نقمة الموارد في صحراء تطاوين: تلوث بيئي واستنزاف للثروة المائية

0
6090

نقمة الموارد في صحراء تطاوين: تلوث بيئي واستنزاف للثروة المائية

 رحاب مبروكي (فرع الحوض المنجمي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)

يضطر الناس الذين يعيشون في المناطق المنتجة للنفط في صحراء تطاوين بأقصى الجنوب التونسي إلى شرب ماء ملوث واستخدامه في الطهي والاغتسال به، وتستنزف الموارد المائية بمنطقتي “البرمة” و”الذهيبة” من ولاية تطاوين بشكل فظيع من أجل استخدامها في الصناعة النفطية، كما يشتكي أفراد المجتمع المحلي من مشاكل بيئية عديدة بسبب تصريف الشركات البترولية لفضلاتها في الصحراء مما أدى إلى تشكل بحيرة من المياه المستعملة قد تؤثر على الطبقة المائية. رغم هذا الضرر الكبير لا تؤخذ تشكيات المواطنين على محمل الجد من قبل السلطات المعنية ليتواصل بذلك تلويث الموارد البيئية الضرورية لبقاء المواطنين وسلامتهم.

 ويوثق هذا التحقيق لقسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسؤولية الشركات البترولية في الإضرار بالبيئة واستنزاف مخزون المياه الجوفية وتلويث طبقات التربة وعدم إخضاعها للمحاسبة من طرف الجهات الرقابية التي ينصّ قانونها على حماية البيئة والمحافظة على الثروة المائية.

 

بحيرة المياه المستعملة بحقل البرمة

 

النفط: ما هو؟ وما هي خصائصه؟

النفط مادّة طبيعية تستخرج من التكوينات الجيولوجية  في جوف الأرض، يعرّف النفط كيميائياً أنّه مزيج معقّد من الهيدروكربونات؛ وهو يختلف في مظهره ولونه وتركيبته بشكل كبير حسب مكان استخراجه؛ ويعدّ من الخامات الطبيعية، وعندما يستخرج من تحت سطح الأرض يسمّى أيضاً نفط خام. وتعتبر الخصائص الفيزيائية للنفط العمود الأساسي الذي ترتكز عليه عمليات الإنتاج وتقنياتها المختلفة  حيث يتواجد النفط في الطبقات ذات الضغط والحرارة العاليين.[1] ويساهم النفط بشكل عام في تحسين اقتصاد البلدان المصدرة له لكن سوء التصرف فيه وعدم اعتماد إستراتيجيات صديقة للبيئة أثناء استخراجه قد تحوله إلى نقمة تدمّر البيئة وتقضي على مواردها.

نقمة الموارد في صحراء تطاوين

تعدّ منطقة البرمة التابعة لولاية تطاوين بالجنوب التونسي والتي تضم نحو  ثلاثة ألاف نسمة، موقعا هاما لمخزون نفطي  ما فتئت تستخرجها السلطات التونسية  وشركات النفط متعددة الجنسيات منذ عقود. ورغم هذا يعيش أغلبية السكان في حالة حرمان من أبسط مقومات العيش الكريم كالحق في بيئة سليمة، وبات هذا الوضع  مثالا صارخا على »نقمة الموارد الطبيعية« في ولاية تطاوين. وفي هذا الإطار يحدثنا سامي عون رئيس جمعية المحافظة على البيئة بالذهيبة عن حقيقة الوضع البيئي بالمنطقة معتبرا أنه بات من الأمور المقلقة خاصة في ظل لا مبالاة السلط المعنية لتحسينه. ورغم النداءات التي تم توجيهها من طرف المجتمع المدني سيما الجمعيات البيئية إلا أنه لم يتم إلى حد الآن إتخاذ أي إجراءات لإنهاء أزمة التلوث وإيجاد حل لاستنزاف الموارد المائية بالمنطقة.

منذ سنة 2014 انضمت الحكومة التونسية للمبادرة الدولية للشفافية في الصناعات الاستخراجية [2](EITI) كما أعلنت وزارة الطاقة والمناجم رسميا في شهر ماي من سنة 2017 خلال مؤتمر صحفي عن الانطلاق في الإعداد لانضمام تونس للمبادرة وإتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز الشفافية في هذا المجال. مبادرة تم إطلاقها لأول مرة في سبتمبر 2002 من قبل  رئيس الوزراء البريطاني آنذاك خلال القمة العالمية للتنمية المستدامة في جوهانسبرغ، بعد سنوات من النقاش الأكاديمي، وكذلك الضغط من قبل المجتمعات المدنية والشركات، بشأن إدارة الإيرادات الحكومية من الصناعات الاستخراجية. فتم إنشاء المبادرة لتكون إجابة للمناقشات العامة حول ” لعنة الموارد ” . لكن وبعد سبع سنوات من الإعلان الرسمي عن الانخراط فيها واتجاه عدد كبير من شركات البترول في العالم خلال الآونة الأخيرة إلى الانخراط  في المنظومة العالمية للبيئة من خلال الاستجابة للدعوات الموجهة لها من طرف الهياكل والمنظمات العالمية الداعية إلى ضرورة الحفاظ على البيئة، إلا أن الوضع في تونس وتحديدا في تطاوين بقي على حاله مع المحافظة على نفس الأساليب الكلاسيكية لاستخراج البترول دون مراعاة المخاطر البيئية والصحية الناجمة عنها. وتعاني المنطقة حسب ما جاء في شهادات مواطنيها ونشطاء بيئيين من استنزاف واسع النطاق لمواردها المائية الجوفية مما أثّر بشكل مباشر على نوعية التربة فيها.

الحق في الصحة والبيئة السليمة مكفول قانونيا

ينصّ الدستور التونسي في فصله 44[3] على حق كل مواطن تونسي في التمتع ببيئة سليمة، وينصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[4] الصادر عام 1948 على الحق في الحياة، ثم يأتي العهد الخاص للحقوق المدنية والسياسية[5] الذي صادقت عليه تونس وينصّ على الحق في الحياة أيضا. لكن لا بد من النظر إلى هذا الحق من خلفية بيئية، فإذا كان حق الإنسان في الحياة يحتاج إلى حماية حتى لا يقع انتهاكه، إلا انه يحتاج كذلك إلى ظروف بيئية تكفل استمرار الحياة على الأرض، ذلك أنه دون هواء نقي وماء نظيف وموارد بيئية مستدامة يصبح وجود الإنسان أمرا مستحيل. لكن على أهمية  صدور تشريعات على المستوى الدولي والوطني لضمان الحق في التمتع بأعلى مستويات الصحة والعيش في بيئة سليمة إلا أن البيئة في صحراء تطاوين لا تزال تتعرض لتدمير ممنهج عبر إلقاء النفايات البترولية في الصحراء وغير بعيد عن المناطق السكنية مما أثر سلبا على الشبكة المائية.

مشاريع بقيت حبرا على ورق

في محاولة لتحسين الوضع البيئي بمنطقة الذهيبة برمجت الحكومة التونسية مشروعا لتحسين جودة المياه فيها ضمن برنامج التنمية المندمجة الذي أعلنت عنه المندوبية العامة للتنمية الجهوية التابعة لوزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي منذ سنة 2017، وبعد دراسة المشروع وتخصيص الميزانية اللازمة له والتي قدرت ب 650 ألف دينار وإشراف السيد رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد على توقيعه إلا أن أشغال المشروع لم تستكمل إلى حد اليوم وبقيت حبرا على ورق. ما يعكس إهمال الدولة لقطاع حيوي كالمياه في جهة تعاني استنزافا فظيعا للثروة المائية الجوفية.

 

خارطة موقع إحداث مشروع تحسين المياه [6]

مخطط مشروع تحسين الماء الصالح للشرب بالذهيبة

يبقى موضوع البيئة السليمة في تطاوين وغيرها من الولايات التونسية التي تعاني تلوثا واستنزافا لثرواتها المائية من قبل الشركات العاملة في مجال الصناعات الإستخراجية من الملفات الحارقة التي تستوجب تدخلا عاجلا من السلطات المعنية ومن المؤسسات المحمولة عليها قانونيا مسؤولية حماية هذا الحق مثل الوكالة الوطنية لحماية المحيط التي بدا تدخّلها ضعيفا في ظل أزمة التلوث التي تعيشها كل من الذهيبة والبرمة، وهو ما يحتاج إلى تفعيل حقيقي للقوانين والاتفاقيات الحامية للبيئة في تونس وخارجها وطرح هذه الأزمات على طاولة النقاش ووضعها ضمن الأولويات لما تكتسيه من أهمية اعتبارا وأن الحق في بيئة سليمة مساو للحق في الحياة.

https://emufeed.com/ar/article/3002

[1]

https://web.archive.org/web/20190819164320/https://eiti.org/history[2]

http://www.legislation.tn/sites/default/files/constitution/constitution.pdf

2

https://www.oic-iphrc.org/ar/data/docs/legal_instruments/Basic_IHRI/775283.pdf

[4]

https://www.unicef.org/arabic/why/files/ccpr_arabic.pdf

[5]

http://cgdr.nat.tn/ar/index.php

[6]