابن يتركز قطبا الصناعة المنجمية و نعني بذلك شركة فسفاط قفصة و المجمع الكيميائي التونسي يطرح نفس الإشكال المتعلق بالماء الصالح للشراب فقد تجاوزت الانقطاعات في “الحي القبلي “مثلا ال 20 يوما متواصلة ليلا و نهارا و قد وجد الأهالي الحل في شراء الماء لمن استطاع إليه سبيلا أو انتظار الصهاريج التي ترسلها المعتمدية بين الفينة و الأخرى
https://www.facebook.com/ahmdirabah/videos/2253525128007222/
و تعتبر الإمكانات المائية للمظيلة محدودة جدا و المائدة المائية المتوفرة غير قادرة على تلبية حاجيات كل المواطنين مما اضطر الشركة الوطنية لاستغلال و توزيع المياه الى جلب المياه من منطقة “الارطس” و هي منطقة قريبة من مدينة القطار و يبلغ طول القناة ال 25 كم و التي أصبحت بدورها جزء من المشكل نظرا لقدمها و غياب عملية الصيانة الدورية و ذلك مفهوم عندما ندرك أن مجموع العملة التابع للصوناد لا يتجاوز الاثنين في منطقة يبلغ عدد منخرطيها ال 4500 منخرطا
-
أهالي المظيلة بين مطرقة العطش و سندان الملاحقات الأمنية
أمام هذه اللامبالاة وجد عدد من أهالي الحي القبلي الحل في إيقاف شاحنات نقل الفسفاط و منعها من العبور لان الشعور بالاهانة و التحقير بلغ مداه و ما أقدموا عليه هو وسيلة ضغط و لفت نظر للمسؤولين كي يتحركوا .”لسنا حيوانات كي تقع معاملتنا بهذه الطريقة نحن تونسيون .لا يعقل إن لا نجد قطرة ماء للشرب في فصل الصيف” تصيح فاطمة عندما التقيناها في منزلها
من الواضح أن ما يقع في المظيلة هو الإذلال بعينه فهل يعقل أن مدينة من أغنى مدن البلاد يموت أهلها عطشا
و الأغرب من ذلك أن عوض تقديم اعتذار لأهالينا في المظيلة عن التقصير و الإهمال تقوم السلط المحلية و الجهوية بتحريك آلة الملاحقات الأمنية ليتم إيقاف 6 شبان بتهمة تعطيل حرية السير و هو ما ساهم في تازيم الوضع و ارتفاع منسوب الاحتقان و من اجل ذلك تحركت كل الحساسيات الفاعلة في المدينة للدفاع عن شبابها .و قد انعقدت عدة جلسات في مقر المعتمدية من اجل إيجاد حل و التي على إثرها تعهد المعتمد بالعمل على الإفراج عن الموقوفين و إيقاف التتبعات العدلية في حقهم و إصلاح العطب الذي طرا على القناة في اقرب الآجال
لكن في النهاية لم تكن سوى مجرد وعود لتهدئة الوضع و بقيت الانقطاعات موجودة إلى يومنا هذا
-
الشركة التونسية لاستغلال و توزيع المياه غياب للمسؤولية و انعدام للرؤية
حاليا تستغل الصوناد في مدينة الرديف 3 أبار بطاقة ضخ قدرت ب 5000ل/ث و النقص الحاصل يقدر ب 26ل/ث و هو ما يتطلب حفر أبار جديدة إلا أن ضعف السلط المحلية إضافة إلى المشاكل العقارية حالت دون انجاز المشاريع المبرمجة في هذا الإطار أضف إلى ذلك غياب الحوكمة و اهتراء الشبكة و تقادمها (منذ سنة 1984) و غياب استراتيجية واضحة لاستباق المشاكل التي قد تطرأ بين الفينة و الأخرى و غياب سياسة اتصالية واضحة تتدخل حال الأزمات كلها عوامل تجعل من هذا المرفق العمومي في حالة عطالة و موت سريري
و كمثال على ذلك محطات الضخ في إقليم الرديف غير محمية تماما رغم وجود العدد الكافي من الحراس و هي من بين النقاط التي طرحت مع السيد الرئيس المدير العام للشركة أثناء زيارته للرديف في صيف 2016 إضافة إلى عدة نقاط أخرى من أهمها غياب الاختصاص و انعدام التجهيزات
كذلك لا بد من الإشارة إلى عامل مهم ساهم في تفاقم مشكلة انقطاع الماء و هو الربط العشوائي الذي يتم للأسف بتواطؤ من بعض العملة بشهادة معتمد الرديف الذي أكد لنا أن هناك قضايا مرفوعة في هذا الصدد
3) المسؤولية المجتمعية لشركة فسفاط قفصة و رؤية المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية لمسالة الماء
مما لا شك فيه انه عند تناولنا لمسالة الماء فإننا بالضرورة سنتحدث عن الشركة الوطنية لاستغلال و توزيع المياه باعتبارها المسؤول الرئيس عن تزويد المواطنين بالماء الصالح للشراب دون انقطاع ألا أن الوضعية في الحوض المنجمي تعتبر ذات خصوصية و خاصة لمدينة الرديف أين تتقاسم الشركة مع المواطنين نفس الطبقة المائية (الطرفاية) لاستعمالها في غسيل الفسفاط في حين أنها تستعمل مياها غير صالحة للشرب بالنسبة لام العرائس و المتلوي و المظيلة
لذلك فان الشركة مدعوة إلى الأخذ بعين الاعتبار هذه المسالة و معاضدة الصوناد في “مجهوداتها” لأنه من غير المعقول أن يتم غسيل الفسفاط في نفس الوقت الذي لا يجد فيه المواطن قطرة ماء ليشربها و هو اقل ما يمكن أن تفعله الشركة لأنها تقوم باستنزاف الموارد المائية بصفة مفرطة بمعدل 5000م/3 في اليوم. و يحث الفصل 35 من قانون المسؤولية المجتمعية في مطتيه الثانية و الثالثة هذا النوع من الشركات على عقلنة استغلال الموارد الطبيعية التي تبقى ثروة وطنية وجب الحفاظ عليها من اجل الأجيال القادمة
بالنسبة إلينا في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية نرى انه على السلط المعنية أن تأخذ مأخذ الجد مسالة انقطاعات الماء و أن تكف عن سياسة الترقيع لأننا مقتنعون انه لا توجد إلى حد الآن استراتيجية و اضحة و مدروسة للقضاء نهائيا على العطش في هذه الجهة
كذلك لابد من التأكيد على ان وجود شركتي فسفاط قفصة و المجمع الكيميائي التونسي يعد نقطة قوة فلو احتسبنا معدل خسائر هذين القطبين من جراء التوقفات المتعلقة بالماء لوجدناها كبيرة جدا و هو ما يدعوهما إلى المساهمة أكثر في المجهود المبذول لحلحلة مشكلة الانقطاعات لأنهما سيكونان أول المستفيدين من ذلك
إضافة إلى ذلك نرى انه من الضروري أن يبدأ التفكير جديا في البدائل الممكنة للحفاظ على هذه الثروة المائية و يعتبر جلب مياه البحر احد الحلول العملية التي تستطيع أن تحل الإشكال نهائيا و من بين الحلول الأخرى الممكنة تحلية المياه باعتبار أن المنطقة تحوي كميات هامة من المياه المالحة التي تصل درجة ملوحتها ال5غ/ل
ختاما نستطيع القول و من خلال متابعتنا اليومية لمسالة انقطاعات الماء أننا إزاء معركة حقيقية و هي معركة وجود بالأساس غير أن الإشكال يبقى دائما في مسالة التوعية و التعبئة التي تعتبر ضعيفة و هي من بين التحديات المطروحة علينا كمنظمات مجتمع مدني و هي كيف نخلق من هذه التحركات زخما نضاليا عبر تحركات مدروسة غير مرتبطة بسقف زمني و تطرح المسالة بشكل أكثر عمقا من منطلق أننا إزاء حق دستوري يقع انتهاكه يوميا وربما تكون فاتحة لمعارك أخرى و لعل من أبرزها إشكال نوعية المياه و علاقتها بانتشار الأمراض الخبيثة و القاتلة في منطقة الحوض المنجمي .